هوشنك أوسي منذ عدَّة شهور، والحديث جارٍ حول مفاوضاتٍ سرية بين سورية وإسرائيل.
لكن، سرعان ما أخذ هذا الحديث منحى آخر، باتجاه وجود وسيط بين هاتين الدولتين “المتعاديتين”.
وكان من المتوقع أن يكون الوسيط بلد من خارج المجموعة العربية التي تربطها علاقات أو اتفاقات سلام بالدولة العبرية، كمصر أو الأردن أو موريتانيا أو قطر أو عُمان أو تونس…الخ.
لسبب بسيط، هو أن سورية، لن تحيج نفسها للأقربين، على أنها كانت دوماً تنتقدهم، بسبب علاقاتهم مع إسرائيل.
ولم يكن من العويص جداً معرفة هذا البلد الوسيط، حتى قبل أن يكشف عن هويته مؤخراً، أثناء زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لدمشق على رأس وفد اقتصادي كبير، وحديثه عن مساعي وساطة سلمية تقوم بها تركيا بين سورية وإسرائيل، وإن الأخيرة قد أعطته وعداً بالجلاء عن هضبة الجولان المحتلة سنة 1967، في حال وافقت سوريا على توقيع اتفاقية سلام مع الدولة العبرية.
وحال وصوله لبلاده، سارع أردوغان بإرسال موفده الخاص أحمد داوود أوغلو إلى تل أبيب بغية التمهيد لإطلاق هذه المفاوضات.
وأثبت صدور بيانات عن الخارجية التركية والسورية والإسرائيلية، مؤخراً، انطلاقة هذه المفاوضات في اسطنبول، التي ارتأى لها أولمرت أن تكون سرية، ومحاطة بتكتم شديد.
يعني أن الأمور تجري، وفق ما كانت تشتهي دمشق سابقاً، وحديثها الغزير عن ضرورة بدء المفاوضات بين سورية وإسرائيل من النقطة التي انتهت إليها، والحديث عن “وديعة رابين”، التي تنص على وعد إسرائيلي بالانسحاب من الجولان.
لكن، هذه المفاوضات، تأتي مناقضة للرفض السوري إجراء مفاوضات سرية مع الإسرائيليين!.
والحال هذه، الأسئلة التي تقفز للذهن هي: ماذا لو تحقق السلام بين سوريا وإسرائيل؟.
وهل تود دمشق فعلاً التوقيع على اتفاق سلام مع تل أبيب؟ وماذا سيترتب على عقد هذا الاتفاق؟.
وهل الوسيط التركي، نزيه وحيادي، بما فيه الكفاية، حتى ينجز هذا المطلب العالمي والشرق أوسطي الحيوي والاستراتيجي؟.
معطيات الماضي والراهن التركي تشير إلى أن دور الوسيط النزيه والحيادي بين سوريا وإسرائيل، لا تنطبق على تركيا عموماً، وأردوغان خصوصاً، لجملة من الأسباب، أقلها شأناً، ما يلي:
1 ـ من المستحيل أن يكون أردوغان داعية حرب، وقارع طبولها في الداخل التركي، في ما يتعلق بالقضية الكردية، وأن يكون داعية سلام خارج تركيا، يسعى لنزع فتيل الأزمات والحروب بين الدول والشعوب!.
ويكفي لمن يجهل حقيقة أردوغان، ومساعيه السلمية، وحديثه عن السلام والتصالح والتسامح، أن يقول له: أنا كردي، وأود ان أتعلم بلغتي الأم في تركيا، حتى يكتشف منسوب عدائه للأكراد الذين انخدعوا بوعوده الانتخابية.
2 ـ تركيا هي أول دولة إسلامية اعترفت بوجود إسرائيل سنة 1949، فضلاً عن قوة اللوبي اليهودي في تركيا، الذي تمتدّ جذوره للحقبة العثمانية.
وكما أن مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال “أتاتورك” هو من يهود الدونما.
وفي ما كانت العلاقات السورية ـ التركية دائمة التأزم، وصلت لمنفرج، على خلفية التوقيع على اتفاقية أضنا، التي بموجبها خرج الزعيم الكردي أوجلان من دمشق في خريف 1998.
يعني أن العلاقات السورية ـ التركية هي حديثة، ولا تجاري العلاقات التركية ـ الإسرائيلية العريقة والقديمة والاستراتيجية.
3 ـ يربط تركيا بإسرائيل تحالف عسكري وأمني قوي جداً، لا يتأثر بالأزمات العابرة بين البلدين.
