الشهيد البطل مشعل تمو

برزو محمود

في مسألة التأويل البطولي للتاريخ يقول توماس كارلايل “إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء” وذهب  رالف والدو إمرسون على نفس المنحى في قوله: “ليس هناك تاريخ بالمعنى الدقيق للكلمة، هناك فقط سير شخصية”، أي أنه (ما من تبدل اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي طرأ لم يكن من صنع رجال عظام وأن “تلقائيات” اليوم التي تجعل ذلك ممكناً هي نتيجة الأفعال والأمثال التي فعلها وسنها الأفراد البارزون).

وعلى هذا الأساس نجد أن العمل التاريخي “قصة الحضارة” لمؤلفه ويل ديورانت يحتوي على أربع مجلدات متتالية بعنوان عصر “لويس الرابع عشر” و”عصر فولتير” و”روسو والثورة” و”عصر نابليون”.
من هنا ندرك أن دور الفرد في التاريخ ليس بقليل، وثمة رجالاً غيّروا وجه هذا العالم من حولنا وخاصةً أولئك الذين ضحّوا بحياتهم في سبيل مبادئ الحرية وإحقاق الحق وخير البشرية.

لقد كان مشعل تمو واحداً من الرجال الفاعلين في عملية البناء الوطني الديمقراطي، يناضل ضد كل ما هو مستبد وفاسد بعزيمة صلبة وهمة عالية وبشجاعة لا نظير لها من أجل صناعة التاريخ يتمركز في أرض المعركة ليكتب التاريخ بأحرف العدل والحرية والمحبة بين كل فئات الشعب السوري ولينشر روح التأخي بين سائر طوائفه.

لهذا كان لزاما على كل وطني حر أن يقدر عالياً قيمة هذا البطل الذي ضحى بحياته في سبيل أن ينعم غيره، عانى الشقاء في السجون في سبيل سعادة الأخرين، وأخيراً التضحية بحياته، وهي أنبل ما يصل إليه الأنسان، وهي قمة الشجاعة والبطولة في الأنسان.

والأمة التي تسود فيها مثل هذه القيم هي أمة متماسكة، أما الأمة التي لا تتمتع بهذه المزايا هي أمة مُفككة لا حول لها ولا قوة.

هكذا أبطال هم أمل الأمة في تحقيق أمانيها وطموحاتها المشروعة في تحقيق الحرية والمساواة والكرامة.


حقيقةً أن الشهيد مشعل تمو خير مثال للبطولة والشجاعة في مواجهة الدولة الأمنية الاستبدادية، وهو المناضل الذي تميز بالجرأة المدهشة في مسيرة نضاله ودفاعه عن الحق ومحاربة الباطل، إذ كرّس معظم حياته في سبيل تأمين حقوق شعبه الكوردي برفع الظلم عن كاهله وإزالة المشاريع العنصرية المطبقة بحقه والاعتراف بحقوقه القومية المشروعة سياسياً واجتماعياً وثقافياً في اطار الدولة السورية.

يُعد اغتيال  المناضل الكردي الشهيد مشعل تمو من قبل قوى الغدر في مدينة القامشلي حدثاً كبيراً ليس فقط على الصعيد السوري، بل على الصعيد الدولي أيضاً.

وأن التفاعل المحلي والأقليمي والعالمي مع هذا الحدث ترك أثراً كبيراً على الثورة السورية بشكل عام، والقضية الكوردية في سوريا بشكل خاص، إذ تحول الشهيد من حالة الفرد إلى حالة الرمز كوردياً وسورياً بامتياز.

وأعتقد جازماً أن الشهيد بشجاعته النادرة وعزيمته الصلبة قدم حياته ثمناً في سبيل مبادئ انسانية تتمثل في تأمين حقوق شعبه الكوردي، والوصول بوطنه سوريا إلى مصافي الدول الراقية التي تتمتع بكامل الديمقراطية والحرية والمساواة، وبناء دولة الحق والقانون على اساس مبادئ حقوق الانسان العالمية.

وفي الوقت الذي ندين هذا العمل الإجرامي، نتقدم بأحر آيات العزاء لأسرة المناضل الشهيد مشعل تمو وأسر جميع الشهداء في سوريا.

المجد والخلود للشهيد مشعل ولجميع شهداء الحرية، كما نتمنى الشفاء العاجل لابنه مارسيل ورفيقته زاهدة رشكيلو.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مشهد نافر – مغص – فرحة السوريين يوم الثامن من \ ديسمبر \ ، يوم اسقاط الاستبداد ، وحولت الفرحة بالتحرير من جانب الوطنيين السوريين الذين وقفوا مع العهد الجديد الى القلق ، والمزيد من التساؤلات المشروعة وابرزها : ١ – شارك في استقبال – العراضة – العسكرية الخائبة سبعة الى جانب الرئيس الانتقالي ، مع استبعاد من…

عزالدين ملا تمرُّ سوريا في مرحلة تاريخية فريدة من نوعها، حيث تتداخل فيها العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وتتشابك فيها مصالح الدول والأطراف المختلفة، مما يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على التعامل مع هذه التحديات بمرونة وذكاء. فبعد سنوات طويلة من الصراع والدمار، باتت البلاد على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب رؤى استراتيجية واضحة، واستراتيجيات مَرِنة تواكبُ التغيرات، وتتعامل مع كل الاحتمالات،…

خالد حسو في العاشر من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم بـ يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ ذلك اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 وثيقةً أرادت أن تكون مرجعاً للكرامة والحرية والمساواة بين البشر جميعاً. يومٌ لا يُراد به الاحتفال فقط، بل التذكير المستمر بأهمية الحقوق والحريات الأساسية، وبالمسؤولية الأخلاقية التي يحملها العالم لحمايتها والدفاع عنها….

شكري بكر كثيرون من تحدثوا عن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول سوريا الذي قال فيها : أن واشنطن ملتزمة في دعم سورية مستقرة وموحدة . هنا سؤال يطرح بقوة بقوة : هل عامل إستقرار سوريا ووحدتها مشروطة بإقامة النظام المركزي أو اللامركزي ؟. نعم خطاب ترامب واضح أنه سيدعم سوريا مستقرة وموحدة ، لكن تحديد هوية النظام المناسب…