بقلم: رئيس التحرير
لاشك أن المواطنة كمبدأ وكمساواة تامة بين المواطنين لا أحد يرفضها ، كونها بالأساس إحدى أهم الركائز الأساسية لقيام أية دولة ، إذ لا دولة من دون مواطنة أو مواطنين ، ذلك ما ذهب إليه عموم علماء المجتمع والسياسة قديما وحديثا ، وتتجلى أهمية هذا المبدأ(المواطنة) في فكرة تحقيق القيم الفعلية أخلاقيا وسياسيا للإنسان ككائن اجتماعي ، بما يعني المساواة الحقيقية التامة بين المواطنين أفرادا ومكونات اجتماعية وثقافية ، ودون تمييز بسبب الانتماء السياسي أو القومي أو الديني ، واعتماد هذه المساواة بحسب الكفاءات والمؤهلات في بناء مؤسسات الدولة وتطويرها ، وهذا ما لا خلاف عليه ، وبهذا المعيار وعبر التدقيق العلمي في بعض جوانب هذا الموضوع ومناقشته وفق المعطيات العلمية والعملية وخلال إسقاطات على واقعنا القائم ، قد يثير الجدل حول مدى توفر المقومات والعوامل الأساسية لقيام دولنا ، الأمر الذي يبعث على حفيظة البعض مما يثار ..
واضح أن الخلاف بين أصحاب الرأي ، ليس في قبول هذا المبدأ أو رفضه في الجانب النظري على الأقل كما أسلفنا ، بل يكمن في كيفية تطبيق أو ممارسة هذا المبدأ ؟ ولاسيما في واقع مجتمعاتنا ودولنا التي تمتاز بتركيبة واضحة من ألوان الطيف الاجتماعي والثقافي والقومي والديني والسياسي ، ذلك بين من يرى أن التعددية القائمة تقتضي حياة ديمقراطية جديدة تضمن لها كامل حقوقها وفق دستور يراعي كل المكونات القائمة ، وعبر التوافق على الحقوق والواجبات و من خلال كياناتها الخاصة بغية حماية خصوصيتها في عملية التطور السياسي والثقافي والاجتماعي ..الخ ، وبين من يرى ضرورة الاعتماد على الأفراد في تطبيق هذا المبدأ عبر الحياة الديمقراطية والولاء الوطني فقط ومن خلال الكفاءات والمؤهلات في بناء مؤسسات الدولة ومنشآتها التي ترسم سبل وآفاق تطورها ، بدل مبدأ تقاسم السلطة لتبوء المناصب والمراكز الحكومية ، مع حرية ممارسة الثقافات والطقوس الدينية ، لأن الكيانات الخاصة – برأيهم- قد تثير المخاوف من مغبة التمزق والانشقاق في كيان الدولة الواحدة ..
لذلك فإن المرحلة بكل ما تحمل من سمات التغيير والتحول الديمقراطي تقتضي التركيز على توفير عوامل الثقة المتبادلة بين كل مكونات مجتمعاتنا ، وذلك بالتواصل المستمر فيما بينها ، كما تقتضي وضع مفاهيم ومبادئ معرفية مشتركة تتناسب مع مستوى التطور الذي نعيشه معا ، أي تأسيس ثقافة عصرية ديمقراطية مشتركة ترسي دعائم العدل والمساواة دون هيمنة أية جهة كانت قومية أو سياسية أو دينية على أخرى .
وهكذا فإن اعتماد مبدأ المواطنة بمعناه الحقيقي ربما يحتاج إلى قطع مراحل ومسافات من الوعي والمعرفة عبر المستويات الديمقراطية الأخرى للوصول إلى هذا الطرح ، لأن اعتماد هذا المبدأ بشكل دقيق يأتي في مرحلة ديمقراطية متطورة ، وليس في مجتمعاتنا هذه التي ما تزال تعيش مراحل حساسة وصعبة من تداخل التشكيلات الريفية والمدنية ، وهي ما تزال تحمل في ثناياها أنماط تفكير بقايا ثقافات ماضوية من براثن العهود والأمجاد الغابرة في معترك الصراعات الدينية والطائفية ونزعة العصبيات القبلية و القومية ، والتي استثمرتها الأنظمة الاستبدادية وأضفت عليها طلاء ثقافتها ولو بقوالب وأنماط جديدة ، تلك الثقافة المبنية “على نظرية المؤامرة ” ونفي الآخر القومي والديني والسياسي عبر القمع والتنكيل به .
وغني عن البيان ما لاقاه شعبنا الكردي – كما ذكرنا – من صنوف الاضطهاد القومي وأشكال التآمر بمختلف الوسائل والأساليب على قضيته القومية في عموم مناطق وجوده المحلي والإقليمي وعبر اللقاءات بين الدول المعنية وحتى الآن ، مما يقتضي الحيطة والحذر من الوقوع في شرك تلك الممارسات والعقليات ، والتعويض عنها بالتفاعل الموضوعي عبر مد جسور من الثقة والتفاهم والتآلف ، والتأسيس لثقافة ديمقراطية جديدة في مواجهة تلك الثقافات الانعزالية الضيقة ، وقطع مراحل من التطور الديمقراطي عبر الاعتراف المتبادل بخصوصية كل منها وبالحقوق والواجبات وفق أسس من العدل والمساواة التامة بين الجميع .
ولكل ما ذكر أعلاه ، فإن طرح مبدأ المواطنة في هذه المرحلة الهامة من عمر البلاد كأساس لحل القضايا الوطنية ومنها القضية الكردية ، واختزال الحقوق جميعها في هذا المبدأ العام إنما يثير الريبة ، لاسيما يتعارض مع كيفية تطبيق هذا المبدأ في أماكن كثيرة من العالم ، وخصوصا تلك التي تمتاز بالتعددية الثقافية أو القومية أو حتى الدينية ، لنتساءل : هل المواطنة مطوية في دولة مثل كندا ؟ ومقاطعة كيبك لها خصوصيتها ! هل المواطنة ملغية في المملكة المتحدة (بريطانيا ) ؟ أليست هي الأخرى دولة مدنية ويسودها مبدأ المواطنة ؟ وهي في الواقع العملي مؤلفة من أربعة كيانات لكل منها خصوصيتها .
أما الذي يحصل عندنا من خلال طرح هذا المبدأ (المواطنة) هو على ما يبدو للالتفاف على الخصوصية القومية لشعبنا الكردي وبقية المكونات القومية الأخرى في سوريا ، وهذا ما يتعارض مع الحل الموضوعي لقضية شعبنا القومية ، الحل الذي يكمن في الاعتراف الدستوري بالخصوصية القومية وفق المعايير والقوانين الدولية وبما يتوافق مع علم الاجتماع السياسي والعلوم الإنسانية الأخرى في هذا الصدد ، ومن ثم اعتماد مبدأ المواطنة في بناء الدولة المدنية الحديثة التي تكفل الحريات الديمقراطية للجميع وتحقق المساواة بين الجميع دون أي تمييز أو امتياز لأحد.
جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (435) تموز 2011