وبموجب هذا التحالف الأمني، ساعدت تل أبيب أنقرة في اختطاف الزعيم الكردي أوجلان من نيروبي سنة 1999.
وبموجبه أيضاً، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف المنشآت السورية في دير الزور، التي قيل أنها كانت نووية، عبر الأجواء التركية.
وبموجبه أيضاً، قامت وتقوم إسرائيل بمد خدماتها الاستخبارية والتجسسية لتركيا في حربها على حزب العمال الكردستاني، خاصة في الفترة الأخيرة.
بالنتيجة، ما يجمع تركيا وإسرائيل تقاطعات والتزامات استراتيجية كثيرة.
في حين، ما يجمع تركيا وسورية، هو علاقات اقتصادية، والاشتراك في معاداة الحقوق الكردية، وبخاصة ملف العمال الكردستاني.
مجمل ما تقدم، يشير أن تركيا أقرب إلى إسرائيل منها إلى سوريا.
ولعل ما دفع أردوغان للعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل، هو إظهار نفسه على أنه قد حقق لتركيا موقعاً حيوياً هاماً في الشرق الأوسط، في مواجهة خصومه السياسيين، الداعين لحل حزبه أمام المحكمة الدستورية.
ولعل ما دفع إسرائيل لإظهار رغبتها في السلام والتخلي عن مرتفعات الجولان، هو كسر المحور السوري ـ الإيراني، وفصل دمشق عن طهران، وصولاً للانفراد بالأخيرة، من جهة.
وما يشير إلى ذلك، هو اشتراط رئيس الدبلوماسية العبرية تسيبي ليفني، على سوريا، بفسخ تحالفها مع إيران، والكف عن دعم حماس وحزب الله.
ومن جهة أجرى، تل أبيب لا زالت تخشى أن تفتعل دمشق حرباً في المنطقة، بغية قلب طاولة المحكمة الدولية المتعلقة بمقاضاة قتلة رفيق الحريري، وافتعال أزمة، تصبح فيها هذه المحكمة من عاشر أولويات المجتمع الدولي.
حتى بعد وصول الأزمة اللبنانية لنفرج سياسي، وعقد “صلح الدوحة” بين الفرقاء اللبنانيين، وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للبنان، لا زال من المبكر الجزم أن لبنان قد صار بمنأى عن الاهتزازات الارتدادية للصراعات الإقليمية.
كما أن إسرائيل صارت متيقنة من انها، إن اتجهت واشنطن لضرب طهران، على خلفية ملفها النووي، فإن أول من تتجه إليهم طهران هي إسرائيل.
لذا، على الأخيرة البحث جدياً عن سبل سلام مع دمشق، تبطل بموجبه قسماً من مفاعيل المحور السوري ـ الإيراني، عبر استدراجها لاتفاقية سلام مع تل أبيب.
ثمة فرضية أخرى، مفادها: إن مباحثات السلام غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، هي من المستلزمات الإسرائيلية الضرورية لمواجهتها المرتقبة من طهران.
وقد أشار وزير الخارجية الألمانية الأسبق يوشكا فيشر في إحدى مقالاته الأخيرة: “إن إسرائيل، ستضرب إيران خلال هذا العام.
وزيارة بوش لإسرائيل، وفحوى خطابه أمام الكنيست يدل على ذلك”.
وعطفاً على هذه الفرضية، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أيهما أفضل أمناً وضماناً لإسرائيل؛ الاحتفاظ بمرتفعات الجولان، والإبقاء على حالة اللاسلم واللاحرب مع سوريا، أم ترك إيران تصل للنووي؟!.
طبعاً، منع وصول إيران للنووي، يجنب إسرائيل كارثة تهدد وجودها في الشرق الأوسط.
وعليه، “الكلفة المؤلمة” التي تحدَّث عنها أولمرت، هي التصالح مع سوريا، في مسعى التفرغ لمواجهة إيران.
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه هنا: ماذا لو تكللت مساعي أردوغان بالنجاح، وتم التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، بموجبه تنسحب الأخيرة من هضبة الجولان؟ وما هي الضرائب التي تترتب على سورية حيال ذلك داخلياً وإقليمياً؟.
بديهي أن أي اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، سيجبر الأولى على قطع علاقاتها بـ”حماس” و”حزب الله”، أو ضرورة تقويض هذين الحزبين أو الضغط عليهما.
