النظام السوري: أبصم بالأحدى عشر أني لست القاتل

 محمد خير داوود

منذ استشهاد الاستاذ المناضل مشعل التمو برصاص مجموعة مسلحة في قامشلو، اتجهت اصابع الاتهام نحو النظام السوري كطرف مستفيد من اغتياله، لاسيما وأن التمو بادر، وهو في السجن، إلى إطلاق نداء للشعب الكردي في سوريا يطالبه بالمشاركة الفاعلة في الثورة السورية من اجل اسقاط النظام وبناء سوريا جديدة تقوم على التعددية والديمقراطية والمساواة بين حقوق القوميات السورية واقرارها دستوريا.

التمو الذي قاد بنفسه ارادة شعبه في الخلاص والحرية، منضماً لهم ومتحمّلاً وزر الثورة ومصاعبها.
مدركاً بأنه مشروع شهيد في أي لحظة، لكنه بقي ثابتاً على موقفه بأن على النظام الرحيل وعلى الجميع أن ينتفضوا ضد الظلم المقيت الذي بات ينهش في كرامتنا، متصدياً لكل الأصوات التي تريد عزل الشعب الكردي عن الثورة السورية.
مرّت سبعة أشهر على الثورة السورية، والجماهير الكردية (اللاحزبية) تخرج إلى الشارع بإمكاناتها المتواضعة تنظيميا وجماهيريا، لتضم صوتها إلى صوت الشعب السوري، معتمدة على شبابها وأصوات “تغرّد” خارج السرب الحزبوي الكردي، من أمثال الشهيد مشعل التمو وآخرين قلائل، تكاد تلحظ وجوده نشاطات الشباب.
استشهاد التمو فرض على الشعب الكردي ان يجيب على سؤآل راوده منذ البداية، هل نحن (مع) أم (ضد) النظام، أم أننا نقف على مسافة واحدة من الثورة السورية والنظام البعثي، وكانت الإجابة هي ان الشعب الكردي جزء من هذه الثورة، بل أن الثورة ستنحو نحو مسار جديد من الآن فصاعداً، فكانت مظاهرة التشييع التي استشهد فيها عدة أشخاص في شوارع قامشلو، واردى الشباب في عامودا بصنم المقبور حافظ أرضاً، بالإضافة إلى مظاهرات عارمة في كافة المناطق الكردية واوروبا…
انتظرنا كما انتظر الآخرون، بياناً موحداً من الأحزاب الكردية، تشفي غليلنا وتضع نقطة البداية للسير على خطى الشهيد التمو، وأخيراً، في ساعة متأخرة من ليلة استشهاد التمو، تلقينا بشرى من الفايسبوك!، يعلمنا بصدور البيان.
قرأناه، لم نصدّق أعيننا، قرأناه مرة أخرى، لعلنا اخطأنا في فتح الصفحة الالكترونية، ربما هناك خلل في الأنترنت، جلّ من لا يخطأ، لكن مع الأسف، بيان صادر عن ما يسمى (أحزاب الحركة الوطنية الكردية)، لا توجّه فيه إصبع الإتهام إلى النظام الدموي، بل وتقوم بتبرئة النظام عندما تقول “في الوقت الذي نحمل السلطة مسؤولية أمن وحياة المواطنين، فإننا ندعو إلى الإسراع في كشف الجناة والمجرمين منفذي هذه الجريمة” أي أن النظام بريء، وهناك جهة اخرى تقف وراء اغتيال الشهيد، وهنا، على النظام البحث عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة..

أيّ ضحك على الذقون هذا، هل سيبحث النظام عن هذه المجموعة في إحدى قرى الجزيرة، أم ان عليه البحث في قصوره وفروع اجهزته الامنية!.
مازاد الطين بلة، هو ما تفضّلت به قناة سوريا الحكومية، التي قامت بتلاوة البيان الصادر عن (أحزاب الحركة الوطنية الكردية) “عيني عينك” واشركت ضيوفاً بعثيين وشبيحة للحديث عنه، مشيدين بالبيان وبالروح الوطنية لدى الاحزاب الكردية!..

مطالبين (الضيوف) القوى السياسية الأخرى أن تحذو حذو الاحزاب الكردية في النضال، كي يعمّر البعث في السلطة الف سنة إن لم نقل أكثر، لا بل وبدأت تستشهد ببيان تلك الأحزاب كدليل على براءة النظام من دم الشهيد مشعل.
بيان آخر، صادر عن ما تسمى (أحزاب الحركة الوطنية الكردية) بخصوص استشهادة عدة أشخاص في مراسيم تشييع الشهيد مشعل، لا يختلف عن البيان الذي سبقه، بل الجديد في البيان هو اتهام الشباب الثائر بأنه السبب في مقتل عدة أشخاص في المسيرة السلمية، إذ جاء فيه “إننا في الوقت الذي ندين فيه و نستنكر إقدام السلطات الأمنية على استخدام الرصاص ضد المواطنين العزل ، نرى بأن إصرار البعض على تغيير مسار الجنازة، أعطت الفرصة لتمرير الحلقة الثانية من المؤامرة بدلا من وأد الفتنة في مهدها و الاستمرار في النضال الوطني الديمقراطي السلمي”.
بينما نقرأ في بيان رئاسة اقليم كردستان العراق حول استشهاد التمو ما يردده الشعب الكردي في سوريا بأن النظام يقف وراء اغتياله، إذ جاء فيه: “ان مايثير الاسف هو أن العنف الذي تمارسه السلطات السورية وصل الى المستوى الذي تشن في وضح النهار حملات ضد الشخصيات الوطنية والناشطين السياسيين واغتيالهم”.
أحد عشر حزباً، لم يصبحوا أحد عشر كوكباً، بل إنطفأت شعلتهم، بينما شعلة أشعلها مشعلنا الشهيد، ستنير لنا دربنا، أما إلى الفناء أو إلى الخلود.
أحد عشر حزباً، خذلوا الشهيد التمو، بعدما خذلوا قبله شيخ الشهداء معشوق الخزنوي، وها هم يخذلون شباب الكرد، بل وتشفعّوا للنظام، دون مقابل، ودون أن يتغير شيء في اسلوبهم “النضالي” سوى خسارتنا للشهيد مشعل وعدة اشخاص مناضلين، استشهدوا دون أن تصنع الأحزاب من شهادتهم مجداً يفتخرون به، ودون أن يقودوا الجماهير في ثورة الكرامة.

ما تغيّر في الأمر هو جملة واحدة في أحاديث ما يسمون أنفسهم قادة الأحزاب، عندما كانوا في السابق يقولون ساخرين: ((مشعل تمو يغرّد خارج السرب))، اصبحوا يقولون الآن، وبعد استشهاده: ((مشعل التمو قائد السرب)).

* إعلامي وصحفي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…