لقد كان التصور، كل التصور عن عقلية التيار الديني مختلف عما رأيناه ولمسناه منذ بداية الثورة السورية، فمجريات الاحداث في سوريا منذ نهاية السبعينيات من الهجوم العسكري لقمع تحركات الاخوان والقانون 49 الذي يحكم بالاعدام على أعضاء الجماعة و تزايد عدد المعتقلين والمفقودين اثرت على الجماعة ومناصريهم بالندم والندب على ما قاموا به من أعمال، ومنذ ذلك الحين تعيش الجماعة في حالة خجل سياسي واجتماعي وثقافي كاعتراف منهم بان خطأهم كان سبب الكارثة التي حلت بحلب وجسر الشغور وحماة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات بالاضافة الى اشتداد القبضة الامنية في عموم سوريا والتوغل أكثر في تفاصيل حياة المواطنين، مما اضطروا ان يكون خطابهم وتصرفاتهم معتدلاً ورغم ان اعتدالهم سبق اعتدال التيار الاسلامي التركي الذي استطاع ان يحكم تركيا بعد استفادة أردوغان من تحجر عقلية أربكان، إلا انه تبين بأن ذلك الاعتدال لم يكن إلا تنكراً و تزييفاً، ورغم ان الاعلام السوري غارق حتى النخاع في كذبه ونفاقه إلا ان بوق النظام السوري شريف شحاتة كان صادقاً ولو لمرة واحدة وربما تكون الأخيرة أثناء تصويره للمؤتمر بانه”قندهار”، لكنني لا أقول كما قال شحاتة اعتماداً على اللحى واللباس بل تبين بان المؤتمر في غالبيته كان أبعد من قندهار فكرياً.
مشكلة العقلية الطائفية المتخلفة العفنة التي اصبحت إشكالية في سورية هي مشكلة بنيوية ملامحها لا تدل على وجود نية لدى اصحابها في تجاوزها وما المناداة بدولة مدنية ديمقراطية تشاركية تعددية الا لبوساً لنوايا نائمة أيقظها الشارع السوري المنتفض.
لقد قصدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر اقصاء البعض الذين رغبوا في حضور المؤتمر وعملية الاقصاء المشينة تلك لم تكن اعتباطية أو نتيجة لعوامل معينة بل كان مدروساً ومخططاً، والجماعة يبدو على معرفة بالناشطين الكورد ومواقفهم ودرجة وعيهم وما يمتلكونه من القدرة على مناقشة كافة المواضيع السياسية والقانونية وخاصة ما يتعلق بالجانب الدستوري والدولي وحقوق الافراد والجماعات، واذا كان بين الطيف العربي السوري أسماءً أصبحت نجوماً في السياسة والثقافة فأنفي هذا كون أغلبهم نتاج ثقافة طائفية أو مذهبية مؤدلجة، ولم ترتفع نجوميتهم إلا على الأكتاف التي ترفعهم من أمريكان وبريطانيين وغيرهم بما يقدمون لهم من مساعدات وتسهيلات غير مجانية مع الاحترام لبعض الأسماء من أمثال الدكتور عبد الرزاق عيد، وأؤكد بأن بين الكورد سياسياً وثقافياً ووعياً معاصراً من ليسوا بمستوىً أدنى من مستوى نجوم التيار القومي العربي الشوفيني والديني المؤدلج.
وبالنسبة لمخطط الاقصاء يتوفر لدينا مؤكدات بان مجموعة من المستقلين الذين رغبوا في الحضور وكانوا من الموقعين على الميثاق عند صدوره وأسماؤهم موثقة على قائمة الموقعين ورغم الاتصال أكثر من مرة بريدياً، ومن ثم هاتفياً مع السيد محمد سرميني الذي كان في تركيا قبل المؤتمر والذي كان مكلفاً بقبول الاتصالات مع اثنان من رفاقه وهم وائل فرج ومحمد الشواف، وفيسبوكياً مع أشخاص آخرين من المعنيين بالموضوع إلا ان الجهد كان عقيماً، وأكثر من ذلك ان جهود ممثل تيار المستقبل الشريك الاساسي للتحضير لهذا المؤتمر أيضاً باءت بالفشل فقد اتصل هو أيضاً بريدياً وهاتفياً مع السيد سرميني كما وانتظر مكالمة من الدكتور عماد الدين الرشيد نتيجة اتصال رفاقه من الوطن مع الأخير لكن الاقصاء كان مقصوداً ومخططاً، وقد اقتصر الحضور الكوردي على مجموعة انطاليا ومجموعة تستطيع أخرى تستطيع حضور كافة المؤتمرات نتيجة ارتباطاتهم ولا أقول علاقاتهم مع بعض الشخصيات والاطر العربية على حساب شخصيتهم التملقية التابعة.
ونتيجة لمتابعتي لمجريات الأمور المتعلقة بالمؤتمر تشكلت لدي قناعة دون أن يعتريها أدنى شك بان عملية الاقصاء شملت الأفراد، وشملت تيار المستقبل الكردي شريكهم الاساسي في المؤتمر، كما وشملت الأفكار والطروحات وهنا كانت بيت القصيد في عملية الاقصاء، وعندها أبديت رأيي لممثل تيار المستقبل المقصي بأنه يتوجب على التيار أن يكون على علم بأن ما يجري هو مخطط ويتوجب على التيار أن يصدر بياناً بانسحابه من هذه المؤامرة وكان ذلك في يوم 14/7/2011 أي قبل المؤتمر بيومين، وبما ان الاشخاص بذواتهم ليسوا محلاً للاجرام قانونياً، بل الأفعال، فان أفعال الصبينة السياسية التي يتمتع بها تيار المستقبل ستؤدي به الى نهايته المحتومة إن لم يتدارك أفعاله هذا، كما وان لامبالاتهم، واصرارهم على حضور ممثلهم للمؤتمر، دون متابعة ما يدور حولهم، أعمى بصيرتهم وأوقعتهم بالفخ المنصوب لهم.
والصفة المميزة للمؤتمرات الراهنة هي كشفها عن حالة انفصام الشخصية لدى الكثيرين فترى أحدهم ينتمي الى إطار آخر غير متفق يحضر إما بصفة مراقب أو بصفته الشخصية دون أن يمثل إطاره أو تنظيمه، حتى أصبحنا في حالة يستطيع المرء أن يحضر أماكن الموبقات كافة ويصرح بان حضوره كان لكذا وكذا وذلك حسبما يريده هو، هذه الحالة التشتتية شخوصياً وفكرياً وثقافياً ومبدئياً وموقفاً ليست هي الحالة المطلوبة وليست هي الحالة الصحية التي تنقذ سوريا، ولا تستطيع ان ترسم لسوريا خارطة طريق تؤدي بها الى دولة قانونية تكون السيادة فيها للشعب بقومياته العربية والكردية والآثورية وأقلياتها الأخرى.