بقليل من المجاهرة والمصارحة والجديَّة، واستعاضاً بلغة التصريح بدلاً من لغة التلميح، وبعيداً من الانتقاص من الجهد النقدي، والتراكم المعرفي، والخزين الثقافي، والمراس الكتابي والصحفي، والمجازفة في إسباغ نعوت وأوصاف ما هبَّ ودبَّ على جهد الآخر، من “فوضويَّة، شعبويَّة، تهديميَّة، تضليليَّة، عدميَّة…”، انطلاقاً من اتخاذ نظريَّة “المؤامرة والتواطؤ” على الحركة الحزبيَّة الكرديَّة، منصَّة لردِّ النقدِ عنها، وبالضدِّ من اتخاذ المشرب السياسي والانتماء الحزبي للآخر بوصلةً، في مسعى التشكيك والطعن في صدقيَّة ما أثير من نقدٍ حول ماضي وراهن الحركة الحزبيَّة، وقياس منسوب المنجز الذي حققته على الصعُد كافة، طيلة نصف قرن، والانكفاء على الذات، على قاعدة: “هل كان بالإمكان أفضل مما كان”؟…،
وليتَّسع صدر الأستاذ الفاضل، الذي أكنُّه له الودَّ والاحترام، خلافَ ما توحي به مدوَّنته، وليسمح ليّ، بتسجيل ما يلي:
أولاً: لا ضير من إعادة مناقشة بعض المفاهيم، التي تختلف أطراف الحركة الحزبيَّة على توصيف الملف الكردي السوري بها.
ومن موقعك، كأحد منتسبي إحدى فصائل هذه الحركة _ على حدِّ علمي _ وكأحد المثقفين الناشطين في صفوفها، برأيك؛ هل ملفُّ معاناة الشعب الكردي في سورية، ينطبق عليه وصف؛ المسألة، أم المشكلة، أم القضيَّة!؟.
ولكلٍّ من هذه الإصلاحات في العلوم السياسيَّة، مدلولاتها ومضامينها.
ولعلَّ من جملة الإشكالات والاعتلاجات التي تعتري فحوى الخطاب السياسي الكردي السوري، هو عدم الاتفاق على إطلاق مفهوم واحد على هذا الملف الكردي السوري.
كما اختلفوا في تسميَّة الهبَّة الآذاريَّة، بين: “مؤامرة، فتنة، أحداث، انتفاضة…”!.
وأمَّا أنتْ، فقد اخترت “المسالة”، لتكون عتبة أو مدخل مقالك، فلماذا؟.
وهل هذا، هو اجتهادك أم اجتهاد الفصيل الكردي الذي تنتمي إليه؟.
ثانياً: ولا ضير أيضاً من المزيد في الاستفاضة والاستطراد في الشرح، حول “أزمة” الحركة، التي اخترتها أيضاًَ، تتمة لعنوان مقالك .
وهل هي أزمة حوار؟ أم أزمة خطاب؟ أزمة قيادة؟ أم أزمة تنظيم؟ أم أزمة مجتمع؟ أم أزمة وعي؟.
أم كل ذاك، مجتمعاً؟ أم ماذا؟.
وهذه الأزمة، ألم تولد مع ولادة الحزب الكرديَ الأول في سورية، سنة 1957؟ وعليه، من نوافل القول السياسي الكردي السوري، التصريح بأن عُمر الأزمة السياسيَّة الكرديَّة في سورية، هو من عُمر هذه الحركة.
وكأن هذه الحركة، ليست تقوى على العيش دون هذه الأزمة!؟.
ثالثاً: لَعمري إنَّ القارئ لعنوان مقالكم، يهيُّئ نفسه، لتلقُّف حزمة من الأفكار الجديدة الطازجة، حول المسألة الكرديَّة، وتحليل وتشخيص لمكامن ومفاصل أزمتها، وسبل الخروج منها، بعيداً من الكتابة السياسيَّة “الارتجاليَّة والإنشائيَّة” التي حاولت نأي نفسك عنها.
وإذ بنا أمام محاولة لردِّ “الغبن والتجنِّي والإجحاف، وعدم الإنصاف…” التي طاولها، من لدَّن بعض المتآمرين، المتواطئين، من الثوريين القدامى والجدد…الخ!.
فأعتقد، إن كاتباً حصيفاً مثلك، يُفترض ألاَّ يفت فطنته ومراسه الكتابي والسياسي، مسألة ضبط العنوان بالمتن، تفادياً لإرباك القارئ، أمثالنا، من أدعياء الثقافة، وأولي الوعي الضحل، الطارئين على الثقافة والكتابة!.
يقول الكاتب الفاضل: “… حيث الحركة الكردية، نظراً لعيوبها وتأخّرها، تحتمل جرعات عالية من النقد القاسي من داخلها وخارجها.
لكن لا يصحّ ، ولأنها ضعيفة، أن يُقال فيها ما هبّ ودبّ من قاموس التجريح والقذف والتسفيه ومن غير ضبطٍ أو إحكام.
هذا لو ضربنا صفحاً عن النوايا (وإن كانت الأعمال بالنيّات)”.
ويشير الكتاب إلى ضعف وتأخُّر، وليس “تخلُّف” هذه الحركة، دون الخوض في طبائع الضعف الكامن فيها، ومنسوب استشرائه، ومداه، وتجلَّياته، وتبعاته وأسباب هذا الضعف، غامزاً من ساقيَّة النوايا المبيَّتة لدى منتقديّ هذه الحركة.
ويوحي أن من ينتقد هذه الحركة بحزم وجرأة وبشيء من الحديَّة والمكاشفة والصراحة، هو مثار شبهة وارتياب، لكون قد استوطأ حائط هذه الحركة، واستمرأ ضعفها، مدفوعاً بنواياه، التي لا تُطمئن قريرة وسيريرة الكاتب العزيز، على أقلِّ تقدير!.
والحال هذه، ينبغي أن نتفادى توجيه النقد لهذه الحركة، ريثما تتعافى وتتجاوز ضعفها وخللها وعطبها، ويشتدُّ عضُدها، وتشبُّ عن الطوق…، وفق الخطَّة الخمسينيَّة التي أعدَّها قادتها ومثقفوها لها ولنا.
وبانتظار تحقق نتائج تلك الخطَّة، وقطف ثمارها الغرَّاء النيّرة، حينئذ، يفقد النقد جدواه في تحفيز النهوض وتنشيط الإصلاح والتغيير، واجتياز أوهام الضعف والوهن!.
وما على كلَّ من “هبَّ ودبَّ” إلاّ انتظار تحقق هذه الوصفة، من ثمَّ يمكنهم الإدلاء بدلوهم في آبار إنجازات الحركة الحزبيَّة، بعد نصف قرن آخر!.
وعليه، لا مناص من إرجاء النقد، أو تخفيف جرعته، ريثما تتجاوز الحركة ضعفها وتأخُّرها وعللها…، وإحالة نقَّاد هذه الأحزاب، لجهاز فحص النوايا السياسيَّة والفكريَّة والثقافيَّة، ومعرفة جيناتها، وقياس منسوب الموضوعيَّة لديهم، وانتظار إشارة البدء، على خطِّ انطلاق ماراثون نقد الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، يعلنها قادة ومثقفي هذه الحركة للشعب الكردي في سورية!
ويستزيد الكاتب العزيز قائلاً: “وكذلك لو تجاهلنا الخلفيات السياسية والحزبية والشخصية لأصحاب الهدم باسم النقد أو ما يُطرح من خيارات سياسية بديلة لا تستقيم و إدّعاء الحرص على القضية الكردية في سوريا ومستقبلها وموقعها الحسّاس على الخارطتين السورية والكردية على حدٍ سواء.
ليست حدّة النقد ونبرته الهجومية الغازية وحدها مؤشراً على ذلك إنما طابعه الدعائيّ المقنّع بإدعاءات كبيرة كالموضوعية وما شابهها كما أسلفنا”.
حتَّى، مع عدم إفصاح كاتب المقال، عن الجهة التي يوجِّه إليها كلامه الناقد، لكن، بائنٌ، كوجود الشمس في كبدِ السماء، إن كلامه، موَّجه لكاتب هذه السطور، ولا ريب.
وهكذا نوع من التوريَّة السياسيَّة والثقافيَّة، المحكمة والرصينة، أخفُّ وطأة على أصحابها، من التواري خلف أسماء مستعارة، كما هي مهنة البعض من منتسبي هذه الحركة.
ورغم الاختلاف، فهذا الدفاع عن الأحزاب الكرديَّة، ومع ما طواه الأستاذ بدرخان، من طعن وإهانة، فهو، ومقاله، ودفاعه عن الأحزاب الكرديَّة، مثار احترامي وتقديري.
لكن، من قال للأستاذ الكريم، إن اختلاف المشرب السياسي أو الفكري، يقوِّض النقد، ويتلف مسوِّغاته ومبرراته، ويحيله لـ”غزو” على مضارب الأحزاب الكرديَّة؟!.
ومتى كان الحرص على القضيَّة الكرديَّة في سورية، وشؤون وشجون شعبنا الكرديَّة، ماركة مسجَّلة باسم هذه الأحزاب ومنتسبيها من الساسة والمثقفين، وكل من انطلق في نقده لهذه الأحزاب، ارتكازاً على صون المصلحة العامَّة، وتحفيز المراجعة، وتعزز النقد، وصولاً لإصلاح داخلي عام، ومستقرّ، في عرف هذه الأحزاب ومثقفيها، هو “دعيٌّ” مغضوب عليه، ليس ينبغي تجاهله والاستخفاف بنقده وحسب، وبل التحريض عليه، والطعن فيه، والتشكيك في نواياه وقدراته الثقافيَّة والمعرفيَّة!!؟.!؟.
