تسبّبت السلطة القائمة في سورية، من خلال تعاملها الأمني مع المواطنين، واعتمادها لتنمية غير متوازنة في البلاد، وإضعاف مؤسسات الدولة ونشر الفساد فيها، وعدم استجابتها للمطالب السياسية والاجتماعية العادلة مؤخّراً، بأزمةٍ كان يمكن تجنّبها.
بذا عرّضت الوطن للخطر، ممّا أفسح المجال لاستخدام القبضة الأمنية ولمن يريد أن يستغلّ ورقة التوتّر الطائفي للحفاظ على السلطة أو للوصول إليها على حساب سلامة الوطن والمواطن.
ولكلا الطائفتين امتدادات في كافّة طيوف المجتمع ومكوّناته.
فالخيار الحقيقي اليوم لمن شاء تجنّب الكارثة هو في تضافر جهود جميع الوطنيين الشرفاء أنّى كانت مواقعهم لوقف القمع والعنف أوّلاً، ثم الشروع ببناء دولة مؤسّسات حقيقية.
إنّنا نؤكّد أوّلاً وأساساً على أنّ الشعب السوري مصدر كلّ شرعية وله كامل الحق في الحرية والكرامة والمساهمة في النهضة العربية الجديدة التي انطلقت من تونس ومصر.
لذا نوجّه تحية احترام وإكبار وتمجيد لكل شّهدائه، مواطنين أم عسكريين أم شرطة، من ضحايا القمع الأمني الشرس أو يد الغدر مهما كانت.
إنّنا نؤكد على ضرورة صيانة الدولة، التي بذل آباؤنا وأجدادنا أرواحهم لبنائها، بما في ذلك جيشنا الباسل، ونصر عّلى دورها الأساسي في حماية الوطن والمواطن وخدمته فوق كافة المصالح الفئوية والحزبية.
ونحيّي نضال الشعب السوري عبر تاريخه الطويل وتمسّكه بوحدته الوطنية التي تجمع كل طّوائفه وطيوفه.
فهو بلد طالما كان الملجأ لكلّ الأقوام والأديان والمذاهب التي تأثّرت به وأثّرت فيه، وصانته وصان تراثها عبر التاريخ، ويجب أن يبقى دوماً كذلك.
من هذا المنطلق، نتوجّه إلى كل أّخوتنا الذين يخاطرون بأنفسهم وأرواحهم في إثبات حقّهم الإنساني والدستوري للمطالبة بحقوقهم الأساسية والاحتجاج على مصادرتها، ونناشدهم:
• التمسّك بسلمية الاحتجاج وشعارات الوحدة الوطنية، وبإقصاء أيّ جهة تبث الكراهية والطائفية، كي لا تشكّل ترخيصاً لمحاربة حركة الاحتجاج تحت مسمّى السلفية؛
• اختيار سبل الاحتجاج التي تضمن سلمية التظاهر وحماية أرواح المتظاهرين وتمنع أيّ استفزار من أية جهة؛
• رفض أي لجوء إلى السلاح، مهما كانت التضحيات اقتداءً بمسار إخوتنا في تونس ومصر واليمن؛
• التمسك بعلم الجمهورية العربية السورية وحده، ونبذ أيّ علمٍ آخر، حتّى لو كان علم استقلالنا الأول، فلا فائدة من عودة مصطنعة إلى الماضي.
لنلتحم حول علمنا، رمز وحدتنا مع مصر، وبها نفتخر جميعاً؛
• تكثيف وتنشيط التواصل بين جميع أبناء الوطن لئلاّ يستسلموا لمشاعر الخوف تأكيداً على أن سورية لجميع طوائفها وأطيافها، فيها عزتهم وفيهم عزّتها؛ وحشر الطائفية في زواياها المظلمة والضيقة وجعلها تعزل نفسها بنفسها؛
• نبذ أيّ مطالبة بتدخّل خارجي، مهما كان نوعه، ورفض توظيف سورية في مشاريع إستراتيجية تستهدف المقاومة وتصبّ في مصلحة إسرائيل ؛
• الإيمان بإن مطالب الحرية والكرامة والمنعة الوطنية هي حقّ الشعب وجميع أبنائه بلا تمييز واستثناء.
