السوريون شركاء بالدم

طارق الحميد

لطالما قال المتشككون في الثورة السورية إن المعارضة لم تستطع توحيد صفوفها، وكانوا يستشهدون بتأخر تشكيل المجلس الوطني، والتباين بين المعارضة السورية والأكراد، لكن استطاع النظام الأسدي توحيد صفوف السوريين بشكل مذهل.

فإلى فترة قريبة كان البعض يتشكك في نوايا ودوافع أكراد سوريا تجاه الثورة غير المسبوقة ضد نظام بشار الأسد.

وكان البعض أيضا – دولا وشخصيات اعتبارية – يتشككون في دور حلب في الثورة، وأنه ما دام لم تشارك حلب ودمشق فإن النظام الأسدي لا يزال بخير.
 لكن النظام الأسدي كفى الجميع عناء التشكك، والتحليل، حيث ساهم بشكل كبير في توحيد صفوف المعارضة السورية، بل وجعلهم شركاء بالدم.

وآخر مثال على ذلك اغتيال الزعيم الكردي المعارض مشعل تمو، الذي يعني اغتياله أن النظام الأسدي أجبر أكراد سوريا على أن يكونوا شركاء لكل الثوار السوريين، وإن لم يريدوا ذلك، ليس تواطئا، بل لحسابات أخرى معقدة.

كما أن اغتيال تمو لا يعني تحرك الأكراد فقط، بل يعني أن حلب باتت على وشك الانفجار، وهو ما ذكرناه سابقا حين قلنا إن أمرا ما يغلي هناك، فاغتيال الزعيم الكردي يمثل نقطة تحول في الثورة السورية، مثله مثل عملية الاعتداء على المعارض السوري رياض السيف، التي تذكر، مثلها مثل عملية اغتيال التمو، بأن النظام في دمشق قد تحرك الآن للخطة رقم 2، وهي خطة تصفية رموز المعارضة السورية بعد أن فشل في فرض الرؤية الأمنية.
فالواضح اليوم أن النظام الأسدي قد فقد صوابه من عملية تشكيل المجلس الوطني السوري في إسطنبول، التي باتت تجلب اعترافات دولية، وإن كانت محدودة.

فتلك المجالس كانت هي نذير الشؤم على نظام صدام حسين، ومن خلالها زال حكم معمر القذافي، ويبدو أن لهذه الأسباب بتنا نرى تكثيفا في عمليات اغتيال رموز المعارضة السورية.

والحقيقة أنها عمليات لم تقمع الثورة السورية، بل وحدت صفوفها، كما وحدت الشارع من خلفها.

فأخطاء النظام الأسدي باتت تجمع الفرقاء السوريين بشكل يفوق طموح كل الراغبين بزوال هذا النظام القمعي.

وها نحن اليوم نسمع الروس، مثلا، وهم أصحاب النفاق السياسي الواضح، يقولون للأسد بأن عليه الإصلاح أو التنحي، حتى بعد استخدام موسكو لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار لإدانة نظام بشار الأسد، حيث لم يعد هناك مجال للدفاع عن النظام الأسدي الذي بات ألد أعداء نفسه، وليس الغرب، أو الخارج، أو حتى الثوار السوريين.

ولذلك، فإن من يرتكب هذه الأخطاء لا يمكن أن يستمر في الحكم، ومهما فعل.
فاغتيال الزعيم الكردي جاء كورقة رابحة للمعارضة السورية، بكافة أطيافها، كما جاء ورقة رابحة أيضا للأتراك الذين يواجهون مؤامرات النظام الأسدي في تحريك بعض الجهات الكردية ضدهم.

وبعد اغتيال الزعيم الكردي مشعل تمو، فلم يعد بإمكان أي من الأكراد أن يكون حليفا للنظام الأسدي، ناهيك حتى عمن يلتزم الحياد.

فأخطاء النظام الأسدي تلزم المجنون اتخاذ خطوات عقلانية.

لذا، فإن السوريين اليوم، وبكافة مشاربهم، شركاء بالدم الذي أساله النظام الأسدي في سوريا!
tariq@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…