ويسهب الكاتب العزيز في تقليب النقد الموَّجه للأحزاب الكرديَّة، على أوجهه، وله كلُّ الحقِّ في ذلك، إذ يقول: “وجهٌ ثانٍ لنقد الحركة يبرز أحياناً، ورواده من “المفكرين” الذين اكتشفوا وجود الحركة الكردية فجأة كمادة سهلة لـ”تطبيق المناهج” البنيوية و التفكيكية والحداثية وما بعد الحداثوية إلى آخر الإدّعاءات المجانية، ويتسمّ هذا النقد بأن يكون راديكالياً وثورياً تجاه الحركة بينما يكون لطيفاً وهادئاً تجاه السلطة السياسيّة أو يتناساها أحياناً (والنسيان نعمةٌ من عند ربّ العالمين، أما التناسي فهو حيلة العباد في ظروفٍ قاهرة), ومن أبرز السمات الأخرى لهذا التيار النزعة الذاتويّة المَرَضيّة لأصحابه”.
لو كان هذا الكلام، صادراً من شخصٍ آخر، يجهلني وأسلوبي في الكتابة، والنقد الذي وجهته وأوجهه للنظام السوري، وليس من أحد الكتَّاب الثلاثة الأفاضل، الذين اعتبرهم، أهمّ الكتَّاب الكرد، الذين قرأت وأقرأ لهم، ضمن الحركة الحزبيَّة، إلى جانب “الدكتور آزاد علي، والأخ الصديق روني علي”.
وأقصد، الثلاثي علي؛ “آزاد، روني، وبدرخان”، لَقلتُ: ليس في الأمر أيُّ إشكال، إذ أن صاحبه، يجهل نوعيَّة وطبيعة مقالات كاتب هذه السطور، التي نشرها في جريدة السياسية الكويتيَّة قبل ثلاثة أو أربعة أعوام؟ أو ما كتبته في الصحافة الكرديَّة والعربيَّة، والمواقع الإلكترونيَّة الكرديَّة والعربيَّة، ومدى حديَّة هذه المقالات التي انتقدت فيها النظام الحاكم في سورية.
لكن، السيّد بدرخان، يعلم بمقالاتي تلك.
المنشورة منها في السياسة الكويتيَّة، وإليه بعض العناوين، على حسب ما تسعفني الذاكرة: “حزب البعث العربي الاشتراكي: كش ملك.
البعث السوري، نظام في شقاق.
النظام السوري وعقلية أبو قاسم الطنوري.
ذهنية التخوين لدى النخب العربية.
حزب الله اللبناني، اللغم الموقوت السوري الإيراني…” وعشرات المقالات الأخرى.
والأستاذ بدرخان يعرف، ما أكتبه من نقد للنظام السوري في جريدة المستقبل، كـ”والكردي إذ يتأمَّل راهن بيروت.
المفاوضات السوريَّة الإسرائيليَّة، ومستلزمات الحرب على إيران…”.
وما كتبته في نقد النظام السوري من مقالات في الحياة اللندنيَّة كـ”الخشية من البديل إن دقَّت الديمقراطيَّة باب دمشق، ومهنة افتعال الحروب…” ومقالات أخرى.
هذا عدى عن عشرات المقالات في المواقع العربيَّة والكرديَّة التي أنتقد فيها النظام السوري بحدِّية، أثارت ريبة البعض، ونشرتها في مواقع عدَّة، كموقع إيلاف وعفرين وروجافا، ودروب، وولاتي مه…الخ!؟.
وعليه، لم يتملَّص أو يتهرِّب كاتب هذه السطور من نقد النظام السوري، بعلوِّ صوته، وحدِّية كلمته، واضعاً في الحسبان الأكلاف والتبعات!.
وما يحزُّ في النفس، إن قمتُ بذكر نبذة عن جهدي، ردَّاً على ما يغمز أنني لم انتقد أو لا انتقد النظام السوري.
سيقول البعض: إنك تمدح نفسك.
وحين تسكت، يطالبون بشيءٍ، قد فعلته قبلهم، وربما أكثر منهم!.
يا سيّدي، أنا لم أكتشف الحركة الحزبيَّة فجأة، كما أشرت.
بل كتبت في نقدها، دراسة مطوَّلة، قبل أربعة أعوام، حملت عنوان: “الحركة الكرديَّة في سورية إلى أين!؟”.
وأدت نشر هذه الدراسة قبل فترة.
والإنجاز العظيم الذي توَّجت به حركتنا الحزبيَّة يوبيلها الذهبي، هو إصدارها، وبـ”الإجماع” بيان حدادها الكاذب على مجزرة 20/3/2008، هو الذي دفعتني لتصفُّح أحوال وماضي وحاضر الحركة الحزبيَّة، ونقدها!.
وحتَّى لو أنني اكتشفت الحركة الحزبيَّة متأخِّراً، فهذا لا يعطيكم الحقَّ بمنعي من نقدها!.
قولٌ، كالذي ذكرته أنت، يا أستاذي العزيز، ذكَّرني برأي بعض الأخوة العرب من المعارضين السوريين، الذين يبيتون وراء بطانة لبراليتهم وديمقراطيتهم المحتشمة، طبقة من الشوفينيَّة راسخة في وعيهم ولاوعيهم، إذ كانوا يقولون لي: و”أين كانت الأحزاب الكرديَّة، يوم كنَّا في السجون، وتحت التعذيب.
وكأن هذه الأحزاب قد اكتشفت وجود النظام السوري واستبداده للتوّ!”.
يا سيّدي، راهن وبؤس الحركة الحزبيَّة، لا يعتاز لجاك دريدا، ولا لميشال فوكو، ولا لهومي بابا، ولا لجوناثن كالر…، فقط يستلزم القليل من الصراحة والمكاشفة، والكثير من الحزم والشدَّة في توجيه النقد، والمثابرة على مراجعة الذات، وتجشُّم عناء المراجعة النقديَّة، في مسعى إعادة الإقلاع والبناء.
فلا يُبتنى السليمُ على الإعوجاج والهشاشة والعطب.
وما الضير في إحالة الحركة الحزبيَّة إلى محكمة المجتمع الكردي السوري!؟.
ما الضير من وضعها قيد المساءلة والنقد!؟.
لم يطالب أحد بهدِّها، أو شطبها من الوجود، بل بهدِّ الفاسد المعشش فيها، وطرد المفسد منها.
وهذا حقنا عليها، وواجبها اتجاهنا، واتجاه نفسها.
وليس بالضرورة أن أكون عضواً في هذه الأحزاب، حتى أحصل منكم على صكوك الغفران، وتفويضاً يجيز ليّ ولغيري نقد هذه الأحزاب!.
أمَّا عن “النزعة الذاتويَّة المريضة”، التي أوحيت بأن كاتب هذه السطور غارقٌ فيها، الحقُّ أنها تثير الأسف.
والحقُّ أيضاً، أني لم أشأ أن يكون هذا القول صادراً منك، بأن تأخذ بك الحميَّة والنخوة الحزبيَّة اليكيتيَّة، والشهامة النبل وكرم الأخلاق الحزبي الكردي، بأن يوصل لهذه المواصيل، وتنعت شخصاً، أنت وحزبك، أدرى بحجم التواصل الذي كان بيني وبين كافة فصائل الحركة الحزبيَّة، رغم كل ما كانت تثيره هذه الأحزاب عنِّي في الحفاء، والكلام، كان يصلني.
وأنت أدرى بأنني كنت منفتحاً عليك، وعلى غيرك ومثقفي هذه الأحزاب!؟.
فأيَّة ذاتويَّة وأيَّة “ماتويَّة”، توحي إليها يا عزيزي، سامحك الله!.
ويقول الأستاذ بدرخان: “ومن باب التحليل السياسي والاجتماعي المتماثل أولاً، وكذلك الانسجام مع النفس ثانياً، يلزم العمل بسويّة واحدة للنقد تجاه المنقودين جميعاً باختلاف مواقعهم وأحكامنا القيميّة المبدئية، ونفضلّه هادئاً وتحليلياً وبلا مسبقات ولا إدّعاءات كبيرة.
فبإمكان المرء أن يكون موضوعياً ومنهجياً دون أن يذكّر القرّاء بخصاله الحميدة تلك في كل سطر أو سطرين”.
وأمَّا عن “السطر والسطرين”، فقد أتيت على ذكره أعلاه.
وأمَّا الهدوء في النقد، وابتعاده عن المسبقات، واستشراف النوايا الخبيثة، عبر الضرب في المندل التحليلي السياسي والاجتماعي، لمعرفة مآل الناقد من انقده، أهو حميدٌ أم خبيث؟!.
فهذا ما كنت لا أودُّه لك ولمقالك.
ويستزيد الأستاذ بدرخان نقده لنقديَ، بالقول: “وقد ذهب بعضٌ وجهة عنيفة واستئصالية بشأن الحركة الكردية وأزمة أحزابها.
كما يفعل زملاءٌ وأصدقاءٌ كتّاب، من جمعٍ لأقاويل متنافرة ومبعثرة، مُعظمها مُلقاة على قارعة الطرقات في “قامشلي” وسواها، من غير تنسيقٍ وتهذيب، وذلك لوجه المعرفة المحضة والنقد الموضوعيّ لا لشيء آخر، ليصنعوا منها تاريخاً بشعاً ومزوّراً”.
ما أتى به كاتب هذه السطور من معلومات حول نشأة الحركة الحزبيَّة في سورية، فقد كانت من مصادر محايدة، ومراجع موثوق بها.
وما أتيت به من أقوال وآراء وشهادات، فقد كانت نقلاً عن شهود عيان، عاصروا وعايشوا أحداثاً، وبل كانوا جزءاً لا ينفصم عنها.
