حكاية أيتام أوجلان في الهجوم على منجزات إقليم كردستان

 أمين عمر  

إذا كان التغيير سنة من سنن الحياة ، فهاهي تتحقق أمام أنظارنا، على الشاشات التلفاز والكومبيوتر، وفي أراضي دول حقيقية كتونس الخضراء ومصر أم الدنيا ودول أخرى تضرب حدودها داء الحرية، لإجتياحها ومن ثم للقضاء على وباء الاستبداد فيها، فالتغيير الذي بدأ يلوح في بلاد العرب والمنطقة ، هي إحدى أهم المفاجآت السارة لهذه الشعوب التي لم تكن تعرف يوماً، ما معنى كلمة مظاهرة أو اعتصام؟ ، وما كانت لتعرف الفرق بينها وبين مسيرة تصفيق للقائد الأبدي، والدعاء لدوام بقائه، ليتم مسيرة الإذلال و الإضطهاد ، إلا بقدوم رُسُل التغيير من رَحِم الشعب فكان التغير جادً وحقيقياً عندما أتحد الشباب مع الثائر الكبير فيسـبوك .
قطار التغيير قادمٌ لا محال، وسيمر بالمحطات المنسية المتبقية، وسيجرف كل من يقف في سكته ويطحنه بعجلاته الحديدية ، هذا المخلوق العجيب، التغيير، الذي نتحدث عنه اليوم، قد سبق وحط رحاله في العراق منذ عام 1991 وبالفعل أتت أُكُلها بتقسيم العراق إلى مناطق وخطوط  طول وعرض، يمنع على النظام العراقي السابق الوصول إلى شعبه للاستفراد به والقضاء عليه، سواءً في الشمال الكردي أو في الجنوب الشيعي، وذلك  إبان الخروج المذل للنظام العراقي السابق من دولة الكويت، والتي بدأت عندما صوب قائد دبابة شيعي سبطانة دبابته العائدة من الكويت إلى هيكل الفرعون البائد صدام، فثار الشعب في الجنوب والشمال ، وكانت انتفاضة الكرد آنذاك عارمة، وحررت عدد من مدن الكرد حتى وصلت إلى مركز مدينة كركوك وتجاوزت ما بعد المركز، ولكن عدم وجود دعم للاستمرار في الانتفاضة، أفشلتها جزئياً، ومن ثم أعقبتها هجرة مليونية، هرباً من بطش الدكتاتور، ولم تسعف الإنتفاضة دعم الكرد السوريين لها ، فالدعم كان بالأغذية والألبسة وبعض الأموال، والكرد هناك، كانوا بحاجة للسلاح والذخائر، وحالت دخول هيئات ومنظمات حقوقية عالمية للمساعدة والإغاثة دون حدوث كارثة إنسانية حقيقية، لتحدد بعدها منطقتا الشمال والجنوب، مناطق محرمة على النظام، لذا كان إعتبار يوم الانتفاضة هو صفير القطار للإنطلاق نحو التغيير الحقـيقـي.
 منذ ذلك اليوم بدأ التغيير في كردستان العراق وتحولت الكهوف قصوراً والبيوت الطينية نوادٍ، والتكايا ومجالس الذكر جامعاتٍ، وتوافدت الاستثمارات على كردستان حتى فاقت المليارات من الدولارات، من مستثمرين عرب وغيرهم، والمستثمر ما كان ليغامر بملايينه إلا بوجود الأمان والقانون والربح.

خلال العشرين السنة الماضية وهي فترة زمنية قصيرة قياساً لحياة الشعوب والدول، حدث تطور وتغيير وحركة بناء في كردستان العراق لم يسبق إن شهدتها منطقة ما، عانت الفقر والتخلف والإهمال، فأضحت كردستان العراق و رغم الضغوط والمؤامرات الإقليمية عليها، المكان الوحيد في هذا العالم الذي يفتخر به الكردي، ككيان يرى فيه خصوصيته ، المكان الوحيد الذي يرفرف فيه علم يخص الكرد، الحكومة الكردية الوحيدة منذ سقوط جمهورية مهاباد في كردستان إيران و التي دامت ما يقارب السنة الواحدة .
 نجاحات كردستان أعادت الحياة والأمل والثقة للكرد في الأرض قاطبة، بالنهوض من جديد والبحث عن  الفردوس المفقود، الحرية الغائبة ، أما ما عداها من بلاد الكرد فالمنجز منه على أرض الواقع، سرابٌ وهلام ، فالكرد في تركيا بملايينه التي تفوق الثلاثين، ليس لهم كوخ صغير محرر، ليعلقوا عليه علماً أو راية ترمز للكرد، ولا أعتقد بتحقق ذلك في المستقبل القريب، ما دام قائدهم السجين، يحرض صباحاً، مساءاً، على المنجز الكردي في العراق ويحذر من خطورته، ويقبل بكل شيء مقابل إطلاق سراحه، أما الكرد في سوريا فلازالوا في ماراثونٍ وراء الحقوق الثقافية والسياسية ولا يجدر بنا النسيان أن حزب العمال الكردستاني يتحمل جزءاً كبيراً من فشل الكرد السوريين في تحقيق إنجاز ما، فإنطلاقة الكردستاني العملية – وللأسف- كانت من بين الكرد السوريين المتعاطفين لدرجة نكران الذات، مع إخوانهم في الأجزاء الأخرى، وهو ما أنهك جزء كبيرمن قوتهم، لما قدموه من شهداء وأموال من جهة ومن جهة أخرى محاربة الكردستاني المستقوي بالبعث، للأحزاب الكردية السورية الأخرى وتمييعها وتوزيع التهم عليهم، من العمالة والخيانة لأنهم طلاب حقوق ثقافية، وما أدراك ما الحقوق الثقافية في مواجهة طلاب التحرير.

