رستم محمود
يراوح موقف المهتمين بالشأن العام والمثقفين السوريين من الانتفاضة الشعبية المندلعة في البلاد منذ سبعة أشهر، بين مناصر ومشترك بها، هؤلاء الذين يصنفون كمثقفين في صفوف المعارضة السورية، وبين تيار آخر ينعتها بصفات ونعوت يزيل عنها أي وجه تحرري وتقدمي وشعبي، وهؤلاء من يسمون بمثقفي السلطة.
بين هذين النمطين الواضحين للمثقفين السوريين ثمة شكل ثالث أعقد حالا وأشد ضبابية.
هؤلاء هم النوعية التي لا تستطيع أن تغلق عينها تماما عن الواقع الموضوعي لحال البلاد السورية، كما يفعل مثقفو السلطة، بالتعامي عن مشاهدة مئات الآلاف من المواطنين الذين يخرجون بصدورهم العارية للدفاع السلمي عن قيم العدالة والمساواة والديموقراطية ودولة القانون، لكنهم بالمقابل يضعون مجموعة من الملاحظات «الهامشية» على هذه الانتفاضة بحيث تعمل ملاحظاتهم تلك على تفريغ الانتفاضة من روحها الحق.
يراوح موقف المهتمين بالشأن العام والمثقفين السوريين من الانتفاضة الشعبية المندلعة في البلاد منذ سبعة أشهر، بين مناصر ومشترك بها، هؤلاء الذين يصنفون كمثقفين في صفوف المعارضة السورية، وبين تيار آخر ينعتها بصفات ونعوت يزيل عنها أي وجه تحرري وتقدمي وشعبي، وهؤلاء من يسمون بمثقفي السلطة.
بين هذين النمطين الواضحين للمثقفين السوريين ثمة شكل ثالث أعقد حالا وأشد ضبابية.
هؤلاء هم النوعية التي لا تستطيع أن تغلق عينها تماما عن الواقع الموضوعي لحال البلاد السورية، كما يفعل مثقفو السلطة، بالتعامي عن مشاهدة مئات الآلاف من المواطنين الذين يخرجون بصدورهم العارية للدفاع السلمي عن قيم العدالة والمساواة والديموقراطية ودولة القانون، لكنهم بالمقابل يضعون مجموعة من الملاحظات «الهامشية» على هذه الانتفاضة بحيث تعمل ملاحظاتهم تلك على تفريغ الانتفاضة من روحها الحق.
خطاب هؤلاء يعترف بحقيقة الانتفاضة وحضورها الشعبي، ويعترف بالمقابل بجوانب «التقصير» الحاضرة في بنية العلاقة بين السلطة والدولة والمجتمع السوري، ويعتبر أن ميلهم لقيم الحرية والعدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان ثابت.
لكن بعد كل خطاب مشابه لذلك، يضعون هامشا من الملاحظات على بنية الحراك الشعبي ومطالبه، تحت يافطة «لكن».
حيث إن تلك الملاحظات تتراوح بين نعت الحراك بالدلالة الأهلية وبذلك التحذير من الصدام المجتمعي، وبين اعتباره غير عقلاني وغير ديموقراطي، محمَّلا بالبعد الديني.
هذه النعوت التي قد تصل الى درجة اتهام المنتفضين بالعنف الجسدي والأصولية الذهنية.
وفي مرات كثيرة، يقرأ هؤلاء الانتفاضة بالتفسيرات والعلاقات الخارجية الدولية، وذلك بغية تفريغ المضمون الداخلي لطبيعة المطالب التي ينادي بها المنتفضون.
وتكثر تلك الملاحظات، حتى أن المرء من كثرتها ينسى الخطاب التضامني الذي بدأوا به حديثهم عن الانتفاضة .
يعاني خطاب «اللكنيين» (نسبة الى «لكن«) من هفوة منطقية مركزية.
فالأساس والبدء في حديثهم يكون بالميل لقيم الانتفاضة، وهو ما يجب أن يحتل بحجمه وبالدور الذي يجب أن يبذل في سبيل إثباته مقام المتن.
مقابل أن تبقى الملاحظات والإشارات في مقام الهامشي والثانوي، دورا وحضورا وبذلا.
لكن الذي يجري هو العكس، فالتضامن الأصيل لا يغدو بشكله الحقيقي سوى كونه تصنعا كلاميا هامشيا لا ينزل لمقام الفعل والدفاع والممارسة، مقابل أن تتحول الملاحظات والهوامش إلى متن القصيد وفعله المباشر.
فإن كانت الانتفاضة شعبية ولكن لها بعد أهلي، لماذا لا يقترح هؤلاء «اللكنيين« ممارسات مدنية متفاعلة مع جو هذه الانتفاضة، وبذلك يكون لهم دور بارز في تحديد هوية الحراك.
فالأساتذة الجامعيون هم من هؤلاء، فلماذا لا يقترحون ويمارسون أفعالا احتجاجية على مستوى طبقتهم المدنية وفي مكان فعلهم المدني..
