والأمر نفسه ينطبق على جمعة آزادي ” الحرية” حيث تسللت هذه الكلمة الكردية لأول مرة على مسامع شريحة واسعة جداً من الشعب السوري، ولا يعرف الكثير من السوريين من اللغة الكردية غير هذه الكلمة آزادي = الحرية.
كذلك الأمر بالنسبة لجمعة حماة الديار في دلالة لدعوة الجيش السوري الوقوف على الحياد وعدم قتل المتظاهرين، أو الانخراط مع الجماهير المنتفضة، وأيضاً جمعة الشيخ المجاهد صالح العلي قائد ثورة جبال العلويين النزاعة مع غيرها من الثورات والانتفاضات السورية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ضد المحتل الفرنسي.
وكانت تسمية جمعة العشائر رغبة من القائمين بدخول العشائر السورية على خط الانتفاضة، باعتبار أن شرائح اجتماعية كثيرة في سوريا مازالت مؤمنة بموضوعة العشائر باعتبارها شكلاً ” راقياً” للتسامح والإلفة والتعاضد بين أفراد المكون العشائري.
والحديث يطول في استفاضة سبب تسمية جُمَع السوريين.
على الخط الموازي، لم يتوانَ إعلام النظام في استنفار الضيوف في الاستديوهات المركزية وفي المحافظات لإفراغ تسميات هذه الجُمع من محتواها بأي شكل” وهذا حقه الطبيعي”، وتبدّى هذا النشاط أكثر ما تبدّى في جمعة الشيخ صالح العلي، حيث أجري حديث مطول مع عدد من آل الشيخ، وصدر بيان من العائلة تستنكر استغلال اسم العلي في تسمية الجمعة باسمه، وعلى الطرف المقابل لاقت هذه التسمية امتعاضاً من آخرين رأوا أنه لو كان التفكير بتكريم المجاهدين الأوائل لكان سلطان باشا الأطرش هو الأولى بتسمية يوم الجمعة باسمه.
وتبين لهم أن العزف على هذا الوتر لا يفيد الثورة في شيء.
كذلك حازت جمعة العشائر أيضاً على كثير من الاختلاف حتى بين الجماهير المحسوبة على الاحتجاجات، وهذا ما تبدى في مواقف المثقفين السوريين على وجه التخصيص الذين لاحظوا في هذه التسمية إهانة للمكون المدني والحضاري للشعب السوري، وأن الحنين إلى المكون العشائري ال” ما قبل الدولة الوطنية” وهو تعبير عن حالة الفئوية المجتمعية والنأي عن الحالة المدنية، المفترض أنها أحد أهداف الثورة في سوريا.
حيث تمّ تخصيص يوم الجمعة للعشائر انتصاراً لمحافظة دير الزور، شرق البلاد، حيث تتركز غالبية العشائر البدوية السورية، ومازالت الثقافة العشائرية هي الطاغية هناك.
الحماية الدولية:
وفيما يخص الجمعة الأخيرة” جمعة الحماية الدولية” فقد لاقت التسمية لغطاً كبيراً بين المعارضة والموالاة أيضاً.
فالمعارضة فشلت في إقناع الموالاة بأن قصدَها من هذه التسمية ليس دعوةً صريحة أو حتى مضمرة للتدخل الخارجي كي يأتي حلف الناتو بمعية مجلس الأمن أو دونه” بلا منية روسيا” بأساطيله وبوارجه الحربية ليدكَّ دمشق دكاً، وليقضي على النظام القائم” والشعب معاً”
وجهدت المعارضة بأن القصد من ذلك هو حماية دولية” أي إيفاد مراقبين دوليين” كي لا يقع المزيد من القتل بين صفوف المحتجين، ” هذا أمر غير معقول لأن جماعة الحماية الدولية أو المراقبين لا يتحركون إلا بقرار أممي صادر من مجلس الأمن، وأيضاً صعوبة تحركهم ومراقبتهم للأحداث هنا في ظل توتر الأوضاع راهناً، وبالتالي صعوبة حماية حياتهم”
لم تقنع هذه الحجة الموالاة التي رأت أن ما يُسمّى بالمعارضة ،أو المعترضين بحسب بعضهم ارتهنوا قرارهم للتدخل الأجنبي، وانكشفوا وبان عريهم، أضفت على المعارضة كل الصفات لعل أبسطها الخيانة، وادّعى هؤلاء أن ما كانوا يتخوفون منه حصل، وظهرت حقيقة المعارضين أو المعترضين السوريين الذين يريدون أن يجوبوا شوارع دمشق على دبابة المحتل الأمريكي أو الأوربي مثل المعارضين العراقيين، وكأن هذه التسمية ” الحماية الدولية قد جلبت هذه الأساطيل فعلاً إلى أرض الوطن..
سوريا.
وفيما يخص الشعارات التي تطلق في المظاهرات فبإلاضافة إلى أن الكثير منها يحتوي على عناصر الفكاهة والدعابة، لكن الكثير منها أيضاً مسيء، ولا يعبّر عن ثقافة ورقي شعبي معين، فبعض هذه الهتافات مخدّش للحياء العام، وفيه من السباب والشتائم ما فيه، وهذا لا يليق بمجموعة بشرية تنشد الخلاص والحرية وما شاكلهما.
وهنا يأتي دور منسّقي هذه الاحتجاجات ومنظمي المظاهرات” المثقفين الواعين” لئلا تخرج هذه الشعارات عن الدور المطلوب منها أداؤه.
في النهاية تسميات الجُمَع وهتافات الجماهير السورية في الشوارع والمدن والبلدات السورية فيها بعض الارتباك والتسرّع، وينبغي الإسراع لتدارك هذه الأخطاء رغم كونها صغيرة مقارنة مع الأخطاء النوعية الأخرى الحمراء القانية.