أنا والبيانوني … وأنتم الحكم

  د.

علاء الدين جنكو

اتفق العرب أن لا يتفقوا إلا على مسألة واحدة !! لو علم بها دعاة القومية الأوائل لربما جعلوها من أهدافهم إذ لو وصلوا إليها لتحققت أمجاد الأمة العربية … إنها معاداة المسألة الكردية …

أقسم بالله أني بحثت ونقحت في الكثير من حقب التاريخ الكردي وعلاقته بغيرهم من شعوب المنطقة، وبالذات مع الشعب العربي، وقد رأيت بأنه وعلى مدار مئات السنين مخلص لغيره حتى في الكثير من الأحيان في تاريخيه المعاصر آذى نفسه ودفع ثمن هذا الإخلاص مع من لا يستحقه !!
ربما يتعجب البعض – المقربون مني خاصة – من هذه النبرة المتصاعدة التي لم أتعود أن أفرغها بحروفي على صفحات المقالات مكتفيا بدفنها كآهات وحسرات في قلبي ..

نعم خرجت ..


مع التباين الموجود بين أطراف الصراع الفكري والإيدولوجي الإسلامي والعلماني بين العرب واختلافهم في الكثير من القضايا الجوهرية والتي قد يراها البعض حقاً والآخرون باطلاً إلا أنهم متفقون وبشكل يثير الدهشة على خطأ لا يشك فيه منصف إلا وهو الوقوف في وجه مطالب الشعب الكردي !!
بكل صراحة لا أستغرب موقف العلمانيين العرب من القضية الكردية لأن الأرضية التي ينطلق منها العلماني هي القومية فربما أعمته العصبية وأخرجته من توازنه المطلوب .
أما أن أجد موقف الإسلامي أشد قومية وأسوأ عنصرية من العلماني تجاه القضية الكردية فذلك المثير للدهشة، ولا أدعي هذا الكلام من خلفية صراع إيولوجي فالكل يعلم بأني – والحمد لله – ذو توجه وخلفية إسلامية ولكني لم ولن أقبل المساومة الفكرية والعقدية للتنازل عن حقوقي المشروعة، والإسلام علمني ألا أكون شيطاناً أخرساً بالسكوت عن الحق وإظهاره فما بالك والحق لشعبي وأهلي وبني جلدتي !
ولم أتعود للرد سريعاً على من وقع في هذا المستنقع النتن كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( دعوها فإنها نتنة ) قد يتراجع صاحبه عما صدر منه ويبرر أسباب سقوطه فربما كانت السقطة زلة !! وخاصة من إنسان لم نتعود منه ذلك !!
هذا ما حصل معي تجاه السيد علي صدر الدين البيانوني، الذي أكن له الاحترام – فهو أكبر مني سناً – والتقدير – لمسيرته النضالية بغض النظر عن الاختلاف في التوجهات – فبكل صراحة أثارت تصريحاته لقناة العربية أدهشتي وكأني أرى شخصاً آخر وليس بالبيانوني الذي كان يخرج على الفضائيات أيام تسلمه لمنصب المراقب العام للإخوان ويعلن مواقف جريئة تجاه الكرد وقضيتهم، حتى أني صنفته يومذاك بأنه يصرح بذلك كإنسان مستقل لا كواحد من جماعة الإخوان لأني ما عهدت ذلك منهم وبالجرأة التي كان يظهر فيها ..
هذه المرة كان على العكس تماماً، وكأني به يقول : أنا نادم على كل ما اعترفت به فيما يتعلق بحقوقكم أيها الكرد، حتى نبرة الصوت وحالة التوتر التي ظهر فيها السيد البيانوني كانت مثيرة للدهشة وهو الذي عرف بتوازنه الهادئ ، ألهذه الدرجة كانت القضية الكردية تثير زوابع التوترات النفسية ؟!!
سأتناول النقطتين اللتين تحدث فيها البيانوني رداً على أسئلة مقدم البرنامج :
أولاً : فيما يتعلق بحقوق الشعب الكردي وهوية سوريا :
فقد رد البيانوني بأن الشعب الكردي يعتبر مكوناً أساسياً من مكونات الشعب السوري ، وهذا كلام جميل إلا أن تحديد الهوية السورية بأنها عربية وإخفاء الهوية الكردية جرح لمشاعرهم ، وهنا أتساءل لو حصل في ظل حكم نظام البيانوني أن أهالي المناطق الكردية صوتوا لتسمية مناطقهم باسم كردستان وإعلان هويتها الكردية ضمن الدولة السورية العربية كما هو الحال في كردستان العراق الآن مع وجود غير الأكراد إلى جنبهم هل سيرضي البيانوني بمطالب الأكراد بناءا على أن الأغلبية هي التي ستقرر !! إن قبل بذلك وأقر به فاعلنها ومن على هذا المنبر بأني معه في جميع ما صرح به ، ولكني متأكد بأنه لم ولن يرضى بذلك، لأنه وتنظيمه ومع كل أسف لم يتخذ مثل هذا في برامجهم وأدبياتهم .
وإلا يا سيد بيانوني كما لا تقبل بما طرحته لك بادعاء إثارة النعرات فأنت الذي بدأت بها بفرض العروبة بحكم أغلبيتها، وأنا متاكد بأنك وجماعتك لن تطرحوا دعوة تغيير اسم  سوريا إلى ( الجمهورية الإسلامية السورية ) لأنكم جميعاً تنادون بحقوق المواطنة والشراكة وحقوق غير المسلمين، فإذا كنت قد تخليت عن اسم سوريا الإسلامية احتراما لمشاعر الأقليات وهو أمر محمود أوافقك عليه فاحترام مشاعر الأكراد كقومية أهم بكثير بسبب ما عانوه من ظلم وقهر وتشريد وحرمان .
ثانياً : الموقف من حزب العمال الكردستاني :
كل من يعرفني يعلم بأني لست من أعضاء حزب العمال الكردستاني ، ولأفيدك علما بأني كتبت في عام 1990م رسالة إلى الزعم الكردي عبد الله أوجلان منتقدا فيها بعض آرائه تجاه بعض القضايا الفكرية وكنت يومها طالباً في بدايات المرحلة الثانوية، سلمتها لبعض أصدقائي الذين كانوا من أنصار الحزب آنذاك ، ووعدوني بإيصالها لأوجلان ..


