الحزام العربي في كوردستان سوريا

شلال كدو *

الحزام لغوياً يعني :
 هو ما يحزم به الشيء ، وهو رديف لكلمة نطاق الذي يشط على الوسط.

وفي الحالة الكردية في كردستان سوريا يعنى به ما يشد به ظهر العرب ويقوي حمايتهم من الكرد على جانبي الحدود.


الحزام العربي المطبق على ارض الواقع هو:
ذلك الشريط الحدودي الذي بدأت بتطبيقه السلطات السورية في 24 / 6 / عام 1974 بقرار يحمل الرقم ـ 521 ـ الصادر عن المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي لحزب البعث الحاكم في سوريا، حيث كان قد أقر هذا المشروع في المؤتمر القطري الثالث في عام 1966.

هذا الحزام الذي يمتد على أرض تمت مصادرته من أملاك الكرد القاطنين على الحدود السياسية التركية بدءاً من الحدود السياسية العراقية بطول 375 كيلومتر، وعمق يتراوح من 15 – 20 كيلومتر، لذلك فأن مساحة الاراضي المستولى عليها من قبل السلطة تبلغ اكثر من 4500 كم مربع وتبلغ عشرة اضعاف مساحة قطاع غزة في فلسطين التي تعتبر القضية المركزية لسائر الدول العربية منذ اكثر من نصف قرن من الزمن حيث تبلغ مساحة غزة 400 اربعمئة كم 2 فقط لاغير.
ضابط المخابرات محمد طلب هلال
يعود هذا المشروع بملامحه الأولى إلى الملازم أول محمد طلب هلال ( رئيس الشعبة السياسية في محافظة الجزيرة ذات الغالبية الكردية) الذي أصدر كراساً في بداية ستينيات القرن المنصرم بعنوان : « دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية ، الاجتماعية ، السياسية » يتضمن جملة من التشويهات والأضاليل على أرضية شوفينية حاقدة تجاه الشعب الكردي في سوريا .

ويعطي هذه الكراس توصيات تتلخص في الدعوة إلى تجريد الكرد السوريين من أراضيهم ومن جنسيتهم السورية وممارسة سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتجهيل بحقهم ، وإقامة مستوطنات على اراضيهم التاريخية.
مؤتمر البعث الثالث
ثم جاء المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث الحاكم الذي انعقد في أيلول عام 1966 ليؤكد في الفقرة الخامسة من توصياته بخصوص محافظة الجزيرة على « إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية – التركية وعلى امتداد 350 كم وبعمق 10 – 15 كم واعتبارها ملكاً للدولة وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة » على حد تعبير توصية مؤتمر البعث آنذاك.


نشرة المناضل لحزب البعث
وفي نشرة « المناضل » الصادرة عن مكتب الدعاية والإعلام في التوجيه القومي لحزب البعث ( وهي نشرة داخلية طبعاً ) جاء في العدد 11 منها الذي صدر في شهر كانون الثاني 1966 تحت عنوان « تقرير لخطة إنشاء مزارع حكومية في محافظة الحسكة » ما يلي : « إن المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق ، والتي خلقت من قبل الامبريالية ، بدأت تهددنا أيضاً منذ بضعة أعوام اخيرة في محافظة الحسكة ، أهملتها الحكومات السابقة ، ولكن اليوم تحتاج إلى حل جذري سليم … إن أفراداً غير عرب وأغلبهم أكراد، قد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقاً لخطة تؤيدها وتشجعها الامبريالية ولازالت … والأكراد استوطنوا في هذه المنطقة الخصيبة والتي هم غريبون عنها… بسبب وجود الاقطاعية في المنطقة ووجود عناصر غير عربية وغالبيتهم من الأكراد والذين يحاولون جاهدين أن يؤسسوا بلداً قومياً لهم في حدودنا الشمالية بمساعدة الامبريالية ، ولأن المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود ، فمن العاجل جداً أن نتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة ..

يمكن القول أنه إذا بقيت الأشياء كما هي فإن الهجرة الكردية ستزداد في المنطقة وستشكل خطراً على حدود أمتنا ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية المنطقة زراعياً وصناعياً وبخاصة بعد اكتشاف البترول ..

