m.qibnjezire@hotmail.com
لا أود الدخول في تفاصيل فلسفية عن الأيديولوجيا، فهي متاحة لكل من يرغب؛ في كتب عديدة، وفي مواقع عديدة- ولكنني -كما ذهب بعض الفلاسفة، أجد البساطة في البحث في الاحتياجات المباشرة للناس-الآن- وقد يكون خيرا من بحث في عمق فلسفي يخص النخبة البشرية، بل ونخبة النخبة.
أو حاولوا التفلسف بتصورات مسبقة سياسيا، لكي تترتب عليها نتائج يتوخونها –أو يرغبون في الوصول إليها –وهي سياسية في انطلاقتها، ونتائجها على الأغلب… ولعل هذا المعنى هو الذي نقصده من معنى الأيديولوجيا هنا.
وعلى الرغم من مختلف الشعارات والأحاديث والنصوص في إهاب الفلسفة، وتلك السياسية… والتي حاولت أن تدغدغ أعماق البائسين، والمحرومين؛ بطريقة محترفة – منها مثلا بيان الحزب الشيوعي السوري -الأيديولوجي- الأخير بشأن الأحداث في سوريا – ومواقفهم عموما، فقد كانوا هم الأكثر خطورة-غالبا- من البورجوازيين والامبرياليين([i] )على مصالح هؤلاء الذين يزعمون أنهم يعملون من اجلهم، الخطورة ليست على المصالح الاقتصادية فحسب، بل على تلك الجوهرية روحيا وبنيويا- نفسيا وعقليا.
ومن هذه المصالح الجوهرية والبنيوية …الشعور بالذات بروح خلاقة، وكرامة يستمدون منها حضورهم، وفعاليتهم الخاصة والمستقلة –الحرة- بدلا من التصفيق، وتكرار الهتافات المقدِّسة للأشخاص – قياديون سياسيون – الذين لا يكادون يعتلون المركز حتى يظلون يكرّسون كل التهافت الأيديولوجي من اجل بقائهم في هذه المراكز، و بمختلف الوسائل والأساليب –والمشروعة،هي آخرها غالبا –.
ولا أدل من ذلك ،أن أحدا من هؤلاء الأيديولوجيين لم يترك مركزه إلا بوفاته، وبعد التمهيد لأبنائه وربما أحفاده –
نلاحظ هذا في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي روسيا –امتداد الثقافة السوفيتية على الرغم من بعض التحولات بعد الثورة فيها([ii] ) وفي الصين وفي كوبا وفي مختلف الأنظمة التي تحكم تحت شعار الأيديولوجيا السياسية ومنها النظم العربية المستبدة باسم الأيديولوجيا .
إن دل هذا على شيء، فهو يدل على اتجاه سلوكي لخدمة أجندات خاصة –أيا كانت تسميتها، ولمن كانت؛ أفرادا أو جماعات -0ايا كانت أيضا- تجليها الأنانية والمصلحة الخاصة.
وإذا حاولنا أن نتعمق في مثل هذه الأيديولوجيات نتلمس بوضوح هذه الحقيقة في الحياة الميدانية.
و ينبغي –هنا- أن نتنبه إلى أن الأيديولوجيا -كفكرة وفلسفة- ليست جميعا ابتذالا … لكنها –ربما- جميعا تتجه نحو انغلاق من نوع ما، وبدرجة ما، وخطرة بدرجة أخرى؛ على نمو الطاقة الخلاقة في الكينونة والصيرورة البشريتين.
التجارب قديما وحديثا تعبر عن هذا بلا حاجة للشرح والتفسير؛ اللهم إلا لمن أغلق ذهنه عن استقبال ما يُفترض، بتأثير الأيديولوجيا ذاتها –أيا كانت- ومن ثم لا يدع آفاق هذا الذهن للتفاعل الحيوي مع الأفكار، جديدها وقديمها، صحيحها وباطلها وأشكالها….ومن ثم تصنيفها كما يفترض وفقا للمثل البشرية الأسمى .!
لا يُلام الذين اتجه بهم سبيل البحث الفلسفي إلى اعتناق أيديولوجيا- كنتيجة-.
فالبحث قد يقود إلى أي نتيجة؛ بحسب المقدمات التي انطلقنا منها، مادمنا نبحث فعلا عن الحقيقة.وقد نخطئ في حسن اختيار المقدمات منطقيا….فهي مرحلة ومهارة تحتاج دقة وخبرة كبيرة.والخطأ في السلوك البشري –أيا كان وارد،لكن المهم أن نتقبل التصحيح إذا شعرنا بأننا أخطأنا ولا نكابر ..فليست المكابرة من سلوك العلماء والمثقفين، بل هو من سلوك السياسيين والإداريين والزعماء المغالطين عموما، والذين يستثمرون غالبا المساحات الرمادية في المفاهيم والثقافة عموما…!