لكني في الوقت نفسه أقف بكل احترام وتقدير وإجلال أمام كل نقطة دم أريقت من أجساد أولئك الأبطال الذي ما رخصت أرواحهم لديهم إلا من أجلنا نحن الكرد ، سواء اتفقنا معهم فكريا أو اختلفنا – وكم أستغربت من وصفك لهم بأنهم إرهابيون بصورة حتى لم تعقب بشرح ونصيحة ودعوة للتصالح وبناء سلام وتوجيه رسالة إلى أردوغان على الأقل تدغدغ فيها مشاعر الكرد ..
أنا لست مع قتل الجنود الأتراك ولكني في الوقت نفسه ضد قتل الكرد ممن يدافعون عن حقهم المشروع سواء في تركيا أو غيرها .
يا سيد بيانوني أنت الآن ومن حيث لا تشعر تبرر للنظام السوري قتل الجنود والمنشقين ومن يحمل السلاح في وجهه بحجة أن كل من وقف مطالبا حقه بقوة السلاح فهو إرهابي !! فماذا تقول لأخ دافع عن نفسه وطالب بحقه المسلوب من قبل أخيه المغتصب لكافة ممتلكاته ، هل ستصفه بانه إرهابي ؟!! إنها معادلة خاطئة يا سيد بيانوني على الأقل بسبب تعميمك في كيل الاتهامات ضد أكراد تركيا .
كنتُ وما زلت معجب بالإصلاحات التركية عموماً وما يخص الكرد خصوصاً لكني لا أتفق معك بأن من يعارض الحكومة فهو أرهابي !! ولا تنس يا سيد بيانوني أنت تتكلم عن أكثر من ثلث الشعب في تركيا !!
وقبل الختام أريد التنويه لنقطة لا شك أنك أدرى مني فيها ، كنت بغنى عن الزج بنفسك في الحكم على حزب العمال الكردستاني ذو القاعدة الجماهيرية بين الأكراد عموماً، ولا تخسر – انت وجماعتك – الأكراد بجرح مشاعرهم لترضي أردوغان وتدغدغ مشاعره وأصحابه، فالرجل كالقط الذي كيفما رميته وقف على رجليه ، ولا يحتاج إلى فتاويك !!

كتبتها يوماً لإسماعيل هنية كفاكم إحراجاً للدعاة والعلماء المسلمين بين الكرد فكما أنك لا تتنازل عن عروبتك وهويتك إرضاءا لمشاعر قومييك فلا تنس بأن العلماء الأكراد لا يرضون أيضا أن يقفوا في وجه أبناء جلدهم من القوميين بل ويتمترسون جميعا في خندق واحد للمطالبة و الدفاع عن حقهم مشروع … طبعاً وأنا أولهم ..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…