أهلاً بالنقد والنقَّاد الأشراف، وخزياً لصفاقاتِ الدجَّالين وصفقاتهم!.

هوشنك أوسي

لا شكَّ أنَّ اتجاه بعض مثقفينا الأفاضل، (وأخصُّ بالذكر هنا، الأستاذ الكريم محمد قاسم)، من تحليل وتشخيص ونقد للحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، من ثم الاتجاه إلى نقد من ينتقد هذه الحركة، لا شكَّ أنه أمرٌ صحيٌّ، حتَّى لو كنتُ أختلف والأستاذ قاسم في الكثير من مفاصل تعاطيه مع النقد الموجَّه لهذه الحركة، وانزلاقه للانتقاص من جهد غيره، ونعته بالثأريَّة والانتقاميَّة والافتقار للبنيَّة المعرفيَّة والكياسة اللغوية…الخ!.

ولَعمري أن من قضى ردحاً من عمره في أوساط الحركة الحزبيَّة، مشكوراً، ومهما أوحى وأشار إلى استقلاليته، إلاَّ أن ميلانه ومزاجه وذائقته النقديَّة، ستكون مستوحى من لدن هذه الأحزاب، ولن تستسيغ ما يأتي هذه الحركة من خارجها.

بخاصَّة، لو كان هذا النقد، صادراً من شخص، يميل إلى جهة سياسيَّة أو فكريَّة، كانت السيّد قاسم وإيَّاها على طرفيّ نقيض، وبالضدِّ منها، أو على خصومة سياسيَّة معها، فيما مضى!.

وربما يكون لي مقال آخر في هذا المقام.
أحد محرري المواقع الالكترونيَّة الكرديَّة، وهو من كردستان سورية، حين أطلق موقعه، عاضده الكثير من مثقفينا الأفاضل، ومنهم، كاتب هذه السطور.

وكان هذا المحرر الشاب، يتقرَّب ويتودد إلى حزب العمال الكردستاني، ويتردد على مؤسساته الإعلاميَّة، وكان شديد الصلة بالكثير من كوادره ومثقفيه.

ونظراً لفقر حال هذا “المحرر الإعلامي” ثقافيَّاً، ونظراً أن موقعه الإلكتروني كان في بدايته، كان صاحبنا، يأخذ المواد من موقع مجلة سورغُل للبحث والتحليل والتوثيق على شبكة الانترنيت.

وطبعاًَ، أسرة المجلة، كانت تتعاطى مع هذا الشخص بكلِّ ودٍّ واحترام، وروح الزمالة المهنيَّة والكردواريَّة.

وكان صاحبنا، كثيرَ التردد على فضائيَّات حزب العمال، ويقبل أن يكون ضيفاً على برامجها.

لكن، وفجأةً، تغيّرت سنحة تعاطي صاحبنا “المحرر الإعلامي” الكردي السوري 360 ألف درجة!.

إذ صار يكره حزب العمال الكردستاني، كره العمى!.

ويكيد له، في كل نكشة وهفوة وخطوة وفكرة …الخ!.

وصار ينشر لكلِّ من هبَّ ودبّ، ومهما كانت هذه المدوَّنة، من السوء والركاكة، مهنيَّاً ولغويَّاً، بشرط أن تفيض بالحقد المسعور على حزب العمال وزعيمه الأسير لدى الطغمة الفاشيَّة في تركيا.

وقد كان ليّ، ولبعض الأصدقاء الآخرين، حيّز لا بأس به من التواصل مع موقعه.

وقد عرض على بعض أصدقائي العمل مع موقعه، لقاء أجرٍ مدفوع، يقتطعه من كيس ماله الذي جناه من “كدِّ يمينه وعرقِ جبينه”، في ديار الغربة!.

إلاَّ أنني رفضت العمل معه، وأشرت على صديقي بعدم العمل معه، بهذه الصيغ.

وبقيت أرسل له المقالات التي كنت اكتبها ردَّاً على كاتب كردي سوري، احترم كتاباته الثقافيَّة، لكن انتقدت كتاباته السياسيَّة، بخاصَّة، المترعة بالحقد على حزب العمال وزعيمه!.


خلاصة القول: بعد الاستفسار والتقصِّي عن سبب تغيّر طباع هذا “المحرر الإعلامي”، قال لي أحد أقرباءه، هنا في سورية، والمقربين منه، بأن صاحبنا، كان قدَّم طلب اللجوء السياسي إلى ألمانيا على أنه من أكراد لبنان.

وبعد أخذٍ وردٍّ، في المحاكم الألمانيَّة، قررت المحكمة ردَّ طلبه، وترحيله إلى سورية.

خاصَّة، بعد أن اكتشفت المحكمة كذبه عليها.

وبقي صاحبنا، يقضي لياليه في أفياء حكم الطرد من جنَّة الجرمان، يضرب أخماساً بأسداس.

فاتصلت به ثلَّة من الألمان، من فئة المخابرات “الصديقة” للشعب الكردستاني، وعرضت عليه أن يبقى ويبان في بلاد الألمان، وعليه الأمان، بشرط أن يسخِّر موقعه الإلكتروني، الكردي السوري، لمحاربة حزب العمال الكردستاني.

هذا هو كلام أحد أقارب هذا الشخص حرفيَّاً، حول تغيير سلوكه.
استساغ واستمرأ “الصحفي” الشاب، هذه الفكرة، وباع نفسه وموقعه الانترنيتي لـ”أصدقاء الشعب الكردي”، ليشتري الإقامة في ألمانيا، وباشر العمل، وصار يبرر مواقفه المخزية والمشينة، بـ”حريَّة الرأي والتعبير في العمل الصحفي”، وصار يعطينا دروساً في الحقل الإعلامي، ونحن الذين كنَّا أساتذته فالأمس القريب جداً!.

نتيجة سلوكه، انفضَّ عنه طاقم الكتَّاب والمثقفين الذين كانوا يعاونه في تحرير موقعه.

وانفضَّ عنه كاتبه المشهور المفضَّل، الذي كان يتحفنا بدرر أحقاده على العمال الكردستاني وزعيمه.

وبقي لوحده، وصار موقعه الإلكتروني المعروف، منكوباً مهجوراً وخراباً!.

فاتجه هذا الإعلامي الفريد إلى كردستان العراق، بعد أن فاحت رائحة الدفاتر الخضراء، وعمَّت سماء أوروباً أيضاً.

ونجح في الاستحصال على بعض الرزم الخضراء، مستفيداً من سمعة موقعه أيام زمان.

لكن، هذا المواقع، حاليَّاً، بالكاد ينشر بضع مقالات وأخبار، يأخذها من هنا وهناك خلال الأسبوع، كي لا يقال: أنه وأحقاده وموقعه، قد أفلسوا، وصار لازماً إصدار بيان نعي الموقع العتيد وصاحبه، الكردي اللبناني _ السوري _ العراقي!.

كاتب كردي من كردستان تركيا، يحرر موقع كردي معروف ومشهور.

هو أيضاً، يشابه ذلك المحرر الكردي السوري في حقده على حزب العمال، لكن يتخلف في أمور أخرى.

أوَّلها، أن موقعه، لا زال شغَّالاً، ويستقطب الكثير من القرَّاء والمتصفِّحين.

وثانيها، أن سبب حقده على حزب العمال، هو أن الكثير من أقاربه، قد قتلوا على يد ثوار حزب العمال، لأنهم حماة قرى مرتزقة، أو كما قيل عنهم في كردستان العراق “جاش أو جحوش”.

وأن خال هذا الكاتب الكردي “الكبير”، هو حاليَّاً، “سروك جاش” في منطقة شرناخ.

وعليه، فأن أحقاد هذا الكاتب المعروف على حزب العمال وزعيمه، ليس لأنهم تخلّوا عن فكرة الدولة القوميَّة، وتبنُّوا الدولة الوطنيَّة الديمقراطيَّة، بل منشأ أحقاده، هي الغريزة القبليَّة القطيعيَّة، على خلقيَّة مقتل أقاربه الـ”جاش”، الذين كانوا يحاربون الحزب العمال، حين كان يطالب بالدولة القوميَّة، ولا زالوا يحاربونه، وهو يطالب بالدولة الوطنيَّة!.
أوردت هذين المثالين، كي يعرف القرَّاء، خلفيات بعض الناقمين والحاقدين على تجربة حزب العمال الكردستاني، وزعيمه السيّد عبدالله أوجلان.

