وبينما كنا منهمكين في رصد النار وهي تشتعل بذقون وأطراف أثواب الأنظمة القمعية هنا وهناك، لم نلمح، أو لم نشعر بحرارتها وهي تشتعل، وربما ترقص أمامنا وبين ظهرانينا..
لذا انتظرنا حتى نأخذ بعض الأوكسجين الذي نفد من رئة القلم.
إذاً: شبابنا الكردي أيضاً أعلنوا أنهم ليسوا أقل تيقظاً من غيرهم، وهم نزّاعون نحو مجتمع تتساوى فيه الناس دون خلفية من حاكم أو سلطان، أو حتى قبيلة، ولكل دوره ومركزه طالما أن عطر القانون هو العابق الوحيد في هواء الوطن.
لكنّ الشباب الذي توجّه إلى منبر سياسي أو رمز لسياسة حاكمة، لم يكن مفخخاً بالديناميت أو غيره من المتفجرات، لكنه ويا للأسف!! جوبه بالسلاح والنار الحي نحو الصدور، فتساقطت الزهرات الكردية اليانعة، وتناثرت الأشلاء من قتلى وجرحى.
أياً تكون المسوّغات، فلا مبرر على الإطلاق ليتوجّه الرصاص الكردي وفي هذا التوقيت العصيب من تاريخ الأمة الكردية نحو صدور الشباب الكردي” أياً كانت مواقفهم وأجنداتهم”
وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدلُّ على أننا ورغم السنوات التي تزيد عن العشرين، ونحن لا شبه مستقلين، بل مستقلين تماماً، لم نخطط لنكون حضاريين كما يجب، ولم نخطط لنكون ديمقراطيين كما يجب، وكنا قلقين على امتيازات شخصية لا امتيازات أنبل وأسمى، وقاتلنا على المكاسب، وحاولنا أن ننسى، ونتناسى ليالي برد النضال ومقارعة العدو، لأن التظاهر والتعامل مع التظاهر هو من ألفباء الديمقراطيات لا العتيدة، بل ديمقراطيات الأمس القريب، والأمثلة في هذا السياق أكثر من أن تحصى.
لأول مرة أشعر أنّ خطابَ الرئيس البارزاني لم يطفئ النار بقدر ما ظلت تنتظر الاشتعال في أية لحظة، وأنا الذي دبجت – دون مواربة ولا تملق – مقالات عديدة عنه، أشيدُ فيها بحكمته وصدره الرحب الذي يستوعب الجميع، وما زلت إلى اللحظة مؤمناً بقدرة البارزاني وكل الخيّرين من أبناء الشعب بتغليب العقل، ونزع فتيل” المؤامرة” أية مؤامرة؟؟
شعبنا هناك، ولن أقول ” كوران” يتطلّعُ إلى حياة كريمة، ويشعر أن ثمة فساداً وإفساداً، وأن أشخاصاً يملكون حتى الهواء الذي نتنفسه، وأشخاصاً لا يملكون ثمن هذا الهواء فيموتون، ويغرقون في بحار الله العميقة، ويصبحون طعوماً لذيذة لحيتان البر والبحر، يا ربي لماذا يهرب الشباب من فردوس كردستانهم؟؟ ثمّة مشكلٌ إذاً!!
هذا الشعب يقول إنه آن أوانُ التغيير، فما المشكلة؟ وهل هذه الرغبة تستحق لنوجّه البنادق والراجمات إلى صدور بعضنا، ونحن الذين اكتوينا أكثر من جميع أمم الأرض بنار ” قتل الأخوة” بالنيران الشقيقة لا الصديقة، ويعرف الكردي البسيط كم أن جراحات سيف الأخ وهو يشق البطون، ويخرس الألسنة، كم هي مؤلمة وقبيحة وقميئة!!
لقد كتبت عن ” كوران” قبل أشهر مقالة نارية ” زعلت” فيها بعضَ خُلَّص أصدقائي، لكني ما زلت على موقفي، أنَّ ” كوران” لا تلعب في الوقت المناسب، بل أشعر أحياناً أنهم يعضُّون الإصبع الجريحة التي لم تندمل، وتطبْ جيداً بعد، لكن، هل بمقدور أحد إذابتهم والشطب عليهم وتجاوزهم، وكم أودُّ أن يقرؤوا جيداً ما يحيط بهم، وبالحزبين الرئيسيين وبكرد العراق عموماً، وبأمة الكرد عموماً أكثر، ومن ثم يقرروا ما يرغبون، و يعلنوا البرامج والخطط التي يرونها لائقة بكردستانهم وكردستان الآخرين.
المطلوب – سيادة الرئيس- وفي هذا الوقت القيام بثورة حقيقية، ونار حقيقية تطهّر كلَّ الدّنس الذي تراكم في غابرات السنين حول عين كردستان.
المطلوب – سيادة الرئيس- المزيد من الانفتاح على الشعب كلّ الشعب، وخصوصاً الشباب الذين سيشيلون الحمل عنك، وسيتسلمون الراية منك أنت صاحب اليد النظيفة، وسينظرون بعين الازدراء إلى كل القياديين الذين تأوهت كراسيهم من طول مكوثهم على أنفاسها، هؤلاء الذين يعانون من ارتفاع في الخمائر الكبدية والسكر وضغط الدم، وباقي أمراض الشيخوخة والعجز.
إنّهم أبناؤك..
شبابك..
أحباؤك الذين ستكبر بهم، ستعتز بهم يوماً، هؤلاء جماعة الفيس بوك لا جماعة الجبل وذكريات الجبل وثلوج الجبل، هؤلاء سيقودون كردستانهم التي سأتخيلها اعتباراً من اليوم أجمل وأحلى من كردستانكم رغم أنهم سيقولون ومن باب ردّ الجميل لا نكرانه، وفي لحظة انتشاء وسكرة ببطولاتكم وتضحياتكم:
إنكم يا جيل الجبل..
ستظلون في قلوبنا وضمائرنا أحياء لا يطالكم الموتُ الروحي.
اعطِ الأوامرَ للجنود – السيد الرئيس – ولن يطاوعني قلبي على قول “البيشمركة” لأنهم رمز كرامتنا لا مهانتنا، مُرْهُمْ ألا يوجّهوا نارَهم صوبَ صدور الشباب، أرجوك، أياً كانت مراميهم.
ليوفر الجنود..
لا البيشمركة هذه النار..
هذه الطلقات لساحات أخر، ولوقائع أخر، وهي أقرب من التوقع، لا بل بدأت تلتهم أطراف الثياب، ونحن نتأمل فحيحها، والطريق الذي ستسلكه إلى آخر الالتهام.