الجامعة؟!.
وإن كانت الانتفاضة موسومة بالبعد الديني، بحيث لا تخرج سوى أيام الجمع ومن المساجد فقط، لماذا لا يخرج هؤلاء أيام الثلاثاء إلى الساحات العامة ومقابل مؤسسات السلطة من برلمان ورئاسة وزراء ؟.
وبتحليل أكثر كشفا، لماذا لا يمتدح هؤلاء الأفعال المنبعثة من قلب الانتفاضة والتي تنافي جوهر ملاحظاتهم؟ لماذا لا يمتدحون خروج الطلبة في الجامعات، ولماذا لا يشاركونهم؟ لماذا لم ينبسوا بكلمة عن اعتقال العشرات من قيادات المنظمة الآشورية الديموقراطية في مدينة القامشلي، بسبب مشاركتهم في الحراك الجماهيري الكثيف في تلك المدينة؟ وما رأيهم في المظاهرات التي تخرج في المدن والبلدات التي تخلو ديموغرافيا من الطائفة التي يحذرون من أن الانتفاضة ناتجة عن حراك أبنائها بشكلهم الأهلي.
وأين هم من المواقف الجريئة والبطولية التي يتخذها غيرهم من أبناء الطوائف والتعبيرات المجتمعية الشتى في دعهم للانتفاضة؟.
على الطرف الآخر من الشأن، فإن خطاب «اللكنيين« يخلو من أي موقف ونقد حقيقيين لبنية وطبيعة وممارسات السلطة في سوريا .
فحقا، لو كانت البنية الفكرية السياسية لهذا الخطاب مناهضة للشمولية السياسية في سوريا، فالواجب أن تكون الممارسة النقدية الفكرية والمواقف السياسية لبني هؤلاء، مناقضة ومتباينة وفاضحة لهذه السلطة، بغض النظر عن هذه الانتفاضة ومواقفهم منها.
فحتى لو كانت الانتفاضة الأخيرة تحوي جملة من التناقضات كما يصورها هؤلاء، إلا أن ذلك لا ينفي أن البنية الشمولية الفاسدة للسلطة كانت سباقة لهذه الانتفاضة وتناقضاتها، وهذه الانتفاضة هي رد الفعل على تلك الممارسة، بحيث إن تناقضات الانتفاضة لا تبرر التغاضي عن الممارسة الشمولية للسلطة الحاكمة.
وهو ما لا يمكن أن تجده في خطاب «اللكنيين«، فكل اعترافهم ونقدهم الخجول لهذه البنية السلطوية، لا يعدو غير كونه إعادة التوازن لنقدهم للانتفاضة الشعبية.
حكاية النمر الذي سمع نصيحة الثعلب ليضرب الأرنب المسكين شهيرة جدا، فكلما كان يريد أن يشبعه ضربا كان يسأله عن سبب عدم وجود قبعة على رأسه، والأرنب المسكين لم يكن يستطيع أن يلبسها بسبب أذنيه الطويلتين.
ومرة أراد النمر أن يغيّر الحجة وطلب نصيحة الثعلب، فقال له: اطلب منه تفاحة ولو جلب لك الحمراء قل له لمَ لمْ تجلب الصفراء وبالعكس، وحين طلب منه النمر ذلك، سأله الأرنب الذكي، هل تريدها صفراء أم حمراء يا عزيزي النمر؟ وقتها استشاط النمر غضبا وسأله، أين قبعتك؟ وانهال عليه ضربا .
لا تنتهي الشكوك والمحاذير والملاحظات في عربات قطار التاريخ، لكن من يعتبرون هذه الشكوك والمحاذير والملاحظات قضيتهم، لا دور لهم في هذه الحركة، وربما لا يدخلون حتى عربة التاريخ نفسها .
لكن بعد كل خطاب مشابه لذلك، يضعون هامشا من الملاحظات على بنية الحراك الشعبي ومطالبه، تحت يافطة «لكن».
حيث إن تلك الملاحظات تتراوح بين نعت الحراك بالدلالة الأهلية وبذلك التحذير من الصدام المجتمعي، وبين اعتباره غير عقلاني وغير ديموقراطي، محمَّلا بالبعد الديني.
هذه النعوت التي قد تصل الى درجة اتهام المنتفضين بالعنف الجسدي والأصولية الذهنية.
وفي مرات كثيرة، يقرأ هؤلاء الانتفاضة بالتفسيرات والعلاقات الخارجية الدولية، وذلك بغية تفريغ المضمون الداخلي لطبيعة المطالب التي ينادي بها المنتفضون.
وتكثر تلك الملاحظات، حتى أن المرء من كثرتها ينسى الخطاب التضامني الذي بدأوا به حديثهم عن الانتفاضة .
يعاني خطاب «اللكنيين» (نسبة الى «لكن«) من هفوة منطقية مركزية.
