من أجل كردستان أجمل

كفاح محمود كريم

    يتزايد الحديث عن الفساد والإفساد في المال والإدارة في إقليم ما زال تحت التأسيس في بنيته التحتية والفوقية والوسطية، فهو منطقة تعرضت خلال عشرات السنين الى حروب عديدة وعمليات ابادة وحرق شامل للأرض وما عليها، راح ضحيتها الآلاف من القرى والمزارع والبساتين والمدارس والجوامع والكنائس، وتم تغييب أهاليها الذين اقترب عددهم من 182 ألف طفل وامرأة وشيخ، تم اكتشاف بعض مقابرهم الجماعية التي ضمتهم، بينما ما يزال آلاف مؤلفة أخرى مفقودة تماما، إضافة الى ما تركته تلك الحقبة السوداء من آثار بالغة على تكوين الفرد النفسي والاجتماعي سواء كان هذا الفرد مواطنا عاديا أم موظفا في الدولة ومؤسساتها.
    لن نتحدث عن كل تلك المآسي فهي تحتاج الى مجلدات، لكننا سننتقل الى ما بعد الانتفاضة العظيمة التي ارست الاستقلال الذاتي عن الدكتاتورية التي مارست ابشع انواع الحصار على تلك المنطقة مع حصار الأمم المتحدة الذي حول الإقليم الى مكان معزول تماما الا من الحرية التي تمتع بها الأهالي وذاقوا طعمها لأول مرة بعد عشرات السنين من الحكم الدكتاتوري المقيت، ودفعوا ثمنا باهظا من اجلها طيلة سنوات الصبر والمقاومة منذ ربيع 1991م وحتى سقوط النظام في نيسان 2003م.

     لقد رافقت عملية بناء الإقليم العديد من الصعوبات والتحديات الكبيرة منها الخارجية وضغوطاتها التي وصلت ذروتها الى منع وصول أي شيء يساعد او يكرس استقلال البلاد او استقرار وتطور أوضاعها، ومنها الداخلية التي وصلت هي الأخرى الى ذروتها في الحرب الأهلية وما نتج عن ذلك من مآسي وويلات وتخريب للاقتصاد المدمر اساسا، إضافة الى الحصار المزدوج من قبل نظام بغداد والأمم المتحدة ودول الجوار الذي ضيق الخناق على الأهالي وضاعف مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، كما رافق تلك العملية ايضا العديد من الأخطاء والفساد في ظل الظروف التي ذكرناها، ونشأت طبقات طفيلية كثيرة كانت وما تزال أشبه بالعناقيد تستوطن هنا وهناك وتعيش على مظاهر المحسوبية والمنسوبية والصراعات الداخلية ابان عقد التسعينات من القرن الماضي مما خلق مجاميع من المرتزقة والانتهازيين استطاعوا بشكل او بآخر النفوذ الى بعض المواقع تحت خيمة المصالحة الوطنية او التنافس الحزبي مما اربك عملية البناء والتحديث التي يقودها ذات الثوار الذين انجزوا الجبهة الكردستانية في نهاية ثمانينات القرن الماضي وقادوا انتفاضة الربيع في آذار 1991م.

    لقد تم انجاز الكثير في طريق البناء وخاصة ما له علاقة بالبنية التحتية للإقليم وفي ما يتعلق بالتربية والتعليم والجامعات والمعاهد ومشاريع الماء والكهرباء والسكن والطرق والمواصلات وتنظيم المدن وتشريع القوانين وما يخص السلم والأمن الاجتماعيين قياسا بما تم تنفيذه خلال نفس الفترة في العراق عموما وبشهادة كل من زار الإقليم سواء من المسؤولين والمواطنين العراقيين او من الإخوة والأصدقاء القادمين من بلاد أخرى، ومع وجود كل التناقضات والأخطاء ايضا التي رافقت عملية البناء والاعمار والتحديث بشكل عام على مستوى الإقليم، الا ان ما تم انجازه ربما يتجاوز كل ما انجزته الدولة العراقية منذ تأسيسها وحتى سقوط نظامها السياسي في نيسان 2003م للمنطقة.

       لقد دعا رئيس الاقليم بشكل شفاف كافة الأحزاب والكتل والأفراد والصحافة والإعلام الى تشخيص مكامن الفساد ومراكزه ورموزه بشكل دقيق وموثق وشجاع من اجل كردستان افضل واجمل واطهر، بشكل يعكس التطور الحضاري للإقليم وممارساته الدستورية تحت قبة البرلمان ومؤسسات الدولة وقوانينها.

      انها عملية ليست هينة ولا تقتصر على اشخاص بذاتهم في سلم المسؤولية بل هي عمل جمعي وموقف وطني يتطلب مصارحة القيادة ومؤسساتها في السلطات الثلاث بشكل واضح وشجاع تلبية لدعوة الرئيس مسعود بارزاني في اقليم تأسس بانتفاضة عظيمة كانت الأولى من نوعها في المنطقة ضد اكبر الدكتاتوريات في العالم، وقد انتجت تلك الانتفاضة حكم الشعب لنفسه في اول انتخابات عامة حرة ونزيهة افرزت مؤسسات كردستان التشريعية والتنفيذية والقضائية التي صاغت قوانينها وتشريعاتها تحت قبة البرلمان من خلال اعضاء تم انتخابهم بشكل حر ومباشر من الشعب لأول مرة في تاريخ البلاد.

    ان الاجتماعات الأخيرة لأحزاب كردستان وفعالياتها السياسية ممن هي في الحكم او في المعارضة بدعوة من رئيس الاقليم لمناقشة اوضاع البلاد وما يجري حولها ودعوة البارزاني للجميع في التعاون من اجل محاربة الفساد والقضاء على مكامنه انما تأتي لإشراك كل الأهالي وممثليهم في الأحزاب السياسية والمؤسسات الصحفية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني بالعمل من اجل ذات الأهداف التي يعمل لها الجميع حتى تكون كردستاننا الأفضل والأجمل والأطهر،  فشعب كردستان الذي انتفض قبل ما يقرب من عقدين من الزمان وأسس حكمه ونظامه الديمقراطي الدستوري، سينجح اليوم من خلال تلك المؤسسات في تطوير وتحديث وتطهير تلك المفاصل التي طالتها فايروسات الفساد من اجل وطن أجمل نفتخر به ونفاخر.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…