فقد لا يساور الشكَّ لدى البعض، في صدقيَّة كلِّ الكلام الموَّجه، على أساس أنه نقد لحزب العمال.

لكن، أن يصل الوضاعة والخسَّة ببعض المتحذلقين والمتفذلكين، من المتطفِّلين على الكتابة والثقافة، إلى التشفِّي بحال أوجلان، لكونه أسير، والطعن في نضال حزب العمال، وكيل التهم والشتائم، التي إنْ نمَّت على شيء، فإنما تنمُّ عن لغتهم المتقرِّحة، ووعيهم المتقيّح، وارتكانهم إلى الإسفاف، بكامل هيئتهم السفيهة، ورصيدهم السياسي والنضالي والثقافي، الصفر مكعَّب!.

هذا الـ”كسائي” و”زمقشري” عصره وأوانه، يعتلي منبر جهله، معطياً دورساً في فقه الضاد، وعلم الكلام، والدلالات والمجازات والكنايات والاستعارات…، ملقياً علينا شروحه، في إن ما جرى للمواطنين الألمان في جبال آغري، هو اختطاف وليس احتجاز!!.

وقد فات “مولانا” الجهلبندي، أن يرفق شروحه، بأن الثوار الكرد، قد نصبوا كميناً لأولئك الألمان، في المحلَّة التي يقطنها، زائفٌ آخر، على أرض بسمارك!.

وقد كان الكمين، مخططاً مدبَّراً، وعن سابق إصرار وتصميم وترصُّد، وأخذوا أولئك الألمان معهم إلى مجاهيل جبال آغري، حتَّى ينطبق على تلك الواقعة، وصف الاختطاف وليس الاحتجاز!!.

ذلك البليد العتيد، لم يسترعيه تهديد أولئك “الإرهابيين القتلة” لأنغيلا ميركل، بأنه لو لم تمتثل ألمانيا لمطالبهم السياسيَّة والضغط على تركيا لحلّ القضيَّة الكرديَّة، أو على الأقل، ألاَّ يمدوا تركيا بالسلاح والتغطية السياسيَّة في حربها على الأكراد، فليترحَّموا على أرواح مواطنهم الثلاثة!.

وعليه، “تهديد” الثوار الكرد بإلحاق الأذى بالألمان الثلاثة، هو دليل على أن تلك الواقعة كانت اختطاف، وليست احتجاز.

إذن، الألمان “المخطوفون”، لم يكونوا يعرفون أن مناطق جبال آغري، هي ضمن حالة الطوارئ التي أعلنتها تركيا، وتحرَّم السلطات التركيَّة على الصحفيين، وخاصَّة الأجانب، دخولها.

بذا، تغدو هواية الألمان، ليس تسلُّق الجبال وحسب، بل تسلُّق الجبال التي تدور عليها رحى حروب ضروس!!.

وقد فات ذلك المعلِّق السياسي والرياضي، والخبير في شؤون الضاد والصاد…، أن يشير إلى أن أكثر هواية الألمان رواجاً هذه الأيَّام، هي تسلُّق جبال الكرد، وسط الحرب التي تشنُّها عليهم تركيا!.

وعليه، فليسمح لنا، صاحب البروستورويكا الكرديَّة، والمهاتما غاندي، الكردي، الذي يطالب بإلقاء السلاح، والإتيان إلى غربته الاختيارية، لقضاء الليالي الملاح، أن نقول له، ولغيره ممن اشتطت به حميته وحماسته الحزبيَّة _ اليكيتيَّة، من المتوارين خلف الأسماء الزائفة، إلى النقمة على كل ما يآزر حزب العمال في نضاله، حتَّى لو كان في المريخ!: إن ما جرى في جبال آغري، لم يكن اختطافاً، لأنَّ الثوار الكرد، لم يأتوا لديار الألمان، وينصبوا كمائنهم لهم، بتخطيط وتدبير مسبق، ولم يطالبوا فدية ماليَّة، ولم يهددوا بإلحاق الأذى بهم، وبالنتيجة، اطلقوا سراحهم.

وصرَّح  المحتجزون الألمان لدى القوات الكرديَّة، لصحافتهم الألمانيَّة، بأن الثوار الأكراد عاملوهم معاملة إنسانيَّة حسنة، ولم ينتقموا من ألمانيا على ترجيحها لكفَّة المصالح على المبادئ!.

لقد وصلت السفالة بالبعض إلى درجة شرعنة أيّ شيء، ومن أيٍّ كان، في مسعى تصفية حزب العمال الكردستاني، وإطفاء جذوة نضاله!!.

فسلوك ألمانيا اتجاه حزب العمال، أمر طبيعي، لا يستحقُّ النقد وردَّات الفعل الكرديَّة، لأنه من مقتضيات المصالح!.

تواطؤ ألمانيا مع نظام الملالي في إيران، وعدم محاسبة قتلة صادف شرفكندي، أمر طبيعي، لأنه من مقتضيات المصالح!.

صمت ألمانياً على مظالم الكردي في سورية وحقوقهم المهضومة، وعدم التفوّه بكلمة واحدة حيال النظام السوري، أيضاً أمرٌ طبيعي ومفهوم، ولا يسترعي النقد أو التفكير به!.

إذاً، لماذا نطالب بلدان العالم بالتضامن مع قضايانا ومعاناتنا، والضغط على ظالمينا، إن كان تجاهلهم لنا، وتعاطيهم مع ظالمينا، بكل تلك الصفاقة، هو من طبائع السياسة والمصالح!!؟.

أمَّا لو قامت ألمانيا بترحيل ذلك اليكيتوي الزائف، المتواري خلف اسمه المستعار، العار، وطرده من أراضيها، وتسليمه إلى السلطات السوريَّة، حينئذ، سيقيمون القيامة على ألمانيا، وستلهج الألسن والحناجر بذكر مساوئ السياسة الألمانيَّة!!.

الكثير من محازبين الأحزاب الكرديَّة، الذين اكتشفوا مواهبهم في الكتابة السياسيَّة في ديار الغربة، طالبوا كاتب هذه السطور، توجيه النقد لحزب العمال الكردستاني، الذي أتشرَّف بأن أكون نصيراً لثواره ومناضليه، ومؤمناً بأفكار زعيمه السيّد أوجلان، ومتحفِّظاً على بعضها، ومنتقداً بعضها الآخر.

وسبق أن ذكرت بأنني قد كتبت مقالاً مطوَّلاً في نقد تجربة حزب العمال الكردستاني، قبل نقد الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، بسنين.

وهذا المقال، قد تمَّ نشره في موقع عفرين نت، قبل ما يقارب الخمس سنوات، والأخ والأستاذ عارف جابو، محرر الموقع، على علم بذلك!.

لذا، أعيد نشر هذا المقال، دون إجراء أي تعديل فيه، إلاَّ ما تعلَّق بالتنقيح والترقيم.

أعيد نشر هذا المقال، وأتحفَّظ حاليَّاً على بعض الانتقادات التي وجَّهتها وقتئذ لحزب العمال.

لأنني لمست فيها شيئاً من المغالاة والتجنِّي.

والمقال في حينه، كنت مقتنعاً، بكلِّ حرفٍ فيه.

أمَّا الآن، فأتحفَّظ على بعض النقاط الواردة فيه.

أعيد نشر المقال كاملاً، كي يعرف أولئك الذين ظنُّوا بيَّ أنني، أرجِّح فريقاً على آخر، وانتقم من فريق لصالح آخر!.

ومن يوحي إلى وجود نزعة الانتقام في نقدي للحركة الحزبيَّة، يعترف ضمنيَّاً بأنه أو حزبه أو أحزابه، قد ارتكبت أخطاءاً وآثاماً بحقِّ الفريق السياسي، الذي لا يخفي كاتب هذه السطور، انسجامه معه!.

لكن، ليعلم من لا يعلم، بأن الحركة الحزبيَّة الكرديَّة، ومهما اختلفت معها في أفكارها وسياساتها وبرامجها وقادتها وتراثها…الخ، ستبقى جزءاً لا يتجزَّأ من تكويني المجتمعي والنفسي والسياسي والمعرفي، وستبقى جزءاً من شعبي الكردي السوري.

