عجباً لروسيا الأمس الأمس القيصري، والأمس السوفيتي واليوم.
قد لا نرى في إدارتها للأزمات الدولية كثيراً من الفروقات لا قيصرياً ولا سوفيتياً ولا روسياً إتحادياً .
لقد كانت مواقف روسيا من تحرير العراق لا تختلف عن مواقف منظمات القاعدة وقائدها أسـامة بن لادن ، عندما عارضت القرار الدولي لتحرير العراق وساندت في مواقفها النظام العراقي ورئيسها صدام حسين.
وبالأمس القريب عارضت أيضاً القرار الدولي لحماية الشعب الليبي من مجازر أصر معمر القذافي لإرتكابها .
واليوم تقف بإصرار في وجه المجتمع الدولي لحماية النظام السوري من قرار الإدانة لإرتكابه ابشع انواع القتل والقمع والتعذيب المبرح للمعتقلين دون أي ذنب ارتكبوه، فقط لأنهم طالبوا بالحرية والكرامة التي اغتصبت منهم مايقارب عن خمسة عقود.
فهل تقبل القيادة الروسية أن يكون الشعب السوري عبيداً لدى أصدقائها من القيادة في النظام السوري ؟ أم أنها ليست معنية بكل ما تجري على الأرض من مذابح على أيدي ميليشيات السلطة السورية.
فإذا كانت كذلك ، فما عليها إلا السكوت وعدم التدخل لامن قريب أومن بعيد.
وإلا تعتبر نفسها طرفاً في الصراع الداخلي لإدارة الأزمة في سوريا بشكل واضح ومكشوف.
يبدو أن روسيا في تعاملاتها مع الدول الإقليمية على أنها مناطق للنفوذ بين الدول الصناعية الكبرى.
ومن الأولى أن تكون لها النفوذ الأقوى والأوسع في هذه الدول ، وخصوصاً سوريا التي بقيت في علاقاتها الإستراتيجية والعسكرية مع روسيا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي.
اعتقاداً منها على أن أي تغيير في سلوك أو بنية النظام السوري يشكل تهديداً مباشراً على مصالح وأمن روسيا في المنطقة، فمن حقها الطبيعي أن تدافع عن بنية النظام والبقاء عليه ولو على حساب حرية وكرامة الشعب السوري.
هذا هو الفهم الحقيقي للسياسة الروسية وتعاملها مع مجريات الأحداث والتطورات في المواقف الدولية تجاه الأزمة في سوريا.
واعتقاداً من روسيا أن تترك الشعب السوري الأعزل في مواجهة ترسانة الأسلحة التي يستخدمها الجيش والأمن وميليشيات النظام بحجة ان ما يجري في سوريا شأن داخلي ،ولا يشكل خطراً على أمن وسلامة المنطقة، وعلى المجتمع الدولي عدم التدخل في ذلك الشأن وكذلك عدم تدويل الأزمة خوفاً من استغلالها بشكل من الأشكال.
تتناسى في ذلك أن النظام في مواجهته للإحتجاجات يرتكب مجازراً بحق الشعب السوري، وأنها بتلك المبررات تعطي فرصة و مجالاً أكثر فسحة لقمع المتظاهرين بقوة السلاح دون أي رادع من أجل البقاء على استمرارية الإستبداد وقهر الجماهير.
نعم هذا هو الموقف الروسي الذي تطرحه دون خجل او حياء من شعبنا، واستهتاراً بدمائه الذكية.
وتتمة لمواقفها المنافية لحقوق الإنسان تتقدم بمشروع الى الأمم المتحدة لإعطاء صبغة مشروعية القتل والقمع التي تجري في سوريا ضد التظاهرات السلمية، وكذلك إعطاء الحق للسلطة المستبدة في إكمال مشرعها الأمني لسحق الجماهير المنتفضة، وإلاَ فستستخدم (الفيتو) في وجه أي قرار يدين النظام السوري.
لكن الذي لايتغير هو الشعب الذي اختار طريق الحرية والكرامة ، ورفض ان ينذل مرة أخرى، فهو في طريقه نحو التحرير واسقاط النظام، ولتسقط معه كل من شد من وزر هذا النظام الطاغي ودائرة المصالح المشبوهة واللامشروعة مع هذا النظام من قبل أنظمة اقليمية ودولية…
*كاتب وسياسي كردي سوري