وفي سبيل اللحاق بركب الشعوب الأخرى لنيل الأهداف القومية في التحرر والإستقلال ضحى الكرد بالآلاف من ابنائه وقدم الغالي والرخيص من أجل ذلك .
لكن الشعب الكردي لم ينل حقوقه القومية الكاملة بعد ، فالإقليم الفيدرالي في كردستان العراق مهما كان شكله ، فهو في نهاية المطاف جزء من دولة العراق ، يتأثر بأحداثه السياسية الصاخبة.
وهذه الإنجازات التي حصلت عليها الكورد مازالت في مرحلة الخطورة ، مادام الشعب الكردي لايملك دولته الخاصة به، فالمتغيرات التي جرت على سبيل المثال في تونس ومصر او التي تجري في دول اخرى عربية ، تجري في دول ذات سيادة وهي دول مستقلة وبالتالي فإن اي تغيير ثوري في هذه الدول ستنقل بها كدول قومية مستقلة ذات سيادة إلى مرحلة ثورية إجتماعية – إقتصادية أرقى مادامت حدود تلك الدول مصانة دوليا وهي أعضاء في هيئة الأمم ، بعكس الشعب الكردي الذي لم يؤسس دولته القومية الخاصة به وإن أية خطوة غير موزونة قد تهدد ما حققه الشعب الكردي في هذا الجزء الذي هو الشعلة المنيرة لجميع أبناء الكرد في الأجزاء الأخرى، ناهيك عن أن المناطق المستقطعة من كردستان لازالت خارج الحدود القومية للإقليم والتي تنتظر حلا ديمقراطيا عادلا بموجب المادة / 140 / لكن خطوات فعلية لم تتحقق في هذا الإطار بسبب العقليات العنصرية المتعنتة الرافضة من الداخل وتدخلات دول الجوار.
إن إقليم كردستان معرضا لأخطار جسام ، فالعقلية الشوفينية لازالت سائدة في العراق العربي ، إذ أن التيارات السائدة الدينية منها والقومية والتي هي في نهاية الأمر تعبر عن مستوى التطور الإجتماعي – الفكري للشعب العربي في العراق لن ترق بعد إلى المستوى المطلوب في الإعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير المصير وفتح المجال أمام الإتحاد الإختياري مع الشعب العربي في إطار الإعتراف بالكورد كشعب مختلف ذا خصوصية إتنية .
ومن ناحية أخرى ، يجب أن لايغيب عن بالنا بأن كردستان منطقة محصورة جغرافيا بين مجموعة دول تعادي الطموح القومي الكردي ، والتي مهما فرقتها المصالح فإنها تمتلك رؤية واحدة نحو المسألة الكردية .
هذه الدول تتدخل علنا اوسرا في شؤون العراق عموما وكردستان خصوصا ، وأن أي تغيير في التوازنات السياسية الدولية والإقليمية قد تسبب في إلحاق المخاطر بالقضية القومية والوطنية في كردستان العراق وقد تسبب لاسمح الله العودة إلى نقطة البداية وتحويل كردستان العراق مرة أخرى إلى ساحة أمام التدخلات الخارجية وفريسة سهلة للقوى الشوفينية والعودة بأبناء كردستان إلى عهود الظلام والعبودية .
لاشك أن الإقليم يعاني العديد من النواقص ويشكو وبكل أسف من كثير من الأمراض والظواهر الإجتماعية ومن حق الشعب الكردي وكما جاء في كلمة الأخ رئيس الإقليم مسعود بارزاني المطالبة بحقوقه المشروعة وتحسين أوضاعه ، مادام هذا الشعب قد قدم الآلاف من القرابين في سبيل حريته القومية والإجتماعية ،ولكن بالطرق الحضارية وفي إطار المصلحة القومية العليا – الكردايتي .
وفي هذا الإطار نرى من الضروري التركيز على الأولويات الإستراتيجية في المرحلة الراهنة والتي تعتبر مسؤولية تقع على عاتق كل القوى السياسية الكردستانية داخل الحكومة وفي المعارضة وهي :
1 – العمل من أجل حماية المنجزات التي هي ملك لجميع أبناء كردستان والتي تحققت بفضل النضال القومي الدؤوب ، وتطويرها والإنتقال بها إلى خطوة ارقى عن طريق الإصلاح الديمقراطي السلمي .
2 – العمل من أجل تقوية وتوطيد مفهوم الأمة – الكردايتي ، من خلال إلتقاء الأهداف النهائية فيما بين جميع القوى والأحزاب الكردية والكردستانية بهدف ترسيخ وتقوية الوحدة القومية نهجا ولغة.
3 – حرية التعبير والتظاهر حق مشروع لجميع القوى وذلك في إطار مصلحة شعب كردستان ووضع المصلحة القومية فوق اي إعتبار كما هو معمول به في النظم الليبرالية .
4 – العمل من أجل رسم الإستراتيجية القومية والإستفادة من الإمكانيات الموجودة وإعداد النخبة والمرجعية .
5 – التلاحم والتكاتف الكردي مسؤولية قومية تاريخية في سبيل تنفيذ المادة (140) وإستعادة جميع المناطق المستقطعة وضمها إلى حدود جغرافية إقليم كردستان كما كانت في السابق.
6 – العمل من أجل الإعداد لمشروع حق تقرير المصير لكردستان العراق تحسبا لأية طارئ أو تغيير في موازين القوى في العراق والمنطقة.
7- العمل من أجل إنجاز مرحلة التحرر القومي والتي عادة تضم كافة القوى السياسية والطبقات والفئات الإجتماعية بهدف التحرر الكامل وبناء الدولة القومية المنشودة تسود فيه العدالة الإجتماعية والحريات .
وعليه فإن التاريخ الكردي ملئ بالأمثلة والشواهد التي كانت سببا في إخفاق معظم الثورات والإنتفاضات الكردية ، وقد كان الخاسر الوحيد من جراء صراع الأخوة هو الشعب الكردي بمجمله الذي تعرض وطنه كردستان إلى التمزق بين عدة كيانات أنشئت حديثا ، وبسببه تخلف الشعب الكردي عن ركب الحضارة ولم ينجح في تاسيس كيان خاص به.
ولكي لايعيد التاريخ نفسه ، فمن واجب جميع التيارات السياسية الكردية العمل في إطار المصلحة القومية العليا والتي تعتبر من أولويات العمل الإستراتيجي وإعتبارها مقياسا للآراء والمواقف .
وأخيرا لابد الإشارة إلى موقف الأخ مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان في دعوة البرلمان للعمل من أجل إجراء إنتخابات مبكرة في كردستان ، جاء موقفه هذا في الوقت الذي ترفض حكام العرب الإنصياع إلى مطاليب شعوبهم .