وإن ما يضرُّها يضرُّني، وما يفيدها يفيدني.

وحقُّها عليَّ النقد ثم النقد ثم النقد والإصلاح.

وواجبها اتجاهي: السماع، فالإصغاء، فالتفكُّر فالمراجعة فالإصلاح فالتغيير فالنجاح!.

لا أحد يريد “اقتلاع الحركة الحزبيَّة من جذورها، ورميها وراء البحار”، كما أشارت الجريدة المركزيَّة لحزب الوحدة _ يكيتي.

الكلُّ يريد تأصيل الحركة الحزبيَّة بالنقد، وضرورة مراجعة الماضي بالنقد، والإصلاح بالنقد.

فإن كان منسوب الخوف والرعب من النقد لدى الحركة الحزبيَّة لهذه الدرجة، وإذا كان الحزب الكردي في سورية، يرعب ويرهب محازبيه من النقد، مهما كان، وأيَّاً كان مصدره، ومهما كانت مراميه، فإن القويَّ الأصيل في السياسة والنضال، والواثق من ماضيه وحاضره، لا يهاب مباضع النقد.

دمشق 24/7/2008

ـــــــــــــــــــ

المقال المنشور قبل خمس سنوات تقريباً.

حزب العمال الكردستاني  (PKK) رؤية نقدية.

هوشنك أوسي
Shengo76@hotmail.com

إذا أردت أن تتحاشى النقد, لا تفعل شيئاً, ولا تقُل شيئاً, ولا تكن شيئاً.
                “عباس محمود العقّاد
لعل أبرز المحطات النضالية, في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم, التي مرّ بها الشعب الكردي في كردستان عموماً, وكردستان تركيا خصوصاً, هي حركة حزب العمال الكردستاني.

لبصمتها الهامة, التي تركتها ومازالت تتركها في مسار حركة التحرر القومي والوطني الكردي.

وللآثار الواضحة, التي خلفتها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية الكردية.

 وربما الخصوصية الأهم, التي تنفرد بها هذه الحركة, كونها حاربت أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط, لمدة خمسة عشر عاماً, ألا و هي, تركيا.

ولم تستطع هذه الأخيرة, رغم جيشها وترسانتها العسكرية والإعلامية, مساندة (الناتو) والولايات المتحدة الأمريكية لها, تصفية هذه الحركة, حتى بعد اعتقال زعيمها عبد الله أوجلان.

على خلاف الثورات والانتفاضات الكردية, في بداية القرن الماضي.

فتاريخ هذه الحركة مليء بالمنعطفات الحادة, والتقلبات والاهتزازات العنيفة, ذات أبعاد هامة, كردياً وإقليمياً ودولياً.
 للأسف الشديد, معظم القراءات والمراجعات (النقدية) لهذه الحركة_باعتقادي_ لم تتوخى الدقة والموضوعية, أو الحيادية والإنصاف العلمي العقلاني, في تحليلها وتشخيصها لهذه الحركة.

لا من داخلها, ولا من خارجها.

كونها محطة هامة, وظاهرة تاريخية كردية، لها ما لها، وعليها ما عليها.

فمن الداخل, كانت مجمل الرؤى النقدية, تصب في خانة التنظيم, على الصعيد الداخلي الحزبي, وآلية تطويره, سياسياً وعسكرياً.

وفي أفضل الأحوال, كانت هذه الرؤى أحادية الجانب ومسطحة.

 أما الرؤى الآتية من الخارج, فغالبيتها, كيديّة تهكميّة.

تحمل ما تحمل, من الذم والإهانة و التشفّي, إلى درجة القرف.

وهذه الرؤى كانت تصدر, إما من الخصوم السياسية لها (أحزاب, شخصيات) أو من الفارين من بين صفوفها.

أو من (المثقفين) المهرولين وراء الصيت, بحجة الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.

فنراهم يتحرشون بهذه الحركة, بين الفينة والأخرى, مظهرين بهلوانيتهم الثقافموية والوطنية, عبر مقالات مسبقة الصنع, تحت مانشيتات عريضة وفخمة قومياً ووطنياً وثقافياً, ذاكراً فيها بعض الحقائق التي يُراد بها باطل.

كالمقالات التي قارنت بين السيد أوجلان ودكتاتور العراق المخلوع صدَّام حسين, ووضعتهما في سلة واحدة.

 ومعظم هؤلاء أيضاً, هم من نتاج هذه الحركة, بشكل مباشر أو غير مباشر.
مما لا شك فيه, إن هذه الحركة, هي حركة إشكالية بامتياز.

فعندما كان الشعور القومي في أسوأ مراحله, ويعاني من الخمول والترهل والضمور, والفكر القومي يشوبه التصحّر والانحلال, أعلنت هذه الحركة عن نفسها, في 27 -11 –1978.

وفي وقت كانت فيه كل القوى السياسية الكردية تتجه نحو خارج البلاد, عقب انقلاب 12- أيلول, سنة 1980، وتركها لفراغ سياسي واضح, استغلته القوى الشوفينية العنصرية التركية، بدأت هذه الحركة رحلة العودة إلى الوطن, بإرسال مجموعات ضخمة من كوادرها القيادية, للبدء بالدعاية المسلحة.

من ثم إعلان الكفاح المسلح على الدولة التركية في 15 آب سنة 1984، بالرغم من المعارضة الشديدة لهذه الخطوة من قبل كافة فصائل الحركة الكردية في تركيا وخارجها، فضلاً عن الوهن والتخلف والضعف, وحالة الاغتراب, الذي كان يعيشه المجتمع الكردي, وثقافة الخوف السارية فيه.
 وفي ذروة نشاطها العسكري والسياسي, وامتدادها في طول الشارع الكردي وعرضه, والتفاف الجماهير حولها, خاصةً, عقب اعتقال زعيمها عبد الله أوجلان, أعلنت عن تجميدها للكفاح المسلح, وبدأها بتبني العمل السياسي, كاستراتيجية ثابتة.

ثم اختيارها لشكل النضال السلمي الديمقراطي العلني, كمنهج عمل.

مع الإبقاء على قواتها المسلحة, وعدم حلها, كضمانة دفاعية تكتيكية رادعة, لأي طارئ.

بالإضافة إلى تخفيض سقف مطالبها, من كردستان مستقلة موحدة.

إلى الحقوق الديمقراطية, ضمن أنظمة ديمقراطية, في البلدان, التي تتقاسم كردستان.

كل هذا كان, على مرأى ودهشة واستغراب أعداءها, قبل أصدقاءها, ومعارضة كافة الفصائل الكردية وتهجمهم عليها, داخل وخارج تركيا.

 فدائماً كانت هذه الحركة تحرك الركود السياسي, والجمود الفكري المستفحل في المشهد السياسي الكردي عموماً,  والكردي التركي خصوصاً، بما تطرحه من مشاريع سياسية, ورؤى فكرية _ سلباً أو إيجاباً_ ناهيكم عن التقلبات والتحولات والتغيرات, التي أجرتها على نفسها.

من هنا,  وكمتابع للشأن الكردي سياسياً وثقافياً, ارتأيت أنه من الأهمية بمكان أن أحاول, في هذه المقالة, تسليط الأضواء على بعض الأخطاء,  ونقاط الخلل والضعف, التي شابت هذه التجربة الهامة, من تاريخ شعب الكردي.

خاصةً بعد أن تناقلت وسائل الإعلام نبأً مفاده: إن هذه الحركة تقوم حالياً بترتيب أوضاعها الداخلية والإعداد لإعادة إنتاج نفسها مجدداً تحت اسم “حزب العمال الكردستاني الجديد ” للاستفادة من هذه الآراء, قدر المستطاع.
في الستينات والسبعينات من القرن الماضي, كانت غالبية حركات التحرر الوطني والقومي, تتبنى الماركسية كأيديولوجية لها, تحدد وفقها,  رؤيتها للعالم وتحولاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

بالإضافة إلى تحديد أشكال وآليات عملها التنظيمي والسياسي, وأهدافها التكتيكية والاستراتيجية, القريبة والبعيدة المدى.

من ضمن هذه الحركات, القوى والأحزاب الكردية.