» .
التـطبيـق والمقاومة :
شهد النصف الثاني من ستينات القرن الماضي صدامات عنيفة بين الفلاحين الأكراد أصحاب الأراضي من جهة ، وبين السلطات السورية وأجهزتها الأمنية والعسكرية من جهة ثانية ، حيث لقيت فكرة نزع الأراضي من الكرد مقاومة شديدة من جانب أصحاب الأراضي ، وقد استخدمت السلطات في هذا الصدد مختلف أشكال القمع والاضطهاد ، وكان لحزبا البارتي الديموقراطي الكردي في سوريا واليساري الكردي في سوريا آنذاك دوراً أساسياً في الانتفاض ومقاومة السلطة ومخططاتها العنصرية .


واستمر تصاعد وتيرة أحداث المقاومة الكردية ، حيث انتفضت العديد من القرى ضد السلطات المحلية كانتفاضات سكان قرى كرديم وسيكركا وتل شعير وشدي وكري بري المعروفة للجميع حيث اعتقل بسببها العشرات من الكرد العزل وزجوا في السجون والزنزانات ، لكن المقاومة ضد هذا المشروع الشيوفيني العنصري تجلى بشكل ربما اوضح في انتفاضة ومقاومة سكان قرى كرباوي وقره تبه ونيف وكرسور الذين دافعوا عن الاراضي وكذلك عن الكرامة في مرحلة تطبيق الحزام وبعدها.

اما مقاومة اهالي وسكان قرية علي فرو فقد وصلت اصدائها آنذاك الى الصحف العالمية لدرجة كتبت صحيفة لوموند الفرنسية الشهيرة مقالاً في شهر ايار مايو العام 1967 عن مقاومة الاهالي في علي فرو لمشروع الحزام العربي السيء الصيت ، كما ان الصحفي الفرنسي الشهير جان بيير رينو سكرتير لجنة الصداقة الفرنسية الكردية آنذاك زار محافظة الجزيرة عام 1972 وتحدث في اجتماع له ببعض قياديي الحزب اليساري الكردي في سوريا عن ذلك المقال الذي نشر في جريدة لوموند وكذلك استفسر عن مصير معتقلي وعموم سكان قرية علي فرو.
الاحزاب الكردية التي قاومت المشروع
اما فيما يتعلق بالقوى السياسية الكردية في سوريا التي قاومت المشروع، فأن حزبا اليساري الكردي في سوريا والبارتي الديمقراطي الكردي في سوريا، كان لهما الدور الرئيسي في مقاومة الحزام، وفي هذا الاطار فأن اعضاء وجمهور الحزب اليساري الكردي قاموا في عدد كبير من القرى على طول منطقة الحزام العربي بمهاجمة الجرارات العائدة للسلطات التي كانت تحرث الاراضي المستولى عليها من الكرد والمشمولة بمنطقة الحزام وكذلك الحصادات واستمر هذا الكر والفر حتى عام 1969 .

وحينما زار رئيس الوزراء المصري حسين حسن سوريا وجاء برفقة رئيس الحكومة السورية يوسف زعير لزيارة حقول رميلان النفطية الواقعة في قلب كردستان سوريا فقد قام الحزب اليساري الكردي بتجمع جماهيري كبير وقطع المتجمعون الطريق العام واوقفوا الموكب وقدموا عريضة لرئيس الوزراء طالبوا فيها بوقف اضطهاد الشعب الكردي ووقف تطبيق الحزام العربي كما شهد مطار القامشلي تجمع مماثل اثناء عودة الوفد الذي سلم فيها احد كوادر اليسار رئيسي الوزراء مذكرة مماثلة.


استمرار تنفيذ المشروع
واستمر بالمقابل مضي السلطة في تنفيذ المشروع ، ولا سيما بعد انقلاب 16/تشرين الثاني/1970م التي اوصلت الرئيس السابق حافظ الاسد الى سدة الحكم ، وخاصة بعد الانتهاء من حرب تشرين عام 1973م ، حيث كانت الأرضية قد تهيأت بشكل واضح لتطبيق الحزام العربي وجلب المستوطنين وإحلالهم محل الكرد أصحاب الأرض الحقيقيين .

فقد تم الاستيلاء بشكل كامل على مساحات واسعة من الشريط الحدودي ( بطول 350 كم وعمق يصل في بعض المناطق حتى 20 كم ) ، وسُلِّمَت إلى « مزارع الدولة » ، كما خلق إنشاء سد الفرات الذريعة عندما غُمِرَت أراضي بعض الفلاحين العرب من محافظة الرقة ..

