سفك الدماء… مزيدٌ من المخاطر والقلق

  افتتاحية جريدة الوحـدة *

في ظل تفاقم الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد منذ قرابة خمسة أشهر والتي عنوانها الأبرز والخطير استمرار وتصاعد دوامة العنف والقتل في أكثر من مدينة ومنطقة، خصوصاً مدينتا حماه ودير الزور وريف دمشق، وسقوط مئات الشهداء والجرحى وآلاف الأسر المنكوبة التي هجرت منازلها بحثاً عن الأمان، وذلك بفعل استمرار السلطة في اعتماد الخيار الأمني-العسكري في معالجة الأوضاع بدلاً من الالتفات نحو مخرجٍ سياسي سريع يضع حداً للتوترات ويوقف مسلسل النزيف الدموي الذي بات ينهك الداخل السوري بمختلف مجالاته ويدفع بالأسرة الدولية نحو فرض مزيد من الإدانات والعقوبات التي من شأنها التمهيد لتدويل ملف الداخل السوري وما يترتب على ذلك من تبعاتٍ لا تحمد عقباها، حيث النموذج الليبي ماثلٌ للعيان،…
في ظل هكذا مشهد مؤلم وخطير ترافقه وتتخلله حملات تحريض وتجييش إعلامي تأخذ أكثر من طابع وتوجهٍ لا علاقة لهما بحرية وكرامة المواطن والوطن ولا بهدف التحول السلمي صوب تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي واحترام حقوق الإنسان، تبرز الأهمية بل الضرورة التاريخية الملحّة لمطلب وشعار وهدف كل الجهود لوقف فوري لسفك الدماء ودوامة العنف قبل أي اعتبار آخر.
إن جميع أصحاب الإرادة الخيرة-الواعية في الداخل السوري وأينما كانت مواقعهم وانتماءاتهم، يدركون جيداً كم هو منبوذ وممجوج وعقيم ومكلف جداً استمرار اعتماد السلطة للخيار الأمني-العسكري في معالجة الأزمة، كما ويدركون جيداً أن التعامل بردود الأفعال والفلتان الشعاراتي وإشاعة الأوهام بأن العالم الخارجي-من قوى إقليمية ودولية- يشكل سنداً أميناً لإحداث تحول ديمقراطي لصالح الشعب السوري ويحرص على حرية وكرامة المواطن وحقوق الإنسان، أمرٌ لا يمكن الركون إليه فحسب، بل ويحمل في طياته ما هو أسوأ ومخاطر أشدّ.


ومن هنا تأتي الدعوة-في الأمس واليوم- إلى اليقظة والحذر من مساعي البعض لحرف الحركة الاحتجاجية وتظاهراتها عن مسارها السلمي وطابعها المدني، وتجنب الانزلاق والانجرار وراء شعاراتٍ تدور وتحلق بعوالم الغيب في السماوات، حيث أن ما يطمح إليه الشعب السوري بجميع أطيافه ومكوناته هو تحقيق تغيير على الأرض، تغيير ملموس وإصلاحات حقيقية تمسُّ حرية وكرامة المواطن في حياته وليس بعد مماته، وهذا يستوجب منطق ولغة الحوار والعقل والتصالح، لا منطق القوة والعسف والغرور.
إن نمطية حكم الحزب الواحد التي لا تزال قائمة منذ عقود لم تعد صالحة لا في الاقتصاد والسياسة، ولا في العلم والثقافة وإدارة شؤون ومؤسسات الدولة والمجتمع…إنها المصدر والمنبع الأساس للاستبداد والفساد وإعادة إنتاجهما، وإدخال البلاد في أزمات خانقة بين حين وآخر، وهذا ما بات يجمع عليه معظم السوريين، مما يقتضي الآن وقف كافة أنواع العنف أولاً، وذلك لتهيئة مناخ صحي وأجواء ملائمة للشروع بعقد مؤتمر وطني شامل يجري فيه التباحث بصراحة وشفافية بغية تشخيص الأزمة الراهنة وظواهرها وتجلياتها وبلورة الخيار الأفضل والصيغة المثلى لمخرج سياسي عنوانه الشروع دون تردد لصياغة مشروع دستور عصري جديد يطرَح على الاستفتاء، دستور ضامن لمفهوم المواطنة والمساواة أمام القانون، ضامن لمبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ضامن لمستلزمات إعلاء شأن القضاء واستقلاليته ونزاهته، ضامن لمبدأ فصل الدين عن الدولة والسياسة، ضامن لإجراء انتخابات حرة وشفافة، ضامن لتمكين أبناء القومية الكردية من التمتع بحقوقهم القومية والإدارية المشروعة في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً، ضامن لحرية المعتقد وحقوق الإنسان دون تمييز، ضامن لثقافة اللاعنف ونبذ لغة الحروب والعداوات من أجل السلم والحرية والمساواة.
ومن أجل الشروع والمباشرة بهذا العمل الوطني الديمقراطي التاريخي والمسؤول، لابدّ من وقف القتل والاعتقال والإذلال بحق المواطن، لا بدّ من وقف فوري لكافة أشكال العنف ومن أي جهة كانت وإعادة قطعات الجيش وآلياته إلى أماكنها الطبيعية.

* جريدة الوحـدة Yekîtî  العدد /216/ – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…