ليس صدفة أن يتخطى الشاعر السجالي الفضاء العربي ويصل بهويته المتعددة الى قطف جوائز عالمية كان آخرها «جائزة غوتة».
أدونيس عشق شعره حتى الثمالة، فابتكر، وحفر في لغته المليئة بالرموز.
انه في قصائده كمن يسلك مسالك المتصوفين، الذين حطموا الطقوس والعادات.
منذ زمن، اختار المنفى باحثاً عن حرية منشودة في العواصم الكبرى، ويبدو أن بيروت كانت له محطة ثانية بعد باريس.
وما ان نشر أدونيس مقاله الأول في صحيفة «السفير» اللبنانية «رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد الإنسان، حقوقه وحرياته، أو الهاوية» حتى أثار كعادته زوابع من الردود بين مؤيد ومعترض.
لم يحضر ربيع سورية أو «التمرد» كما يسميه أدونيس في صلب أفكاره مباشرة، إذ بدت له «الملحمة الدمشقية» أبعد من تسجيل المواقف ومناصرة الثوار.
الثورة عنده تبدأ بتغيير المفاهيم العميقة وليس الاكتفاء بإسقاط النظام، وهنا نجده ينتقد بشدة «المعارضات» السورية لأنها حتى اللحظة لم توضح للرأي العام ماذا تريد؟ مؤكدا أنها تتحدث عن المجتمع المدني والتعددية والديموقراطية من دون أن تحدد موقفها من الفصل بين الديني والسياسي.
رسالته الى الرئيس السوري حملت في طياتها معاني متشعبة تمحورت حول معطيين أساسيين: الحرية وحقوق الانسان.
أدونيس يعلم بعين الرائي أن الارث ثقيل ويحتاج الى تفكيك، وهو شديد الاصرار على ضرورة الفصل بين الديني والسياسي، علما ان حزب البعث في تجربته التاريخية لم يغير في رأيه هذا المزج الحاد بل على العكس تماهى مع منهجه وأدواته وشروطه.
من أين البدء مع أدونيس؟ من الترات أو الاصلاح أو «الجرح» السوري أو المأزق التاريخي للديموقراطية في الصحارى العربية أو موقع المعارضة السورية وغاياتها واهدافها؟ كل هذه النقاط وغيرها تطرقت اليها «الراي» في حوار مع ادونيس هنا وقائعه:
• في مقالك «رسالة مفتوحة الى الرئيس بشار الأسد» خلصت الى أن العرب لم يعرفوا الديموقراطية على المستوى السياسي لا في تاريخهم القديم ولا في تاريخهم الحديث.
ما الذي يمنع تطبيق الديموقراطية في العالم العربي؟
أولاً، مفهوم الديموقراطية حديث والدولة العربية الأولى نشأت قبل نشوء الديموقراطية، هناك تفاوت تاريخي كبير.
ثانياً، نشأت الدولة العربية في اطار ايماني في اطار رسالة معينة، ولذلك تبلورت داخل نظام خاص فيها، نظرياً كان اسمه الشورى ولكن تطبيقياً لم تكن الشورى قائمة إلاّ أحياناً في اطار التشاور بين القبائل، ولم تتم على مستوى المؤسسات والأفراد كما يحصل اليوم في الاطار الديموقراطي.
النقطة الثالثة أن الديموقراطية تطول الفرد بينما التركيز في الاسلام هو على الأمة، الفرد غير موجود إلاّ بوصفه عضوا في الأمة، لذلك لا يعني المفهوم الديموقراطي شيئاً كبيراً بالنسبة الى الاسلام لأن مفهوم الفرد يعني الشخصية الحرة.
هذا لا يعني على الاطلاق عدم إمكان نشوء الديموقراطية في المجتمع الاسلامي العربي، لكنه يعني أنه لا بد من إزالة كل ما يعوق نشوء الفرد كفرد لا ينتمي الى دين ولا الى طائفة بل الى المجتمع.
ولكن السؤال هل نقدر على ذلك؟ هذا يحتاج الى نضال طويل، نحن العرب دائماً مستعجلون على كل شيء وليس لدينا الصبر على النضال ولا على ألم النضال، لذلك نسمي الأشياء كما نشاء.