خاصة في تركيا.

كانت هذه القوى, أي الكردية, تتبارى في المضاربات والمزايدات على بعضها, لتثبت للشارع, من منها, أكثر يسارية والتزاماً بالماركسية.

إلى جانب برامجها القومية الفضفاضة, إلى درجة الطوباوية.

وأعتقد أن هذه الظاهرة كانت ناجمة عن عدة أسباب, ربما أبرزها…
1 – المد الثوري, الذي اجتاح العالم, أثناء الحرب الباردة.

والتأثّر الكبير باليسار التركي المتصاعد, خاصة, بعد مقتل (ماهر جايان) و إعدام (دنيز غزميش).
2 – معظم منظِّري ومؤسسي وقيادات ورموز هذه الحركات, كانت من الشباب الصاعد, الذي مازال في طور المراهقة السياسية, إن صحَّ التعبير.
3 – الانفعالية الواضحة في إعداد وصوغ البرامج والأهداف السياسية, الراديكالية, والتي كانت ردة فعل عكسية, على الإرهاب الدموي,  الذي واجهت به الدولة, القوى المعارضة لها.
4 – التشرذم والتخبط الداخلي, الذي كانت تعيشه الحركة الكردية.

وهذا ما سنح الفرصة لبروز ظاهرة المضاربات السياسية والأيديولوجية الإقصائية_ الآنفة الذكر_  بين فصائلها, إلى درجة النزاع المسلح.
وباختصار, فإن حزب العمال الكردستاني, كان الوليد الشرعي لهذه الأجواء والمناخات السياسية المشحونة المضطربة,  كردياً وتركياً.

بالتالي, ليس غريباً أن نجد في هذه التجربة_ سياسياً و فكرياً_ على الصعيدين العملي والنظري, ما يدل على التشدد والانفعالية والصِدام مع الأنساق والنماذج السياسية المغايرة لها.

لكن الغريب جداً, أن تبقى هذه الظاهرة المرضية متفاقمة, أيديولوجياً, حتى بعد انهيار التجربة السوفيتية, وانتهاكها لمبادئها, في عدم تقديم أي نوع من الدعم المادي أو المعنوي, للنضال التحرري الكردي!.

على العكس من ذلك, فإنها اعتبرتها رجعية متواطئة مع الإمبريالية العالمية ضدها.

وبالتالي, فقد ساندت الأنظمة, التي تضطهد الكرد.
 لم تذعن هذه الحركة, أي (pkk) وتُقِر بفشل الماركسية فشلاً ذريعاً.

وتبادر إلى تغيير برنامجها وأيديولوجيتها, وخطابها السياسي والفكري, حتى قبل انهيار الاتحاد السوفيتي, بل قالت: إن الخلل لا يكمن في النظرية, إنما يكمن في التطبيق.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط, بل أعلنت في مؤتمرها الخامس المنعقد في جبال كردستان, سنة 1995: أنها تعتبر نفسها البديلة عن كل هذه التخبط واللغط والانحدار, التي تعانيه الحركة اليسارية والشيوعية في العالم.

 وإنها ستؤسس للأممية الرابعة, لأنها أفضل من يمثل الاشتراكية العلمية.

وستبقى معادية الإمبريالية والصهيونية, إلى الأبد.

في وقتٍ, تصالح أصحاب الشأن من المعادين, مع المذكورَين.
وأعتقد أن هذا الموقف, هو من أكبر الاخطاء, التي ارتكبتها هذه الحركة بحق نفسها.

 علماً ان الطبقة العاملة (البروليتاريا) لم يكن لها وجود في المجتمع الكردي الريفي, القبلي, الإقطاعي.

فعلى أي أساس تم تبني النموذج اللينيني الروسي, في تأسيس الحزب؟!
وعلى الرغم من علامة الاستفهام الموجودة أمام النموذج (اللينيني) للحزب, ومع ان النموذج (الماوي) كان أنسب للحالة الكردية، إلا أن قيادة وكوادر الحزب, ضربوا أمثلة حية في الالتزام بالانضباط الصارم, وبالمبادئ والأخلاق الثورية, والروح الرفاقية, في أحلك الظروف, التي مرت بها الحركة.

في السجون والمعتقلات, وفي الجبال, وبين الجماهير, إلى درجة فائقة.

وهذا هو سر الاستقطاب الشعبي لها, والتفاف الناس حولها, باعتقادي.


حزب العمال الكردستاني على الصعيد السوري.


في بداية الثمانينات من القرن المنصرم,  استقبل الشارع السياسي والثقافي الكردي في سوريا, كوادر وقيادات الحركة الكردية في تركيا, بكثير من الاهتمام والتأييد والدعم المادي والمعنوي.

كضيوف أعزَّاء, يمرون بطارئٍ عصيب ألمَّ بهم بعد انقلاب 12/أيلول/1980.

 لأن معظم الفصائل الكردية في تركيا, اتخذت سوريا كمحطة عبور إلى أوروبا.

ولم يفكروا بالبقاء فيها.

باستثناء حركة حزب العمال الكردستاني, التي استفادت من تواجدها فيها, باتخاذها كقاعدة مادية ومعنوية, وكجبهة خلفية لثورتها المسلحة, ضد تركيا.

بعد الالتفاف الجماهيري الكبير, الذي شكلتها حول نفسها, في وقت قياسي نسبياً, مقارنةً بالحركة السياسية الكردية في سوريا.

وأعزو ذلك لجملة من الأسباب الذاتية والموضوعية.
الأسباب الذاتية.
1  – الخصوصية الكردستانية لها, وتبنيها للقضية الكردية في عموم كردستان, على الصعيدين النظري (الأيديولوجي) والعملي.
2  – الأهداف والشعارات الكبيرة, التي طرحتها وتبنتها في برنامجها ونظامها الداخلي.

المختلفة عن توجهات الحركة الكردية في سوريا.
3 – شكل العمل التنظيمي المتميز لكوادرها, من حيث التطوع والتفرغ للقضية دون مقابل مادي, والاستعداد التام للتضحية في سبيل تحقيق أهداف الثورة, وتجسيد مبادئها, أثناء إنجازها للمهام الموكلة لها, عسكرية كانت أم سياسية.

ونعني هنا, امتلاكها لكوادر عقائدية تتمتع بالوعي السياسي, والقدرة والإرادة على نكران الذات.
الأسباب الموضوعية.
1 – حالة التشرذم والتخبط الداخلي, التي كانت تعانيه الحركة الكردية في سوريا.
2  – الخطاب السياسي الرخو والمترهِّل (الإصلاحي) للحركة الكردية في سوريا, قياساً بالخطاب الثوري العملي لحزب العمال الكردستاني.
3 – حالة الفساد الإداري والتنظيمي, والخلافات التناحرية المستفحلة في المشهد السياسي الكردي السوري.

بالإضافة إلى المحسوبيات والطابع العشائري والولاءات الشخصية السارية, حتى الآن, في غالبيتها.


كل هذا خلق مناخاً مناسباً وأرضية خصبة لانتشار هذه الحركة الجديدة الوافدة, بين جماهير الشعب الكردي في سوريا كالنار في الهشيم.

من أقصاها إلى أقصاها.

من عين دوار وحتى  الساحل السوري ودمشق وحمص ودرعا, حتى لم يكد هناك بقعة فيها, لم يصل إليها كوادرها.

لتنشر فيها دعوتها وفكرها.

حيث أذكت فيهم الشعور القومي, وأحيت انتماءهم لكرديتهم, وارتباطهم بقضيتهم العادلة من جديد.

وحرضتهم على الانخراط في العمل التنظيمي, السياسي والعسكري.

في وقت عجزت الحركة الكردية في سوريا عن ذلك.

ولم يتوقف نشاطها التنظيمي بين الكرد, بل تجاوزهم إلى الآشوريين والسريان والأرمن والعرب.

إلى درجة كسبها لبعض الأخوة العرب بين صفوفها, واستشهادهم في جبال كردستان, دفاعاً عن حقوق الكرد وقضيتهم.

