ربما تكون (الكلمة الطيبة) في السياسة، كما في التجارة والبزنسمان، مرفوض – أو على الأقل غير محبب ومن دون فاعلية وتأثير – إن حذفنا مسألة الدبلوماسية من منظومة مفاهيمنا السياسية (وعلاقاتنا الحزبية).
وهي (أي الكلمة الطيبة) أقرب إلى الخطاب الديني ووعظ الأنبياء، منها إلى الخطاب السياسي و(صراعات) التيارات والأيديولوجيات السياسية والحزبية.
ولكن، ومن دون أن نجعل من أنفسنا أوصياء على أحد
نعم..
عندما كتبنا مقالنا السابق؛ (كفى صمتاً) كتبناها من هذا المنطلق؛ (إيجاد وممارسة لغة دبلوماسية بيننا بحيث نخدم القضية الإستراتيجية لشعبنا وأمتنا وكذلك لعموم شعوب المنطقة) أي لغايات إستراتيجية كوردستانية جامعة لا فارقة وممزِقة ولم تكن الغاية والهدف منها هو التلميع والترويج لدعاية شخصية بين جهة وتيار سياسي؛ (حزب العمال الكردستاني) وقواتها وكريلاها و (الكل) يعلم مواقفنا وقراءاتنا – في الكثير من المقالات – أعلنا تلك المواقف بصدد أجندة وبرامج الحزب السياسية وكذلك ليس بخافٍ لكل متتبع للحركة السياسية والثقافية في غرب كوردستان بأننا من الكوادر القيادية في البارتي؛ (في المؤتمر العاشر للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي، انتخبنا كعضو احتياط في اللجنة المركزية).
ولكن لا نخفيكم بأننا كنا على ثقة بأن المقال سوف يترك انطباعاً جيداً لدى رفاق ومناصري حزب العمال الكردستاني – وهذا ما نبتغيه من الدبلوماسية – ويوجب علينا الاستمرار فيه إن كنا نريد – فعلاً وليس قولاً – أن نخدم قضايانا الإستراتيجية والبعيدة المدى.
وسوف نوضح وجهة نظرنا هذه من خلال مجموعة ملاحظات بخصوص المسائل والقضايا العميقة المتعلقة بنا كشعب وحركة وطنية قومية ديمقراطية تبحث عن حلول لمجموعة قضايا شائكة ومعقدة وذلك بالاتفاق على جملة مبادئ وهي:
أولاً: فإن الدبلوماسية (اللغة والخطاب الدبلوماسي) شرط ضروري للتعامل وللتعرف على الآخر – من كان الآخر – وكذلك لمعرفة نقاط الالتقاء والاختلاف بين البرامج والأجندة المطروحة على طاولة الحوار؛ إن استطعنا الوصول إليها والجلوس حولها.
ثانياً: أن تصبح لدينا قناعة راسخة أنه لا مبدأ غير مبدأ الحوار في العلاقات الكوردية – الكوردية وعدم اللجوء (مبدأ) السلاح لحل الخلافات الحزبية والسياسية بين الأطراف والقوى الكوردية.
ثالثاً: الاتفاق على أن الحركة الوطنية الكوردية بمجموع أحزابها وتياراتها السياسية والأيديولوجية هي الممثلة الشرعية – ولن نقول الوحيدة وإن كانت الأبرز والأكثر تنظيماً – للشعب الكوردي في أجزاء كوردستان الأربعة.
رابعاً: عدم التخوين (اللجوء إلى لغة التخوين) للآخرين – أفراداً وأحزاباً – وذلك بين فصائل وأحزاب سياسية كوردية نختلف معهم في برامج وأجندات سياسية وتكتيكات مرحلية وتحت أية ذريعة أو حجة، بل اعتبار الجميع (كل الفصائل والكتل السياسية الكوردية) إنما تعمل لخدمة قضايا ومصالح الشعب الكوردي.
خامساً: الاعتراف بضعف الحركة الوطنية الكوردية وخاصةً في غرب كوردستان وذلك من حيث البرامج السياسية وكذلك على أصعدة النضال بين الجماهير وأيضاً من حيث التكتيك النضالي المرحلي والمشروع السياسي الاستراتيجي.
سادساً: التوافق والوفاق على مرجعية كوردية شاملة ضمن إطار سياسي مرحلي لها برنامج سياسي مطلبي واضح من حيث الطرح للمسألة الكوردية ووضع الخطوات العملية للمضي بالقضية الكوردية إلى مصاف القضايا الوطنية الكبرى وفي أجزاء كوردستان الأربعة عموماً وبالتالي جعلها قضية وطنية ديمقراطية بامتياز وكذلك تدويلها (أي جعلها قضية دولية وليست أمنية؛ من الأمن وليس الأماني).
