الخ
بيد أن أولئك القادة تجاهلوا وتجاوزوا تلك الأساءات والمفردات الجارحة حرصاً منهم على التضامن العربي والمصالح القومية العليا التي ترجمت بمبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله في قمة الكويت الاقتصادية الذي دعى للإرتقاء فوق الخلافات والدعوة الصادقة بالانفرج والانفتاح على النظام السوري بعد عزلته الدولية والاقليمية في أعقاب عملية إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري فكان هذا الأنفتاح العربي بثقله السياسي وإمكاناته الاقتصادية الهائله المؤثرة في الاقتصاد العالمي البوابة التي عبر من خلالها النظام مجدداً الى الساحة الدولية ثانية مع الأخذ بالأعتبار العامل الداخلي حيث وضعت جماهير الشعب السوري والعديد من قواه السياسية والنخب المثقفة آمالاً كبيرة في مجال الحريات العامة والفردية وإحياء الحياة الحزبية والاعلام المستقل والتنمية المستدامة ووضع الضوابط القانونية لممارسات الأجهزة الأمنية التي تجاوزت جميع الحدود والقيود وإخضاعها لرقابة القانون ترجمة وتجسيداً لمضامين خطاب القسم والانفتاح الجزئي في ربيع دمشق .
بيد أن النظام (يبدو لي على الأقل) قد قرأ تلك الرسائل والمناخات الايجابية قراءة خاطئة ربماواقول ربما إعتقاداً منه أومن المشاركين معه في صناعة القرار إما بأنها صادرة ونابعة من مواقع الضعف وحاجتهم لموقعه ومكانته ودوره المحوري في العديد من قضايا المنطقة المعقدة والعالقة لإمتلاكه بعض الأوراق في لبنان وفلسطين وتحالفه الاستراتيجي مع النظام الايراني أو خشيته من عملية الانفتاح على الشعب السوري والتخلي عن تلك الأوراق أو بعضها سيشكل خطراً على نظامه إن لم يكن عاجلاً فأجلاً فبنى استراتيجيته على النظرية العسكرية بأن خير وسيلة للدفاع هو الهجوم .
وحسب إعتقادي المتواضع بأن اكبر خطأ إرتكبه النظام وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هو إيمانه المطلق بداء النسيان وأن ذاكرة الشعب السوري قد كساها الصدأ حيال الجرائم التي ارتكبها نظام والده وطواها النسيان وأن العلاقة أو الروابط بين الجيل الحالي من الشباب والأجيال السابقة التي عانت المآسي والويلات في عهد والده باتت من الماضي المنسي المندثر متجاهلاً أو متغافلاً بأن الجيل الحالي هم أبناء وأحفاد ضحايا تلك الجرائم الوحشية التي آثارها لا زالت حية في بيوتهم وجراحاتهم لم تندمل نهائياً .
وإن ما يدعو الى الاستغراب عدم قراءة النظام المتغيرات الدولية الجذرية على المسرح العالمي واستفراد القطب الواحد لهذا المسرح بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية الدائرة في فلكه وان مفردات الحزب الواحد والقائد الأوحد والى الابد لم تبقى لها مواقع في صفحات التاريخ الحديث وأن الآليات والأساليب السابقة .بحجب المعلومات وتفاصيل الأحداث عن الشعوب قد تحطمت وتمزقت على صخرة التطورات المذهلة في ثورة المعلومات والاتصالات الذي جعل من العالم قرية صغيرة فما يجري في سوريا اليوم تنتقل بجزئياتها وحيثياتها بالصوت والصورة الى غرف نوم المشاهدين والمتابعين لجميع أنحاء العالم .