ولم يكن ذلك، بداعي تزوير أو تبشيع أو تشنيع تاريخ الحركة، بل في مسعى رفع الزور والبشاعة والشناعة عن تاريخها، وتبيان الحقيقة أو البحث عنها.
فيا سيّدي، بالله عليك، كيف لي أن أثق بكلام أحد قادة الحركة الحزبيَّة، إذ يأتيني متحدِّثاً عن مناهج النقد ومدارسه ومعاييره ومكاييله ومقاييسه وأخلاقياته وأصوله وفصوله وأحواله ومراميه…، وهو أحد أبرز رموز الشقاق في هذه الحركة، وتبديدها وتشتيتها وإتلافها!؟.
يعطينا دروساً في النقد والأدب، وعلم الجمال وفقه السياسة، وكأننا لم نقرأ شيئاً عن رولان بارت، أو تي.
أس.
أليوت، أو هيغل، أو ماركس، أو فوكو، او دريدا، أو روسو، أو سارتر، أو المعرِّي، أو الحلاَّج، أو ابن الفائض، أو ابن عربي، أو الغزالي، وعلي بن أبي طالب…الخ!؟.
وكأننا جهلاء للحدِّ الذي لا نعي في إن هذا المناضل، الأبيّ السديد، قد انشقَّ عن حزبه “البارتي، جناح نذير مصطفى”، والتجأ للبارتي، جناح نصرالدين إبراهيم.
ثم أنشقَّ عن الأخير، وعاد لحزبه الأول، ثم انشقَّ عنه، مشكِّلاً لنفسه حزباً، معلناً نفسه “أميناً” أو سكرتيراً للحزب الوليد، عائداً إلى الأصول وتراث الحزب الكردي الأول، بان اختار اسم “بارتي ديمقراطي كردستان سورية” لحزبه الطازج، الخارج توَّاً من تنُّور الشقاق الكردي السوري!!؟.
هل يعي هذا السياسي العظيم، بأن للسياسة أخلاقيات، كما يحدثنا هو، عن أخلاقيات ومعايير النقد!!؟.
نقطة انتهى.
يقول السيد بدرخان: “…ويخلصوا في النهاية (والبداية) إلى ضرورة إعدام الحركة الكردية لما اقترفته من آثامٍ وجرائم في حقّ الشعب الكردي”.
يا سيّدي الفاضل؛ لقد ارتكبت هذه الحركة آثاماً جمَّة بحقِّ هذا الشعب المظلوم.
ورغم ذاك، من طالب بإعدام حركتك، التي ألهبت المجتمع الكردي نشاطاً وحيويَّةً وتواصليَّاً وحدويَّاً، تآلفيَّاً، تعاضديَّاً، جاعلة الشعب الكردي السوري، كلاًّ متكاملاً، متراصَّاً، معتصماً بعروتها الوثقى في السياسيَّة القوميَّة والوطنيَّة، وأنجزت من أهدافها، 99 بالمئة، وألزمت النظم السوري بالتغيير والإصلاح، والتفكُّر والتدبُّر في أحاول البلد ومعانات شعوبه؟!.
من طالب بإعدام هذه الحركة المغوارة الجبَّارة!؟.
وهل إصلاحها، هو إعدام لها، تماهياً مع نظرة النظم الشموليَّة ونخبها للإصلاح!؟.
وكيف يُبتنى الإصلاح برأيك؟، هل على الفساد!؟.
هل على الشرذمة والشقاق!؟.
هل على التآكل الداخلي، والتفسُّخ السياسي المستشري في بنى هذه الحركة!؟.
هل على أنانيات قادة هذه الأحزاب؟!.
هل على الدوغما القبليَّة، والوثنيَّة السياسيَّة الباليَّة!؟.
وكاتب هذه السطور، قد قالها، ويقولها مكرراً، مجدداً: هذه حركتنا جميعاً.
وملكنا جميعاً، طالما أنها تزعم بأن ظهورها للعلن، وأداؤها و”رسالتـ/ها الخالدة”، هي لخدمتنا جميعاً، دون استثناء.
وهي، أيّ الحركة، ليست إقطاعاً أو مشيخة أو خيمة أو تكيَّة مطوَّبة باسم زيد أو عمر من الكرد السوريين!؟.
ونحن جميعاً معنيون بخرابها وتعطيلها، وبإصلاحها وتفعيلها.
ولا فرق بين حزبيٍّ وغيره، إلا بقوَّة النقد وتجاسره على طرح الأسئلة المرَّة والخشنة والشائكة والوعرة، في مسعى تعبيد وتسليك الطريق أمام القضيَّة، وليس أمام الحزب أو الزعيم، ودرأ بلاء النقد عنهما.
الصادق مع حزبه وزعيمه، والمتصالح مع قناعاته، والمؤمن بشعبه وبقيمه النضاليَّة، لن يألو جهداً في جرِّ حزبه وزعيمه ونفسه ومجتمعه ومنظومته القيميَّة، تحت بؤرة عدسة النقد، إن كان حقَّاً هاجسه البِناء، وضالته الوفاء والإنصاف، وليس الغدر والإسفاف!.
ويحدِّثنا الكاتب العزيز عن الموضوعيَّة الحقَّة، والحياديَّة الحقَّة، التي لا تختزل مسيرة نصف قرن من الحركة “في الانشقاقات والمؤامرات وأهواء ونزوات القادة الذين أُسبغ عليهم صفاتٍ شيطانيّة شنيعة.
وأُظهروا كلييّ القدرة في التخريب.
ولا أظنّ أن الإكثار من الأوصاف السيئة والمسيئة ورصفها يعني أننا قبضنا على الشيطان من تلابيبه، وفتح آفاق حقيقية للولوج إلى أزمة الحركة الكردية أو يزيد الباحث عن مكامن الخلل قدرة في الاستقراء والخلوص إلى مقترحات مفيدة بصدد المشكلة الكردية”.
لكن، حين تسأل: هل رأيتم حزباً في التاريخ تحوَّل إلى 13 أو 14 حزب؟.
يقولون: لا.
إذن، هذه هي ميزة وفرادة هذه الحركة، إذ صارت أمثولة وأحجيَّة سمجة، وطرفةً، مضحكة _ مبكيَّة، وكارثة ومصيبة مرعبة، لا تثير التفكُّر مليَّاً، كما يدعونا سبينوزا.
بخاصَّة، حين تعرف بأن هذا الشقاق، لم يتأتَّ من تباين فكريٍّ أو سياسيٍّ أو أيديولوجيٍّ أو طبقيٍّ أو مذهبيٍّ أو قبليٍّ… محض!!؟.
بل من خصومات وأنانيات وحزازيات شخصيَّة بين قادة هذه الحركة، الذين كانوا في يوم ما، فريقاً واحداً!.
وهذا البدد والشطط السياسي، الذي أنجزه قادة هذه الحركة، يشي بمنسوب الصدقيَّة، ومقدار متانة بطانة الرفاقيَّة والتآلفيَّة والإخلاصيَّة فيما بينهم، آناء كانوا جسماً سياسيَّاً واحداً، “إذا اشتكى منه عضو، تدعى له باقي الأعضاء بالسهر والحمَّى”!.
وأثناء تحدُّثي مع العوام والخواص من المهتمِّين وبل المنتسبين لهذه الحركة حول منشأة هذه الانشقاقات، فيتفق الجميع على إحالتك إلى اختراقات النظام السوري في جسد هذه الحركة الحزبيَّة!؟.
إذن، انتهازيَّة القادة، مضافاً إليها اختراقات النظام، إلى جانب الموروث القبلي، وافتقار الكفاءة، في هذه الحركة، منذ نصف قرن، ماذا سيكون النتاج؟!.
نعم، في هذه الحركة من الشياطين، ما فيها!.
وفي هذه الحركة، ملائكة ومخلصين، ما فيها.
لكن، مهمَّة النقد السياسي، أن يشير إلى الشياطين أكثر من إشارته للملائكة.
وكم من الزعامات في التاريخ، تدثَّرت بالدفاع عن الشعب ومصالحه، وأظهرت نفسها لشعوبها في هيئة المخلِّص والملاك، وإذ بها دمَّرت أوطاناً ومجتمعات، كهتلر وستالين وصدَّام…الخ.
ستالين، حين كان يخطب في الشعب الروسي، كان يبدأ بعبارة: “أيها الشعب العامل”، وصفَّى هذا الدكتاتور 500 ألف من قيادات وكوادر الحزب الشيوعي، أثناء حكمه.
ألمانيا، هي التي أتت بهتلر للحكم، عبر صناديق الاقتراع.
لكن، هذا الدكتاتور، جعل من ألمانيا أكواماً من الردم والأنقاض.
هل تعلم أن محاربة ألمانيا لهتلر ولفكره، بعد الحرب العالميَّة الثانيَّة، وصلت لحدِّ منع إطلاق اسم هتلر على المواليد الألمان الجدد، ورفض تسجيلها في القيود المدنيَّة!؟.
هكذا اجتازت ألمانيا، زعيمها السابق هتلر.
والسؤال؛ هل كانت ألمانيا ستصل إلى ما هي عليه الآن، لولا ما فعلته مع هتلر!؟.
طيّب، إن لم يكن نصف قرن من عمر الحركة الحزبيَّة سفراً لتدوين عناوين وأخبار وتجليَّات الشقاق وتبعاته…، فهات أنت، اختزل لنا تاريخ هذه الحركة المعطاءة، التي ما بخلت على الشعب الكردي السوري، بكل نفائس وكنوز الشقاق!؟.
ويقول الأستاذ بدرخان: “قد يمكن إيراد سلسلة عيوب ومثالب لقادة هذه الحركة.