نحن نستسهل الأسماء والمسميات، شخص يكتب مقالاً فلسفياً نسميه فوراً فيلسوفاً، لا نحترم المفهومات والتسميات.
الخلاصة أن الدول العربية الاسلامية لم تعرف الديموقراطية .
• أشرت الى ضرورة الفصل بين الديني والسياسي.
بعد دراستك للتراث هل الإسلام قادر على إحداث القطيعة بين الإلهي والدنيوي؟
اليوم يمكن الحديث عن إسلامات عدة، أي نظريات عدة عن الإسلام.
رغم سيطرة الإسلام الرسمي السني، لم يعد هناك مفهوم واحد يتحدث عن إسلام واحد والبقية كفار، صار هناك اسلام سني واسلام متنور ومتعدد، ومن المستحيل ايجاد مرجعية مطلقة لهذا الاسلام المتعدد، حتى لو كان الأزهر، ورغم أن الأزهر له مرجعيته، فان بعض المسلمين يرفضونه.
إذا استطاع المسلمون التعرف على التحولات الجارية في العالم الحديث، وهذه التحولات أدت الى انقلابات هائلة، يمكنهم تحديث كل شيء في الفن والسياسة والتنمية، وبالتالي يمكنهم أن يصبحوا مواطنين ينتمون الى هذا العالم، أكثر مما هم مواطنون ينتمون الى القرن الاول هجري وفي اسوأ تقدير هم مواطنون ايمانياً في القرن العشرين.
هذا الايمان يطبقه المسلم في موازاة استخدامه لوسائل الحياة الحديثة، وهذا ما نلحظه في مجتمعات عربية عديدة من بينها مدينة دبي، فهي تأخذ من الغرب كل ادواته وإن أبقت وضعها الايماني القديم، فيما المطلوب تعزيز الانتماءات الى المجتمع والى السياقات الثقافية والحياتية في العالم.
• ما تقدمت به يحيلنا على نظرية ولي نصر التي تقول ان الطبقة الوسطى في العالم العربي المفتوحة بدورها على اقتصاد السوق يمكنها التخفيف من حدة الإسلام المتشدد، وقد اتخذ نصر من امارة دبي نموذجا لتوضيح نظريته.
ما رأيك؟
في الواقع أنا لا أعول كثيراً على مفهوم الطبقات في دراسة المجتمعات الإسلامية، أي طبقة وسطى في العالم العربي يمكن أن تكون متسامحة ومنفتحة ويمكن أن تتقبل أشياء، وتستفيد من مختلف انجازات الحضارة الغربية.
التمسك بالايمان الديني قد لا يختلف على مستوى الدرجة بين طبقة وأخرى، أما في النوع بمعنى العلاقة مع الاسلام، فليس هناك أي تحول ملحوظ، العامل قد يكون أكثر ايماناً بالدين من رب العمل او العكس تماماً.
يمكن المسلمون أن يخلقوا مجتمعاً انسانياً قائماً على الفصل الكامل بين الدين والدولة، وفي رأيي أن استخدام الدين سياسياً يمثل ذروة العنف، وهذا العنف ليس ضد الآخر غير المسلم فقط بل ايضاً ضد المسلمين أنفسهم، لأن هناك مسلمين لم يعودوا مؤمنين وهناك مسلمون يرفضون فكرة الايمان الديني.
عندما يحصل الفصل بين الدين والدولة على كل المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية بحيث يصبح الفرد حراً ومرتبطاً بالمجتمع لا بالدين، عندها يمكن الحديث عن نشوء الديموقراطية والدولة الحديثة.
العبارات المطاطة اليوم في العالم العربي تتحدث عن الدولة المدنية مثل الجمعيات الخيرية، الدولة المدنية تنص على فصل الدين عن الدولة.