إذا لا نلوم من أوصله البحث إلى نتيجة خاطئة، لكننا نلوم الذين وضعوا نصب أعينهم نتائج تترتب على أيديولوجيا ابتكروها- أو حرفوها- لتكون خادمة لمصالحهم السياسية أو الدينية تحت عنوان الفلسفة والبحث الفكري…–وهي في هذه الحالة أيضا سياسية ” [iii] “-.
الدين في حد ذاته ؛اعتناق عقيدة وفقا لإيمان صادق بالنسبة للمتدين في الحالة الطبيعية..ولكن ما يبدو لي، في كثير من الحالات، أن الدين -لدى البعض- أصبح أيديولوجيا لخدمة أجندات مصلحيه، قد تتجلى في صور تعصب من نوع ما.
تماما كما الأيديولوجيين القوميين والأمميين وغيرهم؛ ممن على شاكلتهم؛ اكتشفوا الأثر النفسي الفعال في التأثير على طبقات وشرائح معينة، لما فيها من شعارات يتفننون في إخراجها، وصياغتها، وتزويقها …ويصرفون الجهود والأموال الطائلة لمؤسسات تخدم في هذا الاتجاه، فتدرس نفسية هذه الطبقات والشرائح، وتبتكر لها من الأساليب ما يؤثر عليها، ومن لم يتأثر فهناك أساليب أخرى، ربما منها جرّها إلى مواقع؛ تضطر فيها إلى تقبل ما يُملى عليها، وهي لا تعدم الوسائل لذلك، ما دامت تملك ما يمكنها من فعل ذلك –مال، سلطة، أساليب تعامل، وخاصة تلك التي لا تنضبط بقواعد أخلاقية ايجابية..
في لحظة انشقاق حزبي لأحد الأحزاب اتجه الطرف المنشق إلى الأطفال والمراهقين لدعم عددهم، وتأثيرهم في شق الشارع ،واتجه الطرف الآخر إلى إذكاء الروح القبلية والعشائرية وبناء علاقات خاصة تجارية أو قرابة …وكلاهما يعملان ضد مبادئهما وقيمهما المعلنة وما يتضمنه مناهجهما.
واتُّبعت وسائل مختلفة من اجل مصلحة -هي أصلا ثانوية ووسيلة لغاية كبرى- وزاد بعضها- أحزاب أخرى قومية وأممية- فتدخلت في حياة الناس الاجتماعية، وفي خصوصيات حياتهم، وخلطت بين السياسة والحياة الاجتماعية وامتهنت التهويل، والهجوم المستمر على قيم اجتماعية لا تتناسب مع توجهاتهم، فشوّهوها، وجعلوها مرتبكة، لكي يحتار الناس، ويصبحوا فريسة سهلة لمقاصدهم، وتأثيراتهم بشتى السبل.وهذا نهج ثابت في الأيديولوجيا السياسية خاصة، ومختلف الأيديولوجيات عموما.
واستثمرت ظروف الحالة النفسية لشيوخ محرومين، ونساء محرومات، وشباب لم ينضج بعد..خاصة في ظروف الأمية وانتشار الجهل.بل وفي بعض الحالات اتبعوا أسلوب التوريط بطريقة استخبارية، أو بالاستعانة بها، وأمور أخرى ميدانية أكثر تأثيرا ربما.
وفي حال امتلاك السلطة فكل شيء مسخّر لهذا النمط من السلوك الأيديولوجي للهيمنة .
الأيديولوجيا لدى هؤلاء- بدلا من أن تكون محاولة وسعي من المثقفين والعلماء لمعرفة الحقائق، واكتشاف أسرار الحياة فلسفيا وعلميا؛ لتوضع نتائجها ومنعكساتها في خدمة البشر وتطورهم، أصبحت لديهم وسيلة نافذة لتطويع العقول الحائرة، والنفوس المرتبكة، ومن لم يحتر أو يرتبك فاللجوء إلى وسائل أخرى -تتضمن قوة ما- للوقوع في فخ الحيرة والارتباك، حتى يسهل اصطياده، والهيمنة عليه، وإلا ربما كانت تصفيته جسديا وعقليا أسهل وأيسر سبيلا ،وتحت أسماء براقة :الوطنية والقومية والدين و..و…الخ.
وكلها يصعب على الحائرين والمرتبكين والجهلاء ….تمييزها بنقاء.للأسف فيصح على هؤلاء القول: ” حاميها حراميها “.
………………………..
* كلمة رؤية –هنا- توحي بأن الأيديولوجيا رؤية فلسفية عميقة، لكننا قصدنا رؤية الأيديولوجيين المصلحية –لا الفلسفية- أما المنهج فهو النهج –والسلوك- الذي يتبعه الأيديولوجيون، وهو إخضاع كل الثقافة وما فيها من مفاهيم ورؤى وأفكار وتطبيقاتها لهدف خاص، هو التحكم في القيم والمقدرات وحركة الناس…