إبراهيم اليوسف
لكم كانت مفاجأتي كبيرة، وأنا أقرأ عبر وسائل الإعلام، أن الشاب عبد السلام يوسف عثمان، قدم للقضاء العسكري، في مدينة قامشلي، بدعوى أنه قام بالاعتداء على السلطات السورية.
كثيراً ما حاولت أن أستوعب الأمر، فلم أتمكن البتة، لاسيما وأنني أعرف الشاب “سلام” الذي يعاني شللاً منذ لحظة ولادته، حيث طرفاه السفليان مشلولان تماماً، و هو حال كلا طرفيه العلويين، وإن كان في أحدهما شيء من الحياة يكفي لرفعه، والإمساك بمقود دراجته التي لا يمكنها التحرك، إلا بمساعدة من يتطوع لذلك.
كثيراً ما حاولت أن أستوعب الأمر، فلم أتمكن البتة، لاسيما وأنني أعرف الشاب “سلام” الذي يعاني شللاً منذ لحظة ولادته، حيث طرفاه السفليان مشلولان تماماً، و هو حال كلا طرفيه العلويين، وإن كان في أحدهما شيء من الحياة يكفي لرفعه، والإمساك بمقود دراجته التي لا يمكنها التحرك، إلا بمساعدة من يتطوع لذلك.
وبالرغم من مثل هذا الوضع السيء للشاب “سلام”- وهو الاسم على مسمى” إلا أنه منذ تفتح وعيه انخرط في لجة العمل النضالي، ليكون واحداً من أوائل الشبان الذين عملوا في أول تنظيم شبابي مستقل، غير تابع لأحد، تنظيم سمي” حركة الشباب الكوردي” و لتتحول التسمية إلى” حركة الشباب الكوردي”، وليكون هؤلاء الفرسان نواة حملة رأي مغاير، للرأي السياسي السائد، حاول الكثيرون رميهم بحجارتهم”، حجارتهم التي ارتدت عليهم، إلا أن هؤلاء وغيرهم سرعان ما هادنوهم في مواقفهم، وصاروا يندبون أحد “محاوريهم” للالتقاء بهم، ليكون ذلك دليلاً على حضورهم المميز.
أجل، كان سلام أحد هؤلاء الشباب الضراغيم، الذين نحتوا في الصخر، دفاعاً عن إنسانهم الكردي الذي يعاني أسوأ وأشدَّ ضروب القهر، وهو يعيش في بلده، وفوق ترابه، فيحرم من حقوقه الكاملة، القومية، والثقافية، والاقتصادية، بل ومن حق المواطنة، التي إما قد سلبت منه، أو تم تعطيلها ليعامل مواطناً من الدرجة غير المصنفة، منذ وصول البعث إلى سدة الحكم.
ولعل من أسطع الأمثلة على ذلك أننا لم نعد نجد وزيراً أو محافظاً كرديين، في سوريا، إلا إذا كان ممثلاً عن أحد الأحزاب المنضوية ضمن ما سميت ب” الجبهة الوطنية التقدمية”، كي يتم استهداف وجود هذا الإنسان باستهداف ثقافته، وهل أصعب من ” حرب إبادة اللغة” بالنسبة إلى المواطن، فيمنع من تعلمها، بل من التحدث بها، والتسمي بمفرداتها، بالتوازي مع سياسة التعريب الهائلة لأسماء المدن، والبلدات، والقرى، في مناطقه الثلاث” عفرين- كوباني –الجزيرة…….
عن قرب تعرفت على “سلام”، وهو يروي لي أحلامه، وآماله، بإرادة صوانية، قل نظيرها، لدرجة أنني كنت أتعلم منه “الجلد” وأنا أواجه صلف آلة الضغوطات الرهيبة،أستمد من عينيه، ومن عيون أمثاله، من الشباب كهرباء الصمود، والمواجهة، كيف لا وهو من هؤلاء الشباب الذين التقاهم الشهيد معشوق الخزنوي، وسمع إلى أصداء رؤاهم، وكان على موعد آخر معه، إلا أن اختطافه وتصفيته الجسدية من قبل قتلته المجرمين، فوتت على الطرفين ذلك الموعد.
