إذ لاشك أن معاناة شعوب المنطقة من أشكال التغيير السايقة خلال السنين الماضية ، وأحيانا من حالة اللاحرب واللاسلم قد قلل من أهمية التعويل الكلي على دوافع التغيير الخارجي ، وما يمكن أن يؤدي إليه في ظل توازنات جديدة تفرض نفسها مع الوقت.
ما يستشف من السياق الحالي هو الآتي :
1- في الوضع اللبناني ، ورغم قبول اتفاق الدوحة من جانب جميع أطراف الصراع اللبناني بكل مترتباته ، من انتخاب رئيس الجمهورية ، إلى العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية إلى انسحاب حزب الله من وسط بيروت وفك إضرابه إلى إنهاء المظاهر المسلحة ، فإن هذا الوضع تم عرقلة كافة الحلول فيه لأسباب إيرانية وذاتية ترتبط بالمشروع الداخلي لكل طرف ، باستثناء انتخاب الرئيس فقط .
والمعتقد أن هذا الواقع سيستمر لارتباطه بالمفاوضات السورية – الاسرائيلية من جهة ، وبعدم الحسم في الموقف الدولي من جهة أخرى .
2- في الوضع الفلسطيني ، رغم “التهدئة” المتوافق عليها ضمنا بين إسرائيل وحركة حماس ، إلا أن المواجهات كانت كثيرة وكبيرة رغم تنصل حماس من بعضها ، وكذلك لم تنجز المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية ، ولم تؤد كل المحاولات العربية ووساطاتها إلى حلحلة هذا الموضوع لأن أرضية موقف الرئاسة الفلسطينية أقوى في هذا الوقت ، ورغم ضعف موقف حركة حماس لكنها غير مهيأة لتقديم تنازلات للسلطة الفلسطينية .
3- في الوضع العراقي ، هناك إرادة دولية ووطنية لتصويب مسار التفاعلات الداخلية ، ووضع حد للتدخل الإيراني ، وما جرى في الفترة الأخيرة تنم عن هذه الإرادة باستلام الدولة زمام أمور المسألة الأمنية ، إلا أن أهم مسألتين بقيتا دون حل حتى اللحظة ، أولها المصالحة الوطنية ، وثانيها تنفيذ المادة 104 من الدستور ، تجعلان الوضع معلقا وقابلا للانهيار ، خاصة إذا استمر الموقف الدولي على حالة التردد ، واستمر التدخل الإيراني والتركي في الشأن العراقي والكردستاني .
4- في الوضع السوري والمفاوضات بين النظام وإسرائيل .
لقد جاءت هذه المفاوضات في السياق السياسي ذاته وهي مصلحة سورية وإسرائيلية على السواء ، ولكن من منطلقين مختلفين رغم تطابق بعض الأهداف .
فبالنسبة إلى سوريا ، يهدف النظام من وراء التفاوض إلى استعادة الجولان و فك عزلته الدولية والعربية والعودة إلى المجتمع الدولي من باب السلام و”الاتحاد المتوسطي” وعلاقات المصالح الاقتصادية مع الغرب و تعطيل المحكمة الدولية أو تأجيلها ما أمكن واكتساب دور سياسي مستقبلي في قضايا المنطقة قد يحميه من التغيير المطلوب داخليا ، حيث الاستبداد المسلط على طموحات الشعب ، وبقاء حالة الطوارئ ، وارتكاب جرائم القتل والتنكيل بحق الكرد تكرارا و جرائم معتقل صيدنايا مؤخرا)، وشرعنة الاعتقالات التي طالت الكثيرين من الكرد والعرب ، إضافة إلى الملاحقات والاستجوابات المتكررة للشخصيات الوطنية والحقوقيين والمدافعين عن حقوق الانسان ، ومنع السفر بحق السياسيين والشخصيات الاعتبارية ، وكذلك عدم الاستجابة لمطالبات الناس بكبح جماح الغلاء الفاحش الذي تسببت بها سياسات وقرارات السلطة الاعتباطية وعدم الاكتراث بالنكبة التي حلت بمحافظة الحسكة وأدت إلى الهجرات المتكررة باتجاه المدن الداخلية وما يترتب على ذلك من معاناة إنسانية مؤلمة .