من ضعف النفوس لدى بعضهم وقصر النظر وسوء التقدير وأوهام الزعامة الفقيرة لدى كثيرين و قلّة الحيلة لدى جميعهم تجاه معطيات الواقع الكردي السوري الموضوعية.
غير أننا نرى الأمر أبعد من ذلك.
والمشكلة أعمق من إرادة قيادات هنا وهناك حتى لو سلّمنا جدلاً بنوايا هؤلاء القادة في تخريب الحركة عن سابق إصرار وتصميم! كما يذهب “النقاد” الجدد أو الشعبويين القدامى والجدد.
ذاك أن الابتداء بالهدم والشطب منطلقاً للنقد لن يجدي نفعاً ولا فتوحاتٍ على سبيل اجتراح مخارج واقعية وممكنة للأزمة المستفحلة”.
طيّب، يا سيّدي، إذن، أين مكمن المشكل العويص والعميق في هذه الحركة برأيك السديد!؟.
هاتِ، دلَّنا عليه، جزاك الله خيراً على ما فعلت!؟.
التحدُّث عن وجود المشكلة، والاكتفاء بالإشارة إلى عمقها، لا يشفع لك في ردِّ النقد عن الحركة الحزبيَّة.
ويا ليتك، لو استفضت في شرح المشكلة، بشيء من الطزاجة، لم يسبقك إلى هذا الشرح، شارحٌ آخر!.
ويقول السيّد بدرخان: “بيد أنّ الأمراض تلك، أمراض الحركة والسياسيين والمثقفين، أعراض لأزمة تطور المجتمع نفسه وقد لازمته بحميميّة لا يمكن تبرئة المجتمع منها بأيّ حال من الأحوال.
فلم تهبط تلك القيم على مجتمع سويّ ومندمج ومكتمل إن في مجاله الاجتماعيّ المهشّم أو طابع علاقاته الاجتماعية-الاقتصادية المتأخّرة أو في ضعف التراكم الثقافيّ وقلّة الخبرة بالسياسّة المدنية.
الأمر الذي يضعف من حيلة تجاوز العتبة التاريخية التي احتُجِز فيها الأكراد والتي لا نراها بمثابة قدرٍ أو عاهة دائمة بالتأكيد”.
وسقوطٌ آخر في مسعى التبرير المُشكل، عوضاً عن تفسيره!.
يا سيّدي، المجتمع الكردي السوري في منتصف الخمسينات، كان اكثر تطوراً من المجتمع الكردي في تركيا والعراق وإيران.
ليس هذا وحسب، وبل في فترة الستينات والسبعينات أيضاً.
والتردِّي الديني والاجتماعي والقبلي والإقطاعي، في المجتمعات الكرديَّة الثلاث، الآنفة، كان أشدُّ وطأةً مما هو عليه في المجتمع الكردي السوري.
زد على ذلك، إن قمع النظام التركي والعراقي والإيراني للكرد في هذه البلدان، فاق الظلم والقمع الذي لحق ويلحق بنا نحن الكرد السوريون، من لدن النظام السوري!.
وعليه، لماذا أنجز الشعب الكردي في هذه البلدان، حراكاً نضاليَّاً، سياسيَّاً وعسكريَّاً، كان له ثقله ووزنه ودوره المحلِّي والإقليمي والدولي، أمَّا نحن، لا زلنا نبحث عن الشمَّاعات التي نعلِّق عليها بؤسنا وخراب حالنا!؟.
وعليه، يبدو لنا أن نكبات وعلل وخلل وعطالة الحركة الحزبيَّة…، لا غرابة فيها، ولا تستحقُّ منَّا نقداً بذلك الحزم، وبتلك الشدَّة.
إذ هي أمراض عارضة، لازمة للتطور المجتمعي.
لكن، هذه الأعراض، صارت آبدة، ومزمنة، إذ هي بقيت طيلة نصف قرن، تلازم هذه الحركة، بعد أن شارف المجتمع الكردي الخلاص منها.
وانتفاضة 12 آذار، خير دليل على ذلك، أليس كذلك يا سيّدي؟.
التطور المجتمعي، لم ينجز.
وبقينا على العتبة التاريخيَّة نصف قرن!، وتلك الأمراض العارضة، التي تدير شؤونك وشؤون الشعب الكردي منذ نصف قرن.
ومع إهمالنا لتك الأمراض، على اعتبار أنها “عارضة، وملازمة لتطورنا المجتمعي”، سنبقى عديمي القدرة على اجتياز العتبة التاريخيَّة طيلة نصف قرنٍ آخر!.
إن المرض الطارئ والعارض، إن لم يعالج بإحكام وإصرار وحزم ووقاية…، سيتحوَّل المرض العارضُ إلى حالة مزمنة، مستفلحة، مستشرية، قد يصبح العلاج منها مستحيلاً، بعد فوات الأوان، يا سيّدي.
ولعمري أن تلك الأمراض، “العارضة”، صارت ملازمة لتخلُّفنا المجتمعي، بدلاً من أن تكون ملازمة لتطورنا المجتمعي، وصارت تحكم حصارها على وعينا وثقافتنا، إذ بلغ اليأس بالبعض من العلاج، أن يقول: “وحسبنا ما وجدنا عليه أبناؤنا”.
وبلغ بالبعض الآخر، بالدعوة إلى تفاديها، لأنها عارضة، ومن طبائع الأمور، في سياق مرحلة التطور المجتمعي.
وهنا الطامة الكبرى، في شرعنة ما هو غير شرعي، وتبرير ما لا يُبرر!.
ويشيد الكاتب العزيز بمناقب الحركة الحزبيَّة، في توثيق عرى التواصل الكردايتي، تحت السقف السوري، بالقول: “… ينبغي الاكتراث جدّياً لدور الحركة الكردية في توحيد المناطق المنفصلة والمتباعدة تلك (الجزيرة-عفرين-كوباني) خلف مطالبٍ سياسية مشتركة وبالتالي بثّ ثقافة سياسية “كردية سورية” في أوساط الكرد في سوريا والحدّ من تشتت الجهود الكردية بين أقاليم مختلفة أو تجذّر نزعات مناطقية، في المجال السياسي على الأقل، بينما سوية الوعي الاجتماعيّ مؤهلّة لانتماءات ضيقة عديدة لا تخطئها عين المراقب”.
مراقب جاد، ذو رؤية ثاقبة، وسعة معرفيَّة، وحصافة مشهودة لها، لماذا لا يسترعيه، أن قادة هذه الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، كلُّهم من منطقة الجزيرة، ولا يوجد حاليَّاً أيّ زعيم لهذه الأحزاب من عفرين أو كوباني!!؟.
الا يعني لك هذا شيئاً، في ما يخلُّص تجاوز الحركة الحزبيَّة للمناطقيَّة، وتمتين وتوثيق عرى الكتل الجغرافيَّة والبشريَّة الكرديَّة الثلاث في سورية؛ (الجزيرة، كوباني، عفرين)!؟.
حالة واحدة، لفتت انتباهي، وهي حزب الاتحاد الديمقراطي، (إن كنت تعتبره حزباً سوريَّاً)، وهو الوحيد، الذي زعيمه من عفرين.
وعلى فكرة، هذا القيادي، آتٍ من خنادق الحركة الحزبيَّة السوريَّة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، والده حتى الآن، قيادي بارز في إحدى هذه الأحزاب الكرديَّة.
ليس الآن وحسب، وبل حتى بالعودة لماضي هذه الحركة، الغالبيَّة العظمى من زعاماتها، كانوا من منطقة الجزيرة، ما عدى تجربة شيخ آلي.
وتجربة تولي مصطفى جمعة لزعامة الاتحاد الشعبي، في مرحلته الانتقاليَّة، قبل أن يندمج مع آزادي.
ثمَّ ألا ترى معي أن قادة هذه الأحزاب، هم وجهاء أحزابهم، وأعمدة عوائلهم في الجزيرة، مثلاً: عبدالحميد درويش، عشيرة آزيزان.
فؤاد عليكو، عشيرة هيسكان.
اسماعيل عمّو، عشيرة رماكان.
عبدالحكيم بشَّار، عشيرة كابارا.
وهذه ليست نقيصة في الأشخاص المذكورين، بل دعوة للتأمُّل والاستفسار؟.
ثقافيَّاً، يشيد بالحركة الحزبيَّة بالقول: “ولم تنشط الحركة الثقافية الكردية في سوريا، الفقيرة بدورها، لا سيما “الثقافة القومية” وتعليم وتعلّم اللغة الأم، إلا من داخل الحركة نفسها أو على ضفافها.
ولا يمكن أن ننسى في ذلك دور الرعيل الكردي الأول، النهضوي قياساً لزمنه وبيئته، وكذلك في نشر الثقافة الحديثة، وإن بطابعٍ تبشيريّ محضّ…”.
أولاً، الخطّ البياني لاهتمام الحركة الحزبيَّة باللغة الأم، في تدهور وانحدار خطير.
وليس سرَّاً القول: إن غالبيَّة قيادات الصفِّ الأول والثاني في هذه الأحزاب، لا يجيد القراءة والكتابة باللغة الأم، بطلاقة، أو حتَّى بنصف أو ربع طلاقة!.
وعليه، الاهتمام باللغة الأم، من قبل الحركة الحزبيَّة، وهذا واجبها، وليس منَّة أو فضلاً تتباهى به، إن قارناه بجهد الرعيل الأول، قبل تأسيس الحزب الكردي الأول، نجد فارقاً كبيراً، يسجَّل لصالح ذلك الرعيل!.
