المحطة التالية لقطار التغيير العربي ؟!

عريب الرنتاوي

ثمانية أشهر، وقطار التغيير في العالم العربي متوقف في محطته الليبية…ولقد تعيين على الشعب الليبي الشقيق، أن يدفع عشرات ألوف الضحايا من رجاله ونسائه، شيوخه وشبابه وأطفاله، من أجل تحريك عجلاته الثقيلة مجددا، ودفعه للتجوال مجددا، بين هذه العاصمة العربية أو تلك…كل العواصم العربية بانتظار هذا القطار…بعضها وفّر سكة ضيقة وضعيفة للغاية، لا تتسع لعجلاته الفولاذية القاسية…بعضها الآخر، زرع الألغام على الطريق، و”فخخ القضبان” و”أفرغ المحطة من ركابها…لا طريق سالكاً وسلساً تنتظر قطار التغيير…الفرق بين عاصمة وأخرى، يتعلق بحجم الثمن والمعاناة والكلفة.
نحن الآن نعود إلى ممارسة هوايتنا الجديدة المفضلة، والتي اكتسبناها منذ أن أطلق زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي “المخلوع”…من سيأتي تالياً؟…على من سيأتي الدور بعد سقوط هذا الديكتاتور أو ذاك…الآن تبدو مهمتنا أسهل…الخيارات تكاد تكون محصورة في اثنين، بعد أن تراجعت في عدد من الدول العربية، مؤقتاً على الأقل…أيهما سيسقط أولاً: الرئيس اليمني “المحروق” علي عبد الله صالح، أم الرئيس السوري بشار الأسد؟…كلاهما بات سقوطه محتماً بعد أشهر طويلة ومكلفة، من المماطلة والمراوحة ومحاولات شراء الوقت؟…كلاهما تابع بكل مشاعر القلق، إن لم نقل الذعر، صور الساعات الأخيرة لديكتاتور ليبيا وجرذها المذعور، معمر القذافي.

سقوط القذافي، وبالطريقة التي تم فيها، وصور الساعات الأخيرة من حياته التي ملأت الأرض والفضاء، سيكون لها أثراً ملموساً على تطورات الأحداث في عموم المنطقة العربية وعلى اتساعها….طاقة النظامين السوري واليمني على “المقاوحة” و”الصد” و”التعنت” ستضعف بشكل ملموس، مقابل تنامي الرغبة لديهما في توفير مخارج أفضل وضمانات أصلب، للبقاء الشخصي والعائلي، ما أمكن…أليس هذا ما يطالب به، بل ويستجديه الرئيس اليمني المحروق، صراحة ومن دون حياء أو خجل…ألا يمكن هنا بالذات، مغزى الاستعداد السوري لاستقبال وفد الجامعة العربية، بعد الرفض المدوّي الذي أعلنته دمشق لمهمة الوفد وتشكيله ومبادرته؟…أنهم يتراجعون…أنهم يضعفون…صور القذافي والمعتصم وأبو بكر يونس، “هدّت” طاقتهم على “الصلف” و”التعنت”….التغيير آت، وإن بعد حين، لكن “الحين” لن يطول، هذه المرة.

سقوط القذافي وصور مقتله البشعة، ستملي على كل حاكم عربي، من دون استثناء، التفكير والإقرار، وإن بدرجات متفاوتة، بأن استمرار الحكم بالوسائل القديمة، ما عاد ممكناً…طاقة هؤلاء على الاستئثار والتفرد والاستكابر والطغيان، لم تعد كما كانت…الشعوب العربية قادرة على اقتناص هذه اللحظة لإطلاق ديناميكيّات التغيير والإصلاح….في بعض الدول، لا معنى لذلك سوى رحيل النظام والزمر الحاكمة…في بعضها الآخر  – قلة منها – يمكن للنظام أن يعيش مع التغيير ويتعايش مع الإصلاح، ولكن عليه أن يكون مستعداً لتقديم تنازلات جوهرية…ما عاد القديم صالحاً للحياة، بالذات بعد مغادرة قطار التغيير محطته الليبية.

لا بقاء بعد اليوم، لأنظمة “الجملوكيّات”…الجمهوريات الوراثية (الملكية) لم تعد خياراً لأي دولة أو مجتمع عربي….لا مكان للملكيات المطلقة….غير الدستورية وغير البرلمانية….وحدها نظم رئاسية برلمانية، أو ملكية برلمانية، يمتلك فيها الشعب زمام أمره وقراره ومصيره، ويصبح فيها المصدر الوحيد للسلطات والشرعية، يمكن أن تتماشى مع روح العصر ومتطلبات ربيع العرب وموجبات التغيير ومندرجات الإصلاح.

سقوط القذافي، حقن الشوارع العربية بشحنة أمل وطاقة على الصمود والتضحية والإبداع، ستجدد من نشاطه وحراكه…والأنظمة التي نجحت في “وأد” ثورات شعوبها، أو قطع الطريق عليها، عليها أن تستعد للفصل الثاني في مسلسل الربيع العربي، والذي نعتقد أنه سيدشن بانتصارات مدوية في اليمن وسوريا….وبعودة الروح إلى “شوارع” دول أخرى في شمال أفريقيا والخليج….وفي ظني أن اليمن، بعد قرار مجلس الأمن، سيكون المحطة الرابعة التي سيمر بها قطار التغيير العربي، على أنه لم يمكث هناك طويلاً، إذ تنتظره مهات عاجلة في دمشق.

ما زالت كلمات الرئيس “المحروق”  تتردد في آذاننا: لقد فاتكم القطار…قطار التغيير لن يفوّت علي عبد الله صالح وزبانيته وعائلته وأنجاله، سيأخذهم تحت عجلاته وليس على متن عرباته…والارجح أن مصيراً مماثلاً سيواجه نظام دمشق، الذي أظهر قدرة خارقة على إضاعة كل الفرص وتبديد كل الصداقات والأوراق.

هي لحظة الحقيقة والاستحقاق لهذين النظامين ابتداءً…النظامان اللذان لم يتركا خياراً أمام شعبيهما، سوى طلب العون والإسناد من كل شياطين الأرض، وليس من المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة وحدهما، وإذا كان صدور قرار عن مجلس الأمن يحق الرئيس المحروق قد بات من الماضي، فإننا لا نستبعد أبداً أن يكون القرار التالي بحق نظام الأسد، بعد أن ضاق أصدقاء النظام “الأقربين”، بألاعيبه ومماطلاته وتسويفه.

وبعد ذلك يأتيك من “بواكي” الديكتاتوريات من يذرف الدموع مدراراً على سيادة واستقلال هذه البلدان، لكأن حكام الفساد والاستبداد فيها، هم سدنة السيادة والاستقلال، وليسوا هم أول من فرّط بها وفتح كل الأبواب لانتهاك حدودها، عندما وضعوا “كراسي سلطانهم” في صدارة أولوياتهم، وعندما ارتضوا أن تشيّد عروشهم فوق جماجم الرجال والنساء وعظام الأطفال والشيوخ…بئس الأنظمة وبئس “البواكي”.

مركز القدس للدراسات السياسية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…