كان لي مأخذ على قياديي الانتفاضات العربية الحديثة، هو أننا لم نقرأ بياناً واحداً يطالب بفصل الدين عن الدولة أو بإعطاء المرأة حقوقها الكاملة، وحتى الثوار أنفسهم يمارسون لعبة دينية، لأن الهدف كما يبدو الوصول الى السلطة وليس بناء مجتمع جديد.
• في مقالك تحدثت عن الآخر الديني وقلت ان التاريخ الاسلامي لم يدشن للتثاقف مع الآخر.
هل النص القرآني يتقدم على تاريخ علاقة المسلمين مع سواهم من غير المسلمين؟
النصوص الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية او بوذية تقول الشيء ونقيضه، ثمة تسامح وتعصب، إنكار الآخر واحترام الآخر، خصوصاً أن النصوص الدينية كانت موجودة في القراءات الفقهية المهيمنة، النص الديني في الاسلام اليوم هو للفقهاء، وكل واحد منهم يفسره في طريقة مختلفة، وبالتالي لا يمكن حل مشكلة علاقة المسلمين مع الآخر بالعودة الى النص، بالعكس قد تتعقد المشكلات بسبب هذه الظاهرة باعتبار الدين مؤسسة دينية.
لست ضد الايمان الفردي، ان انتقدته فبوصفه له علاقة بحريتي الشخصية كزواجي وعائلتي وفكري، على هذا الاساس انتقده.
اذا درسنا تاريخ العلوم عند العرب لن نجد أي فكرة جديدة في كل الميادين، بمعنى أن هناك جلبا للنص ولذلك لم يكن هناك تقدم، الفقه هو الانتاج الديني الوحيد، بينما الفلسفة ليست انتاج الاسلام بالمعنى الديني، الدليل على ذلك أن أعظم ثورة في العلاقة مع الآخر حدثت عبر الفلسفة، الدين من المسلمين والعقل من اليونان، وصار العقل اليوناني كآخر، ليس كمسألة حوار فقط، بل أيضاً كمسألة تكوينية، العقل جزء مكمل للفكر العربي الإسلامي، لذلك أول من اهتم بالآخر هم المسلمون وليس الاسلام الديني الفقهي.
العقل الاسلامي قبل أرسطو وأفلاطون بوصفهما غير مسلمين وتفاعل معهما وبنى فكره عليهما.
الآخر عضوي في الفكر الاسلامي منذ القديم، ولكن اليوم يختلف الوضع بسبب القراءات السياسية للدين وبسبب الغلبة الايديولوجية.
مسؤولية الثوار اليوم ألا يهادنوا على الاطلاق في محاربة أي مصادرة ايديولوجية لحركتهم.
• أجريت مقارنة بين الرؤية السلفية التي تحتكر النطق باسم المقدس وحزب البعث الذي قاد المجتمع بذهنية اقصائية واحتكر السلطة والقرار.
هل تجربة حزب البعث في سورية تعكس أزمة الأحزاب العربية؟
في معنى ما تعكس فشل التجربة الحزبية في العالم العربي، مع فارق أن حزب البعث وصل الى السلطة، باستثناء الحزب الناصري الذي كان تجمعاً شعبياً.
حزب البعث يعكس أزمة المذاهب والعقائد وقد فشل في شكل كامل على جميع المستويات، وأسباب ذلك أن الاحزاب العربية ومن بينها حزب البعث اعتمدت على منهجية الايديولوجية الدينية ولم تعمل على الفصل الحقيقي بين الدين والدولة وهذا هو الخطأ المميت.
• رسمت خريطة طريق تاريخية لمأزق الديموقراطية في العالم العربي ومن ضمنه سورية.
واليوم دخلت سورية في مرحلة نوعية منذ بداية الحركة الاحتجاجية.
هل ترى ان الحراك الذي يقوده شباب سورية قادر على تخطي الارث السلطاني وبالتالي بناء دولة حديثة؟
رغم إيماني الكامل بطاقة الشباب وأن المستقبل لهم فان هؤلاء الشباب لم يبرهنوا حتى الآن أنهم يعرفون الجانب الآخر من العملية الثورية.
الجانب الاول من العملية الثورية في كل تاريخ الثورات هو إسقاط النظام، ليس النظام ككل بل رؤوس النظام، هذا أمر سهل، هناك أناس سقطوا لكن أسس النظام بقيت.