ما يعني أن سوريا ستفقد أهم ورقتين أو بيدقين استراتيجيين متقدمين في صراعها مع “المشروع الإمبريالي الصهيوني” الذي بات يستهدف المنطقة عموماً، والنظام السوري على وجه الخصوص، حسبما يقال هنا، في سوريا.
فقد كان كل من “حماس” و”حزب الله” رأسي الحربة السورية في فلسطين ولبنان، ما عزز موقفها التفاوضي مع أمريكا.
وإن تخلت سوريا عن هذين الرأسين أو الورقتين، فكيف يمكنها تعطيل أو تعطيب وإتلاف الأجندة الأميركية، التي تعتبر دمشق أن المحكمة الدولية السالفة الذكر، مدرجاً على جدول أعمال هذه الأجندة؟.
يعني أن هذه المحكمة ستستهدف زعزة النظام في سوريا.
وإن صحت هذه الفرضية السورية، فهذا يعني أن هواجس النظام في سوريا انتقلت من استعادة الجولان إلى التفكير، وبجدية، في البحث عن آليات تحافظ بها على ديمومته واستمراره في سدة الحكم، في مواجهة مخاطر الأجندة الأميركية المحدقة به.
من جانب آخر، السلام مع إسرائيل، سينعكس سلباً على الكثير من الإجراءات التي يتخذها النظام السوري داخلياً بغية المحافظة على وجوده في الحكم، كحالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، والاعتقال السياسي، والحجر على الحريات العامة…، المفروضة على الشعوب السورية منذ 8/3/1963 ولغاية اليوم، بحجة أن البلد في حالة حرب مع إسرائيل.
ولسان حال أصحاب تلك الإجراءات يقول: ألا ضير من أن تكون القبضة الأمنية طليقة في قمعها للمجتمع السوري، وصولاً لرفع منسوب المقاومة والممانعة لديه، في مواجهة المشاريع الأميركية والصهيونية!.
والحال هذه، إن السلام مع إسرائيل، قد يكون في صالح المجتمع السوري، ويسحب من النظام حجج ومبررات الانغلاق والاستبداد.
إذن، استمرار حالة “اللا حرب واللا سلم” بين سوريا وإسرائيل، لا شك أنها تدعم وتضمن وتغذي مواقع التوتاليتاريا في سوريا.
وعليه، لن تدخر الأخيرة وسعاً في استمرار هذه الحالة.
لذا، من نافل القول: إنه ثمة طبقة قوية ومتنفذة في النظام السوري تعتاش على استمرار حالة “اللا حرب واللا سلم” مع إسرائيل.
وأي حديث عن السلام مع إسرائيل، قد يشكل لها رعباً أكثر من الطمأنينة.
وربما ليس من المجازفة القول: إن الأكثر حديثاً عن السلام مع إسرائيل في سورية، قد يكون في نفس الوقت، الأكثر رعباً من تحققه.
فمن اعتاد على افتعال الحروب والأزمات، ويعتاش عليها، سيتحدث غزيراً عن السلام، لكنه يفعل قليلاً من أجل تحقيقه.
وأثبت صدور بيانات عن الخارجية التركية والسورية والإسرائيلية، مؤخراً، انطلاقة هذه المفاوضات في اسطنبول، التي ارتأى لها أولمرت أن تكون سرية، ومحاطة بتكتم شديد.
يعني أن الأمور تجري، وفق ما كانت تشتهي دمشق سابقاً، وحديثها الغزير عن ضرورة بدء المفاوضات بين سورية وإسرائيل من النقطة التي انتهت إليها، والحديث عن “وديعة رابين”، التي تنص على وعد إسرائيلي بالانسحاب من الجولان.
لكن، هذه المفاوضات، تأتي مناقضة للرفض السوري إجراء مفاوضات سرية مع الإسرائيليين!.
والحال هذه، الأسئلة التي تقفز للذهن هي: ماذا لو تحقق السلام بين سوريا وإسرائيل؟.
وهل تود دمشق فعلاً التوقيع على اتفاق سلام مع تل أبيب؟ وماذا سيترتب على عقد هذا الاتفاق؟.
وهل الوسيط التركي، نزيه وحيادي، بما فيه الكفاية، حتى ينجز هذا المطلب العالمي والشرق أوسطي الحيوي والاستراتيجي؟.
معطيات الماضي والراهن التركي تشير إلى أن دور الوسيط النزيه والحيادي بين سوريا وإسرائيل، لا تنطبق على تركيا عموماً، وأردوغان خصوصاً، لجملة من الأسباب، أقلها شأناً، ما يلي:
1 ـ من المستحيل أن يكون أردوغان داعية حرب، وقارع طبولها في الداخل التركي، في ما يتعلق بالقضية الكردية، وأن يكون داعية سلام خارج تركيا، يسعى لنزع فتيل الأزمات والحروب بين الدول والشعوب!.
