الحذاء لا يدخل المرء الى التاريخ

شلال كدو* 

    لعل ما قام به الصحفي العراقي مراسل قناة البغدادية منتظر الزيدي، عندما قذف الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بحذاءه في بغداد اثناء مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في العاصمة العراقية، ينم عن ثقافته وثقافة الذين يقفون من خلفه ويمجدون فضيحته التي ستدخله الى مزبلة التاريخ بأمتياز شديد، حيث لم يحدث امر من هذا الطراز الغريب العجيب لدى اي من شعوب ودول العالم قاطبة في طول التاريخ وعرضه، ولا سيما في العصر الحديث الذي عنوانه التمدن والرقي،

لكن يبدو ان الذين يروجون لثقافة الحقد والكراهية، لا زالوا بعيدين عن الحاضر ومقومات الحضارة والاخلاق المدنية والانسانية، التي تراكمت منذ مئات السنين ويتمتع بها معظم شعوب العالم، والتي انتشرت في ظل تكنولوجيا المعلومات التي حولت البشرية برمتها الى قرية صغيرة ان لم نقل الى منزل واحد.
    ان التهليل والتطبيل والتزمير الذي نراه بعد فضيحة الحذاء( الصباط ) في العديد من المدن العراقية وكذلك العربية، ان دل على شيء انما يدل على ثقافة الحقد الدفين لدى بعض النخب العربية، التي تدفع بالناس المغلوبة على امرها للاحتفاء بحذاء –العروبة- ورفعها نحو الاعلى لتصبح علماً يتوحد العرب من خلفها، وقبلة للمناضلين الاشداء من المحيط الى الخليج، متناسين بأن هذه الثقافة ذاتها، هي التي ادت بالشباب العربي الى نسيان همومه اليومية وما يتعرض له من ظلم واضطهاد على يد حكامه، والتوجه الى قتل الغربيين والامريكان على وجه الخصوص، لتبقى الانظمة الاستبدادية متسلطة بسيوفها على رقاب البشر والشجر والحجر في بلدانها، مع الاخذ بالعلم بأن اغلب هذه النخب، كانوا ولا زالوا يتقاضون كوبونات النفط من الحكام ذاتهم، ولا سيما من الطاغية صدام المشنوق، عندما كان متربعاً على كرسي الحكم في عاصمة الرشيد.


    ان قتل الامريكان والغرب ليس من مهام الناس في الشارع العربي، او من يسمون انفسهم بالمعارضة للانظمة في بعض الدول العربية، وانما هو شأن الحكومات التي تمتلك الجيوش والاسلحة والامكانات، وعلى هذه الشعوب ان ارادت محاربة امريكا ان تعمل على تغيير انظمتها والاتيان بأنظمة اخرى اكثر وطنية واكثر دفاعاً عن قضاياها، وبالتالي اكثر عداءاً للغرب والامريكان..! فالزيدي صاحب الحذاء لا يستطيع فعل شيء او تغيير شيء يذكر بحذاءه، سوى جلب العار والفضيحة للعراق وللعروبة برمتها، كما لا يستطيع اصحاب ثقافة الحقد والكراهية ومروجيها فعل شيء يضر بأمريكا او الغرب، سوى دفع المزيد من الشباب العربي الى جبال تورا بورا لتلقي التدريبات هناك لدى تنظيم القاعدة، والحصول على صكوك لدخول الجنة، وبالتالي لف اجسادهم بالاحزامة الناسفة وتفجيرها في احد الجوامع اوالشوارع المكتظة بالشباب العربي المسلم نفسه، في احدى العواصم العربية كبغداد او بيروت اوعمان او غيرها وقتل مجاميع الابرياء العزل من ابناء جلدتهم.


    آن الاوان للمثقفين والنخب العربية في كل مكان لنبذ هذه الثقافة، ثقافة الحقد والعنف والغاء الآخر ومحوه من الوجود، والاحتكام بدلاً من ذلك الى مصلحة الشعوب المغلوبة على امرها، ونشر ثقافة المحبة والاخاء والوئام والتعايش السلمي، وقبول الآخر المختلف ثقافياً وعرقياً ودينياً ومذهبياً..

وبالتالي اعتبار فعلة الزيدي هذا عملً مشيناً ومقززاً في الوقت ذاته، التي تحط من كرامة العراق والعراقيين ولا يدخلهم الى التاريخ فالحذاء لا يدخل المرء الى التاريخ بل يدخله الى لعنة التاريخ، ويهز صورة البلد لدى العالم المتحضر، ناهيكم عن انها تعتبر اهانة شديدة للصحافة العراقية وضربة مؤلمة لها في الصميم.

* كاتب ومعارض سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…