بمعنى آخر، هناك توجه علماني للشعب السوري، وهذا التوجه هو الضمانة الوحيدة للتحرر من كل الأفكار والممارسات التي تدعو إلى الإسلام الرديكالي، والتطرف الديني، وبالتالي تطمئن فئات الشعب السوري كافة، من الطوائف المسيحية، الكرد الإيزيدين، الدروز، الإسماعيليين، بأن حقهم محفوظ كبقية السكان، وأن المسلمين السنة (حيث هم النسبة العظمى في التكوين السوري) سوف لن يسيطروا على قرارات و مقدرات الدولة، على حساب الطوائف والأقليات الموجودة في البلاد،
نستشهد هنا بمقولة العلامة محمد عبده ” لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين”، لذا علينا جميعاً، أن ندفع الشعب السوري نحو هذا التوجه الإنساني، بانتهاج العلمانية، والتي ستؤسس لدولة مدنية، تحفظ حق الجميع، في الحياة الكريمة، والعدالة، والمساواة.
علمانية النظام السوري:
من خلال قراءة سريعة، عن حياة المواطنين السوريين، في النصف الأخير من القرن المنصرم، وحتى الآن، من دون الخوض في التفصيلات الدقيقة، رأينا كيف كان الصراع على الحكم، في أواخر الخمسينيات، وبداية الستينييات، وكيف كانت الكتل السياسية الكبرى تتصارع فيما بينها، من الشيوعيين والإخوان المسلمين والقوميين العرب، بشقيه: الناصري والبعثي.
طبعاً، رجحت كفة “العلمانيين” من الشيوعيين والقوميين، على كفة الإخوان المسلمين، لأسباب داخلية وأسباب خارجية (خوف الدول الأوربية من سيطرة الإسلاميين على الحكم في الدول العربية، وبالتالي الخوف على مصير المسيحيين في المنطقة).
في الثمانينيات، وكما هو معروف للجميع الصراع الذي تم بين النظام البعثي الحاكم، و جماعة الإخوان، مرة ثانية كانت هناك ظروف داخلية وخارجية، حالت من عدم وصول الإسلاميين إلى الحكم في سوريا، هنا لعب حافظ الأسد لعبة “ذكية” مع الغرب، عندما خوفهم من الإسلام الراديكالي، وصورهم كالبعبع، وأنهم سيقضون على كل ماهو مسيحي في المنطقة، لذا تمسك الأوربيون والغرب به، بالرغم من الفظائع الذي نفذها بحق جماعة الإخوان في حماه وحلب ومناطق أخرى.
نظام حافظ الأسد، وحزب البعث حاولا أن يعطيا صورة للغرب، على إنهم “علمانيون”، لكن بطريقتهم، في هذا السياق أتذكر في بداية الثمانينيات، عندما كنت طالباً جامعياً في دمشق، كيف كان يتصرف جماعة رفعت الأسد، الذين كان يطلق عليهم “سرايا الدفاع”، إذ كانوا يقومون بنزع الإشاربات من رؤوس النساء المحجبات، وكأن بهم بهذا التصرف، سوف يظهرون علمانيتهم، و سيلغون كل ماهو ديني في سوريا.
هذا التصرف ليس له أي علاقة بالعلمانية، ولا بإدعاءات النظام في هذا المجال.
المجتمع الكردي والعلمانية:
بالرغم من أن المجتمع الكردي في سوريا (15-20% من مجموع سكان سورية، حسب الإحصاءات الكردية حيث هناك من نسي لغته الأم)، يملك الكثير من الشيوخ والجماعة المشغولة بالشأن الديني ك آل الخزنوي وآل الحقي، والإيزديون، لكن الشعب بأغلبيته، يملك نفساً مدنياً، ويجد نفسه في الوسط، من تعاليم الدين الحنيف، وهذا ظاهر للعيان، كيف أن الكورد في سوريا، يتصرفون في الحياة العامة، وكيف أن المجتمع منفتح على بعضه بعضاً، من دون تأثيرات دينية عليه.
لذا فلا خوف من الكرد في المستقبل، بالرغم من إنهم ينتمون في معظمهم إلى الإسلام، والمذهب السني.
الخوف من ماذا؟:
نحن هنا، من أجل ماذا؟، هل لأننا نخاف على مصير الثورة من أن تقع في أيدي الإسلاميين، أي جماعة الإخوان المسلمين؟، أم أننا نخاف من أن يوجه بشار الأسد وعصابته مسار الثورة السورية إلى حرب طائفية، وبالتالي خلق مجاميع إرهابية في البلاد، وتسليم مقدرات البلد إليهم، وعلى قاعدة ” علي وعلى أعدائي”؟
باعتقادي، علينا أن لاندخل أنفسنا في دائرة الخوف من المستقبل، على اعتبار الشعب السوري أوعى مما هو متصور، ويعرف جيداً كيف سيقرر مصيره بنفسه، وكيف سيقدم على صناديق الاقتراع، ويعرف من سينتخب؟.
إن جماعة الإخوان، وكل من هو مرتبط بهم من الناس في سوريا، يشكلون حجماً محدوداً، أما بقية الشعب، وبالرغم من تدين الكثيرين منهم، لكنهم يبقون مسلمين وسطيين، ولا يريدون أن يكون شكل دولتهم، مثل إيران على سبيل المثال.
النموذج التركي، هو أقرب إلى سوريا، في حال نجاح الإسلاميين في الانتخابات، بعد رحيل بشار الأسد ونظامه.
ما المطلوب؟:
المطلوب منا جميعاً، وبعد رحيل النظام ورموزه من سدة الحكم، التوجه إلى فئات الشعب السوري كافة، وإعلامهم بأن القادم هو للجميع، وأن نركز على قيام الدولة المدنية، وأن المجتمع السوري سيقوم على العدالة والمساواة، وأن نسعى جميعاً إلى العمل في سبيل دفع البلد إلى مصافي الدول الديمقراطية في تعاملها مع الإنسان والمجتمع، كما شرع ذلك القوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان، وأن نركز أيضاً على أن فصل الدين عن الدولة لايعني بالمطلق أن شريعة الإسلام سوف لن تكون مصدراً من مصادر الدولة، بل سيأخذ الإيجابي منها، وسيتغير السلبي وفق منظور وطني، يلائم العصر ومدنية الدولة.
* هذه الكلمة القيت في مؤتمرالإئتلاف العلماني الديمقراطي السوري لدعم الثورة، في العاصمة الفرنسية، باريس، يومي 17-18 من شهر أيلول 2011