بعد أحداث درعا تلقى الأسد اكثر من رسالة ونصيحة من الحلفاء والاصدقاء سواء من الداخل السوري أو المحيط الاقليمي تطالبه بمعالجة الأزمة بالحكمة والتعقل من موقع المسؤول الأول عن دماء شعبه وصون كرامة أبنائه فكان المتوقع منه وفق منطق الأمور و الاحداث التوجه الى درعا و الاطلاع ميدانياً عن أسباب ومسببات الأزمة ولقاء ذوي القتلى وزيارة الجرحى في المشافي والمبادرة الى محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم على مرأى ومسمع سكان المدينة المفجوعين فربما كان قد نجح في تهدئة النفوس وإحتواء الغضب الجماهيري وإنهاء التظاهرات وحالة الاحتقان التي كانت ردود أفعال غريزية وطبيعية على ممارسات الأجهزة والمسؤولين في المحافظة لكنه بمزيد من الأسف اختار المسار الخاطىء وتوجه الى مجلس المهرجين والمنافقين لتلقى المزيد من التصفيق والهتاف والحركات الصبيانية ومشاركته بتلك المسرحية الكوميدية الهزيلة التي جرحت مشاعر وكبرياء أبناء درعا وفتقت جروحهم اكثر مما كانت عليها فتصاعدت وتيرة الاحتجاج والتظاهر واتسعت مساحاتها وإندلعت من شراراتها اللهيب الذي عم البلاد بطولها وعرضها .
ورغم كل ما ارتكبه النظام من جرائم وفظائع ضد الشعب السوري على مدى خمسة أشهر حافظت الأسرة الدولية والعربية على قنوات التواصل والإتصال معه تطالبه وتناشده بالكف عن إرتكاب المزيد وقد سخرت تركيا حليفة الأمس القريب كل طاقاتها وخبراتها ودبلوماسيتها لاعادة النظام لجادة الصواب وتحذيره من مغبة تدويل القضية قد يصعب على النظام الخروج من المخاض بأقل الخسائر.
وقد تابع المراقبون والمحللون باهتمام بالغ الخطوات العملية التي سيتخذها النظام السوري بعد بيان العاهل السعودي ونتائج مباحثات الوزير التركي لما للدولتين من مكانة ودور في محيطهما الاقليمي والدولي ولكن كانت نداءاتهما صرخة في واد وصم النظام مرة أخرى آذانه وفوت بغباء وعناد الفرصة الأخيرة لانقاذ نفسه وشعبه من تداعيات غير محمودة العواقب فجاءته الضربات القاسية من الأسرة الدولية برفع غطاء الشرعية عن الرئيس الأسد وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والسعي الجاد بأحالته الى محكمة الجنايات الدولية أسوة بالكولونيل معمر القذافي .
وحسب إعتقادي ووفق المستجدات المتلاحقة بأزمان قياسية بأننا نشاهد الحلقة قبل الأخيرة لبداية نهاية النظام وإنهياره أو دخول البلاد في فوضى عارمة وصراعات طائفية ومناطقية قريبة من الحالة الصومالية فالعنف لا يولد إلا المزيد من العنف وسيكون لصبر الثوار وهم يتساقطون بالعشرات يومياً سقف وحدود ولن تبقى دول الجوار جالسة في مقاعد المشاهدين والمتفرجين على تلك التراجيديا والطائفة العلوية الكريمة من حقها أن تتوجس بقلق بالغ على مستقبلها في معادلتي الفوضى أو إنهيار النظام وفرار رموزه الى خارج الوطن مع ثرواتها وهي من السيناريوهات المحتملة لذا اكرر وأناشدها أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية والتاريخية إقتداء بنهج رمزها الوطني الثائر صالح العلي وإنقاذ سوريا وطناً لجميع أبنائه.
بعد كل النصائح الصادقة والفرص الضائعة هل يحق للرئيس بشار الأسد أن يلوم صديقاً أو يعاتب حليفاً ويستمر بترديد موشحات المؤامرة والمخربين فيقيناً على نفسه وعائلته وطائفته وسوريا وطناً وشعباً جنى الأسد .