وتبقى أفضلية صغيرة لكرد في إيران وهامش من الحقوق انتزعوها من ملالي إيران .
المظاهرات والانتفاضات التي حصلت وتحصل في أغلب بلاد العرب والتي ربما تقوم كل أربعون عاماً مرة واحدة ، وذلك  لعدم استلام حكوماتها مقاليد الحكم بطرق شرعية وديمقراطية أو أستلمت الحكم و إنقلبت على وعودها، وهو بعكس ما تم في كردستان في العقدين الأخيرين والتي شكلت حكومة من اختيار الشعب بشهادة صناديق من خشب، تدعى صناديق الاقتراع، والتنافس الشديد كان اكبر دليل على نزاهتها، حيث لم تتجاوز أي جهة فائزة بنسبة تتجاوز ال 60%، وهو كان أول المجتمعات الزاحفة الى التغيير، بعكس ما يحاول البعض تشبيهه بالحالات في البلدان الأخرى والتغيير الحاصل لاحقاً.


رغم ما تحقق ويتحقق للكرد، ورغم الدور المشرف والمساهمة العملية في استقرار في جمهورية العراق ككل، نسمع بين الحين والآخر أصوات نشاز، هنا و هناك، للنعيق على الإنجاز الكردي ويحضر إلى الذاكرة، لتوصيف حالة هؤلاء الكتبة، النشاز ، قول أحد الكتاب الكرد: “أهي كتابة أم عزف على الربابة”، فمع خروج شخص ما للشارع ترى هؤلاء الكتبة، يسارعون بإطلاق دعايات بان الحكومة آيلة للسقوط وإن نهاية بني على ومبارك الكرديين قد حانت، وهذا ينم عن غيظهم وحقدهم الدفين وقوفهم ضد أصوات الناخبين مع جهة صغيرة ضد إرادة الشعب، معتبرين القلة القليلة في حساباتهم البائسة هم وحدهم يمثلون الشعب، وهذا ما يدحض خزعبلاتهم عن الديمقراطية والمساواة .
لا شك إن الإقليم الكردي مليء بالفساد والمحسوبية ، والمعالجة بطيئة وسيئة وهناك مئات العيوب والنواقص في الخدمات ولكن المنجز، والاستمرار في الانجاز، تفوق أحلام الكرد وأجداد الكرد، حيث تم بناء حضارة مدنية من ركام مئات السنين.

وفي الوقت الذي ندين إطلاق النار على الشعب والمتظاهرين العزل، وعدم التعامل بمسؤولية مع المتظاهرين، ونعزي ذوي الشهيد ونتمنى الشفاء للجرحى، فإننا ندين بالوقت نفسه الهجوم على مقرات الحكومة الكردية المنتخبة من الشعب وأي اعتداء عليها لهو اعتداء على خيار الشعب وفرض سياسات لطرف سياسي معين، بغية نيله مكاسب حزبية ضيقة من خلال الدعوة لتظاهرات مستغلاً سوء الخدمات ومن ثم دس أعضائها بينها، لتحريف مجراها الطبيعي، السلمي، ليعوض فشله في كسب إنتصار لم يحققه من خلال صناديق الإقتراع.
 ما نراه من تفاصيل في هذه اللوحة الطبيعية للتحركات في كردستان، شيء طبيعي، ولكن ما يرافقها من موسيقى تصويرية، نشاز، من خارج كردستان، يعزفها جوقة من كتبة الكرد السوريين، الذين يمثلون أنفسهم فقط، والذين ينعمون بخَضَار أوروبا وبريق اليورو، يقتنصون إي فرصة لنشر سمومهم بغية إحداث البلبلة والتشويش على مكاسب الإقليم، وهم من يطلق عليهم أيتام لأحلام ووعود أوجلان في تحرير كردستان الكبرى، وصدمتهم من إنقلاب زعيمهم على طموحاتهم تلك، باتت مرضاً عويصاُ يصعب التخلص منه، وهو ما تحول الى الحقد على كل ما ينجز كردياً، ما لم يكن عبر أوجلانهم وبركات فلسفته، والذي يدعو حاضراً، العودة إلى “العظيم” كمال أتاتورك لتعليم دروس الكردية منه ، ودراسة الحمض النووي لنياته، التي ربما كانت تحوي مستحثات بريئة كانت ضد اضطهاد الكرد.

وإذا كان حديثنا عن التغيير فهل حاول هؤلاء تغيير ما في رؤوسهم عندما يؤمنون بالشيء ونقيضه، عندما يصفقون للثورة والاستسلام، ينشدون للحرية والعبودية، عندما يدعون التغيير وهم ثابتون، حينئذِ،عسى ولعلى، يتغلبوا على الوهم الثابت المزروع في عقولهم، وقد يغيروا ألا متغير المنحني في عقولهم .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…