الشباب اليوم انتصروا في الجانب الاول، في حين أن ممارستهم وتصريحاتهم وكتاباتهم تؤكد أنهم غير مدركين للجانب الآخر من الثورة الحقيقية، الذي يجب أن يتأسس على حرية الفرد ولا دينية المجتمع.
المجتمع لا دين له، دين المجتمع هو حقوق الانسان وحرياته وليس الكنيسة أو الخلوة او الجامع.
• منذ بدء الانتفاضات العربية ظهرت نظريتان، الأولى: تقول إن ما يحدث مشروع تفكيك وهذه النظرية يروج لها النظام في سورية والثانية: تقول إن العرب بدأوا بالتدرج نحو الديموقراطية.
ما رأيك؟
أنا لست ضد أي تفسير أو تأويل من الجهتين، ولكن يجب أن نتوقف نحن العرب
عن التنظير الايديولوجي وعلينا ان نرى الواقع كما هو، هناك عناصر مضمرة لم نتكلم عليها ويتمثل جزء منها في الخطاب الطائفي الذي يعتمد عليه بعض الثوار.
في الواقع هناك عنف يمارس ضد الاقباط في مصر، وهذا العنف تمارسه الثورة، وهذا الأمر نجده في سورية أيضاً، فلم يتم إعطاء المسيحيين دورهم التاريخي والاجتماعي في التحركات الجارية.
الى ذلك، هناك غياب كامل للمرأة في الحركات الاحتجاجية، هذه كلها مؤشرات الى عدم وضوح ما يسمى الحراك الثوري، فهو ما زال ضائعاً.
على مستوى سورية أريد أن أسأل من هي المعارضة؟ المعارضة الحقيقية التي لها معنى في دمشق هي المعارضة التي يقودها ميشال كيلو وفايز سارة.
• على مستوى الجمهور أين المسيحيون في الحركة الاحتجاجية في سورية؟
هم غير موجودين، ولا يعود ذلك الى تخويفهم من المشاركة الفاعلة في التظاهرات، السبب في رأيي يعود الى ان المعارضة في الداخل متسرعة ومشتتة، والمطلوب منها أن تضع وثيقة تحدد فيها ماذا تريد؟ هناك معارضات عدة، ولكن لا يعني ذلك أنني انكر ما انجزته.
• في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها سورية ما الأهم؟
أن تتأسس معارضة حقيقية.
• أليس الأهم أن الشعب السوري كسر هذا الخوف؟
كسر هذا الخوف مهم جداً، ولكن يجب أن يتبعه فتح طريق، وهذا الطريق لا ينتهي بكسر الخوف، كسر الخوف بداية.
أريد أن أسأل الى أين نحن ذاهبون؟ ماذا نعمل بالاقتصاد، بالجامعات، بالمؤسسات المعرفية والعلمية.
هذا لا يعني أنني ضد سقوط النظام، النظام يجب أن يسقط، لكن المعارضة مفككة.
• ألاّ يتحمل النظام جزءاً كبيراً من تفكيك المعارضة السورية؟
بالتأكيد أنا لا أنفي ذلك لكن اسقاط النظام يتم باستعمال الادوات نفسها، والمعارضة تُسقط النظام بادواته، بمعنى أن المعارضة تفتقد السمات المشتركة في ما بينها حتى في القضايا الأساسية التي خانها حزب البعث، وأقصد فصل الدين عن الدولة وقضايا المرأة والتركيز على الفرد وليس الأمة، كل ذلك غائب عن جدول المعارضة.
هناك عنصرية كبيرة موجودة في سورية لم تلتفت اليها المعارضة، لماذا الكردي أو الآشوري ليس له حق في منصب رئيس الجمهورية؟ على المعارضة أن تتحدث عن هذه المسائل وغيرها، والخطوة الأولى تبدأ بإلغاء المادة التي تشير الى دين الدولة في الدستور، المعارضة تكتفي بإسقاط رأس النظام وهذه المعارضة لا تعني لي شيئاً لأنها لم تأخذ في الاعتبار المسائل التي أشرت اليها.
