ماذا لو استخدمت الحروف الممنوعة؟ … قناة كرديَّة في التلفزة التركيَّة … شكوك وانتظار

هوشنك أوسي

أُثير كلام كثير حول نيّة الحكومة التركيَّة إطلاق قناة كرديَّة في التلفزة الرسميَّة، وكلام أكثر حول خلفيَّات هذه النيَّة، التي تحوّلت في ما بعد إلى قرار.

ودخلت مؤسسة الإذاعة والتلفزة التركيَّة «تي آر تي» في معمعة اختيار اسم هذه القناة، ثم مسألة اختيار مدير لها، ثمَّ البحث عن الطاقم والكادر التقني والمهني من بين الأكراد، وفق المعايير القوميَّة، الموالية لسياسة الدولة، وثمَّ تحديد موعد انطلاق هذه القناة العتيدة!.

والحاصل، تم اختيار سنان إلهان، وهو كرديّ الأصل، مديراً للقناة.

كذلك تمَّ تحديد «تي آر تي 8» اسماً لهذه القناة، والأوّل من العام الجديد، موعداً لبدء هذه القناة ببثِّ برامجها، على 12 ساعة في اليوم.

وتمَّ الإعلان عن ذلك، في حفلة نظَّمتها، مؤسسة «تي آر تي» في اسطنبول حضرها المدير العام لـ «تي آر تي» إبراهيم شاهين، ومدير القناة الكرديَّة «تي آر تي 8» سنان إلهان، إلى جانب حشد من المثقفين والصحافيين الأتراك والأكراد.

حيث دعا شاهين إلى دعم ومساندة القناة الكرديَّة «تي آر تي 8»، وأشار إلى أن هذه القناة، «لن تعمل كمؤسسة، تسعى لتسويق أيديولوجيَّة الدولة»!.

لكن، رشحت بعض المعلومات، مفادها أن: ثمَّة شخصاً آخر، معنياً بشؤون إدارة القناة الكرديَّة، تفوق صلاحياته صلاحيات، ليس سنان إلهان وحسب، بل صلاحيات إبراهيم شاهين أيضاً.

وهذا الشخص، يحضر جلسات مجلس الأمن القومي التركي.

ما يعني، أنه من كبار المسؤولين في الدولة.

خطوة ما

من نافلة القول إن قناة كرديَّة ضمن التلفزة الرسميَّة التركيَّة، ومرتبطة بمجلس الأمن القومي التركي، لن تكون إلاَّ بوقاً للسياسات الرسميَّة للدولة التركيَّة.

لكن، مجرَّد التفكير بإطلاق قناة كرديَّة في تلفزة دولة، كانت تنكر وجود شعبٍ بأكمله، لمدّة 85 سنة، يزيد تعداده عن 20 مليوناً، هو الشعب الكردي، وتعتبرهم «أتراك الجبال»، لا شكَّ أنها خطوة للأمام وفي الاتجاه الصحيح.

وإن دلَّ هذا على شيء، إنما يدُّل على إفلاس سياسات الإنكار والإقصاء والقمع والصهر القومي، التي مورست على أكراد تركيا على مدى ثمانية عقود ونصف، ولا زالت مظاهر وتجليَّات تلك الحملات مستمرَّة.
ومن جهة أخرى، تنمُّ هذه الخطوة عن عجز الدولة في مواجهة النضال الكردي المتصاعد في تركيا، بالطرق التقليديَّة.

وعليه، فهذه الخطوة، تشير إلى بدء مرحلة جديدة من الصراع التركي – الكردي.

إذ سابقاً كانت تركيا تحاول تشويه وتضليل الأكراد، وإبعادهم عن حراكهم القومي والثقافي والسياسي، بأدوات تركيَّة، وباللغة التركيَّة.

لكن الآن، ستستمرَّ محاولات التضليل والتشويه تلك، وهذه المرَّة، باللغة الكرديَّة، ولكن بحمولة أيديولوجيَّة رسميَّة تركيَّة.

وهذا ما جعل الكثير من الأكراد ينظرون بعين الشكّ والريبة لإطلاق «تي آر تي 8»، معتبرين أنها جولة جديدة من الخداع التركي للأكراد، وأن رئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، يسعى لاستثمار هذه الخطوة في مواجهة خصومه الأكراد من حزب المجتمع الديمقراطي، المقرَّبين من العمال الكردستاني، في الانتخابات البلديَّة المقبلة نهاية آذار (مارس) المقبل.

فضلاً، عن استثمارها أوروبيَّاً وعالميَّاً، كي يُظهر نفسه على انه المنفتح على التنوّع الإثني والقومي والثقافة الكرديّة، ويسعى لحلّ هذه القضيَّة بالسبل السلميَّة!.

وهو، أي أردوغان، القائل للأكراد قبل أيَّام: «تركيا شعب واحد، لغة واحدة، علم واحد.

إمَّا أن تحبّوا وتقبلوا، وإمَّا أن ترحلوا عن هذه البلاد»!.

دور للقضاء

إطلاق هذه القناة، سيضع تركيا في وضع محرج.

وستصطدم هذه القناة بالقضاء والقوانين التركيَّة التي تحظر وتعاقب كل من يستخدم الأبجديَّة الكرديَّة، بخاصَّة الحروف التاليَّة: «W, Û, Î, Ê, X»!.

حتّى أنَّ دوائر القيد والنفوس التركيَّة منعت تسجيل الأسماء الكرديَّة، التي تحتوي هذه الأحرف، بتهمة أن هذه الأحرف غير موجودة في الأبجديَّة التركيَّة.

وعليه، فهي أحرف انفصاليَّة! وبالتالي، إن استخدمت هذه القناة الأبجديَّة الكرديَّة المعتمدة، فهذا يعني مخالفة القانون التركي.

وإنْ استخدمت الأبجديَّة التركيَّة، حينئذ، ستتحوَّر اللغة الكرديَّة، ما سيدفع الكثير من المؤسسات الكرديَّة لرفع دعاوى على هذه القناة «الكرديَّة» التركيَّة، أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبيَّة، بسبب إساءتها للغة الكرديَّة، وعدم اعتمادها للأبجديَّة الكرديَّة بكامل حروفها.

ولعلَّ السؤال الذي يضع الأداء المرتقب لـ»تي آر تي 8»، على المحكّ هو: كيف لدولة، لا تعترف بالوجود الكردي دستوريَّاً على أراضيها، أن تطلق قناة كرديَّة نزيهة، حياديَّة، مهنيَّة، في تلفزتها الرسميَّة!.

 الحياة – 14/12/08//

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…