كالشهيد عزيز من حلب, والشهيد مظلوم من حمص.
في بدايات هذا المد المتسارع لهذه الحركة بين الكرد السوريين وتهافتهم عليها, وأعني الفترة الممتدة من سنة 83 , 84 , 85 بدأت الأحزاب الكردية في سوريا تعلن رفضها القاطع لوجود هذه الحركة في سوريا, كتنظيم سياسي له نشاطه الكبير الواسع النطاق, بين الكرد السوريين.

بحجة أنه تدخل سافر في الشؤون الداخلية لها, وأن مكانها الطبيعي وساحتها الرئيسة هي كردستان تركيا.

مما أدى بها إلى مقاطعتها والتهجم على سياساتها, وخاصةً, إعلانها للكفاح المسلح ضد تركيا.

بحجة أن الأسباب الذاتية والموضوعية لم تنضج بعد, للقيام بهذه الخطوة.

فمنهم من نعت هذه الخطوة بالتهور, ومنهم بالمغامرة.

ومنهم من أشطّط إلى نعتها بالحركة الإرهابية.

باستثناء حزب واحد فقط هو الحزب الديمقراطي الكردي السوري, الذي استمرّ في علاقاته الرسمية مع هذه الحركة، حتى عام 1986.

حيث بدأ الخلاف يدب بينهما.

لكن الأخير, لم يصدر أي بيان ناري ضد حزب العمال, كالتي كانت تصدر آنذاك, من كافة الأطراف الكردسورية.
وأعتقد أن مرد هذا الصدام والتشنج الحاصل, والذي ترك إرثاً سلبياً, كلا الطرفين يتحملان مسؤليته, بنسب متفاوتة.

حيث مازالت آثاره موجودة حتى الآن.
1 – استقالة قطاعات كبيرة من كوادر ومناصري الحركة الكردسورية من احزابهم, وانضمامهم إلى للحركة (الضيفة), وخاصةً المثقفة منها.

لاعتبارهم إياها بديلاً دينامياً للأنماط والأنساق السياسية التقليدية, التي كانوا ضمنها.

وبالتالي, انحسار القاعدة الجماهيرية لها, وازدياد نسبة كساد بضاعتها السياسية, بعد فقدانها لرواجها, تحت تأثير البضاعة الجديدة.
2 – علاقات (pkk) مع السلطة السورية, والتي كانت ينظر إليها بعين الشك والريبة, من قبل الحركة الكردسورية, باعتبارها علاقة تآمر وتواطؤ عليها.

هدفها النيل من القضية الكردية في سوريا.

إلى درجة كانت (pkk) تُتهم من قبلهم, بـ(العمالة والخيانة), بموجب العلاقة الآنفة الذكر, والتي اعتبرت حتى وقت قريب, ثمرة صفقة بيعها لكردستان سوريا والكرد السوريين وقضيتهم للنظام السوري.

وقد تناست معظم الأحزاب المنضوية ضمن الحركة الكردسورية, العلاقة الوثيقة, التي تربط الحزبين الكردستانيين, الديمقراطي والاتحاد الوطني, بالنظام في سوريا؟! خاصةً, إن الأخير تأسس في دمشق سنة 1975.

ولم تكن تطالبهما بالضغط على النظام, أو مطالبته بحل القضية الكردية في سوريا.

بل ولم تكن تبدي أي تعليق على السيد جلال الطلباني زعيم الاتحاد الوطني, واعتباره للشعب الكردي, جالية كردية في سوريا؟! في بعض تصريحاته الصحفية.

في وقت كانت تتحين الفرصة لاقتناص أي تصريح أو بيان لأوجلان أو حركته, متعلق بالحالة الكردية وقضيتها في سوريا, لتكون مادة لحرب شعواء تعلنها عليهما.

كما حصل بخصوص الحوار, الذي أجراه الكاتب والصحفي السوري نبيل الملحم مع السيد أوجلان.

في كتابه المعنون (قائد وشعب – سبعة أيام مع آبو).
3 – احتواء ومساندة بعض الفصائل في الحركة الكردسورية, للفارين والمنشقين من (pkk) وتأييدهم والترويج لهم, وتوزيع المناشير باسمهم, من دافع التشفّي والتحرش والتهكم السياسي.

كحادثة “محمد شنر” المنشق عن (pkk).

مما حدى بالأخيرة إلى تعميم هذا الموقف على كل الفصائل الكردسورية, و تفسيره على أنه موقف استفزازي عدائي لها.


4  – النظرة الدونية, التي كانت تنظرها (pkk) للحركة الكردسورية, واعتبارها أحزاب (إصلاحية انتهازية قزمة وكرتونية), لا وزن لها.

وحتى أنها, أي (pkk) كانت تضع هذه الأحزاب في خانة (الثورة المضادة) لها.

مما حدا بها إلى اتخاذ بعض الإجراءات العنيفة, بحق بعض كوادر هذه الاحزاب, خاصةً, من كان يشكك في مصداقية شهداء (pkk) ويطعن في شرف كوادره النسائية, وقيادته.

وبالتالي, وصل النقد (السياسي) إلى أدنى مستوى له.

بحيث وصل إلى درجة السوقية الهبوط إلى الدرك الأسفل, آنذاك.

وهي بدورها, أي (pkk) كانت تبرر  لنفسها تلك الأساليب العنيفة, بحجة أنه (عنف ثوري) موجه ضد من يحاول النيل من قيم ومبادئ الثورة.
هذه الظاهرة استمرت ما بين 1990 إلى 1992.

وتسببت في شروخ وتصدعات عميقة, بين الطرفين, بشكل خاص.

وفي الذاكرة الجماعية, بشكل عام.

خالقة أزمة, مازالت آثارها موجودة حتى الآن.

كلا الطرفان مسؤول عنه, بسبب
أ – رفض اغلب الحركات الكردسورية أي نوع من الحوار مع (pkk) وإغلاق الأبواب في وجه أية محاولة, لرأب الصدع, وإصلاح ذات البين.
ب – الاستمرار عقدة التضخم في الأنا لدى (pkk) وبقاء النزعة الإقصائية في السلوك والخطاب السياسي عندها.
 هذان السببان بدورهما حالا دون التوصل إلى تفاهم, أو إيجاد صيغة مشتركة, تؤمّن مصالح الطرفين, ومصلحة الشعب والقضية, التي يزعم كل طرف أنه يمثلها دون منازع.

وبالتالي, قطع دابر الخلاف التناحري الإقصائي, والتأسيس لثقافة الحوار في المجتمع الكردي, بدلاً من ترسيخهم لثقافة الصراع والصدام المغطاة بوهم الأيديولوجيا.

مما أدى إلى تسرّب وتفشّي الخلافات والاختلافات السياسية في بنى المجتمع الكردي، وتركه تبعات وخيمة, بين الأفراد والعوائل…إلخ.


ولعل الخطأ الفادح, الذي ارتكبته (pkk) بحق تجربتها النضالية في سوريا, وجعلها في أول صِدام مباشر مع قاعدتها الجماهيرية, هو , انصياعها للضغوطات السورية, وقبولها لأشخاص ذوي صيت وماضي سيّئ, لتكون مفاصل وعقد اتصال بينهما, وتبنيها من قبل ( pkk) لتكون رموز سياسية تمثلها, في المناسبات والمحافل الوطنية والعربية.

وأخص بالذكر هنا, شخصية “محمد مروان زركي”, الذي اعتمد من قبلها ليكون مرشحها في انتخابات مجلس الشعب سنة 1994 في سوريا.

من ثم تطور الدور الموكّل له أمنياً, ليكون رئيس تحرير مجلة “الأوج”  الشهرية المدعومة, بشكل غير مباشر, من قبلها.

ثم تصاعد الخط البياني لهذا الدور, ليصل إلى رئاسة حزب سياسي كردي ليبرالي, ذو خطاب سياسي معتدل, لحل القضية الكردية في سوريا، هو “التجمع الوطني الديمقراطي السوري” وهي, أي (pkk) تعرف حق المعرفة, أنه أميّ في بديهيات السياسة وألفباءها.

ناهيكم عن الشبهات والاتهامات, التي تلاحقه “أمنية, أخلاقية, اقتصادية…”.
إن فرض هذا النموذج المشوه على (pkk) من قيل النظام السوري, كان يراد به, دق إسفين بينها وبين كتلها الجماهيرية, وتأليبهما على بعض, فضلاً عن العبث بميراثها النضالي في سوريا.