انتسب سلام إلى” تيار المستقبل الكوردي في سوريا”، ليكون أحد المخلصين مع سياسات هذا الحزب، متأثراًً برؤيته، من دون أن يتخندق في حقل حزبي، بل كان دائم الانفتاح إلى جميع مفردات اللوحة النضالية الكردية، وليترك الحركة الشبابية، كي يعود إليها قبيل اندلاع الثورة السورية الكبرى، كأحد دعاتها، وصناعها، وقادتها في منطقته الكردية، سلاحه” الكلمة” وحدها، الكلمة النظيفة، مدركاً لضرورة سلمية الثورة، هذه السلمية التي تكفي أحد أصحاب الاحتياجات الخاصة، مثله، كي يكون قادراً على أن يستخدم هذا السلاح ” الثقيل” عابر القلاع الأمنية، وهو” الكلمة” نفسها” التي لم ينل منها ذلك الشلل الولادي، لذلك بقيت مفردته مدوية، وظل قادراً على حمل كاريزما الحوار، بل قادراً على قول كلمة” لا” وهو الشاب الذي عانى من البطالة، والفقر، ولم يحظ من بلد اعتبره بعضهم من أغنى بلدان” العالم العربي” بثمن دراجة لائقه تؤازره على قهر ” إعاقته”، كي يمضي إلى مواعده إلى” اجتماعاته” ” والمسيرات الاحتجاجية” ” أو لقاءات حبيبته”، من دون أن يستعين بشخص آخر.
قصة سلام مع المشاركة في الاحتجاجات ضد” آلة القهر”، ليست وليدة العام 2004، عام ثورات المنطقة، بل أتذكر كيف أن عناصر أمنية اعتدوا عليه في اليوم العالمي ل”حقوق الإنسان” في العام2006، مع مناضلين آخرين ممن أحيوا هذا اليوم في إحدى ساحات قامشلي، بل إنه لم يتوان عن مواجهة قيود إعاقته والسفر حتى إلى دمشق، على امتداد سنوات، للمساهمة في أي احتجاج عام، مع مناضلي سوريا، ضد ممارسات النظام الأمني، أنى وجد في جيبه ثمن تذكرة السفر، ذهاباً وإياباً، وهذا ما دفع الجهات أكثر من مرة إلى الضغط عليه، والتحقيق معه، بل وتهديده.
إن تقديم الشاب المناضل سلام إلى المحاكمة، بتهمة” المشاركة في أعمال الشغب” ومواجهة السلطات، تبين كم أن هذا النظام المذعور يعيش حالة كابوسية، تسبق الانهيار –عادة- ما دعته للخروج عن طوره، فلم ينج منه الحيوان، والشجر، والحجر، بل صار كل ذلك في مرمى أسلحته مختلفة الأمداء التي تستهدف في النهاية ذبح سوريا، ونحر إنسانها، إن لم تتحول إلى شكل كرسي يناسب” مؤخرة الاستبداد”.
سلام بالتأكيد، سيكون نواة أعمال قصصية، أو روائية، يكون بطلها، بل أحد أبطال الثورة السورية، من قبل من هم شهود على نضالاته، لأنه الأقرب إلى نبض شعبه، وأهله، والأكثر إخلاصاً من” القادة” المزورين، ممن سيندحرون باندحار النظام الذي نصبهم على امتدد خريطة سوريا، مادامت يداه نظيفتين، وإن سبابته التي لم ترفع إلا لتتشهد، أو لتسهم، مع جارتها الوسطى في رسم”شارة النصر” المنتظرة، الإصبع نفسها التي تواجه صلف المحقق، في صيغة”لا”….!.
عن” جريدة آزادي azadi- الحرية الصادرة عن اتحاد تنسيقيات شباب الكورد
أجل، كان سلام أحد هؤلاء الشباب الضراغيم، الذين نحتوا في الصخر، دفاعاً عن إنسانهم الكردي الذي يعاني أسوأ وأشدَّ ضروب القهر، وهو يعيش في بلده، وفوق ترابه، فيحرم من حقوقه الكاملة، القومية، والثقافية، والاقتصادية، بل ومن حق المواطنة، التي إما قد سلبت منه، أو تم تعطيلها ليعامل مواطناً من الدرجة غير المصنفة، منذ وصول البعث إلى سدة الحكم.
ولعل من أسطع الأمثلة على ذلك أننا لم نعد نجد وزيراً أو محافظاً كرديين، في سوريا، إلا إذا كان ممثلاً عن أحد الأحزاب المنضوية ضمن ما سميت ب” الجبهة الوطنية التقدمية”، كي يتم استهداف وجود هذا الإنسان باستهداف ثقافته، وهل أصعب من ” حرب إبادة اللغة” بالنسبة إلى المواطن، فيمنع من تعلمها، بل من التحدث بها، والتسمي بمفرداتها، بالتوازي مع سياسة التعريب الهائلة لأسماء المدن، والبلدات، والقرى، في مناطقه الثلاث” عفرين- كوباني –الجزيرة…….