سابعاً: العمل وفق مبدأ الديمقراطية داخل الكتل والأحزاب السياسية الكوردية – وقبل أن نطالب السلطات الغاصبة لكوردستان بذلك – والالتزام بها كنهج وممارسة وبالتالي تحرير الشخصية الكوردية (وخاصةً الرفاق الحزبيين) من قيود وموانع وترسبات الماضي والتي سلبت الشخصية الكوردية (خصوصيتها)؛ بأن جعلتها أقرب إلى الحالة العبودية منها إلى شخصية حرة ليبرالية ديمقراطية وغير خانعة خاضعة للسلطة ومفاهيم الأب والزعيم والقائد و..
ومن دون أن نفقد احترامنا للرموز والمناضلين.
ثامناً: الإيمان بقدرات وعطاء الجماهير الكوردية وتحليها بروح التضحية والفداء في خدمة قضاياها القومية والوطنية والديمقراطية، إن توفرت الشروط والمقدمات الضرورية وكذلك القيادة الحقيقية.
تاسعاً: الاعتقاد بأن الاختلاف في البرامج والأجندة السياسية “لا يفسد للود قضية”، بل تجعلها أكثر غناً وتنوعاً ولصالح الديمقراطية والتعددية في الحركة الوطنية الكوردية وعموم الحالة الوطنية في البلاد.
عاشراً: جعل الغاية والهدف؛ تحقيق (الحلم) الكوردي في العيش الحر الكريم كغيرها من شعوب العالم، هو المستدرك والمنشود في كل العمل السياسي الكوردي في الساحة السياسية الكوردستانية كواقع عملي نضالي ويومي وليس كبرامج نظرية فقط.
حادي عشر: العمل وفق عقلية براغماتيكية وكمفهوم استراتيجي؛ على أن كل فصيل وتيار وكتلة سياسية كوردستانية يشكل عمقاً استراتيجياً حقيقياً للأطراف وأيضاً الأجزاء الكوردستانية الأخرى وقد كتب الأستاذ سامي شورش، بهذا الصدد، مقالاً تحت عنوان (لماذا لا تفتح واشنطن حواراً مع حزب العمال الكردستاني) يوضح بشكل جلي هذه النقطة وما هو المطلوب في هذه المرحلة من القوى والأحزاب الكوردستانية بصدد استراتيجياتها حيث يقول: “يصعب الدفاع عن المواقف العسكرية والعنيفة لحزب العمال الكردستاني، إن في انتشار مجموعات من مقاتليه في جبال كردستانية عراقية تتاخم الحدود التركية، أو في نشاطه المفرط في عنفه وقسوته داخل تركيا نفسها.
في الواقع، يصعب مثل هذا الدفاع على رغم التداخل الحاصل بين أوراق هذا الحزب وملفات القضية السياسية الكردية.
في المقابل، يصعب أيضاً على أي منصف، القفز على أكثر من موقف إيجابي لحزب العمال.
بل يصعب الدفاع عن مواقف دول مثل الولايات المتحدة تهتم بكل صغيرة وكبيرة في الشرق الأوسط، لكنها تغض النظر، من دون مسوغات معقولة، عن الأوجه الإيجابية في تجربة حزب العمال، وفي مقدم هذه الأوجه تمسكه الشديد بعدم السماح لأي نفوذ إيراني، أو لأي منظمة إرهابية، ولتنظيم القاعدة، أو المجموعات العراقية المسلحة كأنصار السنّة، أو منظمات الإرهاب في تركيا كحزب الله، بالتسلل الى المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها مقاتلوه في جبال كردستان العراق.
ويشار الى أن هذه المساحة أكثر من إستراتيجية لموضوعة الأمن والاستقرار في المربع التركي الإيراني السوري العراقي”.
ويضيف “مراقبون كُثر بين الأتراك والأكراد والإيرانيين لا يستبعدون أن تكون واشنطن على إطلاع تام بهذا الموقف المعتدل..
لكن الغريب أن الولايات المتحدة المعروفة بسياستها القائمة على اللين والمرونة تجاه أحزاب ومنظمات تفضل التحول من العنف والإرهاب الى الاعتدال والهدوء، لا تبدي أي اكتراث عملي بهذا الموضوع”.
إن كتابة الأستاذ سامي شورش بهذه العقلية لهي نابعة من عمق فكري وبعد استراتيجي يخدم في النهاية المصلحة الوطنية والقومية لشعبنا.
وبالتالي محاولة تشييد البناء الهيكلي للقوى الكوردستانية على أساس المساندة والمعاضدة والعمل على مبدأ (مثلث ودوائر القوى) داخل بناء الحركة الوطنية الكوردية.