وبالتالي, ضعضعة وخلخلة صفوفها, وإشغالها بنفسها, وإرباكها وإحراجها أمام كوادرها السوريين.

وتعميق وتصعيد الخلاف بينها وبين الحركة الكوردسورية, بإعطائها حجة وذريعة مسوغة للتهجم عليها.

هذا من جهة, ومن جهة أخرى, ترويض قاعدتها الجماهيرية, لتكون طيع الإرادة الأمنية السورية.

لأن هذه الكتلة, كان ومازال يُنظر إليها, على أنها مارد ثائر في وجه النظام تركي, ولغم هائل موقوت ينتظر النظام السوري مستقبلاً.

كونها متمرسة وعقائدية, وقد أبلت بلاءً حسناً منقطع النظير في دعمها لثورة الشمال, كخزان بشري _ مادي ومعنوي_ هائل, وكجبهة خلفية فعّالة لها, على مدى ثلاثة عقود.

وبالتالي الوصول إلى وأد أية محاولة من قبل (pkk) لتأسيس حزب سياسي خارج الوصاية الأمنية السورية, أو _ على الأقل_ تحجيم وتقزيم أي دور لها في أي مشروع سياسي معني بالشأن الكردي السوري مستقبلاً.
كلا الطرفين_ (pkk) والنظام السوري_ كانا يعتبران مشروع “التجمع الوطني الديمقراطي السوري” أنه امتداد واختراق استراتيجي لها في الآخر.


فـ(pkk)  كانت تظنُّ أن تجربة “التجمع”, ستكون على شاكلة تجربتها مع حزب العمل الشعبي  ( HEP), الذي أسسته الدولة التركية, ليكون بديلاُ لـ(PKK).

 لكن الأخيرة اخترقته واحتوته, من خلال إرسال مؤيديها إليه.

لينقلب السحر على الساحر.

ويصبح (HEP) جناحاً سياسياً قانونياً شرعياً لها في تركيا.

من ثم, الوصول بهذا الحزب, أي”التجمع” إلى البرلمان السوري أيضاً, كما حصل في البرلمان التركي, سنة 1991, عبر ليلى زانا ورفاقها.

لكنها فشلت في التجربة السورية فشلاً ذريهاً.

لعدة أسباب..
1  – السيطرة المفرطة, والتدخل المباشر في شؤون الحزب الإدارية والتنظيمية, من قبل (PKK) وإثقال كاهله بمهام ومسؤوليات خارجة عن استحقاقاته الوطنية, وتشكك في مصداقية انتمائه السوري, وولاءه للوطن.

من هنا يظهر جلياً, إن (PKK) كانت تنظر إلى مشروع “التجمع” على أنه, ديكور سياسي يغطي نشاطها في سوريا.

وليس كوسيلة حل للقضية الكردية فيها.

ربما لأنه فرِض عليها من النظام, وظهره للنور بولادة قيصرية, قبل أوانه.
2  – احتواء النظام السوري لغالبية الكوارد المركزية المفصلية, والتي كانت  (PKK) تعول عليهم في جر البساط من تحت النظام, وتسيير أمور الحزب.

وقام النظام بتجنيدهم, بمعية محمد مروان زركي, للضغط على (PKK) لحثها في العدول عن قرارها في تجميد الكفاح المسلح ضد تركيا.

لأن المستفيد الأكبر_ بالدرجة الأولى_ من الاستنزاف الكردي _ التركي, هو النظام السوري, أولاً.

وثانياً, الهدوء  النسبي, والاستقرار السياسي, سيؤدي بالضرورة, إلى التفكير بحل القضية الكردية في الأجزاء الأخرى, بين قياداته وقواعده.

وربما أولها في سوريا.
بعد أن ظهر تنامي ملحوظ لـ”التجمع” في الأوساط الكردية, وخاصةً منها, المؤيدة لـ(PKK),  أكثر مما ينبغي, وخشية فقدان السيطرة عليه, من قبل النظام.

بدأت هذه الكوادر بإثارة الشقاق والفرقة والفتن بين مؤيدي (PKK) والطعن في مشروع أوجلان السلمي لحل القضية الكردية في تركيا, والتشكيك في نزاهة ومصداقية (PKK ) تجاه الكرد السوريين, واتهامها بالانهزامية والاستسلامية, والسعي لتصفية القضية الكردية, ونكران جميل الكرد السوريين عليها, وتضحياتهم الكبيرة في ثورتها.

وأنها تخلت عنهم.

وأن دماءهم ذهبت هدراً, بعد تبني الحقوق الديمقراطية, بدلاً من الدولة القومية المستقلة….إلخ.

وقد نجحت هذه الكوادر, و من خلفهم الأمن السوري, في لعب دورها الموكل لها, خاصة أن أغلبها ذو ماضٍ عريق مع (PKK), أو ينحدرون من عوائل وطنية عريقة.

نجحت تلك الكوادر في إثارة البلبلة والفوضى بين قاعدة    (PKK) الجماهيرية والحزبية, وخلقت جوّاً مشحوناً متشنجاً, أدى إلى ردة فعل عنيفة لها على أي نقد يتقاطع, ولو بشكل بسيط, مع طروحات هولاء.

فالتبس على (pkk) الأمر, واختلط الصالح بالطالح.

مما أدى إلى انحسار و تقلّص واضح طرأ على قاعدتها, في الفترة ما بين 2000 و2002 , قبل انعقاد المؤتمر, الذي حلّ فيه حزب العمال الكردستاني نفسه, وتحوله إلى مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني (KADEK).


حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق.
يعود تواجد (PKK) هناك, إلى بداية الثمانينات, على شكل مجموعات صغيرة, متواجدة في المناطق الحدودية الجبلية الوعرة, غير الخاضعة لسيطرة النظام العراقي البائد, و لا سيطرة الحزبين الرئيسين.

في مناطق جبال قنديل وحفتانين وخواكورك.

كان ذلك, قبل إعلانها الكفاح المسلح.

آنذاك, كان الخلاف محتدماً, بين الفصائل الكردية, وخاصةً, الاتحاد والديمقراطي.

قامت (PKK)  بإرسال وفد يترأسه أحد أقطابها, ومن مؤسسيها, و هو “محمد قره سونغر”, للتوسط بينهما.

لكنه اغتيل مع إبراهيم بلكين, ومن معهما, في كمين, سنة 1983.

ومازالت ملابسات وظروف اغتياله غامضة.

كانت العلاقات بينها وبين الأحزاب الكردية في كردستان العراق مضطربة ومتوترة أحياناً, وهادئة نسبياً, أحياناً أخرى.

لكن الاتصالات والمراسلات واللقاءات, كانت مستمرة بينها.

ففي 1988 تطورت العلاقات بينها والاتحاد الوطني الكردستاني, إلى مستوى عقد بروتوكولات واتفاقات رسمية، في لقاءٍ تمَّ بين عبد الله أوجلان و جلال الطالباني, جرى في دمشق.

وكان الأخير يتردد على أوجلان, في دمشق, وفي المعسكر السابق للحزب في سهل البقاع اللبناني.
التقارب الحاصل بين الاتحاد و(PKK),  كان يخلق للأخير مع الديمقراطي حساسية وإحراجاً ملحوظاً.

كان يؤدي في أفضل الأحوال إلى برود في العلاقات وتشنجها.

وفي أسوأها, إلى الصدام المسلح بين الطرفين.

في انتفاضة آذار سنة 1991 التي عقبت حرب الخليج الثانية, كان لحزب العمال دور عسكري وجماهيري إيجابي فيها.

على عكس ما كان يروج له من قبل بعض الجهات الكردية, في سوريا خاصةً.

بأنه كان هنالك ثمة دور تواطؤي و تآمري مع النظام البعثي البائد آنذاك.

والحق أن (PKK) استفاد من الفراغ الحاصل من حيث الحصول على الأسلحة, وتوسيع قواعده الجماهيرية.

والجدير ذكره هنا, أن  (PKK) ساهم بشكل فعال للتخفيف من هول الفاجعة التي ألمّت بالكرد العراقيين بُعيد الهجرة المليونية, في سوريا و تركيا و العراق.

