هجاءُ الخطابِ الأنويِّ

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

بعيداً عن التوغل في أنواع الأنوية، فلسفياً، الميكافيلية منها، أو الأخلاقية، أو الذّاتية، وغيرها، وبعيداً-كذلك- عن دراسة الأسباب التي  قد تدفع ببعضهم- أحياناً-للوقوع في فخّ هذه الآفة، المستعصية على العلاج، و لاسيما عندما  يبلغ تضخم “الذّوات” لديهم، لدرجة التوهم بأن الذات قد غدت عند من انزلق إلى  أسفل مهاوي هذه العاهة، البشعة، بأنها هي مركز دوران العالم، برمته، بل ربَّما يشطُّ الخيال الواهن به، للتوهم بأن الكرة الأرضية، إنما تدور كرمى له، وأن الشمس تشرق في أول كل صباح، من أجله وحده، وأن أنهار العالم برمته، تجري إلى مواعدها، من أجله، وأن ورود العالم كله تفتح بتلاتها من أجله، وأن أيَّ مساس بهذه الأنا، ولو من قبيل النقد، ليعدُّ انتهاكاً بنظام الكون، بكامله.
إن أية قراءة في أحد النماذج المتفرِّدة، في تضخم أناها، تبين أننا-بحق- أمام حالات مرضية، صارخة، تستدعي ممن حولها، التعامل بمنتهى الحكمة، معها، ولاسيما أنها لا يمكن أن تتقبل أي ضرب من النقد، بكل تدرجاته، حتى وإن كان يتناول سلوكاً “بادياً” في شذوذه، لا يمكن إخفاؤه البتة، لأن الموازين تنقلب لدن  ضحايا هذه الآفة، رأساً على عقب، بحيث تصبح نزوات الذات، وخيالاتها السقيمة، وأهواؤها المنفلتة، برنامج عملها، ونظامها الداخلي، وإن كان مثل هذا البرنامج، أو النظام الداخلي، غير مستقرين، على حال، شأن شخصيات هؤلاء الضحايا، الشذَّاذ، الأفاقين، ممن يمحورون العالم، بحسب أمزجتهم، ومنافعهم، من دون أية مراعاة، للآخرين، من حولهم، بل ومن دون أيِّ اكتراث، بأية نواميس وأنظمة  متفق، أو متعارف عليها.

ومشكلة الأنموذج المصاب بفايروس الأنوية، في وجهها المنفِّر، المفرِّط، أن لا قرار يمكن الارتكاز عليه، سواء أكان في تعامله، مع من حوله، أو في تفاعل هؤلاء معه، فما هو مقبول لديه اليوم، مرفوض في الغد، وهكذا دواليك، ما يجعل رؤيته ضبابية، وأحكامه هوجاء، مجانية، اعتباطية، رعناء، إذ يرفض الإذعان لأي قانون، خارج دارة أهوائه، ومزاجه المتحوِّل، والمتقلِّب، غير المستقر على حال، بيد أنه -في المقابل- يطالب كل من حوله الإذعان لأطروحاته، أية كانت.

أجل، إن هذا الأنموذج، قد تكون خطورته قليلة، ضمن حدود دائرة جدّ ضيقة، في ما لو كان مجرد كائن عادي، وقد تنحصر وتنعكس مضارُّه ، عليه، وحده، فحسب، إلا أنه ليشكل حالة كارثية، إن كان ممن يمتلكون القرار، ليكبر محيط إساءاته، بقدر سعة هذا القرار، الممتلك من قبله، إذ يجد أنه في مركز يخوله فرض أحكامه على سواه، والأكثر خطورة، أن يكون هناك من تتلاقى مصالحه، الموقوتة، مع مصلحة هذا الكائن، الزئبقيِّ، غريبِ الأطوار، وهو ما يجعله يعيثُ فساداً، ويمعنُ في الجور، والظلم، والعنف، وتسفيه الآخر، في رؤاه، وفكره، وسلوكه، مهما كان هذا الآخر صائباً، في كل ذلك.

وحقاً، فإن مسؤولية المحيط، تكمن في التنبه من خطورة هؤلاء المرضى، أية كانت مواقعهم، والتعامل معهم بمنتهى الحساسية، والحذر، لأنهم أحوج إلى الشفقة، والعطف، وضرورة وضع الإصبع على مكامن أمراضهم، وتشخيصها، من دون أية مساومة، لئلا تتفاقم أحوالهم، فيلحقوا المزيد من الضرر، بمن حولهم، وهذه هي مسؤولية –عامة- لا يمكن التهاون إزاءها البتة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين

قبل يومين استمعت الى ندوة تلفزيونية في احدى الفضائيات حول الوضع المتفجر في لبنان ، عندما رد احد الناشطين اللبنانيين من المعارضين لمشروع حزب الله ، والداعين الى التغيير بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ، واستلام الجيش لزمام المبادرة ، وإعادة الاعتبار لشرعية الدولة ، وسحب السلاح من الميليشيات ، وانتخاب رئيس للجمهورية ، على…

غزالة خليل

منذ عدة ايام بدأت الحملات الدعائية لأجراء الانتخابات البرلمانية للدورة القادمة في اقليم كوردستان العراق التي ستجرى في 20 اكتوبر تشرين الأول .

تأتي انتخابات هذه الدورة في ظل ظروف اقليمية ودولية معقدة، كما يشهد الاقليم نفسه جملة من النزاعات الحزبية المختلفة و يلاحظ من هنا شدة التنافس بين الفرق الدعائية ويحاول كل حزب بكل…

عبداللطيف محمدأمين موسى

إن عقلية الصراع في سورية تتمثل في تجسيد حقيقي لتنفيذ كافة الأجندات والخطط الأستراتيجية لسياسة التحالف والمحاور التي تشكلت نتيجة الصراع العالمي على توسيع النفوذ والتنافس على التبعية والسيطرة الفكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية من خلال العولمة لتشكل الصورة الحقيقة للصراع الحديث على السيطرة وتنفيذ الأجندات. مما لاشك فيه أن شكل الصراع شهد تطوراً…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

المقدمة

تتزايد الحساسيات تجاه “إيران” يوماً بعد يوم. والسبب في ذلك ما يلي:

أولاً: أصبح نظام ولاية الفقيه على حافة الانهيار على يد الشعب ومقاومته، وتحيط به أزمات قاتلة.

ثانياً: يستعد الشعب ومقاومته لاتخاذ الخطوة الأخيرة لهزيمة الدكتاتور.

ثالثاً: إن المجتمع الدولي قد تجاوز المرحلة الحرجة في مسألة “إيران”، وقرر الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ودعم مقاومته…