ويكفي لمن يجهل حقيقة أردوغان، ومساعيه السلمية، وحديثه عن السلام والتصالح والتسامح، أن يقول له: أنا كردي، وأود ان أتعلم بلغتي الأم في تركيا، حتى يكتشف منسوب عدائه للأكراد الذين انخدعوا بوعوده الانتخابية.
2 ـ تركيا هي أول دولة إسلامية اعترفت بوجود إسرائيل سنة 1949، فضلاً عن قوة اللوبي اليهودي في تركيا، الذي تمتدّ جذوره للحقبة العثمانية.
وكما أن مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال “أتاتورك” هو من يهود الدونما.
وفي ما كانت العلاقات السورية ـ التركية دائمة التأزم، وصلت لمنفرج، على خلفية التوقيع على اتفاقية أضنا، التي بموجبها خرج الزعيم الكردي أوجلان من دمشق في خريف 1998.
يعني أن العلاقات السورية ـ التركية هي حديثة، ولا تجاري العلاقات التركية ـ الإسرائيلية العريقة والقديمة والاستراتيجية.
3 ـ يربط تركيا بإسرائيل تحالف عسكري وأمني قوي جداً، لا يتأثر بالأزمات العابرة بين البلدين.
وبموجب هذا التحالف الأمني، ساعدت تل أبيب أنقرة في اختطاف الزعيم الكردي أوجلان من نيروبي سنة 1999.
وبموجبه أيضاً، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف المنشآت السورية في دير الزور، التي قيل أنها كانت نووية، عبر الأجواء التركية.
وبموجبه أيضاً، قامت وتقوم إسرائيل بمد خدماتها الاستخبارية والتجسسية لتركيا في حربها على حزب العمال الكردستاني، خاصة في الفترة الأخيرة.
بالنتيجة، ما يجمع تركيا وإسرائيل تقاطعات والتزامات استراتيجية كثيرة.
في حين، ما يجمع تركيا وسورية، هو علاقات اقتصادية، والاشتراك في معاداة الحقوق الكردية، وبخاصة ملف العمال الكردستاني.
مجمل ما تقدم، يشير أن تركيا أقرب إلى إسرائيل منها إلى سوريا.
ولعل ما دفع أردوغان للعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل، هو إظهار نفسه على أنه قد حقق لتركيا موقعاً حيوياً هاماً في الشرق الأوسط، في مواجهة خصومه السياسيين، الداعين لحل حزبه أمام المحكمة الدستورية.
ولعل ما دفع إسرائيل لإظهار رغبتها في السلام والتخلي عن مرتفعات الجولان، هو كسر المحور السوري ـ الإيراني، وفصل دمشق عن طهران، وصولاً للانفراد بالأخيرة، من جهة.
وما يشير إلى ذلك، هو اشتراط رئيس الدبلوماسية العبرية تسيبي ليفني، على سوريا، بفسخ تحالفها مع إيران، والكف عن دعم حماس وحزب الله.
ومن جهة أجرى، تل أبيب لا زالت تخشى أن تفتعل دمشق حرباً في المنطقة، بغية قلب طاولة المحكمة الدولية المتعلقة بمقاضاة قتلة رفيق الحريري، وافتعال أزمة، تصبح فيها هذه المحكمة من عاشر أولويات المجتمع الدولي.
حتى بعد وصول الأزمة اللبنانية لنفرج سياسي، وعقد “صلح الدوحة” بين الفرقاء اللبنانيين، وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للبنان، لا زال من المبكر الجزم أن لبنان قد صار بمنأى عن الاهتزازات الارتدادية للصراعات الإقليمية.
كما أن إسرائيل صارت متيقنة من انها، إن اتجهت واشنطن لضرب طهران، على خلفية ملفها النووي، فإن أول من تتجه إليهم طهران هي إسرائيل.
لذا، على الأخيرة البحث جدياً عن سبل سلام مع دمشق، تبطل بموجبه قسماً من مفاعيل المحور السوري ـ الإيراني، عبر استدراجها لاتفاقية سلام مع تل أبيب.
ثمة فرضية أخرى، مفادها: إن مباحثات السلام غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، هي من المستلزمات الإسرائيلية الضرورية لمواجهتها المرتقبة من طهران.