وفي الجانب السياسي كان الموقف القومي الشوفيني الذي وقفه الحزب الشيوعي السوري وسائر احزاب ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة ( التي اقتصرت وتقتصر دورها بالتصفيق للحزب الحاكم في مؤسسات الجبهة) بالتزام جانب السلطة ضد الفلاحين الكورد دوراً في سهولة تنفيذ « الحزام » ، كما أدى ضعف الحركة السياسية الكردية وتفككها وهشاشتها إلى تشجيع السلطات على المضيّ قدماً في مخططها الاستيطاني ..

وكل تلك الظروف كانت مدعومة بأوضاع دولية وإقليمية كانت في صالح السلطات التي استعملت القوة المفرطة ومختلف الأساليب والوسائل القمعية ضد الكورد.
صدور القرار
وهكذا صدر القرار المذكور ( رقم 521 لعام 1974م ) في عهد الرئيس حافظ الاسد وتم استقدام عشرات الآلاف من المستوطنين من محافظتي الرقة وحلب وكانت السلطات تتهيأ منذ اوائل عام 1973 لاستقدام هؤلاء وشكلت لهذا الغرض لجنة برئاسة محمد جابر بجبوج الامين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم وعبدالله الاحمد عضو القيادة القطرية للحزب المذكور وهذان الرجلان هما مهندسا مشروع الحزام العربي اساساً.

وبعد هذا القرار انتابت الاوساط الكردية ولاسيما في محافظة الجزيرة موجة سخط عارمة استنكاراً لهذه المؤامرة حيث وزع الحزب اليساري الكردي في سوريا في 20 آب 1973 منشورات تدعوا الى ادانة هذه المؤامرة ومقاومتها قال فيه لا للحزام ولا للاحصاء، وكان التوزيع شاملاً بحيث غطى كل مناطق الجزيرة بمدنها ومراكزها حتى داخل بعض الدوائر الحكومية وكذلك في دمشق وبيروت، وجابهتها السلطة بالقمع والاعتقالات حيث اعتقلت من الحزب اليساري كل من احمد حاج سعيد وحسن محمد يوسف الذين قضيا قرابة ثمانية اعوام في السجن بتهمة توزيع هذا البيان اضافة الى كل من يوسف ديبو عضو المكتب السياسي للحزب اليساري حالياً وعادل يزيدي اللذين قضيا ثمانية شهور في السجون بنفس التهمة اضافة الى شكري بطيخة الذي قضى مدة اقل في السجن.
وقبل ذلك بحوالي شهر اي في اواسط تموز عام 1973 كان الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) قد اصدر بياناً ادان فيه تطبيق مشروع الحزام واعتبره يستهدف الوجود الكردي في المنطقة وطالب دول العالم لاستنكار المشروع.وبغية ترهيب مناضلي البارتي و اليساري وقمعهم والحؤول دون تكاتفهم في وجه المشروع الاستيطاني قامت السلطات بتاريخ 29 / 7 / 1973اضافة الى اعتقال كوادر اليسار بأعتقال عدد كبيرمن قياديي البارتي بينهم سكرتير الحزب وهم :
دهام ميرو سكرتير الحزب
كنعان عكيد- قيادي
نذير مطصطفى- قيادي
محمد امين هوري- قيادي
خالد مشايخ- عضو اللجنة الاستشارية
عبدالله ملا علي- عضو اللجنة الاستشارية
محمد فخري- عضو اللجنة الاستشارية .

ثم اعتقال القيادي البارز حميد سينو عام 1977 وقد امضوا الجميع اكثر من ثمانية سنين في غياهب وسجون النظام.


مرحلة مابعد الاستيطان
اما في مرحلة ما بعد الاستيطان فقد استمر وتعمق معاناة الكرد في تلك القرى التي بني فيها مستوطنات للوافدين الغرباء، فكلما قام المنكوبين الكرد بأستصلاح بعض الاراضي المحجرة وتنظيفها من الصخور والاحجار وجعلها صالحة للزراعة اقدم المستوطنون برفقة الاجهزة الامنية للسلطة والاستيلاء على تلك الاراضي التي استصلحوها بسواعدهم وعرق جبينهم وهناك امثلة كثيرة في هذا المضمار لايسمح لنا الوقت لذكرها ولازالت هذه الممارسات مستمرة بحق شعبنا الكردي حتى يومنا هذا فيما تنشغل غالبية اطراف الحركة الكردية بمعمعان المهاترات المفتعلة فيما بينها.
السليمانية 2008/6/24

* كلمة شلال كدو (عضو اللجنة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا ) بمناسبة الذكرى 34 لتطبيق مشروع الحزام العربي في كردستان سوريا 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…