مشعل التمو.. تحية لمشعلك المشع

 إبراهيم محمود
 

لا أرثيك أيها الإنسان، الأخ، الصديق، العزيز، المجدُّ، العتيد، المثابر، المناضل، المغامر بروحه، الرحالة المتنور في الجهات الأربع، حيث تكون الحرية، وهي لا تغفل عنك لحظة واحدة، إنما ألتقي فيك اسمك مسميك: مشعل، وأنت المشتعل بنجوم لا تكف عن إرسال بريقها، وأحدد فيك الشعلة التي انبثقت داخل روحك، أحيي فيك ما كنت تحيا به وفيه معتداً بروحك الصاعدة، صادقاً مع روحك الفيحاء، متلاحماً مع فضاء أفكارك، شديد اللهجة جائزها، مقداماً في خطاك، دون أن تسأل عن رقيب يغمه كل نبض من نبضات روحك، أو مخبر، يرتعب من رؤيتك، ويرتبك في كتابة تقريره، شعوراً منه بالجبن، واعترافاً منه بجرأتك، وعلو كعبك أيها السامي.
كانت جمعتك شاهدة على ميلاد روحك الأخرى الطليقة، تلك التي لا تبلى، بقدر ما كانت جمعتك عيناً دامعة على روحك أنت ومن معك، ولكنك كنت الاستثناء الحي فيما تقدمت به وفيما بقيت محافظاً عليه مبدأ لا ينثني، ولا سبيلاً يمكن الخروج عنه رغم كل الحدة المعهودة فيك، ولكنها كانت تستجيب لروحك المقاومة، لرؤيتك الفضائية لأرضك، ووطنك، وسوريتك، وكردك ، أنى أو حيثما كانوا، كما لو أنك كنت تتنفس برئات ملايين كردك.
لا أقول: لقد نال منك القتلة السفلة، وإنما عرَّفونا بسفالتهم، بقدر ما صرحوا بلوثتهم الروحية ونذالتها.
كنت تتنفس الأعالي، وقتلتُك ومعلمو قتلتك، ومن هم ينتظرون لحظة القتل هذه، كان هؤلاء يتنفسون العفونة، كما هي النجاسة، أو هواء الحضيض الخانق.

كانت المسافة الشاسعة بينك وبين هؤلاء الأصاغر الضيقو الأفق، كافية للتعبير عن أنك في مرماهم، وأن روحك التي تحلق في الفضاء الرحب لحرية لا تتاح لأي كان، هي روح تقلقهم، إنها روح المقاوم والمكافح، جبهة مفتوحة، تشغل أفقاً كاملاً، وتسمي استبداداً كاملاً لبشر ما كانوا بشراً في واقع أمرهم، وهم يسوسون بلاداً جرّدت من اسمها، وعباداً، حاولوا المستحيل لأن يفرغوهم من كل حب للحياة.
تلك كانت سوريا، وأنت أردت أن تكون ببصمتك السورية وضمناً الكردية، وهذه أرعبت قتلتك الجبناء.
لكن مشعل التمو، ومن هم في  الدائرة الكفاحية والنضالية لتمو، لم يمنحوهم الزمن اللازم لتفريغ وطن كامل من أهله، وأن يكون الشعب الذي تنفس الحرية وروح المقاومة على مدى مئات السنين، يمكن أن يجيَّ ويحنَّط.
أحييك تحية سوري كردي في دمك الدافىء، في نسيجك العظمي الشفاف، في أنفاسك التي لما تزل تتموسق في أذني، في نظرتك الكوكبية، في طلاقة وجهك ذات الأفق المضيء، بقدر ما أتبصرك في أرواح خانتك: عائلة وأولاداً وأهلاً، بقدر ما أشعر بأرواحهم وهي تحييك في كل اتجاه، كما لو أنك انتقلت إلى حياة لا حدود لها.
سلاماً لجسمك الحي رغم كل جبن القتلة ومن وراءهم، سلاماً، لصوتك المنغم والهادر والذي أستشعره باثاً في الجهات الأربع، حيث القنوات الفضائية تخشع لمقامك الروحي بفصاحته الكردية.

أحييك في كل ما أنت عليه بموتك العظيم، وشهادتك العظيمة، ورحيلك العظيم، ودمت خالداً أيها العظيم!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…