أما بالنسبة إلى إسرائيل فتتركز أهدافها في عزل سوريا عن إيران وفرط محور الرفض الذي عرقل السياسة الدولية في المنطقة لسنين خلت ، لأن فك الارتباط هذا بين الطرفين في هذا الوقت قد يسهل عملية ضرب المنشآت النووية الإيرانية والبنية العسكرية فيها ، وهذا هدف أمريكي أيضا وكذلك أوروبي وعربي ، وسياسة “العصا والجزرة” التي تمارسها إسرائيل مع النظام السوري والاشادة المتكررة بمواقفه وسياساته تعزز لديه انطباعا بضمان نجاح المفاوضات وعلى أن النظام محمي طالما أن التفاوض مستمر ، تزامنا مع مطالبته بوقف دعمه السياسي واللوجستي عن حزب الله وعن حركة حماس ، وهذا تماما ما حدث بالنسبة الى اتفاقية الدوحة الخاصة بلبنان والتهدئة في الجبهة الفلسطينية ، بقي أن نشير هنا إلى أن الوسيط التركي في الحوار السوري – الاسرائيلي ، قد حقق هو أيضا لصالحه أمرين مهمين ، الأول : في رد الاعتبار لدوره الاقليمي كقوة لها شأن في المسائل الشائكة والعالقة ، وفي تحسين مستوى العلاقة مع الغرب عموما وأمريكا خصوصا .
والثاني : في تأثيراته في المسألة العراقية والكردستانية ولو جزئيا .
أما على الصعيد الكردي وما آل إليه الوضع المؤسف مؤخرا وخصوصا بعد أزمة التحالف ، فإن الساحة السياسية الكردية قد أصابها بعض الشرخ والتفكك بدل الوحدة والتراص لاسيما وأن الجميع في مواجهة التصعيد العنصري من جانب السلطة وسياستها الشوفينية وآخرها قرار مكتب الأمن القومي بتأكيد الحظر على النشاط الكردي , فضلا عن السياسة الشوفينية المستمرة والتي لم تتوقف يوما حيال الوضع الكردي ، وتشتد عند أي استحقاق سياسي أو أي حراك نحوالمطالبة بحل القضية الكردية حل ديموقراطي عادل ، من هنا فإن المرحلة بكل تبعاتها تقتضي ضرورة بناء القاعدة السياسية المتينة لعمل الحركة الكردية ، بغية تعزيز نضالها وفق شروط المرحلة الراهنة ، ومن الأسف أن تذهب كل المبادرات الخيرة أدراج الرفض والممانعة ، رغم أن لجنة التنسيق والجبهة والتحالف قد توصلت في مرحلة سابقة إلى تفاهم على صيغة مقبولة لرؤية كردية مشتركة لحل القضية الكردية في سوريا ، ولكنها لأسباب تتعلق بأطراف بعينها قد وضعت على الّرف .
والآن فإن الجميع مطالب من جديد ، بالمراجعة السياسية لتاريخها ومدى انسجام مواقفها وطروحاتها مع المستوى الحالي للتطورات السياسية في المنطقة ، وكيفية استثمارها في خدمة القضية الكردية ، وإعادة النظر في التركيبات القائمة ، والدخول بروحية جديدة في حوار جدي وبناء يوصل الوضع القائم إلى حلحلة العقد ، والانطلاق من فكرة عمل مجلس سياسي انتقالي وصولا إلى المرجعية المنشودة ، والتي ستكون المخرج اللائق للأزمات المستعصية في الوضع الكردي ، وخدمة لا تقدر لتأصيل وتفعيل قضيتنا القومية .