فالأساس والبدء في حديثهم يكون بالميل لقيم الانتفاضة، وهو ما يجب أن يحتل بحجمه وبالدور الذي يجب أن يبذل في سبيل إثباته مقام المتن.
مقابل أن تبقى الملاحظات والإشارات في مقام الهامشي والثانوي، دورا وحضورا وبذلا.
لكن الذي يجري هو العكس، فالتضامن الأصيل لا يغدو بشكله الحقيقي سوى كونه تصنعا كلاميا هامشيا لا ينزل لمقام الفعل والدفاع والممارسة، مقابل أن تتحول الملاحظات والهوامش إلى متن القصيد وفعله المباشر.
فإن كانت الانتفاضة شعبية ولكن لها بعد أهلي، لماذا لا يقترح هؤلاء «اللكنيين« ممارسات مدنية متفاعلة مع جو هذه الانتفاضة، وبذلك يكون لهم دور بارز في تحديد هوية الحراك.
فالأساتذة الجامعيون هم من هؤلاء، فلماذا لا يقترحون ويمارسون أفعالا احتجاجية على مستوى طبقتهم المدنية وفي مكان فعلهم المدني..
الجامعة؟!.
وإن كانت الانتفاضة موسومة بالبعد الديني، بحيث لا تخرج سوى أيام الجمع ومن المساجد فقط، لماذا لا يخرج هؤلاء أيام الثلاثاء إلى الساحات العامة ومقابل مؤسسات السلطة من برلمان ورئاسة وزراء ؟.
وبتحليل أكثر كشفا، لماذا لا يمتدح هؤلاء الأفعال المنبعثة من قلب الانتفاضة والتي تنافي جوهر ملاحظاتهم؟ لماذا لا يمتدحون خروج الطلبة في الجامعات، ولماذا لا يشاركونهم؟ لماذا لم ينبسوا بكلمة عن اعتقال العشرات من قيادات المنظمة الآشورية الديموقراطية في مدينة القامشلي، بسبب مشاركتهم في الحراك الجماهيري الكثيف في تلك المدينة؟ وما رأيهم في المظاهرات التي تخرج في المدن والبلدات التي تخلو ديموغرافيا من الطائفة التي يحذرون من أن الانتفاضة ناتجة عن حراك أبنائها بشكلهم الأهلي.
وأين هم من المواقف الجريئة والبطولية التي يتخذها غيرهم من أبناء الطوائف والتعبيرات المجتمعية الشتى في دعهم للانتفاضة؟.
على الطرف الآخر من الشأن، فإن خطاب «اللكنيين« يخلو من أي موقف ونقد حقيقيين لبنية وطبيعة وممارسات السلطة في سوريا .
فحقا، لو كانت البنية الفكرية السياسية لهذا الخطاب مناهضة للشمولية السياسية في سوريا، فالواجب أن تكون الممارسة النقدية الفكرية والمواقف السياسية لبني هؤلاء، مناقضة ومتباينة وفاضحة لهذه السلطة، بغض النظر عن هذه الانتفاضة ومواقفهم منها.
فحتى لو كانت الانتفاضة الأخيرة تحوي جملة من التناقضات كما يصورها هؤلاء، إلا أن ذلك لا ينفي أن البنية الشمولية الفاسدة للسلطة كانت سباقة لهذه الانتفاضة وتناقضاتها، وهذه الانتفاضة هي رد الفعل على تلك الممارسة، بحيث إن تناقضات الانتفاضة لا تبرر التغاضي عن الممارسة الشمولية للسلطة الحاكمة.
وهو ما لا يمكن أن تجده في خطاب «اللكنيين«، فكل اعترافهم ونقدهم الخجول لهذه البنية السلطوية، لا يعدو غير كونه إعادة التوازن لنقدهم للانتفاضة الشعبية.
حكاية النمر الذي سمع نصيحة الثعلب ليضرب الأرنب المسكين شهيرة جدا، فكلما كان يريد أن يشبعه ضربا كان يسأله عن سبب عدم وجود قبعة على رأسه، والأرنب المسكين لم يكن يستطيع أن يلبسها بسبب أذنيه الطويلتين.
ومرة أراد النمر أن يغيّر الحجة وطلب نصيحة الثعلب، فقال له: اطلب منه تفاحة ولو جلب لك الحمراء قل له لمَ لمْ تجلب الصفراء وبالعكس، وحين طلب منه النمر ذلك، سأله الأرنب الذكي، هل تريدها صفراء أم حمراء يا عزيزي النمر؟ وقتها استشاط النمر غضبا وسأله، أين قبعتك؟ وانهال عليه ضربا .
لا تنتهي الشكوك والمحاذير والملاحظات في عربات قطار التاريخ، لكن من يعتبرون هذه الشكوك والمحاذير والملاحظات قضيتهم، لا دور لهم في هذه الحركة، وربما لا يدخلون حتى عربة التاريخ نفسها .
المستقبل – الاحد 23 تشرين الأول 2011 – العدد 4153 – نوافذ – صفحة 10