خليل كالو
القديم لا ينتج إلا نفسه وكذلك الاستبداد والمتخلف عن العصر, لم يأت هذا القول عبثيا ومن هوى النفس بل هو حصيلة تجارب الشعوب والبشرية وليس بدعة وخرافة هذا الزمان .هذا القول يتجسد الآن على أرض الواقع من جديد فما جرى في شارع عامودا وقامشلو من انقسام في الشارع هو البداية وإذا لم ينتفي الأسباب سيجر الكرد مستقبلا إلى صراعات جانبية ومتاهات هم بغنى عنها وسيكون مصيبة ما بعدها مصيبة في هذه الظروف الحساسة.
لقد ظهر أول نتائج السلبية للمؤتمر في اليوم التالي علما أن كل مؤتمر في الدنيا سواء بين الشعب الواحد والمتحد الواحد أو الفرقاء والمختلفين هو الجمع وليس التقسيم ولم يسجل التاريخ سابقة أن أناس اجتمعوا في زمان ومكان ما لكي يفرقوا ويقسموا إلا نحن الكرد الذي هو سلوك سلفي وعراقة في التقاليد.
بالرغم من كل ما جرى في الأيام السابقة كان كل الخوف من الانقسام ومن ثم الإقصاء والتناحر وها قد حصل فكل ما كان يدعو إليه الكثيرين من الآراء المحترمة لتجنب التفرد بالقرار والنظرة الشاملة للمستقبل والحكمة في التعامل مع الواقع بنفسية ورؤية وإرادة جديدة مغايرة تماما عما كانت من قبل ولكن ضربت الآراء والمقترحات بعرض الحائط وطظطظ القوامون وتفردوا وفشلت كل المساعي التي أرادت أن يعقد من أجله المؤتمر لأسباب قد كتب عنها العشرات من الكتاب والمثقفين ولكن يمكن القول أن من أولى الأسباب الرئيسية المحتضنة لهذه الأزمة ما أقدمت عليها ذهنية الإقصاء والسياسة العبثية والتصرفات الارتجالية عن قصد أو عن سابق إصرار وتصميم في فرض ذاتها كممثل ووصي للكرد متذرعة بأنها ممثلة للشعب الكردي الذي لم ينتخبها يوما بل على أساس أنها تمثل أحزاب لها عمر طويل على الساحة الكردية في الوقت الذي فاتتها شيء جوهري بأن عصرا جديدا قد بدأ وسوف يتم تجاوزها إذا ما أصرت على بنيتها الفكرية وسياساتها الحزبوية دون تغيير وتحديث ولم تستوعب ماهية المرحلة من نفس الرجالات ونفس التنظيمات التي فشلت طوال حياتها السياسية باسم السياسة الكردية وحقوقهم وتعاملت بشكل فج ودكتاتوري مع القوى الشعبية والشبابية الناهضة بنفس النغمة والمنهجية القديمة وإصرارها على قيادة المرحلة بنفسها بدون أدوات عصرية والدعوى بأن على الغير قبولها رغما عنهم كوصي وقيادة والتبعية لها مثلها كمثل النظام السوري الذي لم يستوعب حقيقة ما يجري في الشارع العربي حتى الآن وبعد أن تجاوزه قد أصبحت الأزمة السورية قاب قوسين أو أدنى من التدويل والتدخلات الخارجية ويبحث النظام عن مخرج ولكن يبدو أن القطار قد فاته أيضاً وما زال هناك من يعتقد أن زمام المبادرة في يدهم ويمكن حلها بالبلطجة وتزاد الأزمة يوم عن اليوم الذي سبقه , والآن قد وقعت الأحزاب الكردية الكلاسيكية في نفس المطب وجلبت لنفسها مشكلة لها أول وليست لها آخر وربما يريدها البعض هكذا لأنها وليدة الصراعات وبالصراع يزداد عمرها وهذا النمط من التفكير هو من صلب و طبيعة ثقافة الاستبداد في كل زمان ومكان سواء كان حزبا أو نظاما أو فردا فطبيعة الاستبداد واحدة ومنهج عمله ونظرته إلى الحياة وإلى الآخرين واحد لا يتغير .
حينما صرخ الكتاب والمثقفين عالياً بأن يسعى النخب المسئولة من الأحزاب والقوى الاجتماعية والشبابية إلى لم شمل الكرد في قرار واحد كان هدفه الأول والأخير هو تجاوز الكرد المرحلة بأقل الخسائر وببعض النجاحات.
ولكن لم تدرك الأحزاب والكثيرين من الذين حضروا المؤتمر عواقب الأمور فيما بعد وأهملت أو تغاضت الطرف بأن هناك قوى أخرى لها الحق بالتعبير عن نفسها كقوى ناهضة طبيعية, وإذا ما وقفت القوى القديمة في وجهها سوف يكون رد فعلها الرفض وعدم القبول باحتكار تلك القوى لفعالياتها والساحة السياسية والثقافية وهي أيضا طموحة وعنيفة ولها حق وسوف تعكر عليها الأجواء ولكن تم التعامل منذ البداية مع تلك الشرائح من باب الاستيعاب والتكتيك و المناورة والاستعراض والتشفي والحزبوية والأنا مجتمعة وفي نفس الوقت استهترت بالرأي الشعبي ولم تلاحظ أن تغييرا كبيرا قد حصل في نمط وتفكير وثقافة وسلوك وسيكولوجية الشرائح الشعبية أيضاً والكثير من النخب التي كانت مهمشة طوال العقود الماضية سوى أنفها وكانت في غياب تام عن أمر وطموحات وخلجات النفوس ولبست نظارات سوداء كي لا ترى عما يجري من حولها علما بأن لدى الكثيرين ممن كان يراقب الأوضاع اعتقاد سائد وقطعي أن هذه الأطر الموجودة القديمة لن تغير في نفسها وسوف تتعامل مع الواقع الجديد بنفس الأساليب والأدوات وتاريخها يشهد على أفعالها لأنها استنفذت كل قواها بعد أن دعكها النظام البعثي قرابة أربعة عقود .
الآن نحن أمام وضع ومستجدات وظاهرة خطيرة غير حميدة وستطهر نتائجها في الأيام القادمة وانطلاقا من المسؤولية التاريخية القومية والأخلاقية يجب أن يسعى الجميع دون استثناء إلى تلافي الأسباب التي أدت إلى انقسام الشارع والصفوف من تشتت وما سوف يؤدي من خلق الصراعات والتهيئة لأجواء سنوات العجاف وما قبل 15 آذار من تشتت بين أبناء الشعب الواحد وهنا بات الأمر أكثر خطورة من ذي قبل والعمل على جمع شمل الكرد بعيدا عن الحزبوبة والوصاية والاستفزاز والتهيئة لأجواء أكثر ديمقراطية وأخوية وأن يقر المؤتمر الحزبي بأنه يمثل الأحزاب ومن يؤمن بسياساتها ومن لف لفها وترك الآخرين في شأنهم أيمانا من الجميع بحرية الرأي والتعددية والديمقراطية .ربما هذا هو قدرنا نحن الكرد كلما اجتمعنا افترقنا أكثر …