فلا تزال البنية الفكرية والمنهجية للخطاب تعتمد في عناصرها البنيوية على النمطية ,تغلب عليها الطابع الخبري والعرائضي والشكوى والتقابل المضاد بين الحداثة والتراث، أو بين الحداثة والتقليد في الفكر الكردي المعاصر، مستوضحا تارة ومنتقدا تارة أخرى.
ولا زالت ثقافة الحداثة بنظر البعض لها مشاكلها وتحدياتها على الصعيدين الشخصي والمجتمعي لأسباب متعلقة بتخلف المجتمع وأميته ومستواهم الفكري والمعرفي وركود الحراك السياسي بالرغم من إغراءاتها وجاذبيتها لدى عدد من كتاب الكرد للبروز والشهرة وفي الوقت الذي يكون للتراث الكردي تـثاقلاته وتعثراته والمشكلة كلها تكمن في كيفية تمثل المثقفين والكتاب للحداثة و التراث معا .
فإذا كانت الحداثة عند جلهم إن لم نقل كلهم مطلبا حيويا وشرطا أساسيا للنهوض بالحالة الكردية والانخراط والسقوط في العصر فإلى أي حداثة يجب أن نتجه ومن أي تراث نتحرر و كيف نتحرر؟ تلك هي المسألة الأساسية ومسؤولية المثقف الكردي.
ففي مسألة الحداثة لم يتعاط الفكر الكردي المعاصر من خلال مثقفيه “إذا جاز القول بوجود هذا المثقف “مع معضلة الحداثة في الكثير من الشؤون ومجالات الحياة التي لا بد للمثقف الكردي من تخطيها وتحديث المفاهيم عنها ، علما بأن الحداثة ليست وصفة جاهزة أو عصا سحرية للانخراط في الشرط المعاصر بقدر ما هي مخاض عسير يستوجب ولادة قيصرية بعد ضخ أفكار وثقافة جديدة تتجاوز التراث المعطل للطفرات الاجتماعية والتأسيس للرأي.
حيث يمكن الحديث عن مشكلة الحداثة و التباسها عند النخب الفكرية والثقافية من خلال مدخلين للانخراط في العصر و لولوج العالم الحديث وهما التاريخ والدولة حيث الأول ملتبس والآخر غير موجود .
فبالأول يتيسر تصويب الوعي التقليدي المغترب و المستلب من طرف الوعي التاريخي أو ما يسميه بالتاريخانية في أفق الانقشاع الأيديولوجي أو تبدد الأيديولوجية.
ثانيـا لا حـداثة بدون دولة حديثة على غرار الدولـة القوميـة إذن هناك عنصر أو مدخل مفقود أو غير موجود لذا ستبقى مسالة الحداثة كسيحة وبرجل واحد .
فما يميز هذا الجيل الجديد من المثقفين الكرد أيضاً مثل أسلافهم هو ضعف الجرأة وضعف محاولة التملك الفكري والمنهجي للأسس الفكرية والثقافية للحداثة .
فمع التملك والجرأة يمكن أن يجتاز الوعي إلى عالم التطور والتغيير و كذلك معرفة الأسباب والعوامل التي حالت دون تعامل الرواد الأوائل من النخب الكردية مع الأدوات الفكرية والمنهجية الكفيلة بتحقيق التحرر من ربقة التراث المعوق للتقدم.
فما هي الحيل الفكرية والمناورات العقلية التي يمكن استعمالها للالتفاف عليه، ولماذا لم يمكنهم تلك الأدوات من التخلص منه مع العلم أنه يقيم فينا نفس التراث والثقافة حتى الآن، ونسكن فيه الذي هو بمثابة عالم من الرموز والاستعارات التي نحياها، إنه لا شعورنا الدفين وعقلنا الباطن فهل نستطيع عنه فكاكا وهل يمكن نتخلص منه بقرار شخصي أو جماعي بينما نعلم أنه يظل مقيما في مكبوتاتنا.
تلك هي الأسئلة الكامنة في نفوسنا ويمكننا أن نختصر مدار المسألة في التراث ونحن أو نحن والتراث وكيف يشتغل التراث في عقلنا (بنية العقل الكردي) وأخلاقنا (العقل الأخلاقي الكردي) وسياستنا (العقل السياسي الكردي) لأن من شأن نمط تلك الآليات في تحكم الأنساق الرمزية التي تقطن فينا.
وسيبقى معرفة التراث ونقد جوانبه البالية سبيلا ومدخلا لولوج العقل والفكر إلى عالم البديل العصري وسيكون شرطا هاما من شروط الحداثة في الفكر والتفكير ونمط وطبيعة الثقافة المنتجة وأن محاورة التراث وفك طلاسمه وقراءته بكيفية عصرية ونزع قداسته وخاصة التراث السياسي منه وقطع الطريق على القراءات المغرضة المستثمرة للنزعات اللاعقلانية والوصول إلى نزع المعقول عن اللامعقول في التراث على نحو يمهد للدخول إلى عصر الفكر والتفكير الحديث .
وأخيراً لا بد من االتذكير : إن سيرة وتاريخ أي شعب يعرفان من خلال سيرة رجاله العظماء من الشعراء والكتاب والفنانين والقادة الاستراتيجيين والفلاسفة والمفكرين الذين هم بمثابة العقول النيرة والمدبرة والعيون الساهرة الحقيقية لشعوبهم في كل الأزمنة, ومن مقدرة هؤلاء الرجال في إدارة الجماعة بشكل حسن بامتلاكهم الصفات والمزايا التي جعلت منهم قادة حقيقيون في عملية التغيير والبناء وتجاوز الصعاب .