ثم لو كان قولك صائباً، لوجدنا، نسخة من البيانات التي تتحفنا بنا هذه الحركة الحزبيَّة، مترجمة إلى اللغة الأم، ويمُّ توزيعها.
هذا، عدى عن الترجمة إلى اللغات الحيّة الأخرى، بغية وضع الرأي العام العالمي في صورة ما يجري من ظلم وجور واضطهاد ممارس على الشعب الكردي من قبل النظام السوري!.
يا رجل، أيُّ اهتمام باللغة الأم، تمَّ على ضفاف الحركة الحزبيَّة!؟.
البيوتات الحزبيَّة معروفة، ضمن الحارة الحزبيَّة السياسيَّة الضيقة، ليس بخافٍ على أحد محتواها وخفاياها، وحجم منجزها.
فعدى عن ديوان شعر للراحل عصمت سيدا، باللغة الأم، آتني بعنوان كتاب ألَّفه اسماعيل عمر او شيخ آلي او خيرالدين مراد، او نصرالدين إبراهيم، او عبدالحكيم بشار، أو الآلوجي، أو عليكو، أو موسى… وإلى آخر كوكبة الأمناء العامين!!؟.
ويستفيض الأستاذ بدرخان في شرح كيمياء الحركة الحزبيَّة، والمعادلات المحلَّيَّة والإقليميَّة الداخلة في توازناتها بالقول: “يستحيل قراءة الواقع الكردي في سوريا من دون التنبّه الشديد لموقع المشكلة الكردية على صعيد الخارطة السورية وحجمها المتواضع، لا عدالتها بالطبع، بالمقارنة مع شقيقاتها في تركيا والعراق وإيران، وإعمال السياسات المتعاقبة، منذ نصف قرن تقريباً، تهميشاً وإقصاءً في الجماعة الكردية (والسورية بأكملها).
وكذلك ما نعتبره حقيقة موضوعية، أبعدَ من النظام الحاكم والسياسات المعمولة وغير قابلة للتغيير بالشعارات والهتافات والمظاهرات،من حيث هامشية الضغط السياسيّ الكرديّ على المركز بسبب ذات الموقع، لا بسبب ضعف الحركة هذه المرة”.
هكذا إذن؛ الحركة قويَّة وصلبة وراكزة ومتماسكة…، لكن حجم ضغطها، في مسعى رفع الظلم والغبن اللاحق بالكرد، على المركز في دمشق، هو هشّ!؟.
طيّب، ما أسباب هذا الضغط الهشّ، مع توفّر القوَّة؟!، وولما العزوف عن إمكانيَّة توظيف هذه القوَّة!؟.
أمَّا مقاربة حجم منسوب الظلم والقمع الذي لحق بأكراد تركيا وإيران والعراق، من قبل نظم هذه البلدان، بما مارسه النظام علينا، فقد أتيت على ذكره أعلاه.
ويقول الأستاذ بدرخان: “لا أوهام لديّ ولا هواجس انتظار لقائدٍ مقدام ومغوار أو حزبٍ ثوريّ يحقّق اختراقاً في هذا المجال”.
وكلُّ الحقِّ معك، وأشاطرك في هذا الرأي، إن سمحت لي.
إذ كيف لنا أن نأمل من هذه الحركة البائسة، أن تنتج للكرد السوريين قائداً من العيار الوسط، أو توجَّهاً ثوريَّاً، في حين هذه الأحزاب، وقادتها ومثقفيها، باتوا يعتبرون الثوريَّة، في أيَّامنا هذه، أيَّما عارٍ وعيبٍ وتخلُّف ولاعقلانيَّة وشطط وهذر ومذر وأحلام يقظة، ينبغي التبرُّؤ منها، ما استطاعوا إليه سبيلا!.
وعلَّمتنا العلوم والتجارب السياسيَّة، إن من يسعى أن يكون بالضدِّ من الثوريَّة، عليه أن يكون مشبعاً بروح ووعي وسلوك وثقافة الإصلاحيَّة!.
وإن الحزب السياسي، وفي مسعاه التغييري، إنْ يكون فاقداً لأحد الخيارين؛ الثوري والإصلاحي، في النهج والسلوك والطباع والممارسة، بذا، يغدو وجود هذا الحزب كعدمه!.
ويقول أيضاً: “وحسناً فعلت الحركة الكردية، وإن بسبب ضعفها، عندما تجنبت توريط الأكراد في سياسات تجريبية ومُغامرة تعود بكلفتها على عموم الأكراد كلّهم لا الأحزاب وحدها، سواء توصل السياسيون الكرد إلى هذه القناعة وأقرّوا بذلك أم لم يفعلوا.
الوضع الكردي في سوريا لا يحتمل مغامرات! (بالعذر من الثوريين القُدامى والجدد).
بالعذر من (الإصلاحيين والعقلانيين القدامى والجدد)، وضمنهم، الأستاذ بدرخان، الذي يعزو عدم انجرار الحركة الحزبيَّة للمغامرات، إلى ضعف الحركة.
وتلويحه إلى فرضيَّة إن هذا الانجرار، قد تحقق، دون اتفاق وقرار مشترك بين قادة هذه الأحزاب.
يعني، قد يكون بمحض الصدفة!.
فلو كانت هذه الحركة قويَّة، لكان الحاصل، خلاف الراهن، وهو خوض عباب المغامرات، نتيجة انعدام الضعف والهشاشة، وتوفُّ القوَّة والصلابة.
بمعنى، إن المغامرة، هي من شيم القوّي، وليس الضعيف.
ثمَّ، يُسجِّل بدرخان، هذا المنجز، برسم ضعف الحركة، ويعتبره من محاسن هذه الحركة، الذي أنتجه الضعف.
فيا محاسن الضعف!.
والحال هذه، ومع التشخيص الممحِّص هذا، لا ضير من القول: إن راهن الحركة، ونبذها للمغامرات، كان نتاج عقلانيَّة الضُعف، وليس قوَّة العقلانيَّة!.
إذن، الوضع الكردي السوري، لا يحتمل المغامرات، وليس بحقل تجارب!.
فماذا عن مغامرات الشقاق، ومقامراته!؟.
ماذا عن هذا السجلِّ الحافل بتجارب الأحزاب، وتشطير تركة الحزب السياسي الكردي الأول في سورية، بين “الأبناء الشرعيين” لهذه التجربة!؟.
هكذا نوع من المغامرات البريئة، مستحبّ، ولم يكلِّف الشعب الكردي وقضيته العادلة أيَّة أضرارٍ جسام!؟.
وإن اتجه الشعب الكردي، نحو خيار آخر، حينئذ، تقوم القيامة على رأس هذا الخيار، فهو خيار معلون، ومحارب، ومطعون فيه كرديَّاً وسوريَّاً، وينبغي أن يوأد، قبل تبلوره، على اعتباره مغامرة، والحال الكرديَّة، لا تحتمل إلا مغامرات “أهليها”، “الأصلاء”، وأصحاب الخبرة في جعل المجتمع الكردي السوري، “المنقوص” و”القاصر”، مختبراً لتجاربهم الحزبيَّة الانشقاقيَّة وحدها!؟.
يقول السيّد بدرخان: “ويجب ألا نمل ّمن تكرار القول بعدم جواز إسقاط تجارب كردية أخرى في العراق أو تركيا أو إيران (بافتراضها خياراً ناجعاً و مثالاً ناصعاً هناك) على واقع الكرد في سوريا ومطالبة الحركة الكردية بالحذو حذوها.
وكمْ كانت المقارنة هذه ظالمة ومجحفة بحقّها، استُسهلت لدرجة الابتذال، وعايرت الحركة في عدم ثوريتها و”إصلاحيتها”، وقد كابدت الحركة جراء ذلك تُهماً وتسفيهاً من جهات متعددة الخلفيات”.
إن لم تستفد الحركة الحزبيَّة من تجارب الأقربين، فلن يسترعي انتباهها تجارب الأبعدين.
ويجب ألاَّ تتململ وتتذمَّر الحركة الحزبيَّة الكرديَّة ونخبها، إن أجرينا مقاربات نقديَّة بينها وبين التجارب الأخرى.
وإلا، فبأيّ الحركات والتجارب السياسيَّة نقاربها!؟.
هل بتجارب قبائل الزولو!!؟.
وآناء المقاربات تلك، تظهر للعلن، متانة وبراءة وقوَّة الحجج والقرائن، التي يقدِّمها، من يسعى درأ حزبه عن مهالك النقد والمقاربة.
ولَعمري، إن من يسعى للتنصُّل من إجراء المقاربة، وحتَّى في حدودها الدنيا، لَهو صمَّام أمان بقاء الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، على فساد حالها!.
التجارب الكرديَّة في الأجزاء الأخرى من كردستان، ليست تجارب ناجعة، وفيها ما فيها من القصور والخلل والتعثُّر، فكيف ستكون خياراً ناجعاً لكرد سورية!؟.
لكن، يُفترض أن تكون هذه التجارب، خزيناً سياسيَّاً، يعودُ الكرديُّ السوريُّ إليه، بغية الاستفادة من محاسن ومساوئ، إيجابيات وسلبيات هذه التجارب، في آن!.
ويقول السيّد بدرخان: “… وقد صار بحكم الثابت في الثقافة الشعبية أن النضال السياسيّ السلميّ المتدرّج والتراكميّ لا يستحق الانشغال والتضحية والصبر والجَلَد بخلاف الكفاح المسلّح، الذي قد يكون لوحده سبباً كافياً لخلع المشروعيّة على الحركات الكردية في الأقاليم المجاورة، والذي طالما نُظر إليه على أنه الشكل الوحيد الذي يمنح نضالنا، بل وحياتنا أيضاً، معنىً ومغزىً، فضلاً عن كونه الوسيلة “المضمونة” لتحقيق الأهداف دفعة واحدة!”.