و أدى اتساع رقعة التأييد الجماهير لـ(PKK) و تأسيسه لحزب مؤيد له في كردستان العراق, هو حزب الحرية الكردستاني ( PAK), سنة 1991, الذي تحول_ فيما بعد_ إلى حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردستاني (YNDK) و ثم إلى حزب الحل الديمقراطي الكردستاني (PCDK) .

أدى ذلك إلى حفيظة الأحزاب الكردية هناك.

فبدأت المناوشات والمضايقات عليها تزداد بشكل مضطرد, بحجة أنها قد استولت على بعض القرى الجبلية, وتقف حجر عثرة أمام إعادة توطين القرويين فيها.

واتخذت الجبهة الكردستانية آنذاك, و هي مجموع الأحزاب الكردية العراقية, من هذا الموقف ذريعة ومبرراً لشرعنة الحرب على (PKK) بعد أن اتخذ برلمان الإقليم لأول قرار له بهذا الخصوص, وهو إعلان الحرب عليها, إن لم تمتثل لأمر الخروج من أراضي كردستان العراق.

ومعروف للقاصي والداني حجم النفوذ التركي وضغوطه على الأحزاب الكردعراقية.

ليتم تمرير هذا القرار في البرلمان وثم بدأ التدخل التركي بشكل مباشر في الشأن العراقي, باجتياح جيشه لكردستان العراق لمحاربة (PKK) بمساندة قوات الحزبين الرئيسين, الاتحاد الوطني, والديمقراطي الكردستاني, سنة 1992.

هذه الحرب الكارثية التي جرت خلفها سلسلة من الحروب المماثلة في 1995 و 1997 و 2000, ناهيكم عن المعارك التي نشبت بين الحزبين الرئيسين, و لعل أبرزها ما كان في 1996 و التي تمت باجتياح هولير, بمساندة جيش البعث البائد.

كل هذا خلق شروخاً عميقة في الذات و الذاكرة الجماعية الكردية.
والحق أن حزب العمال الكردستاني كان يرتكب خروقات وأخطاء عديدة, زادت من حدة التوتر, وتسخين وتشحين الأجواء, أهمها
1 – التهجم على الفيدرالية المعلنة من قبل البرلمان المنتخب, في كردستان العراق.

وكيل التهم والشتائم لها.

من قبيل: نظام هش و تابع لأمركيا, وتحت الوصاية التركية, ينبغي محاربته.

وهو خنجر في الخاصرة العربية…الخ
2 – التدخل في الشؤون الداخلية, والمطالبة بأن يكون لها دور و حضور يساوي و يوازي دور الحزبين الكبيرين, في إدارة شؤون الإقليم.

انطلاقاً من أن كردستان واحدة, ولكل الكرد.

ومن حقها ذلك, كونها حركة كردستانية, فينبغي أن تكون كل الأبواب مفتوحة ومشرعة أمامها.

واستناداً على حضورها الجماهيري المضطرد, خاصة في منطقة صوران, الذي يخولها في لعب دور بارز في العملية الديمقراطية في كردستان العراق.
والحق أن وجود (PKK) هناك, كان يستخدم من قبل الحزبين الرئيسين _ بشكل واضح _ لكسر توازن القوة الموجود بينهما.

حيث أن وجود (PKK) إلى جانب أي طرف, كان يخلق لدى الآخر مخاوف شديدة, و حساسية بالغة, ويرفع من حدة التوتر, ويصعد الموقف, ويزيده تأزماً.

وربما الخطأ الأكبر لـ(PKK)  في كرستان العراق, يكمن في أنها لم تلعب دوراً حيادياً في أغلب المعارك الناشبة بين الاتحاد والديمقراطي.

حيث كانت تنحاز لأحدهما, وتنجر إلى الوقوع في أحد الخندقين, تحت تأثير الابتزاز السياسي والمنفعي الذي يقدمه لها أحد الطرفين المتحاربين.

وكان  الاتحاد يتقن هذه اللعبة الخطرة, في أغلب الأحيان.
 
حزب العمال الكردستاني في أوروبا.
قبل إعلان الكفاح المسلح, تعرض تنظيم (PKK) في أوروبا لاهتزازات ملفتة, نتيجة انفصال كوادر متقدمة عن الحزب, على سبيل المثال لا الحصر, “سمير” الذي اغتيل فيما بعد, و “شفان وكلستان بَرَوَر “.

مما خلق فراغاً و خللاً, تم تلافيه بتأثير الحرب على النظام التركي, في ما بعد.
 ثم جاء اغتيال “أولف بالمة” ليزيد الطين بلة.

لأن (PKK) كان على رأس قائمة المتهمين.

وثبتت براءتها من التهمة المنسوبة إليها, و تم الإفراج عن بعض كوادرها القيادية المعتقلين بهذا الصدد.

فزالت تهمة الإرهاب عنها, وتحولت إلى حركة سياسية شرعية, لها مكاتبها وممثلياتها في معظم الدول الاوروبية, حتى بداية التسعينات.

لكن الخطأ, وبل الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها بحق نفسها في أوروبا, و التي مازالت حتى الآن تدفع فاتورتها, تكمن في أنها لم تراعي القوانين والأنظمة الأوروبية, عندما نقلت ساحة حربها إلى المدن الأوروبية, وبدأت بالقيام بعمليات عنيفة ضد المصالح التركية في أوروبا, كالهجوم على الممثليات والسفارات والبعثات الدبلوماسية التركية, بالإضافة إلى مكاتب السياحة وأفرع البنوك التابعة لها, بقنابل المولتوف.

وبذلك أخذ النشاط السياسي السلمي منحاً و طابعاً عنيفاً غير مرغوب فيه أوروبياً.

مما دفع الأوروبيين إلى اتخاذ إجراءات قاسية رداً على هذه النوعية من الأعمال غير الشرعية, وفق ما يمليه عليها قوانينها ودساتيرها وسياستها ومصالحها.

وبالتالي تم حظر حزب العمال الكردستاني, و منع نشاطاته, وإغلاق مكاتبه في عموم أوروبا, علاوة على إدراجه ضمن القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية, والتي تسعى (PKK) جاهدة حتى الآن إخراج نفسها منها, بإثبات عكس ذلك, و بأنها تخلت عن العنف, و أنها منظمة سياسية …الخ دون جدوى.
صحيح أن تلك الأعمال العنيفة في أوروبا, كانت ضربة قاصمة وجهت للاقتصاد التركي, حيث أصابت قطاع السياحة في تركيا بالشلل التام, و أربكت حركة التجارة من و إلى تركيا, كلفتها خسائر بمليارات الدولارات, يمكن أن تعوض.

لكن في الوقت نفسه, تسببت في خسارة سياسية فادحة, لا تعوض,  لحركة التحرر الكردي في أوروبا.


حزب العمال الكرستاني على الصعيد السياسي و الدبلوماسي
أولاً عربياً
لقد كانت علاقات (PKK) مع فصائل و أحزاب المقاومة الفلسطينية جيدة.

و قد تعززت هذه العلاقة بعد المقاومة البطولية التي أبداها مقاتلي (PKK) في قلعة شقيف سنة 1982 إبان الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان, حيث استشهد في هذه المعارك حوالي 11 مقاتل, و أعتقل آخرون في السجون الإسرائيلية, تم الإفراج عنهم فيما بعد.

نتيجة ذلك, حصل (PKK) على معسكر للتدريب في سهل البقاع اللبناني, منطقة برلياس, من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

طبعاً, بدأت العلاقة مع السلطات السورية بعد دخول السيد أوجلان لأراضيها بفترة وجيزة, من ثم تطورت, لتتحول (PKK) بموجبها إلى مخلب قط, والورقة الأربح في يد سوريا, لتصفية حساباتها الإقليمية مع تركيا.

وبالتالي خضعت علاقات (PKK) مع الأوساط العربية, سواء كانت رسمية أو شعبية, معارضة أو محايدة, للمزاج السوري.

و هذا ما يفسر عدم تطرقها لهموم و مشاكل المواطن السوري بشكل عام, و الكردي بشكل خاص في سوريا.

فكانت مجمل علاقتها مع الأخوة العرب تصب في الخانة الحزبية بالدرجة الأولى, وتبقى محصورة في إطار الدعم للقضية الكردية في تركيا فقط.

