الحماية الدولية – معان ودلالات

عبدالقادر بدرالدين

ليست الانظمة الدكتاتورية وحدها بحاجة الى حماية دولية فحسب, بل ايضا شعوبها وارضها وسماءها, لا وطن لنا من غير حماية , ولا حياة خارج انظار العظمى, ولا نجاح لثوراتنا دون سبات “الفيتو” ومشتقاته, كل شيئ في هذه الاوطان مكسور الجناحين, لا عين ترى ولا اذن يسمع, نفطنا لا يجري ولا يباع, والزرع لا ينمو ولا يصدر, وشمسنا لا تشرق ولا تغيب الا بارادة دولية!, كل المؤتمرات والندوات والخطابات والقرارات لا ترى النور من دون سيادة دولية, بتنا تدويليين لا وطنيين, الهرولة والمزاحمة جار على قدم وساق بين النظام والمعارضة, في سباق ماراتوني فظيع, نحو العواصم العالمية, حيث يتوددان كل منهما السند والحماية في كنف مظلتها,
 الهدف واحد من حيث الشكل وهو حماية السلطة القمعية من الارهابيين والخارجين عن القانون! او حماية الثورة من القمع والتنكيل, لا خلاف على التكتيك ولا جدال على الثوابت فيما بينهما, لا تدخل دولي في شؤوننا الداخلية ولا هبوط عسكري على اراضينا, يسقط الاستعمار, واسرائيل عدوتنا اللدودة, وتحرير الجولان غاياتنا!!, الكل او الاثنين يعملان من اجل الشعب والجماهير والطبقة الضائعة..

كلاهم وقودهم الشباب من دون الاربعين, عسكر النظام وعسكر الثورة من نفس الفئة, حيث وزعت بين المعسكرين, انها حرب طاحنة تدور رحاها بين الخمسة والستين في المائة من المجتمع السوري, هم ضحاياها وهم شهداءها وشرارتها, ما عداها خارج دائرة الحلبة, المعارضة بخارجها وداخلها والاحزاب بيمينها ويسارها والمستقلون بشيوخها و نساءها, متفرجين وراكضين خلف الثورة يستظلون بظلها, وتتلحف بقصصها و مآثرها حتى تأخذها النوم, ونفيق ليت كنا لا نفيق على ضرب البشر و قلع كل عضو نادى بالضد او حدق بعنف او بال على مقدس!, شهداؤهم يتكرمون بالمال والموسيقى, وهم احياء عند ربهم يرزقون, اما قتلانا يدخلونهم(بضم الياء وشد الخاء) جهنم وهم احياء, بآلات التعذيب وقطعهم اربا اربا, ومن ثم رميهم في النهر الذي عاصى التوجه الى قبلة الجنوب مخالفا وعاصيا بوصلة وتقاليد مسارات انهار الدنيا, كل عاص مصيره العاصي!.

شئنا ام ابينا, ان المنطقة برمتها في رهن الحماية الدولية, مستقرة كانت ام منتفضة, كالبقرة الحلوبة والتي تحتاج الى من يرعاها و يغذيها طمعا في حليبها او كسبا في وليدها, هذه الحماة من الدول ايضا مختلفة على الاستحقاقات حول حصتها من الكعكة والتي ستتألف من جديد بنكهتها و طعمها و حجمها و حتى في شكلها, و عندئذ قد تتغير مواطئ القدم في جغرافية حماتنا, وقد تتبدل اساليبها في النصح والمشورة, ليس المهم من الغالب ومن المغلوب, ليسوا في عجلة من امرهم, في النهاية تبقى البقرة كما هي في حاجة الى المزيد من الرعاية والاهتمام, والى يد او آلة تمسك بحلمتها لتدر الهدف المطلوب.


الم تكن هذه الشعوب المنتفضة يوما ما, بارضها و عليائها تحت الحماية العثمانية؟, كم انتفاضة اندلعت وتمردات وقعت في زمن “عثمان”, وهتفنا الاستعمار على الحماية والنجدة, الم تكن اجدادنا هم الذين قادوا الثورات والانتفاضات في كل ارجاء سوريا من شمالها الى جنوبها و من شرقها الى غربها ضد المستعمرين والانتدابيين! وها نحن نطلب مجددا حمايتها و مظلتها المريحة جدا !!.
من الافضل ان نطلب من الامم الجائعة, ان يتركوا شأننا, وان لا يساهموا في رسم مصائرنا, الشعب والنظام سيحسمان امرهما في النهاية, وعلى قول الشاعر: اما حياة تسر الصديق واما ممات تغيظ العدا, دعونا نصنع تاريخنا بأيدينا, كي نستطيع ان نقبض على قوانينه, ونظل اسياد انفسنا وعلى الواقع والوقائع, بالتحدي نحن قادرون التغلب على المعوقات التي تعترض طريقنا, لان التحدي وحده هو مبعث الامل و مصدر انبعاث القدرة والحماية الذاتية, الحنين الى الاستعمار امر مدهش للغاية, والتسليم الى قبول الانتداب من جديد ايضا امر مخجل, والدعوة الى الحماية الدولية مسألة فيها جهل و عجل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…