ومن منطق إدراكنا العميق لخطورة الأوضاع الحالية وعقم وخطورة الحل اّلأمني نؤكّد من موقعنا كمواطنين أنّ الشعب هو وحده مصدر المنعة الوطنية، فهو صاحب الأرض والوطن، وهو الذي حمى ويحمي من المؤامرات الخارجية، وهو الذي دعم الشعبين اللبناني والعراقي في مقاومتهما ومحنتهما، وهو المرجع الوحيد بكافّة مواطنيه ومكوّناته لأيّ نظامٍ مستقرّ ومنيع في سورية؛ ولذلك يخطئ من يعتقد بإمكانية الانتصار الأمني، إذ لا مكان لأيّ حوار في ظل السلاح؛ والانتصار الحقيقي هو دوماً سياسيّ وسيكون لمصلحة الشعب السوري.
ونؤكّد على:
• أن الإصلاح لا يمكن أن يكون منّة تمنحها أيّة سلطة، وإنما علاقة تتأصّل في وفاء الحاكم لتعهّداته وفي قدرة المحكومين على محاسبة أداء الحاكم؛ وهو يقتضي وضعاً دستورياً جديداً يضمن الحرية والكرامة والتعددية ومبدأ التداول على السلطة واستقلال القضاء؛
• أن المسؤولية في الحكم لا تمنح أحداً الحق في إعطاء أو التغاضي عن امتيازات لأفرادٍ في عائلته أو لمقرّبين منه، والقانون والمحاسبة ينطبقان على الجميع، بمن فيهم وخاصّة من اؤتمنوا على مصلحة الوطن؛
• أن الوطن أكبر من كلّ أفراده، يتواضع الجميع أمام أحداثه الجلل؛
• ضرورة وقف التدهور الحالي فوراً وبداية إرساء عناصر الخروج من الأزمة عبر خطوات ملموسة، تتضمّن:
وقف التدخّل والقمع العسكري والأمني في مناطق الاحتجاج واللجوء إلى منطق الحوار؛
الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي؛
إخضاع كل الأجهزة الأمنية للقيادة العامّة للجيش والقوات المسلّحة وتشكيل لجان مشتركة بين الأهالي والجيش لمعالجة أيّة تداعيات أمنية، خاصّة أي استفزازات من أيّة جهة أتت؛
فتح تحقيق مستقل وعادل، تحت رعاية منظّمات حقوق إنسان عربية ودولية، في الأحداث التي جرت في سورية؛
معاقبة المسؤولين عن سقوط الضحايا، وإنصاف أهاليهم؛
حلّ الحكومة الحالية ودعوة شخصيات من الشرفاء المقبولين من كلّ الأطراف لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تعمل لإرساء تغييرٍ ديموقراطي سلمي، على أساس عقد مؤتمر وطني يضمّ جميع القوى الحيّة من أحزاب وفعاليات وطنية، ينبثق عنه ميثاق وطني وعقد اجتماعي يفضي إلى دستور جديد.
لقد دخلت بلادنا مأزقاً حقيقياً، لكنّنا ما زلنا نأمل أن يتجاوز الوطن هذه المحنة بفضل تضافر جهود كافّة الوطنيين الشرفاء ليسيروا به نحو برّ العزّة والأمان وليبنوا مستقبلاً جديداً لشبيبتنا وشعبنا العريق.
أوّل الموقعين:
• سمير العيطة: رئيس منتدى الاقتصاديين العرب ورئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية
• د.
محمد مخلوف: كاتب وصحفي، فرنسا
• د.
بطرس حلاق: أستاذ الأدب العربي في جامعة السوربون، فرنسا
• د.
الياس ورد: أستاذ الفيزياء في جامعة باريس 11، فرنسا
• رياض ربيع: باحث اقتصادي، فرنسا
• د.
منذر محمد إسبر: باحث اجتماعي، فرنسا
• د.
جمال باروت: مؤرخ، سورية
• نهاد سيريس: كاتب، سورية
• د.
غريغوار مرشو: كاتب وأستاذ جامعي، سورية
• بسام نيربية: خبير معلوماتية، كندا
• سفيان الإسماعيل: باحث جغرافي، الولايات المتحدة.
• باسل حيدر: باحث كيميائي، فرنسا
• ندى شاهين: أستاذة جامعية، فرنسا
• قصي صالح الدرويش: صحفي، فرنسا
• رستم محمود: كاتب وباحث، سورية
• شورش ميرو: باحث، المانيا