لا خلاف على هذا الرأي.
ولا أحد يحاسب الحركة الحزبيَّة على بداياتها، بل على نهاياتها.
وأقصد، راهنها الحالي.
فالنضال السلمي الديمقراطي، في الخلاص من نظام الفصل العنصري في أمريكا، لم يأخذ من مارتن لوثر كينغ، نصف قرن!.
والنضال الذي خاضه غاندي في مسعى الخلاص من الاستعمار البريطاني، لم يكلِّفه نصف قرن.
والنضال الذي خاضه مانديلاً، سلميَّاً وعنفيَّاً، ضد نظام بريتوريا العنصري، لم يستوجب نصف قرن!.
أمَّا نحن، الكردُ السوريون، فمنذ نصف قرن، لم نخلق بعد، تراكم سياسي، ثقافي، معرفي، خبراتي، يجيز لنا خوض غمار نضال سلمي ديمقراطي، لاعنفي، سوي وصحِّي، في مسعى نيل حقوقنا العدالة!؟.
ويبدو أنه يلزمان ربما نصف قرن آخر، إن لم نقل أكثر!.
حتَّى الآن، لا تتفق الحركة الحزبيَّة الكرديَّة على حق التظاهر، والاعتصامات الحاشدة، المتكررة، وتعتبر هذا الحقّ، الدستوري، تطرفاً!.
حتَّى الآن، تجمع غالبيَّة أطراف الحركة الكرديَّة على رفض حمل الرايات والرموز الكرديَّة في سورية، بداعي أن هذا مخلٌّ بالوطنيَّة، وتثير النعرات الشوفينيَّة لدى العرب، ويبدد اطمئنان الأخوة العرب وتضامنهم مع قضيتنا!؟.
فمن أين ستأتينا خبرة النضال السلمي الديمقراطي، إن نحن لم نجرِّبه، وبل نحرَّم على أنفسنا التجريب في هذا المضمار!؟.
ويتحدَّث الأستاذ بدرخان عن جوهر الخلاف الأساسي مع القراءات السطحية لمسيرة نصف قرن من الحركة الكردية في سوريا، بالقول: “القراءات التي لا تقوى على النفاذ إلى البُنى الاجتماعية المولّدة للسياسة والثقافة ليس لأنها “بنية تحتية” وحسب بل لأن الحس العقليّ السليم يوجب على الناقد والمثقف السويّ أن يتأمل في أزمة الحركة الكردية المديدة، بما هي أزمة مجتمع وطبقات وسياسة وتنمية واقتصاد ونخب وفعاليات ثقافية.
فليس المجتمع الكردي السوري بالعقيم من حيث قدرة إنجاب قائدٍ “بطل وشجاع” وقد تعاقب على قيادة الحركة المئات، على مدار أربعة أجيال، من أبناء هذا المجتمع نفسه.
لو كان الأمر بهذه السهولة لكنّا بألف خير وكانت المشكلة قد حلّت أو قاب قوسين أو أدنى من الحل”.
يا سيّدي، أعتقد أن التحليل السويّ والسليم والممحصِّ والدقيق والعميق…، يستوجب عدم تبنِّي الفكرة وضدَّها في آن.
يعني، أن يكون المجتمع الكردي، متورِّط في أزمة الحركة الحزبيَّة، ومجتمع منقوص، من جهة، وليس العقيم، من حيث عدم القدرة على إنتاج قائد بطل وشجاع…، من جهة أخرى، فهذا، ما لا طاقة لي بفهمه!.
مجتمع من هذا الطراز، كيف له أن ينجب أشباه قادة، بكل ما لكلمة القائد من عمق دلالي تاريخيَّاً وسياسيَّاً ومجتمعيَّاً، قادر على تثوير الخامد، وتحريك الراكد، وتنهيض الجامد، في مسعى التنوير والتغيير!؟.
وأعتقد انه من المجازفة إشراك المجتمع الكردي في سورية، في أزمة الحركة الحزبيَّة طيلة نصف قرن، كأحد المفاعيل المباشرة في هذه الأزمة.
لسبب بسيط، لأن هذه الطبقة السياسيَّة، التي تسمِّها نفسها حركة حزبيَّة، لا تسمح بإشراك المجتمع في قرارها، ولا تعترف بسلطة المجتمع عليها، ولا تحوي بين جنباتها كامل المجتمع الكردي في سورية.
ونصف المجتمع الكردي (المرأة)، معدوم فيها!.
وإلاَّ، لخضعت وأذعنت لمطالب المجتمع الكردي، الذي لا يألو وسعاً في مناشدة هذه الحركة بضرورة التوحُّد والائتلاف والتكاتف والتآلف.
إذن، هي أزمة قيادة وأزمة نخب بالدرجة الأولى.
وينضاف إليها العوامل الأخرى.
ويقول الكتاب العزيز: “الواقع أن الساحة الكردية السورية شهدت، غير مرة، أصوات تنبئ وتبشّر بطريق سهلة لحل المشكلة الكردية ألا وهو مجرد “التفاف الجماهير”(والأحزاب الأخرى) حول “النهج الجديد” والتصدي بـ”قوة وحزم” للنظام و”الشجاعة” في المواقف وبذل التضحيات؟ هكذا جرى، و يجري، اختزال الأمر إلى مسألة شجاعة وجرأة ورجولة وفحولة كما لو أننا في حلبة ملاكمة أو مصارعة ثيران والغَلَبَة للعضلات؟.
إذن، ما أحوج الكرد السوريين إلى تحقيق المعادلة التالية: النضال من أجل إجبار النظام، أو لنقل: “إقناع” النظام السوري، على ضرورة حلِّ القضيَّة الكرديَّة، دون تضحيات!.
نضال، دون تضحيات، كالسير في النوم.
سياسة بدون تضحيات، ونضال دون تضحيات، وأحزاب بدون التفاف جماهيري، هو ثالوث الحل، الذي ينبغي أن تهتدي وتحتذي به الحركة الحزبيَّة، نصف قرن آخر، حتَّى تقطف ثمار هذه الوصفة الخلاصيَّة الناجعة!!.
نعم، السياسة والنضال في سبيل قضايا عادلة، لَهو فعل شجاعة وجرأة وجسارة.
بخاصة، حين يكون الخصم، نظاماً توتاليتاريَّاً، على شاكلة النظام السوري.
والخائض لهكذا نضال، ينبغي أن يأخذ في الحسبان أن يكون الضحيَّة في أية لحظة، لأنه، بالفعل، في حلبة صراع.
فحتَّى الحوار بين الأفكار والبرامج السياسيَّة، هو في جوهره صراع.
والبقاء للفكرة الأقوى، والأكثر تلقُّفاً من قبل الجماهير، واستجابة لرغباتها وطموحاتها.
والذي يخوض صراعاً، ينبغي أن ينتصر على ذاته، ويمتلك من الجرأة والجسارة والعزم المعرفي والثقافي والسياسي، والإيمان بجدوى النضال من أجل حقوق شعبه ووطنه.
أمَّا الأنموذج الذي انتجته، وعوَّدتنا عليه الحركة الحزبيَّة، فهو المناضل الهشّ المهزوز والأناني، مع بالغ الأسف.مأمأل
ويقول أستاذنا العزيز: “كما ليس يكفي قراءة أزمة الحركة الكردية من زاوية عدم إحرازها لنتائج مادية “ملموسة” لصالح الكرد والحقوق القومية.
هذا منطلقٌ آخر، خاطئٌ بدوره، ويبدأ منه الناظرين من بعيد أو علٍ إلى الشأن الكردي في سوريا ويهمل ما لا يمكن إهماله.
لكونها -أي القراءة الحسيّة تلك- لا تعترف إلا بالنتائج المحسوسة والنهايات السعيدة و…..تأسيس الدول وتنصيب الزعماء ورفع الأعلام”.
إذن، المنطلق الصائب لديك، في قراءة أزمة الحركة الحزبيَّة، هو أن نقيس نتاج هذه الحركة، بالمنجز اللامادي، اللاملموس، اللامحسوس، الذي أنتجته طيلة نصف قرن!.
هاتنا من فيض قراءتك الصائبة، الفوق حسيَّة، أو المابعد حسيَّة، لأزمة الحركة الحزبيَّة، لكونك أقربنا إلى هذه الحركة، وبل أنت جزء منها (حزب الوحدة)!؟.
لم يطالب أحداً هذه الحركة، بإعلان دولة، او رفع علم، أو ما شابه، أو ما شاكل!.
كل ما نطالبها به، هو تصويب الخطاب السياسي، وضبطه بماهيَّة الحقوق القوميَّة والسياسيَّة والثقافيَّة التي تطالبها بها الحركة الحزبيَّة منذ نصف قرن!؟ وألاَّ تترك هذا الخطاب، رهين الشعار الفضفاض، وحبيس التأويل.
المطلوب من هذه الحركة، معرفة سبب انعدام وجود المرأة في حراكها منذ نصف قرن!.
المطلوب مراجعة ماضيها وحاضرها، بقليل من المكاشفة والمصارحة والتصالح مع الحقيقة.
ويقول أيضاً: “ويجدر في هذا الصدد الاعتراف بدور الحركة الكردية التي صاغت خطاباً مطلبياً متوازناً خلافاً لصورتها التنظيمية المشتّتة والمشوّهة”.
ويا ليتك لو وضعتنا في صورة وفحوى الخطاب المطلبي المتزن المتوازن الذي صاغته هذه الحركة، بعيداً من الشعار الفضفاض: الحقوق القوميَّة والسياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة!.
وكيف لحركة مشتتة مشوَّهة، أن تصوغ خطاب مطلبي متوازن؟!.
