من يكسر شرنقة الصمت؟

إبراهيم اليوسف

“إن قلتها متَّ
وإن سكت متَّ
فقلها ومت..!”
      معين بسيسو

 من يتابع المواقف الدولية مما يجري في سوريا، لاسيّما بعد التدقيق في
الخط البياني لتصريحات هذه الدول، فإنه سيتأكد بأنه -لامحالة- أمام تمثيلية ومخطط دوليين، على حساب الشعب السوري، برمته.
إن هذه التصريحات التي تصدر سواء، أجاءت على ألسنة الأمريكيين، أو الأوربيين، فإنها تأتي عبر” القطارة” و من قبيل التلاعب بالكلمات، لا أكثر، لدرجة أن ثمن  كل تغيير طفيف، في العبارات، يترجم- حتى في العرف الدبلوماسي-  هو مئات الأرواح التي تزهق من قبل النظام الأمني الاستبدادي في سوريا، وهي مواقف ليست  خجولة، بل تدعو إلى الخجل!!.

وإن تحدثنا، عن الموقف التركي، لوجدناه أكثر هذه المواقف مدعاة للاستهجان، فمن كان يسمع، ويقرأ تصريحات القادة الأتراك، فإنه كان يخيل إليه بأن تركيا، وحدها، ستحسم الأمر-أعني من خلال الضغط الإعلامي والمعنوي- إلا أن الأمر، بان، على حقيقته، في نهاية الأمر، لنعلم أن كل ذلك كان لأهداف “تجارية” بأرواح أبناء شعبنا، من أجل خوض غمار الانتخابات التركية، وإذا كان “الطيب أردوغان” يطرح نفسه “إسلامياً”،  فإن  هذا ما يحمِّله موقفاً أخلاقياً مضاعفاً، وإن من يذبحون كالنعاج في بيوتهم، في دير الزور، وحماة، وحمص، ودرعا، وجسر الشغور، هم أخوته في الإنسانية والدين، وهو الذي تدغدغه أحلام الخلافة.

إن النظام الذي لجأ لتمرير مؤامرته على الثورة بوأدها، من خلال الإكثار
من اعتماد حرف” السين” الاستقبالية، التي لا تترجم، في الحقيقة، مادام أن
ما هو أدهى من الطوارئ يجري في ظل  إلغاء الطوارئ، وهو ما يقاس على كل الإصلاحات الخلبية التي هي غطاء للمؤامرة على الوطن والمواطن، في سياق سياسة الإبادة، وبيع الوطن في المزاد العلني من أجل فتح بوابات الوطن، أمام التدخل الأجنبي.
ترى، أي نظام  في العالم،  تقتحم دباباته “مدنه”، في الوقت الذي تكون أجزاء من أرضه منتهكة، ولم يحرك ساكناً منذ عقود، لاسترداد و لو شبراً منها، وإن حصار المدن و” احتلالها” أجل للأسف” احتلالها”  يأتي بعد تقطيع أوصال المدينة، وقطع الماء والكهرباء والإنترنت، وغير ذلك من وسائل الاتصال والحياة عنها، ناهيك عن قطع الدواء والرغيف-ونحن في الشهر الفضيل -وهي لطخة عار، ليس على جبين النظام-الملطخ بالعار والملوثة يده بدم الأبرياء- بل هي لطخة عار على جبين العالم كله الذي يبدو متواطئاً مع السفاح السوري، وباتت الأصوات، تظهر بعد ألفين وخمسمئة ضحية من قبيل: إننا حزانى لما يتم في سوريا، بينما نجد هؤلاء وغيرهم يتحركون أمام كارثة طبيعية ولوكانت زلزالاً، ويقدمون يد المؤن ولو كان عدد الضحايا أقل بقليل.
أن تقطع الكهرباء في مدينة دير الزور التي عشت فيها، لسنوات، بشكل متقطع، وعرفت غبارها “عجاجها” صيفاً، فإن ذلك ليعني إطلاق رصاصة “الموت” على مصابي مرض “الربو” وهم بالمئات، ناهيك عن أن الأطفال الخدج في مستشفياتها، وغيرهم من المرضى سوف يختنقون فوراً، ولقد علمت، من خلال أصدقاء لي أن بعضهم في ظل حظر التجول، تحت طائلة: رصاص القناصة”  باتوا يدفنون شهداءهم في حدائق بيوتهم، لئلا تتنتن روائح أجساد هؤلاء،  وهو ما حدث مع مدينة حماة التي بلغت أعداد ضحاياها المئات، وهي جرائم بشعة ضد الإنسانية، لابد من التحرك الإسعافي، لمعالجتها، ليس من خلال التدخل، بل من خلال تفعيل أقصى ما يمكن من قوانين رادعة ضد طغمة خارجة على قانون الأسرة الدولية.
إن لسان حال المواطن السوري هو: لا أصدقاء لنا في العالم، كما كان، ولايزال، يقال، عن الكرد، وذلك لأن الأسرة الدولية وإزاء كل هذا القتل والدمار والاعتقالات، التي جعلت سوريا سجناً كبيراً، وبلغت أعداد المعتقلين عشرات الآلاف، ناهيك عن الجرحى الذين يئنون في بيوتهم، ولا من بلسم، مادامت المستشفيات تصبح ثكنات عسكرية، ومادامت سيارات الإسعاف تصبح وسائط تساعد الشبيحة في إنهاء حيوات الجرحى، وطلاب الحرية.
على العالم أجمع، أن يعرف أن من لم يقف مع الشعب السوري في محنته، فإن هذا الشعب، سيلغي مصالحه التي يتعامل على أساسها مع الشعوب، وتدفعه لمد يده للقاتل، والاستهتار بدم القتيل، وروحه، مبتزاً القاتل في كل مرة من أجل المزيد من المصالح، بيد أن تجربة الحياة أكدت أن المستقبل-أبداً-للشعوب- وليس للطغاة، وإن أصحاب الضمائر المعطوبة من العالم أن يعيدوا النظر في طريقة تعاملهم مع الشعوب التي أعلنت ثوراتها، ولارجعى لآلة الفساد والدمار مرة أخرى.
ومن هنا، فإن على دول العالم الحر، طرد سفراء سوريا، من بلدانها، وسحب سفرائها من سوريا- في المقابل- كي يعيش النظام في عزلته التي يصنعها بنفسه، بعد أن سقطت كل أقنعته، وبانت حقيقته.

ويحار المتابع كيف أن وزيراً يقتل أهله، أو يعتقلون ولا يستقيل، بل وكيف أن لاسفير في الخارج، يستقيل، وهؤلاء جميعاً ب”عدم استقالتهم”، إنما هم متورطون في مباركة النظام الأمني في هدر دم مواطننا، ومن هنا، فإن العالم الحر، وكأول نية حسن نية منه، ولئلا يكون مباركاً بدوره للجريمة التي تتم ضد الإنسانية أن تطرد السفراء السوريين المتواطئين مع النظام الأمني، وتحول سفاراتهم لمقار للمعارضة الشريفة.

*المقال في الأصل عبارة عن تصريح أعطي لموقع “إيلاف” الإلكتروني، قبيل إعلان الموقف السعودي، وقد تم نشر جزء طفيف منه ..فحسب………………
**المقال مهدى إلى الشقيقات الثلاث الشهيدات في قرية “طيبة الإمام”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…