كل الخوف هو أن يصبح الفوضى واللا ـ تنظيم سمة بارزة للمرحلة المقبلة على عكس ما كان يتفاءل به البعض بعيد الأحداث وقد يصبحان سببان أساسيان في تخلفنا عن أي تطور محتمل في المستقبل وعدم جني نتائج مرضية إذا ما بقيت الحالة الراهنة على حالها.
العامل الأهم في سيادة اللاـ تنظيم وفوضى الحراك هذه الأيام هو غياب الرأس المؤهل والقادر لإدارة المرحلة كما ينبغي في الوقت الذي يتحتم على الكرد أيضاً التمسك بفكرة التنظيم بسبب ما يعيشونه من التشتت والفوضى التي تهدد أسباب وجودهم.
فعندما نشأت فكرة التنظيم لدى مثقفي الكرد في بداية القرن العشرين كان الهدف هو تجميع طاقات وقدرات الشعب الكردي من أجل غاية ومطلب حقوقي قومي.
ولكن مع مرور السنوات وتخلف النخب القائمة من انتهاج سلوك قيادة تاريخية وعدم إدراكها لمتطلبات المرحلة وتحملها لمسئولياتها دب الخلل في التنظيم فتحولت الكثير من الأطر المتشكلة إلى هياكل تنظيمية فارغة من محتواها التي نشأت من أجلها مع خواء شخصية الأفراد المنتمية.
فانتاب الضعف والتمزق هذه الهياكل شيئا فشيئا حتى بات المرء لا يعرف وجود التنظيم من عدمه، وصارت الكثير منها تدار على أسس واعتبارات شخصية إلى أن ابتعد التنظيم من الغاية التي نشأ من أجله وعن حقيقة أهدافه وتجاهل مشاعر الشعب الكردي وإرادته واتبع التقليد كمنهج في الإدارة والتنظيم ومن ثم بدأت مسيرة التشتت والتمزق والتناحر والصراع الداخلي في جسده وسار التنظيم الكردي يسير من ضعف إلى ضعف .
إن وجود الكرد هو دائما وأبدا رهن مقومات وجودهم التاريخي وتكون مسألة الحفاظ على هذه المقومات أمر لا بد منها ، لذا لا يكفي أبدا أن يعرف الكرد كيف يكونوا وكيف يجب أن يكونوا، بل يجب عليهم السعي إلى تحقيق هذا الوجود من خلال الحفاظ على تلك المقومات والعوامل وتنمية ثقافة الهوية كي يمارسوا حياتهم حسب تقاليدهم ونواميسهم وأخلاقياتهم التي تمايزهم عن الآخرين.
فلن يكونوا باستطاعتهم النهوض بهذه الفلسفة بشكل تنظيمي جديد ما لم يبتعدوا عن الشكل القديم في العلاقات البينية والثقافة التي كانت وما زالت سبب تشتتهم وضعفهم .
فمن يزرع الزيوان سوف لن يحصد إلا الزيوان وبالمثل هي زراعة الأفكار فبث ثقافة التشتت واللاـ تنظيم والفوضى بين الكرد سوف لن تكون الثمار سوى الفرقة والفساد والصراع الجانبية فكل ثقافة لا تنتج إلا سلوكا منعكسا لها .
من الخطأ التفكير وعقد الآمال على المناهج المضطربة والتفكير الارتجالي وأفكار مثقفي الصورة ذات الطابع المزاجي ولا على التنظيمات غير المنظمة وغير المنضبطة في الحراك الراهن لتحقيق شيء عملي كون هذه النماذج لا تمتلك منهج عملي وأدوات جديدة وأسلوب نضالي عصري تتماشى مع متطلبات المرحلة وإن تعدد التسميات والبرامج النظرية ليس لها معنى بالرغم من تأرجحها بين اليمين واليسار وما صنعه الحداد بينهما من تسميات ومصطلحات وهي التي وضعت لنفسها مرابط تعيق حركتها دون أن تدري بنقل الشعب الكردي من حالة القعود إلى النهوض والحركة الجدلية والبحث عن الذات.
إن الكثير من القوى السياسية إن لم تكن كلها التي تشغل الفضاء السياسي لم تستطع تحقيق إنجازات ملموسة من خلال قدراتها الذاتية وتعتقد أن مصيرها هي دائما رهن القدر والظروف الموضوعية وبحاجة إلى تدخل قوى إضافية لتفعيلها وتحريكها لمجاراة المرحلة وتذليل العقبات التي تجابهها دائما حتى وإن استسلمنا للقول بأن هناك قوى مضادة تقوض عملها لذا تبقى المهمة الأولى للنخب الكردية ليست إقامة شكل تنظيمي جديد متماسك بل القضاء أيضاً على الشكل القديم ونبذ منهج التحزب والانتماءات الخاصة حيث من المستحيل بناء الجديد بالتعايش والاتفاق مع القديم البالي مهما كانت إنجازات هذا القديم .