وفي حال تحقق هذه الاستحالة، ماذا أنجزت من هذا طرح الخطاب المطلبي المتوازن؟.
ونحن حين، نتحدَّث عن الخطاب المطلبي، لا يقتصر الأمر على الجانب الخدماتي وحسب، بل يتعدَّى ذلك للحيّز السياسي والثقافي، وخلفياته القوميَّة!.
ويشير الأستاذ بدرخان إلى أنه: “ولا يُعقل أن نرمي الطفل مع غسيله الوسخ، كما يُقال، أي النيل من خطاب الحركة الكردية، الموضوعيّ والواقعيّ في توجهّه العام بسبب واقع تنظيماتها الرديء.
(بدون الدخول في تفاصيل هذا الخطاب السياسي (والثقافي) وهشاشته الفكرية والنظرية وهي سمة “الفكر” القومي الكردي بعامة، قُل التفكير الكردي في تسطّحه الفاقع”.
ولا شكَّ إن هذه السلَّة العامرة بالأفكار المتناقضة، والتي تنسف بعضها بعضاً، لَهي ثقيلة على الهضم الثقافي والفهم المعرفي.
إذ كيف لحركة تعيش واقعاً تنظيميَّاً رديئاً، أن تنتج خطاباً عقلانيَّاً وموضوعيَّاً!!؟.
وكيف لهذا الخطاب العقلاني والموضوعي، السياسي والثقافي، أن يعاني من هشاشة فكريَّة نظريَّة!!؟.
لعلَّها كيمياء الحركة الحزبيَّة، التي تجيز لنا قراءة وفهم هكذا تشخيص مكتظّ بالتضاد والتنافر والتناقض!.
ويستفيض الأستاذ بدرخان في التشخيص والاستدلال “المنطقي”، إذ يقول: “وما يغفل عنه (الكَتَبَة) من مؤدّى ومحصلة هذا الترابط بين الاستغناء عن دور الحركة ورميها بالعقوق على النحو المشار إليه، الذي سيعني رمي خطابها بالفساد والبُطلان، وما سيعني ذلك من تعبيد الطريق أمام النزعات الغريزية كي تقود الأكراد (إلى أين؟).”.
الحركة الحزبيَّة، وعلى وضعها الراهن، ليس عاقة وحسب، وبل معيقة للتنمية السياسيَّة والمجتمعيَّة، وباعثة على الشقاق والتنافر في المجتمع الكردي، بدلاً من سعيها نحو التآلف والتعاضد والتكامل.
والرهان، كلُّ الرهان، على النقد الذاتي والمراجعة النقديَّة الحازمة، والإصلاح الجاد والجريء.
لا مناص من إصلاح هذه الحركة، فإن هي أبت ذلك، حينئذ، لا يلومنَّ أحداً الشعب الكردي السوري، في إنتاج خيار آخر، أقلُّ ما يقال فيه، بأنه قد يكون الانزلاق نحو التطرَّف.
وهذا ما يريده ويشتهيه النظام السوري.
ويقول الأستاذ بدرخان أيضاً وأيضاً: “ولو كان النقاد منسجمين مع أنفسهم ، حتى النهاية، لما اعتبروا حالَ الحركة الكردية، الباعث على التأمل والتفكّر وقليلٍ أو كثيرٍ من الغضب، مادة للتندّر والضحك وإدعاء العنتريات بدل تسجيل مواقف موزونة ومتناسقة في وجه السلطة أو على الأقل-كما يقول إدوارد سعيد- “قول الحق في وجه السلطة”.
إن ما تعانيه هذه الحركة، بعد مضي نصف قرن من تأسيسها، الحقُّ بأنه كارثة وبلاء عظيم!.
وقالت العرب: “شرُّ البليَّة ما يضحك”.
وبل حال حركتنا المغوارة، بات يثير القرف والسأم، بالإضافة إلى الضحك.
أمَّا فيما يتعلَّق بضرورة توجيه سهام النقد للنظام، فقد أتيت عليه أعلاه، ولا داعِ للتكرار، بخاصَّة، إن كان الذي أخطابه، كاتب وأستاذ عزيز، من طينة السيّد بدرخان علي.
يقول أستاذنا الفاضل، زائداً في تأمُّله وتبصُّره وتفكُّره وتفكُّهه في أحوالنا، نحن الكتبة المتطاولين على حركته الحزبيَّة العتيدة: “الحركة الكردية هي السلطة الوحيدة التي يستطيع الكَتَبة معارضتها بـ”جرأة” لافتة.
أية جرأة يدّعيها هؤلاء؟ “ثوّار على مين”؟ (بالاستعارة من “عسكر على مين”).
ليس لدى الحركة سجون ولا أجهزة أمن و لا عَسس ولا رواتب تقطعها لمن تشاء وتحرم منها من تشاء.
فطوبى لمعارضة الحركة هذه الجرأة الفائقة وليتابع الكتَبَة هوايتهم الممتعة والمسليّة؟ لعلّها تشبع رغبة شطرٍ كبير من المثقفين الكرد في نسبِ أدوارٍ تاريخية وفكرية عظيمة لأنفسهم وإشباع نزعة السّادية لديهم وانتحال شخصية نضالية من أزمنةٍ أو أمكنة أخرى..
.
وهنيئاً للمحرومين من حقّ المعارضة في وجه السلطة الجائرة اكتشافهم لخصمٍ سهل وضعيف وقليل الحيلة؟ هم معذورون إذاً”.
أنت أدرى منِّي، بأن لهذه الحركة من الكتبة والموَّظفين والمأجورين والعسس…، ما لها.
وإن افترضنا، وترضية لحال الأستاذ بدرخان، اعتبار الحركة الكرديَّة، سلطة.
وهي ليست بسلطة، حتى على محازبيها، عدى عن كونها ليست سلطة على المجتمع الكردي السوري.
وحين نتحدَّث عن السلطة، لا نذكرها وفق الفهم الدولتي، ومستوجباته من سجون وشركة وقضاء…الخ، بل وفق الفهم القيمي، الاخلاقي، الوجداني، والسياسي.
وعليه، إن اعتبرنا الحركة الحزبيَّة سلطة، فما أحوجها بمعارضة، تكون الرقيبة على أدائها.
ولئن كان حال سلطة الحركة الحزبيَّة من الشلل والخلل والعطب والبؤس…، ما يثير الحنق والغضب، فأن تحلَّت معارضة هذه السلطة المفترضة، بخصال التمرُّد والعصيان النقدي، فلا لوم او ضير أو حرج.
ويستكمل الأستاذ بدرخان حديثه عن الكتبة، بالقول: “خلافاً لما يروجه غُلاة النقاد، من قبيل التمثليّة الجماعية القومية وتمثيل “روح الأمة”، عن الافتراق بين تقدّم المجتمع المزعوم وثوريته وتخلّف الحركة وتخاذلها يبدو لي هذا الكلام ممجوجاً و شعبوياً للغاية.
ويدفعني للقول بأن الحركة الكردية دون مجازفةٍ كبيرة، وفي الشروط السياسية والاجتماعية والثقافية المشخّصة، صورة مطابقة عن مجتمعها إن لم تكن متقدمة بقليل!”.
أمَّا عن وجود التطابق بين الحركة الحزبيَّة والمجتمع الكردي السوري، فهذه إهانة للمجتمع الكردي السوري، إذ أنه قد تجاوز الحركة، في ومناسبات عديدة.
فما بالك اعتبار الحركة الكرديَّة متقدَّمة على المجتمع الكردي، فهذه تهمة بحقِّ الحركة الحزبيَّة، وهي منها براء.
والأدلَّة أكثر من تحصى.
وفي الحال الكرديَّة السوريَّة، المجتمع والشعب الكردي، الذي يتقدَّم حركته السياسيَّة، لا العكس.
وفي الحال الكرديَّة السوريَّة، السياسي هو الذي يتقدَّم على الثقافي، لا العكس.
وبذا، يتغدو تورُّط المثقف في أزمة الحركة الحزبيَّة جليَّاً، إذ هو تخلَّى عن رسالته التنويريَّة التهضويَّة التغييريَّة، واستمرأ القصور والنكوص والشرذمة، واستمات في إسباغ الشرعنة عليها، من حيث يدري، ولا يدري.
وبذا، يغدو دفاعه عن الحركة الحزبيَّة وأمراضها، مشوباً بالاختلاج والتناقض، والكيديَّة، والمواقف المسبقة، من خلفيات ناقدي الحركة الحزبيَّة.
ويحذِّر السيّد بدرخان الكتبة الشعبويين من وصف الجماهير بأوصافٍ غير لائقة، ويقول عن العقلانيين: “بدورهم يجب ألا يفعلوا ذلك لأسباب منطقية وعقلانية ودوافع مغايرة، غير تلك التي لدى الشعبويين، حيث المجتمعات لا تولد متخلِّفة وقاصرة وبالتأكيد أنها لا تبقى كذلك إلى الأبد”.
وهنا، يعاود الأستاذ بدرخان نقض نفسه، وكأنه في حالة فصام، ويحشر نفسه في عداد الشعوبيين، إذ هو تحدَّث أعلاه، عن المجتمع الكردي المنقوص، والمتخلِّف…، وليس غيره!.