ثاني عشر: الكف عن المهاترات – وليس النقد، كما يُفهم خطأً من قِبَل البعض – الداخلية والصراعات الحزبية؛ حيث أنها تضعف الجميع (جميع فصائل الحركة الوطنية الكوردية، بل أنها تضعف القضية الكوردية نفسها) وتلهيها (أي الحركة) عن القيام بواجباتها القومية والنضالية.
وبالتالي فعلى الحركة والأحزاب أن تسخر كل الجهود والإمكانيات في صراعاتها مع الأنظمة الغاصبة؛ حيث أن كوردستان المحررة لن تكون وطناً لفصيل سياسي حزبي دون آخر، بل أنها ستكون وطن الجميع بمن فيهم (الجحوش وحماة القرى) ولنا في (تجربة) إقليم كوردستان النموذج والعبرة.
وكمثال نورده هنا عن بعض هذه الصراعات، والذي يتحول إلى صراع من أجل الصراع وليس حتى الهدم والبناء كما يدعي البعض الآخر، هو بعض ما يكتبه الزميلين (ديار سليمان وهوشنك أوسي) – مع كل الاحترام لقلميهما وما يتمتعان من قدرةٍ على التعبير – حيث أن كل منهما ينظر إلى “النصف الفارغ من الكأس” ومن موقعين مختلفين ولن نقول متصارعين.
خاتمة: كل الشكر والامتنان والمحبة لكل الذين ساهموا ويساهمون في تقارب وجهات النظر بين أطراف الحركة الوطنية الكوردستانية وعلى رأسهم الأخ مسعود بارزاني الذي عمل وفق سياسة المسامحة والمصالحة داخل وخارج إقليم كوردستان؛ بحيث جعل من الورقة الكوردية والتحالف الكوردستاني القائم قوة حقيقية فاعلة ليس في الإقليم لوحده، بل على المستويين الشرق أوسطي والدولي.
وأيضاً شكر خاص لكل الأخوة والأصدقاء الذين كتبوا من خلال مواقع الأنترنت أو راسلونا بصدد هذه المسألة (وحدة الصف الكوردي) ومنهم (قوات الدفاع الشعبي الكردستاني) وكبادرة حسن نية نورد رسالتهم الأخيرة الموجهة إلينا من خلال أيميل الزميل نواف خليل – مع الاحتفاظ برأينا بصدد بعض المواقف التي نتباين معهم – حيث كتبوا:
“ الاخ العزيز بير رستم
طابت اوقاتك
ارسل لك نص الرسالة التي وصلتني هذا الصباح كي ترى كم هي مؤثرة الكلمة الطيبة وكي تعرف حجم المتابعة الدقيقة لمن يعانون كل ما يعانون عكس الذين يتخذون من اوروبا ولا يكلفون انفسهم عناء المتابعة كم يفعل هؤلاء الشباب والشابات الذين نذروا انفسهم لقضية شعبهم
الرسالة خاصة لك حصريا
لك تحياتي ومحبتي
نواف خليل
الرفيق العزيز نواف
قرأت رسالتك والرسالة التي رد بها الاستاذ بير رستم لك أشكرك لأنك نقلت شكرنا له.
حقيقةً أنه موقف ملفت، فها هو الاستاذ رستم يحتفظ بانتقاداته وملاحظاته لكن هناك نبرة من الاحترام والمبدء والأخلاق، يعني السيء هو التحريف وعدم الاحترام… ليس النقد، من منا غضب لنقد أو ملاحظة حتى لو كانت عن القائد، القائد نفسه يتناول ويتعامل مع الانتقادات الموجهة له وأنت ترى ذلك، لكن ظهر في غرب كردستان في الفترة الأخيرة تيار فاح منه رائحة الحقد..
الفرق كبير بين موقف الاستاذ رستم الأخير وبين ما يفعله مثلاً (…) – وليعذروني الأخوة في قوات الدفاع الشعبي عن إغفال الاسم الآخر المقارن بنا وبمواقفنا، فلا نريد التشهير بأحد (كاتب المقال)– أحدهم يحترم النضال ويتناول الموضوع بانسانية مع احتفاظه بالنقد، والآخر يتهجم خادشاَ مشاعر الملايين لدرجة أن يدعي أن: (أوجلان يقيم في فندق)… كل ما يهمنا أن يعرف الشعب في غرب كردستان أن الحركة هذه لم ولن تتنازل عن غرب كردستان، تربطنا بها دماء ذكية ونضالات وجهود كبيرة، الحركة ملتزمة بمصلحة شعبنا هناك، إلى أن يأتي يوم الميعاد ويوم يكون فيه شعبنا هناك نفسه جاهزاً…
نعم بالفعل أن موقفاً مثل موقف الاستاذ رستم يؤثر هنا أيضاً، لأننا لسنا قطاع طرق وهواة حرب بل نحاول قدر المستطاع أن تتلائم تحركاتنا مع الرياح السياسية والفكرية، ربما نحن أكثر الذين يريدون حل القضية بسبل سياسية وديمقراطية وأكثر الذين يعانون من الوضع الحالي..
