مرة أخرى واستمراراً لسياسة القمع والاستبداد والتنكيل…، بحق المواطنين السوريين ومصادرة حقوقهم وحرياتهم الأساسية، قامت السلطات الأمنية السورية بتاريخ 18 / 3 / 2011 بإطلاق الرصاص الحي والقاتل على تجمع سلمي حضاري في محافظة درعا، مطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة وتحسين ظروف حياتهم ومعيشتهم ومحاربة الفساد والمفسدين…
أن إمعان السلطات الأمنية السورية في إطلاق الرصاص الحي القاتل على التجمعات السلمية للمواطنين السوريين، سواء المطالبين بحقوقهم وحرياتهم… أو الفرحين والمبتهجين بأعيادهم ومناسباتهم، يؤكد بأنها لا تأبه أبداً بأي عرف أو قانون أو شرعة…، وضعية أو سماوية…، فالحق في الحياة، يعتبر من الحقوق اللصيقة بالإنسان، وهو نتيجة جوهرية لكل إنسان، وهو المصدر المحرك لإرادته في الوجود والتمايز والإبداع…، ولخصوصية هذا الحق، حق الإنسان في الحياة ، ولأنه الأساس لحقوق الإنسان الأخرى، فأن القانون الوضعي كفل احترامه، كما حماه أيضاً التشريعات السماوية، ولذلك فأن أي انتهاك له وبأي ذريعة كانت تعتبر جريمة قتل قصد يعاقب عليها القانون بأقسى أنواع العقوبات، فقد نصت المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أن حق الحياة هو حق متأصل في الإنسان، ولأن سوريا انضمت إلى هذا العهد وصادقت عليه وتعهدت بالالتزام به، فأن هذا العهد يصبح جزء لا يتجزأ من تشريعها الداخلي ( الوطني )، أي أن الحق في الحياة يجب أن يكون متأصلاً في المواطن السوري، لا أن يكون مهدوراً ببلاش وبطلقة رصاص من بندقية رجل أمن.
ومثلما لم تنجح عمليات ممارسة السلطات الأمنية السورية للقمع والعنف وإزهاق الأرواح…، بحق أبناء الشعب الكردي في سوريا، في تحقيق أهدافها العنصرية والقضاء على واقع وجوده التاريخي وشطبه وإلغاءه… والنيل من إرادته وعزيمته في التعبير عن ذاته ومواصلة نضاله السلمي الديمقراطي الجماهيري…، وتحقيق آماله وطموحاته وحقوقه الإنسانية والاقتصادية والثقافية والقومية…، وتعزيز أواصر العلاقات التاريخية والتعايش المشترك بينه وبين الشعب العربي والقوميات الأخرى في سوريا، رغم ما رافقتها من حرب إعلامية سلطوية شعواء لتشويه سمعة الكرد وإظهارهم لدى أخوتهم السوريين بمظهر الانفصاليين والمتآمرين والمتآمركين والمرتبطين مع الخارج…، لدق إسفين بينه وبين أخيه الشعب العربي في سوريا، إلا أن الشعب السوري، بعربه وكرده وقومياته الأخرى المتآخية على مر التاريخ، وبفضل جهود أبناءه المخلصين استطاع أن يجهض تلك المؤامرة الخبيثة، ليبقى الشعب السوري أخوة في هذا الوطن يشاركون بعضهم البعض الأفراح والأحزان ويعيشون في حب وسلام ومودة ووئام…، مما جسده بشكل عملي وواقعي الناشط السوري الأستاذ رياض درار، بعد أحداث القامشلي بحوالي سنة واحدة وفي خيمة عزاء ضحية قمع الأجهزة الأمنية السورية الشيخ محمد معشوق الخزنوي بكلمة وموقف مؤثرة دخل على أثرها السجن لعدة سنوات…، نقول مثلما لم تنجح عمليات العنف والقمع وإزهاق أرواح أبناء الشعب الكردي في تحقيق أهدافها…، فإن العنف الممارس اليوم بحق عموم أبناء الشعب السوري وأبناء محافظة درعا بشكل خاص وإزهاق أرواحهم بدم بارد ودون وازع من ضمير، لم ولن تحقق أهدافها في لجم تطلعاته المشروعة والقضاء على إرادته في التغيير الديمقراطي السلمي وتحقيق سيادة القانون وضمان استقلالية القضاء ومحاربة الفساد والرشوة والمحسوبية وإهدار المال العام…، وإنهاء حالة القمع والظلم والاستبداد والاضطهاد…، من خلال القضاء على أسسها ومرتكزاتها الفكرية والسياسية والقانونية…، كحالة الطوارئ والأحكام العرفية والقوانين والمحاكم الاستثنائية واحتكار السلطة والثروة…، وخاصة إننا نشهد اليوم ما يشبه تسونامي التغيير في المنطقة العربية بفضل النهوض الجماهيري العارم وعدم رضاها بالوضع القائم المؤسس على الحرمان والفقر والتهميش والإلغاء والإقصاء وغياب الحريات ومصادرة الحقوق…، بالتزامن مع طفرة الثورة الإعلامية التي تتابع الحدث من مكان وقوعه لحظة بلحظة وثانية بثانية، وكذلك بالترافق مع تطور مفاهيم حقوق الإنسان في العالم، وخاصة مفهومي ” السيادة الوطنية ” و ” حق التدخل الإنساني ” حيث لم تعد أية دولة في العالم تستطيع أن تتذرع بأنها تمارس سيادتها الوطنية عندما ترتكب جرائم ضد الإنسانية.