ويرسوا بنا السيّد بدرخان، على ضفَّة قصده وبيت قصيده، إذ يقول: “وليس لمنصفٍ وعاقل أن يزدري هذه الأداة التي تعكس حصيلة نصف قرن وأكثر من العمل السياسيّ المنظّم ومرآة عاكسة لأحوال مجتمعنا و”نخبته” السياسية والثقافية، ليس لوضعها في متحف التاريخ، بل لأنها بالآن ذاته خبرة متراكمة تصلح خميرة لإقلاع عملية الإصلاح التنظيميّ والسياسيّ ورصيداً معنوياً ممتازاً لطورٍ جديد من الفعالية السياسية الواعية والمتزنة والاضطلاع بدور المحرك والفاعل الأساسي في حياة الجماعة الكردية وتمثيلها بثقة وجدارة على صورة لائقة”
وهنا، لبُّ الحديث، والجوهر الذي لا خلاف عليه، حتَّى وإن أوحى السيّد بدرخان، أنه ثمَّة خلاف في هذا السياق.
أمَّا حول ازدرائك من النقد الشديد الحزم والعزم الذي وجِّهته إلى الحركة الحزبيَّة، والذي لمستَ فيه، شعبويَّة وفوضويَّة وثورجيَّة بائدة ومتصنعَّة، وساديَّة… الخ، من النعوت “الجميلة” والأحكام المنصفة التي أطلقها علينا، فأحيلك لما كتبته الدكتور احمد برقاوي، تحت عنوان: “المثقف متأمِّلاً الشأن الاجتماعي لا يطرح غير الأسئلة النقدية … ويحزن” ونشرته الحياة اللندنيَّة يوم 15/7/2008، إذ يقول: (المثقف “أديباً ومفكراً وفناناً” ليس معنياً فقط بالشأن الإبداعي أو الفكري أو الفني أكان كتابةً أم تلقياً، بل دائرة اهتماماته تتسع لتشمل تأمل الشأن الاجتماعي وظواهره في صورها المتعددة، علاقاتها وتأثيراتها منفصلة ومتصلة في آن، كالظاهرة التعليمية والظاهرة الدينية والإعلامية، والثقافة الشعبية أيضاً.
قلق المثقف وهو يتأمل هذه الظواهر كلها لا يحد، قلقه حزين… نازف، وحيرته لا نهائية، أنصاته وتناغمه مع نبض الواقع / نبض الفكر تشوبه مسحة من حزن وأسى تؤول الى طرح الأسئلة المرة… الأسئلة الصعبة، ينخرط في القول والفعل، في التفكير والتدبير، في التقبيح والتحسين ويرنو إلى حلول، إلى مخارج للأزمة… إلى أفقٍ أكثر شفافية، لكن والدم يغلي في عروقه تضج في جمجمته اصطراعات الأسئلة وتضطرب الأفكار متفاعلة مع هذا القلق الخلاق، وتمثل أمام عينيه الظاهرة الإبداعية جنباً الى جنب كل الظواهر الأخرى، كلُ في ملامحها المضمرة منتجة عبر ملامحها الصريحة.
ملامحها المضمرة قوامها… هي غائية القلق الإبداعي.
القلق الإبداعي لا يستوي قلقاً حقيقياً حاراً وملموساً اذا لم يغترف من ينابيعه المتفجرة حوله… هو لا يذهب إليها مباشرةً … بل تنسرب هي إلى نسيجه… إلى فكره وروحه، إلى الأوعيه، إلى عقله الظاهر والباطن فينزف القول مشيراً إلى بحيرات الفعل، يرمي حجراً في ركودها فتنداح دوائر من الرؤى والأفكار، وترسم خريطة طريق جديدة يتلقفها من يعنيه التغيير لا الجمود، ومن يعنيه التحريك لا التأبيد، ومن يعنيه الإبداع لا التبديع!… المثقف القلق وهو يتأمل هذه الحال ينتج سؤالاً حارقاً آخر: كيف تكونت هذه العقلية الإرهابية في مجتمعاتنا؟ ما الطاقة العمياء التي تحرك هذا الطوفان؟
يبحث عن الينابيع العكرة كلها.
ينقب في البؤر الساخنة.
يتقصى التاريخ الاجتماعي والسياسي، يقلب في الأزمات العابرة والمزمنة، مقدماتها وخلفياتها.
يقوده قلقه الخلاق هذا إلى تأمل الينابيع كلها… يشير إليها ويضع أصبعه على بعض الجراح، ديدنه التشخيص لا العلاج، وهاجسه المكاشفة والمصارحة وقول الحق عل ذلك كله يؤسس لمخرجٍ للأزمة او يلمح الى أفق للتغيير.
ويذهب إلى النبع الأول “والنبع كلمة جميلة” لكنه هنا نبعُ عكر.
– نبع التسلط الاجتماعي / الاقتصادي / السياسي، بمعنى شكل ومضمون المنظومة الاجتماعية الحاكمة… وانخفاض السقف الديموقراطي، وما ينتجه هذا التسلط بالضرورة من تسيد رؤية أحادية للظاهرة الدينية ومفاعيلها، رؤية لا يأتيها الباطل بين يديها، هذه الرؤية نراها منسربة الى العقول والأذهان عبر وسائل تعليمية وتربوية وأجهزة ثقافية ووسائط متعددة إعلامية وثقافية وترفيهية أيضاً.
ويتوقف المثقف طويلاً أمام النبع الثاني: – نبع الآليات الاعتقادية الخفية، المكونة لقشرة النسيج الاجتماعي العليا، أي المركب العقلي الثقافي الذي يعمل بآلية خفية ومضمرة، وهو ما يتجلى في عقلية اليقينيات لا النسبيات التي تلعب دوراً حاسماً وتحفيزياً في تكريس مركب ثقافي اعتقادي تشددي خطير، هذا المركب “الفاعل” لا يعبأ بالحياة، قدر احتفائه بالموت اليقيني الذي يتحقق بعده يقين الخلود وخلود اللذة الجسدية والروحية بكل استحقاقاتها وضرائبها الاعتقادية المدفوعة سلفاً، إنه الاغتراف اليقيني اللانهائي من حور العين!
أن تجذر هذه البنية اليقينية في العقلية الاجتماعية من السهل توظيفها من لاعبين أيدولوجيين متعددي النوايا والأهداف بالكيفية التي يريدونها وفي اتجاه الغايات التي يرومون تقصدها.
والمثقف القلق وهو يكشف حجب هذه العقلية ومفاعيلها في تكوين العقلية الإرهابية، العنفية المتشددة، لا يفاضل اليقين بالشك، بل يدعو إلى التفكير في اليقين الاعتقادي بشكلٍ نسبي، وبشكلٍ تاريخي غير ثابت او أزلي، وبشكلٍ دنيوي حسي وإنساني.
فليس كل عقلية يقينية بالضرورة في حالة احتفاء بالموت المطلق بل احتفاءاتها بالحياة ومباهجها واستمرارها جزءاً في مركبها الثقافي غير أن هذه السمة لا توجد في مركب العقلية المنتجة بتأثيرات خارجية ضاغطة أو المكونة في أحبولات وفخاخ وضعها لاعبون أيدولوجيون، ومؤثرون.
وارى ان سمة الاحتفاء بالحياة سمة معرفية في مركب العقلية المكونة ذاتياً والتي تملك استقلاليتها الفكرية بمنأى عن المتداول والرائج والمألوف والمنغمسة في جدلٍ خلاق مع دلالات الشك والسؤال والمتمتعة بقيمة التأمل الفلسفي والمتصلة في آن بدلالات الوعي الإنساني النبيل.
والمثقف يتأمل أيضاً نبعاً ساخناً ويجده كالبحر الذي في أحشائه “الدرُ كامنُ”، يأكل السمك الكبير والسمك الصغير وهو:
– نبع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تسد الأبواب أمام شبابنا في تكوين عيش كريم قوامه العمل والإبداع والإشباع الذاتي عقلياً وجسدياُ وعاطفياً، هذه الأزمة بتجلياتها الملموسة: بطالة وغلاء أو اللاعدل في تقاسم الثروة الوطنية يشيع بلا ريب روح اليأس والتشاؤم وتسهم في تنامي حالة اغترابية بين الفرد ومجتمعه فتتسع المسافة بينهما ويتم ردمها بكميات كبيرة من أتربة الكره والحقد تبللها للأسف روحُ انتقامية خطرة.
وهو – المثقف – عندما يريد أن يصل الى نبعٍ آخر من ينابيع صناعة العقلية الإرهابية فلا يغفل نبعاً حضارياً أسيء استخدامه فأعطى حصاداً مراً في بعض شواهده:
– نبع أزمة الخطابات الاتصالية والمعلوماتية الرائجة التي لا تألو جهداً في برمجة العقول الشابة وأخذها في توجهات بعيدة عن الهموم الحقيقية، فتزيف الحقائق وتخفي الوقائع الصحيحة وتسد الطرق المفتوحة نحو التفاعل الصحي والمنتج مع الظاهرة الإعلامية الكونية وتضلل في طرق التداول الثقافي السليم مع الثقافات الأخرى فتصبح المثاقفة تقليداً مبتذلاً واستلابياً غير مبدع، كما هو حاصل في إنتاج برامج الواقع التلفزيونية.
وهكذا صرنا نرى من خلال هذا الفضاء الاتصالي المفتوح كيف تجذر المفاهيم القبلية والنزاعات الطائفية ويتم تغذية الصراعات السياسية السطحية بين الأقطاب والأتباع تحت ظل مفهوم الغنيمة والقوة والتفرد الهوياتي!
كما يتم تجذير قيم الابتذال والتسطيح والاستهتار بالآخر تحت تأثير ثقافة الصورة وبهرجتها وسطوتها في ظل مفهوم الغنيمة المالية (من يملك مالاً أكثر يملك فضاء أكبر)، ويتم بذلك تأليه المال ومن يملكه.
يسأل المثقف أخيراً – وهو يعلم أن منابع كثيرة متناثرة لم يقف عليها ويسبر غورها – بحرقة: كيف نجفف هذه الينابيع يا ترى؟).
هوشنك أوسي
دمشق 16/7/2008