لكن هل من طريق آخر… هل يمكن أن تتصور الوضع دون مقاومة وقوة عسكرية..
هي سعادة كبرى أن يتفهم إنسان منتقد للقائد وضع القائد والحالة التي يعيشها، فيفرق بين عواطفه والواقع ويفرق بين النقد من وجهة نظره وبين المواقف الإنسانية، بعدين يا هفال مين راح يفهم القائد إذا لم يفهمه السيد رستم، يعني إذا المثقف والكاتب الكردي لم يتفهم هذه الماساة الإنسانية فهل سيفهمها..
– وهنا أيضاً نعتذر لإغفال أسماء بعض المكونات الأخرى، وذلك تجنباً للنعرات القومية (كاتب المقال) – حينها سننتظر من من أن يتفهم وضعنا… من إحدى الجوانب هذا الموقف إحدى واجبات السيد رستم كمثقف وكاتب يكتب باسم الشعب – مرة أخرى، معذرةً من الأخوة في قوات الدفاع الشعبي؛ لا يمكنني الادعاء بأنني أمثل الشعب الكوردي (كل الشعب الكوردي) لأكتب باسمه وإن كنت أتمنى أن يمثل الكاتب ضمير ووجدان شعبه ليكتب باسمه (كاتب المقال) – حتى لو حمل انتقادات على القائد والحركة بحجم الجبال أليس كرديـينا ونحن أكراده – كل الشكر على هذا اللقب، بل نحن أخوة وأبناء هذا الشعب (كاتب المقال) –.
المرحلة حساسة وصعبة قليلاً وليتك كنت هنا لترى ما يحدث ، طائرات..
تركية – أغفلت أسماء لدواعي أمنية (كاتب المقال) –، واستطلاع أمريكي حصراً، وإيران تقوم بدعمهم وتقصف المناطق فلم تعد تعرف من مع من ومن ضد من، في هذه المناطق لا يوجد هنا ما يسمى (التناقضات الإيرانية السورية – مع – إسرائيل وأمريكا) الكل واحد ضدنا، هذه ليست مجرد فكرة أو تقييم نظري، إنه أمر نذوقه ونشعر به ونراه يومياً، لكن المعنويات جيدة والكل بخير، ورب ضارة نافعة لك، فالحركة تعيش وضعاً جيداً، خاصة من حيث ترسيخ الروح الوطنية الكردستانية، مواقف أبناء الشعب في..
كردستان رائعة، الكل متضامن..
– (وهنا أغفلنا عبارة لضرورات المصلحة القومية (كاتب المقال) – ولن تكون هناك أية مشكلة طالما أن شعبنا على طرفي الحدود معنا.
آسف على الإطالة لكنني أردت أن أشاركك رأيي في بعض التطورات وأنوه إلى فارق كبير بين حالة السيد رستم من جانب… و (…) – يكرر الاسم السابق والذي يتم المقارنة بيننا هنا مجدداً (كاتب المقال) – من جانب آخر.
تحياتي واحترامي /ج.
جبال الزاب”.
إلى هنا وتنتهي الرسالة – المقال.
ونلاحظ كيف يمكن “للكلمة الطيبة” والدبلوماسية أن تفعل فعلها، مع العلم أن خطابنا السياسي وعبر المقالات التي نكتبها لا نعتبرها خطاب دبلوماسي وخاصةً تجاه الأطراف والقوى الكوردستانية، بقدر ما هي قناعاتنا السياسية؛ كونها – على ضوء قراءاتنا المتواضعة – تخدم المصلحة القومية الكوردية ببعديها المرحلي والاستراتيجي.
وأخيراً وبدورنا نتوجه لهم (لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني) ولكل المناضلين الآخرين الذين سبقوهم والذين سيتبعهم على هذه الدروب الشائكة والشاقة، وكذلك نتوجه لكل أبناء شعبنا وشعوب العالم بالمحبة والسلام والأخوة والعيش الحر المشترك.
ملاحظة أخيرة: عذراً من الأخ والزميل ديار سليمان على ذنبٍ لم نرتكبه، وذلك من خلال وضع مقالنا السابق (كفى صمتاً) في معرض التعليق على مقاله الأخير والمعنون بـ”الكنز مفقودٌ على البر، والقائد على الجزيرة” في خانة التعليق رقم (9) وبالتالي وجب التنويه، وكان على الأخ الذي وضع مقالنا هناك أن ينوه إلى هذا الجانب حتى لا يفهم من قِبَل الأخوة القراء بأننا نواجه مقالاً بمقال.
المهجر – 2008