عن قرب تعرفت على “سلام”، وهو يروي لي أحلامه، وآماله، بإرادة صوانية، قل نظيرها، لدرجة أنني كنت أتعلم منه “الجلد” وأنا أواجه صلف آلة الضغوطات الرهيبة،أستمد من عينيه، ومن عيون أمثاله، من الشباب كهرباء الصمود، والمواجهة، كيف لا وهو من هؤلاء الشباب الذين التقاهم الشهيد معشوق الخزنوي، وسمع إلى أصداء رؤاهم، وكان على موعد آخر معه، إلا أن اختطافه وتصفيته الجسدية من قبل قتلته المجرمين، فوتت على الطرفين ذلك الموعد.
انتسب سلام إلى” تيار المستقبل الكوردي في سوريا”، ليكون أحد المخلصين مع سياسات هذا الحزب، متأثراًً برؤيته، من دون أن يتخندق في حقل حزبي، بل كان دائم الانفتاح إلى جميع مفردات اللوحة النضالية الكردية، وليترك الحركة الشبابية، كي يعود إليها قبيل اندلاع الثورة السورية الكبرى، كأحد دعاتها، وصناعها، وقادتها في منطقته الكردية، سلاحه” الكلمة” وحدها، الكلمة النظيفة، مدركاً لضرورة سلمية الثورة، هذه السلمية التي تكفي أحد أصحاب الاحتياجات الخاصة، مثله، كي يكون قادراً على أن يستخدم هذا السلاح ” الثقيل” عابر القلاع الأمنية، وهو” الكلمة” نفسها” التي لم ينل منها ذلك الشلل الولادي، لذلك بقيت مفردته مدوية، وظل قادراً على حمل كاريزما الحوار، بل قادراً على قول كلمة” لا” وهو الشاب الذي عانى من البطالة، والفقر، ولم يحظ من بلد اعتبره بعضهم من أغنى بلدان” العالم العربي” بثمن دراجة لائقه تؤازره على قهر ” إعاقته”، كي يمضي إلى مواعده إلى” اجتماعاته” ” والمسيرات الاحتجاجية” ” أو لقاءات حبيبته”، من دون أن يستعين بشخص آخر.
قصة سلام مع المشاركة في الاحتجاجات ضد” آلة القهر”، ليست وليدة العام 2004، عام ثورات المنطقة، بل أتذكر كيف أن عناصر أمنية اعتدوا عليه في اليوم العالمي ل”حقوق الإنسان” في العام2006، مع مناضلين آخرين ممن أحيوا هذا اليوم في إحدى ساحات قامشلي، بل إنه لم يتوان عن مواجهة قيود إعاقته والسفر حتى إلى دمشق، على امتداد سنوات، للمساهمة في أي احتجاج عام، مع مناضلي سوريا، ضد ممارسات النظام الأمني، أنى وجد في جيبه ثمن تذكرة السفر، ذهاباً وإياباً، وهذا ما دفع الجهات أكثر من مرة إلى الضغط عليه، والتحقيق معه، بل وتهديده.
إن تقديم الشاب المناضل سلام إلى المحاكمة، بتهمة” المشاركة في أعمال الشغب” ومواجهة السلطات، تبين كم أن هذا النظام المذعور يعيش حالة كابوسية، تسبق الانهيار –عادة- ما دعته للخروج عن طوره، فلم ينج منه الحيوان، والشجر، والحجر، بل صار كل ذلك في مرمى أسلحته مختلفة الأمداء التي تستهدف في النهاية ذبح سوريا، ونحر إنسانها، إن لم تتحول إلى شكل كرسي يناسب” مؤخرة الاستبداد”.
سلام بالتأكيد، سيكون نواة أعمال قصصية، أو روائية، يكون بطلها، بل أحد أبطال الثورة السورية، من قبل من هم شهود على نضالاته، لأنه الأقرب إلى نبض شعبه، وأهله، والأكثر إخلاصاً من” القادة” المزورين، ممن سيندحرون باندحار النظام الذي نصبهم على امتدد خريطة سوريا، مادامت يداه نظيفتين، وإن سبابته التي لم ترفع إلا لتتشهد، أو لتسهم، مع جارتها الوسطى في رسم”شارة النصر” المنتظرة، الإصبع نفسها التي تواجه صلف المحقق، في صيغة”لا”….!.
عن” جريدة آزادي azadi- الحرية الصادرة عن اتحاد تنسيقيات شباب الكورد