السيناريو الأكثر احتمالاً لسقوط النظام في سورية

د.

آلان كيكاني

دأب النظام في سورية منذ اندلاع الاحتجاجات ضده على استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين العزل لدرجةٍ يخيل للمتتبع أنه لا يفكر بخط رجعة ولا يعير اهتماماً لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المستقبل من احتمال تعرض عائلته وطائفته لأعمال ثأر وانتقام , فاستخدم الدبابات والمدافع والسفن الحربية ومقذوفات متفجرة تنفجر عند إصابة الهدف وتفقع جماجم المتظاهرين , وقتلَ الأطفال ومثلَ بجثثهم وفقأ العيون وجز الحناجر المنادية بإسقاطه .

وما من شك أن النظام يرمي بذلك إلى زرع الرعب في قلوب المواطنين كي لا يخرجوا للتظاهر بل ويحرسوا أبناءهم لألا يقوموا بالتظاهر هم أيضاً.
الرئيس وإذ يقوم بعمله هذا , وكي نسمي الأمور بمسمياتها , فهو محاط بطائفته وبعض المتنفذين والمستفيدين من وجوده من أبناء الشعب السوري من الطوائف الأخرى .

والتفاف الطائفة العلوية حوله واستماتتها على الحفاظ بالسلطة يهدف إلى أمرين اثنين :
أولهما الحيلولة دون فقدان المكتسبات والامتيازات اللامحدودة التي نالتها منذ استلام الرئيس حافظ الأسد السلطة في سبعين القرن الماضي وازدادت هذه المكتسبات بعد أحداث حماة في سنة 1982 وخروج الأسد  منتصراً فيها , حيث بات الموظف العلوي البسيط في دائرة ما يحل ويربط أمور الدائرة أكثر مما يفعله مديرها المنتمي إلى طائفة أخرى , ويذكّرنا شأن الموظف هذا بشأن ورقة الطرنيب في اللعبة الشعبية المعروفة لدى العامة ف (جويزة الطرنيب) تقهر الآس والختيار من النوع الآخر من الورق , وهكذا حكم الشرطي العلوي البسيط منطقة مثل ديريك وعفرين والبوكمال قافزاً فوق مدير المنطقة وقائد شرطتها .

ناهيك عن المزايا الاقتصادية التي منحت لهذه الطائفة في ظل حكم أبنائها , وعائلة مخلوف خير مثال على ذلك .
وثانيهما الخشية من انتقام الطوائف الأخرى التي تضررت من حكم هذه الطائفة في حال سقوط النظام , وأحداث حماه والجرائم التي ارتكبت فيها لا تزال حاضرة في أذهان شرائح واسعة جداً من أبناء الشعب السوري , إذ كيف يمكن أن ينسى أحدٌ أخاً أو أباً له اقتيد من بيته في وضح النهار في بداية ثمانينات القرن الماضي وهو لا يزال في انتظاره حتى الآن ولا يعرف عنه شيئاً : أَهو دُفن في صحراء تدمر أم لا يزال في السجون وقد هرم فيها ؟ .

وكيف للطائفة العلوية ألا تخاف وقد تعرض أبناؤها لشتى مظاهر الاضطهاد من قبل أهل السنة عبر تاريخهم , فصلاح الدين الأيوبي قضى على دولتهم الفاطمية بدواعي طائفية بحتة وضربهم بيد من حديد وشتتهم , وشيخ الإسلام ابن تيمية اعتبرهم مرتدين وأفتى بقتلهم , والترك اجتثوهم من حلب ليولوا الفرار إلى قمم الجبال في الساحل السوري وامتداده من الساحل التركي ليحتموا بها من كيد المعتدين , ناهيك عن المد الأصولي في سورية  في السنوات الأخيرة وهو أمر كان العلوي يتوجس منه خيفة وهو على رأس السلطة , فما بالكم وهو خارجها ؟
كل من عاشر أبناء هذه الطائفة في الجيش والمدرسة والجامعة والمعمل وكل من جاورهم عائليا ورافقهم في سفر أو حل ضيفاً عليهم يلهج بطيبتهم وبساطتهم وكرم خلقهم وسعة صدرهم فهم بعيدون عن التطرف الديني ومعتدلون في الانتماء القومي , وفي غالبيتهم العظمى مسالمون يحبون الهدوء والسكينة والتمتع بالحياة دون تعقيدات دينية أو طائفية أو ثقافية أو أثنية , وما قام به آل الأسد من تنظيم المجرمين والزعران في هيئة شبيحة يهربون الدخان والسلاح في السابق ويعذبون المتظاهرين ويقتلونهم في الوقت الحالي لا يمت إلى الطائفة بصلة , وقد كان جل من قام ويقوم بذلك هم من أبناء الطوائف الأخرى كأدوات في يد آل الأسد .


إذاً غُرِرَ بأبناء الطائفة العلوية من قبل آل الأسد , وقد اعتقدوا أن هذه الامتيازات الممنوحة لهم ستدوم إلى ما لا نهاية في ظل صمت مطلق للطوائف الأخرى وسكوتها على الضيم , ومن يتهرب من الخير ؟!
يخطئ من يعتقد أن هذه الطائفة تتصرف دون أن تترك خطاً للرجعة , فأبناؤها ومشايخها ووجهاؤها أذكى من أن يقعوا في مثل هذا الخطأ الفادح , ولا بد أن لديهم سيناريوهات ستبرز في الوقت المناسب لإنقاذ الطائفة عندما يسد طريق الاحتفاظ بالسلطة أمامها .

فهي – حسب رأيي – ستلجأ في القريب , وعندما تستفحل الأمور أكثر , إلى أن تكون الحل وليس المشكلة , وسيقوم أبناؤها بالاتفاق على خطة انقلابية ضد حكم الأسد , وقد يكون بالاتفاق مع هذا الأخير , في سيناريو أو لعبة يتخلى فيها الأسد عن السلطة لأحد قادة الجيش من الطائفة على أن يكون خروجه وحاشيته المقربة مؤمَّناً ومضموناً واحتمال تعرضهم للمسائلة فيما بعد قليلاً , وهكذا يظهر الضابط الانقلابي بمظهر البطل المنقذ للبلاد والعباد وسيحكم إلى أجل مسمى حيث تقوم انتخابات برلمانية ورئاسية .

والطائفة ستجني عدة مكاسب من عملها هذا :
أولها : تبرئة ذمة الطائفة والحيلولة دون حدوث أعمال انتقام بحقها على أنها هي التي اسقطت النظام .


وثانيها : جلب انطباع لدى العامة من أبناء الشعب السوري بأنها طائفة وطنية سورية ويهمها شأن الوطن والمواطن بعدما أصبحت هذه الوطنية على المحك نتيجة ما فعله أبناؤها من إذلال المواطن السوري بطريقة بشعة ومهينة لا يقدم عليها أشد الأعداء حقداً وشراسة .


وثالثها : الاحتفاظ قدر الإمكان بمكتسباتها والحيلولة دون تجريدها منها .


لهذه الأسباب سينقلب العلويون قريباً على الأسد الذي بات عبئاً عليهم .

يبقى هذا رأياً  نظرياً فيما ستؤول إليه الأمور في سورية , وقد ظهرت بوادر هذا الحل أمس بتوقيع بعض مشايخ العلويين على بيان يدينون فيه ما يقوم به النظام ضد الشعب السوري ويتبرؤون من أعماله ويدعون أبناء الطائفة إلى الالتفاف على الثورة .

وبرأيي أن هذا السيناريو , إن حدث , سيكون الأنجع لأنه سيجنب سورية الكثير مما لا يحمد عقباه .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….