• انتقدك كثيرون لأنك في رسالتك اعتمدت على التخويف من المشروع الاسلامي السلفي كما يفعل النظام.
ما ردك على ذلك؟ وهل بنية المجتمع السوري في إمكانها مجاراة مشروع السلفيين؟
بنية المجتمع السوري بنية دينية في العمق وعلى جميع المستويات، قلت واكرر حتى لا يعتقد البعض انني أدافع عن النظام، هذا النظام يجب أن يسقط، لكن القوة التي ستحل محله هي القوة الأكثر تماسكاً، والاكثر حضوراً في الاوساط الشعبية، وهذه القوة هي قوة متدينة سواء في صفوف الاخوان المسلمين أو سواهم من التيارات الاسلامية، وليس هناك قوة متماسكة تقدمية أو ليبرالية أو يسارية تستطيع أن تُمسك بنظام جديد.
أريد أن أكرر ان أي مجتمع عربي في الاطار التاريخي والحالي لا اثق به كثيراً ولا يعني لي شيئاً إذا لم يكن قائماً على فصل الدين عن الدولة.
• طالبت الرئيس بشار الأسد بفك المماهاة بين سورية وحزب البعث.
هل الأسد قادر على القيام بهذه الخطوة التاريخية؟
حاولت توريطه وحاولت أن اشق حزب البعث، ويبدو أنه انشق.
داخل النظام هناك أناس متطرفون يريدون الكل أو لا شيء وهؤلاء ذاهبون نحو الهاوية.
الاسد قادر على إجراء الاصلاح وقادر على تفكيك هذه المماهاة وأقل شيء يمكن أن يفعله الاستقالة من منصبه.
• ما تقدمت به يؤكد وجهة النظر التي تقول ان ماهر الأسد هو السلطة.
هل تؤيد هذا الرأي؟
بصرف النظر عن ذلك، على الرئيس الأسد أن يفعل شيئاً، وإذا تصورت نفسي مكانه أترك السلطة.
حزب البعث جزء من الشعب ويجب أن يخضع لارادة الشعب.
• أحمد بيضون رد على رسالتك قائلاً ما معناه أنك لم تحدد موقفك من الحركة الاحتجاجية في سورية ولم تذكر حتى أي مدينة أو بلدة سورية انطلقت منها التظاهرات.
ما ردك؟
لا أريد أن اناقش أحدا لم يقرأ.
• في رسالتك الى المعارضة افتتحت المقال بإشكالية تاريخية «لماذا لم ننجح نحن العرب حتى اليوم في بناء مجتمع مدني؟» ألا يتحمل السلطان السياسي المسؤولية الكبرى في هذا المجال؟
– الخطوة الأولى نحو المجتمع المدني والدولة الحديثة، التأسيس للديموقراطية والحرية.
السلطان السياسي يتحمل جزءا من مسؤولية تعطيل الديموقراطية، ولكن لابد من توافر البيئات الحاضنة.
• قلت في رسالتك الى المعارضة إن شروط التغيير السياسي والمجتمعي يتأسس جزء منها على معرفة التاريخ؟ هل يحتاج العرب الى إجراء مراجعة نقدية لتاريخهم السياسي أم أن المطلوب اعادة قراءة التراث؟
عالجت هذه المسألة في كتابي «الثابت والمتحول» أوائل السبعينات، المطلوب اعادة قراءة هذا التراث وليس القطع معه، ليس من الممكن القطع مع لغة تمتد الى 1500 عام من الكلام، القطع يكون مع بعض المستويات ومع بعض المفاهيم ومع بعض النظريات والمفكرين.
الفكر الخلاّق نشأ في نقاش مع الدين وكان ضد الدين من فلاسفة وعلماء رياضيات وشعراء، حتى المتصوفين الذين يتهمهم البعض بانهم متدينون أحدثوا أعظم ثورة في تاريخ الفكر الاسلامي بتغييرهم لمفهوم الله، مفهوم الله في القرآن مفهوم تجريدي، الله صديق الانسان، الله موجود في الانسان، وهذا التيار كان ضد الدين بالمعنى التقليدي.