وقد أشار وزير الخارجية الألمانية الأسبق يوشكا فيشر في إحدى مقالاته الأخيرة: “إن إسرائيل، ستضرب إيران خلال هذا العام.
وزيارة بوش لإسرائيل، وفحوى خطابه أمام الكنيست يدل على ذلك”.
وعطفاً على هذه الفرضية، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أيهما أفضل أمناً وضماناً لإسرائيل؛ الاحتفاظ بمرتفعات الجولان، والإبقاء على حالة اللاسلم واللاحرب مع سوريا، أم ترك إيران تصل للنووي؟!.
طبعاً، منع وصول إيران للنووي، يجنب إسرائيل كارثة تهدد وجودها في الشرق الأوسط.
وعليه، “الكلفة المؤلمة” التي تحدَّث عنها أولمرت، هي التصالح مع سوريا، في مسعى التفرغ لمواجهة إيران.
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه هنا: ماذا لو تكللت مساعي أردوغان بالنجاح، وتم التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، بموجبه تنسحب الأخيرة من هضبة الجولان؟ وما هي الضرائب التي تترتب على سورية حيال ذلك داخلياً وإقليمياً؟.
بديهي أن أي اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، سيجبر الأولى على قطع علاقاتها بـ”حماس” و”حزب الله”، أو ضرورة تقويض هذين الحزبين أو الضغط عليهما.
ما يعني أن سوريا ستفقد أهم ورقتين أو بيدقين استراتيجيين متقدمين في صراعها مع “المشروع الإمبريالي الصهيوني” الذي بات يستهدف المنطقة عموماً، والنظام السوري على وجه الخصوص، حسبما يقال هنا، في سوريا.
فقد كان كل من “حماس” و”حزب الله” رأسي الحربة السورية في فلسطين ولبنان، ما عزز موقفها التفاوضي مع أمريكا.
وإن تخلت سوريا عن هذين الرأسين أو الورقتين، فكيف يمكنها تعطيل أو تعطيب وإتلاف الأجندة الأميركية، التي تعتبر دمشق أن المحكمة الدولية السالفة الذكر، مدرجاً على جدول أعمال هذه الأجندة؟.
يعني أن هذه المحكمة ستستهدف زعزة النظام في سوريا.
وإن صحت هذه الفرضية السورية، فهذا يعني أن هواجس النظام في سوريا انتقلت من استعادة الجولان إلى التفكير، وبجدية، في البحث عن آليات تحافظ بها على ديمومته واستمراره في سدة الحكم، في مواجهة مخاطر الأجندة الأميركية المحدقة به.
من جانب آخر، السلام مع إسرائيل، سينعكس سلباً على الكثير من الإجراءات التي يتخذها النظام السوري داخلياً بغية المحافظة على وجوده في الحكم، كحالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، والاعتقال السياسي، والحجر على الحريات العامة…، المفروضة على الشعوب السورية منذ 8/3/1963 ولغاية اليوم، بحجة أن البلد في حالة حرب مع إسرائيل.
ولسان حال أصحاب تلك الإجراءات يقول: ألا ضير من أن تكون القبضة الأمنية طليقة في قمعها للمجتمع السوري، وصولاً لرفع منسوب المقاومة والممانعة لديه، في مواجهة المشاريع الأميركية والصهيونية!.
والحال هذه، إن السلام مع إسرائيل، قد يكون في صالح المجتمع السوري، ويسحب من النظام حجج ومبررات الانغلاق والاستبداد.
إذن، استمرار حالة “اللا حرب واللا سلم” بين سوريا وإسرائيل، لا شك أنها تدعم وتضمن وتغذي مواقع التوتاليتاريا في سوريا.
وعليه، لن تدخر الأخيرة وسعاً في استمرار هذه الحالة.
لذا، من نافل القول: إنه ثمة طبقة قوية ومتنفذة في النظام السوري تعتاش على استمرار حالة “اللا حرب واللا سلم” مع إسرائيل.
وأي حديث عن السلام مع إسرائيل، قد يشكل لها رعباً أكثر من الطمأنينة.
وربما ليس من المجازفة القول: إن الأكثر حديثاً عن السلام مع إسرائيل في سورية، قد يكون في نفس الوقت، الأكثر رعباً من تحققه.
فمن اعتاد على افتعال الحروب والأزمات، ويعتاش عليها، سيتحدث غزيراً عن السلام، لكنه يفعل قليلاً من أجل تحقيقه.
المستقبل – الاحد 8 حزيران 2008 – العدد 2981 – نوافذ – صفحة 11