ما المرجو من إصلاح حصل بذهنية الاستبداد ؟!

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم: رئيس التحرير

منذ منتصف شهر آذار المنصرم وحتى الآن تشهد ساحات البلاد حالة غليان جماهيري عارم امتدت على مساحة الوطن من محافظة درعا وحتى محافظة الحسكة مرورا بالعديد من المدن والبلدات والأرياف السورية ، تجلت تعبيراتها في أشكال الاحتجاج الحضاري والتظاهر السلمي الذي كفلته القوانين والشرائع الدولية وأقرته الدساتير والقوانين المحلية بما فيه دستور البلاد ، على أنه حق مشروع لكل المواطنين ، هذا الاحتجاج النابع من صلب معاناة الجماهير وما كابدتها من الفقر والفاقة وحرمان مزمن من الحريات الديمقراطية العامة ، ولاسيما حرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية التعبير والنشر التي صادرتها السلطات بأجهزتها القمعية وممارساتها البوليسية بدءا بكمّ الأفواه ووصولا إلى التصفيات الجسدية من القتل والتنكيل ومرورا بزج المناضلين في غياهب السجون والمعتقلات ،
 أي أن القبضة الأمنية المفروضة لعقود خلت على رقاب الشعب السوري أفرادا وجماعات هي السبب الأساس في كل مآسي المجتمع وأشكال الفساد المستشري في عموم مفاصل الدولة ومؤسساتها ..

بدأت هذه المظاهرات والاحتجاجات فعلا بشكل سلمي تام ، وهي تنشد الحرية والديمقراطية والحياة اللائقة بالإنسان ، واستمرت هكذا رغم مجابهتها بصنوف القمع الوحشي وصولا إلى استخدام الرصاص الحي على المتظاهرين ، لتخلف وراءها مئات الشهداء وآلاف الجرحى ، هذا إلى جانب وعود السلطات المتكررة بالاستجابة لمطالب المتظاهرين والمحتجين ، وإصدار العديد من المراسيم والإجراءات في هذا الاتجاه ، لكن جميعها لم تجدِ نفعا حتى الآن ، لأنها لا تستجيب فعليا لإرادة الجماهير وتطلعاتها ، كونها تأتي من علٍ ومن ذهنية الاستبداد وبهدف حمايته ، ولأنها تفتقر إلى أسس تطبيقها على أرض الواقع وتفتقر لضمانات استمرارها ، كون المطلوب ليس ترقيعا هنا وترميما هناك ، بل المطلوب هو إعادة النظر في مجمل القضايا الأساسية بما يؤسس لتحقيق نقلة نوعية في عموم مؤسسات الدولة وعلاقتها مع المجتمع ، وعلى أن تشارك الجماهير بنفسها أو عبر ممثليها الحقيقيين في صنع قرار التغيير أو الإصلاح ، بما يضمن الشراكة الفعلية في السلطة والثروة ، وبما يحقق التداول السلمي للحكم والسلطة ، وانتفاء أي تمييز أو امتياز لأحد سواء أكان فردا أم جماعة ..
 إن قرار إلغاء محكمة أمن الدولة العليا ورفع حالة الطوارئ مثلا لم يغير على أرض الواقع شيئا ، بل ازداد الوضع سوءا مع زيادة عدد المعتقلين إلى جانب القتلى والجرحى من المتظاهرين ، وما يترشح من معلومات حتى الآن بخصوص القوانين التي ستصدر بشأن الحريات العامة فهي ناقصة ومبتورة ، لاسيما مسودة قانون الأحزاب المنشورة في الصحافة الرسمية والذي جاء بشكل هلامي غير متكامل ، ثم إقصائي دون أية مراعاة للتعددية القومية ، مما يعني رفض الحالة القائمة وتجاهل الوجود القومي الكردي وأحزابه السياسية ، وهكذا بالنسبة لقانون المطبوعات ، إذ ما يمكن تطبيقه في هذا الشأن لا يمكن مخالفته عن قانون الأحزاب على كل حال ، أما قانون الانتخاب فلا يتطرق إليه أحد إلا فيما يتعلق بالإدارة المحلية ، بمعنى أن قانون الانتخابات يقتضي هو الآخر تعديلا جذريا بحيث يراعي تمثيل كافة شرائح المجتمع وفئاته ومكوناته وخصوصا عند تشكيل القوائم الانتخابية ، أما دستور البلاد فلا زال الحديث يدور حول المادة الثامنة منه ، ورغم أهميتها إلا أن الدستور بكامله يبقى بحاجة إلى صياغة جديدة تناسب المرحلة ومقتضياتها الآنية والمستقبلية ..
 وفي هذا السياق ، تجدر الإشارة إلى رؤية حزبنا – آزادي – المؤرخة في 6 / 4 / 2011 والمطروحة للنقاش بغية الوصول إلى الصيغة الأمثل في معالجة الأزمة التي تلف البلاد لبضع أسابيع مضت ، فهي ” أي الرؤية ” تدعو إلى حوار وطني جاد مسئول وعام بحيث يشمل مختلف ألوان الطيف الوطني وقواها السياسية والنقابية وشرائحها الاجتماعية وذلك عبر محفل وطني واسع كمؤتمر وطني أو مجلس تأسيسي على أن يختار كل ممثله بنفسه ، وعلى أن يسبق هذا اللقاء الوطني عددا من الإجراءات السريعة التي تؤكد المصداقية وحسن النية في التعامل وفي المقدمة منها الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والموقف السياسي وكل المعتقلين بسبب التظاهر والاحتجاج ، والإقرار بالتعويض لذوي الشهداء والجرحى والمصابين والإقرار بشرعية الحراك الجماهيري مع شجب وإدانة القمع والقتل والتنكيل ومحاكمة مصدري الأوامر بالقتل ومنفذيها ، ومن ثم تناول القضايا الوطنية الملحة أبرزها وضع أسس ومبادئ بناء الدولة المدنية الحديثة التي تكفل الاعتراف الدستوري بالتعددية القومية والدينية والسياسية وتضمن فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتعزز دور القضاء واستقلاليته وتضع الحلول العملية لمختلف القضايا الوطنية بما فيها القضية القومية للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد ، وإعلان مصالحة وطنية شاملة وتشكيل حكومة انتقال مؤقتة ذات ائتلاف وطني ، والبدء بانتخابات عامة وفق الدستور الجديد وقانون انتخابات جديد كما ذكرنا ..
إن الحلول الترقيعية أوأنصاف الحلول أو ما سمي بالإصلاح الناتج عن الذهنية الاستبدادية فهو أصلا لا يعد إصلاحا بل يأتي لصيانة الاستبداد وحمايته فهو بالتالي لا يجدي نفعا ولا ينطلي على أحد ، فالمسألة بكل جوانبها تقتضي مسئولية وجرأة في الإقدام على الحلول الجذرية التي تستجيب لتطلعات الجماهير في غد مزدهر ، تلك التي تكفل مشاركة الجميع في صنع القرار والمساهمة في خدمة البلاد وتطورها ، وكذلك مشاركة الجميع في السلطة وتوزيع الثروة ، على مبدأ “سوريا لكل السوريين ” وليعيش الجميع أعزّاء في تعاضد على المحبة والوئام ..

  7 /5/2011

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (433) نيسان 2011 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…