أحوال بائسة وأزمة مستشرية في كل جانب ونتائجها هو التيه والتشتت واللامبالاة والوهم والوهن وفقدان الثقة .
إذ كيف سيكون المصير ونحن مبتلون بمناهج وسلوكيات قد أصبحت سدا منعيا للعبور إلى الطرف الآخر وأصحابها مغرورة إلى حد السخف ولا تصلح لشيء سوى التأسيس لنزعة التخريب والتفرقة والفوضى لتبقى هي فقط على غرار سلوك حزب البعث الحاكم.
كذب من قال بأننا لا نعيش حالة من الفراغ التنظيمي وغياب الإرادة السياسية وتشرذم النخبة وانتشار الفرقة والفوضى وضبابية المشروع المستقبلي في هذه الظروف الخاصة والاستثنائية أو في أفضل الأحوال نعيش الأزمة والخلل في مختلف نظم الحياة كمجتمع كردي.
فهذا الأمر لا يحتاج إلى الكثير من التشخيص والبحث والبراهين والمناقشة حيث الواقع الراهن والماضي القريب يشهدان على ذاتهما وهذا ما نتلمسه في حياتنا بشكل يومي وميدانياً وما نمتلك من الثقافة والسلوك ذو نزعة تميل إلى الفوضى والتخريب والضياع في الوقت الذي يكون وجودنا مع الآخرين زائفاً ولا نمتلك سوى مقدرة ضئيلة على البناء والإنجاز فهي كلها مؤشرات وعلامات دالة على أننا شعب بلا قيادة على الصعيد السياسي والثقافي والفكري ونعيش أزمة بنيوية في الصميم.
علماً أن القيادة لا تعني اجتماع عدد من الأشخاص في مكان ما ليضعوا بعض القرارات وتعين لنفسها عدد من الأهداف.
كما أن وجود عدد من الأحزاب الكردية الصغيرة والضعيفة ذات مواصفات تقليدية ورديئة حسب مفاهيم العصر سواء كثرت أو قلت فلا تعني مطلقا وبكافة مقاييس علم الاجتماع ومنطق السياسة بأنها تستطيع القيام بمسئولياتها وتفرض نفسها من خلال عملها المنتج على المجتمع الكردي بدون وحدة الإرادة والتنظيم العصري والوسائل العملية وجبهة واسعة من كافة الشرائح الشعبية ومرجعية واحدة كضرورة تاريخية وقومية للكرد ولكن ذلك الزعم الواهم قد أودى بالكرد إلى السكون وشفا الهاوية حتى الآن .
فلم تستطع قيادة الأزمة ومواكبة التطورات التي تجري في طول البلاد وعرضها وهي لا تستطيع حتى قيادة ذاتها تنظيميا وتعلن عن إفلاسها وعجزها بشكل دائم على كل مشروع تقدم عليه وكان آخره مشروع المؤتمر الكردي .
هناك حقيقة ساطعة تمر أمام أعيننا ليل نهار ولا ندرك حقيقة وجودها ولا نكتشف أسباب استمرارها دون أن تغير من شكلها وسلوكها ألا وهو التقليد السياسي الذي يعيشه الشعب الكردي وأدى نتائج سلوكه التقليدي إلى نتائج وآثار سلبية وزاد في جسمه ضعفا وترهلا باعتماده على المنظومة الحزبية الكلاسيكية ويعزى السبب إلى عدم امتلاك تلك المنظومات الحزبية حتى هذه اللحظة الرؤية السياسية ومنهج العمل وآلية التفاعل مع الأحداث والمستجدات وابتكار وسائل الحركة.
إن قيادة الشعوب وإدارتها فن ومهارة وليست علما مجردا وترويضا ورغبة أو نزعة هاوي.
إنها فعل وتضحية وحنكة سياسية في إدارة الأزمات بشجاعة.
وليست أقوال مجردة فارغة واستعراضات شكلية وخطابات إنشائية.
بل هي إبداع وخلق وإصرار وإرادة وكما هي ليست كسلا ولامبالاة ونفاق.
بل إنها المسئولية التاريخية بعيدا عن الامتيازات والمصالح والأنانية.
فلم يذكر التاريخ قط أن قيادة كانت ضعيفة وبليدة قد انتصرت يوما ما، إلا إذا كانت صفة الضعف هي مصدر القوة لديها ومصدر قوتها وسر بقائها كما هي الحيوانات الضعيفة والوضيعة وما قام أساس إلا وكان وراءه نخب واعية لذاتها ولحقيقة وجودها وفي هذه القضية بالذات يكمن سر القيادة القوية والتاريخية الناجحة.
في هذه العلاقة المتساوية يكمن سر النجاح في تحقيق الأهداف وصنع الأمجاد.
إن أي قيادة أو إدارة، مهما كانت أهدافها، لا تنال صفة القيادة إلا إذا فرضت نفسها على من هم حولها لا بالقوة والإكراه بل بقدراتها ومواهبها وإنجازاتها.
فالكرد لا يحترمون من يزعم قيادتهم لأنهم لم يفرضوا علينا الاحترام من خلال جدية المسئولية ولا يعيرون الاهتمام الكثير بمشاعرهم ولا تسمع أصواتهم.
إن أفضل القيادات هي التي تكون قائدا في كل شيء وتسعى أن تكون كبيرة رغما عنها في كل زمان ومكان، فالناس دائما يقدرون من يدهشهم بقراراته وأفعاله.
فكل عظيم جميل ومحبوب، أما الضعفاء فهم لا يصلحون لشيء سوى تجسيدهم لعبوديتهم، وإن أفضل الأعمال هي ما يحققه الرجال بأنفسهم .
فكل قيادة لا تحصل على العون من مرؤوسيها إلا إذا عرفوا بأن قيادتهم قوية ومبدعة وحازمة وشجاعة وقوية الإرادة.إن أهم شيء يطلب من الكرد من نخبهم الواعية الآن هو أن يعرفوا ما ينبغي القيام به وما يجب تجاهله وتركه، وكلا الأمرين هما بنفس الدرجة من الأهمية.
إن ما يجب إدراكه تماما هو كيفية اختيار قياداتهم ودقة الأهداف واختيار الآليات المناسبة للوصول إليها وتحقيقها والبحث عن الطرق المثلى للنهوض، والوقوف على كل المشاكل بجدية تامة والصمود أمام الأزمات الداخلية والخارجية بحكمة المفكر وعقل الفيلسوف.
هذه هي أول خطوة صحيحة في إيجاد القيادة السليمة .