المشكلة أن المؤسسة الفقهية التشريعية تجعل من الكائن الحي كمن يعيش في قفص.
هذا ما يجب تغييره.
يمكن أن نأتي برئيس ألطف ولكن هل في إمكاننا بناء مجتمع جديد، هذا ما اطالب به الثوار.
• الفئة التي تمثل الحركة الاحتجاجية في سورية غالبيتها من الارياف التي يعاني سكانها غياب التنمية.
لماذا لا يتم تظهير الجانب الاجتماعي للثورة في سورية؟ وأي دور للتنمية في التأسيس للديموقراطية؟
ـ النظريات كثيرة لكن دائماً أهم شيء هي التجربة الحية.
سألت مرة يابانيا عن علاقة بلاده بأميركا، فقال لي: نحن ثأرنا تاريخياً من أميركا ومن يخيفنا هم الكوريون لأنهم يعملون أكثر منا.
• أشرت في المقال الثاني الى أن النظام ما زال ينظر الى المسيحيين من منظار أهل الذمة بسبب حرمانهم مراكز القرار.
هل يمكن أن توضح لنا الفكرة في شكل أوسع؟
كل الأحزاب الطليعية في العالم العربي تحدثت عن أهمية اشراك الآخر في القرار ولكن لم يحدث شيء، وفي المقابل كل الدساتير العربية تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وهذا الاقرار يعني عدم الاعتراف بالآخر وتحجيمه وممارسة العنف ضده.
المطلوب اليوم من المعارضة السورية كما كررت أكثر من مرة تحديد موقفها من مسألة فصل الدين عن الدولة، وحين يتحقق ذلك كل شيء يُسن بالقانون، ولا يبقى أي مانع أمام الاشوري أو الكردي من أن يكون رئيساً للجمهورية في سورية.
المسألة الدينية في سورية مركبة على عروبة عنصرية، يريدون تعريب البشر، ولا يريدون الاعتراف بالهويات الأخرى.
ذات مرة سألت صديقا من مفكري حزب البعث الكبار: يا أستاذ لماذا ترفعون شعار الشعب السوري العربي، ألا يعني ذلك أنكم تضعون كل الجماعات في سورية داخل إناء واحد؟.
• هل يمكن القول إن «انفجار» عصر الجماهير بدأ في العالم العربي والى أي مدى يمكن أن نقارنه بالثورة الفرنسية؟
لا يمكن مقارنته بالثورة الفرنسية.
ما يحدث اليوم على أهميته التاريخية يحتاج الى نضال طويل والى ضرورة توضيح الاهداف والغايات، وحتى الآن كل الافكار التي يطلقها الثوار في العالم العربي غير واضحة.
• ماذا يمكن أن تطلق إذاً على هذا الحراك الشعبي؟
يمكن ان نطلق عليه انتفاضة أو تمرداً، الثورة تعني تغيير بنية المجتمع من الداخل وما يحدث مهم جداً ويجب دعمه.
• أيهما اجدى، دعم ما سمته الانتفاضة الاصلاح الديني أم الانفتاح على العولمة الاقتصادية؟
طبعاً الانفتاح الاقتصادي، لا يوجد اصلاح ديني، الدين إما أن يؤخذ ككل وإما أن يقصى ككل، كيف يمكن اصلاح مفهوم النبوة وكيف يمكن أن نصلح القرآن؟.
• لكن الاصلاح ممكن عبر القراءة الجديدة للنص القرآني؟
لكن القراءة الجديدة يجب الا تكون قراءة الأكثرية، وإذا بقيت القراءة أسيرة الوسط المؤسسي سواء كان أزهريا أو سعوديا، ستبقى قراءة الاكثرية وليس الاقلية.
يجب إبعاد الدين كلياً عن قضايا الاصلاح، ويجب احترامه ووضعه في اطاره الفردي، الدين حق من حقوق الفرد واللا تدين هو ايضاً حق من حقوق الفرد.
بيروت ـ من ريتا فرج / الرأي