بتعبير أدق, لم تكن هذه العلاقات مفعّلة لتشكيل لوبي كردي في الأوساط العربية مؤيد لحقوق الكرد في كل البلدان التي يتواجدون فيها, أولاً.

و لم تؤسس لخلق جبهة معارضة ديمقراطية كردعربية تسعى للتغيير و التحول الديمقراطي في سوريا, ثانياً.

فبقيت هذه العلاقات رهينة الإطار التنظيمي, ومحكومة بالبعد البراغماتي, ولم تصل إلى المستوى الدبلوماسي الوطني والقومي, بمعناه العام والشامل.

على الرغم من الزخم الجماهيري لها, والثقل السياسي التي كانت تشكله, في بداية عقد التسعينات, في سوريا والعراق ولبنان وليبيا ومصر والخليج.

لذا نجد جهلاً فظيعاً لدى شريحة لا بأس بها من النخب السياسية والثقافية العربية بشكل خاص, والإنسان العربي بشكل عام عن القضية الكردية وماهيتها.

و(PKK)  تتحمل مسؤولية هذا الجهل الموجود لدى الآخر العربي, مناصفة و الحركة السياسية الكردسورية.
ثانياً دولياً
لم يكن واقع الحال في أوروبا بعيداً عنه في البلدان العربية.

من ضحالة العلاقات (الدبلوماسية), وبساطة آلية إقامتها وتفعيلها لما من أهمية في خدمة القضية الكردية.

وهذا المستوى الركيك والهش من العلاقات السياسية, عبر دبلوماسية متخلفة مرده, تدنّي مستوى الوعي السياسي وجهله في ماهية العمل الدبلوماسي الساعي إلى تدويل القضية, وصولاً لخلق لوبي أوروبي مؤيد لها في الأوساط الفاعلة ضمن مؤسسات صنع القرار السياسي, وفي الأوساط المدنية الناشطة في مضمار حقوق الإنسان من جمعيات, روابط, حركات, منظمات, نوادي, نقابات, كنائس, شخصيات هامة_مثقفين و فنانين…الخ, لتشكيل رأي عام مؤيد للقضية موازي لعمل اللوبي الكردي في أوروبا, للضغط على حكومات بلدانها, لاتخاذ قرارات من شأنها دعم الشعب الكردي وقضيته سياسياً, والتدخل لدى تركيا, والضغط عليها لتسرع في حل القضية الكردية.
وكنموذج على سوية العلاقة الشبه دبلوماسية, جرت العادة, أثناء إقامة مؤتمر معني بالقضية الكردية, أو حفل جماهيري كبير, أن يتم توجيه الدعوة لبعض الشخصيات الأوروبية, فيصعد أحدهم المنبر ويبدأ بإلقاء خطبة عصماء مطولة.

وفي حال القيام بالتحري عنه بالسؤال:
– من هو هذا الشخص؟!
يأتيك الرد : عضو في البرلمان الهولندي أو الدنيماركي أو النرويجي…الخ
– جيد, ما هي خلفيته السياسية؟
: شيوعي.
– ما هو حجم كتلته البرلمانية؟
: عضو واحد, هو نفسه.
– طيب, تركتم 99, 99%, و لحقتم 0,001% !!؟.

وقس على ذلك!.
والحق, أنه قد طرأ على الحراك الدبلوماسي لـ(PKK)  تطوراً إيجابياً طفيفاً, في السنوات الأخيرة, لكن مازال الوضع دون المستوى المطلوب.

ولعل أهم الأخطاء التي وقعت فيها حركة (PKK)  سياسياً, هي استمرار النبرة العدائية الواضحة للولايات المتحدة الأمريكية, في خطابها السياسي, حتى بعد انهيار الاتحاد السوقيتي السابق والمنظومة الاشتراكية, وانفراد أمريكا بقيادة دفة العالم لوحدها.

وترتب على ذلك مضاعفات وتبعات وخيمة, أبرزها الدعم الأمريكي اللا محدود لتركيا في حربها ضد الكرد, وصولاً لمساعدتها في القرصنة الدولية التي استهدفت السيد أوجلان, وإدراج حركته على قائمة المنظمات الإرهابية حتى اللحظة.


حزب العمال الكردستاني على الصعيد العسكري.
الحرب بمعناها التقليدي, وفي أفضل الأحوال, هي تعبير مكثف عن القتل والدمار والتشريد والفقر والأوبئة والكوارث الإنسانية…الخ.

لكن غالباً, لا مناص أمام الشعوب المضطهدة _ مُكرهة_ إلا خوض غمار حرب شرسة وقاسية, لنيل حريتها والحصول على حقوقها, كإحدى أشكال النضال القومي والوطني التحرري المشروع.

فثمة علاقة جدلية بين النضالين السياسي والعسكري.

ويحضرني هنا قول لماو تسي تونغ, يعبِّر فيه عن ماهية هذه العلاقة, حين قال: “السياسة, هي حرب غير دامية, والحرب, هي سياسة دامية”.

ربما كان ضرباً من الخيال أو الجنون, التحدث أو النفير بمواجهة كردية مسلحة, للطغمة العسكرية الفاشية التركية, قبل منتصف الثمانينات من القرن المنصرم.

فبماذا يمكننا أن نصِفَ حرباً كرديةً ضروس استمرت زهاء خمسة عشر عاماً؟! كبّدت تركيا خسائر مادية وبشرية فادحة!؟.

لقد كانت حرباً نوعية بكل المقاييس, من حيث عدم التكافؤ بين الطرفين.

فالجانب التركي يملك جيشاً جراراً قوامه400 ألف جندي, وحوالي 100 ألف من الميليشيا الكردية المرتزقة, وترسانة هائلة, وتغطية ودعم سياسي وعسكري واستخباري من دول “الناتو” و على رأسهم أمريكا.

أما الجانب الكردي, فكان يعتمد على جيش صغير من الثوار المتطوعين, وصل تعداده في حده الأقصى إلى 20 ألف مقاتل سنة 1993.

يمتلك الأسلحة الخفيفة “بنادق أوتوماتيكية, قنابل, مدافع هاون, صواريخ مضادة للمدرعات, مضادات طيران – دوشكا, سام 7, ألغام على أنواعها…الخ” وكانت استراتيجية الحرب من الجانب الكردي قائمة على الحرب الشعبية الطويلة الأمد, كما حصل في الثورة الصينية, واتخذت من تكتيك حرب العصابات _ الأنصار, الغيريلا _ أسلوباً, لأسباب معروفة في العلوم العسكرية, لسنا بصدد شرحها.

لكن.

أما من الجانب التركي, فكانت استراتيجية الحرب مبنية على الحرب الشاملة وسياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي “الجينوسايد” في حربها ضد الكرد.

ومع الأسف الشديد, كانت رحى الحرب تدور في المنطقة الكردية, واقتصرت عليها, ولم تصل إلى العمق الاسترانيجي التركي, بحيث لم تستهدف النقاط والمراكز الاستراتيجية الحيوية الفاعلة والمؤثرة في الدولة.

لتخفيف الضغط على المناطق الكردية أولاً, ولتقصير وتقليص مدة الحرب, وصولاً لتحقيق أهدافها السياسية.

وجراء ذلك, تضررت المنطقة الكردية بشكل هائل, واستنزف الشعب الكردي مادياً وبشرياً, بشكل كبير, مما انعكس سلباً على الثورة على كافة الأصعدة.

وربما كانت الحرب ضرورية أن تكون في المناطق الكردية في بدايتها, لخلق روح مقاومة شعبية وبثها في الجماهير, ولإعلان حالة التعبئة المادية والمعنوية هناك.

لكن منذ سنة 1990 كان يجب أن تتغير وجهة الحرب وجبهتها الرئيسة.
معروف أن (PKK) قد تخلت عن الكفاح المسلح كخيار استراتيجي, مع المحافظة على قواتها تحت السلاح, كضمانة رادعة, وحق استخدامها في الحالات الطارئة والضرورات القصوى, كما ذكرت آنفاً.

وفي حال الاضطرار للرجوع إلى خيار الحرب, لفتح المجال أمام السياسة والحوار للحل السلمي, ينبغي أن تكون هذه الحرب سريعة وخاطفة ومؤثرة, مركزها المدن التركية.


 
حزب العمال الكردستاني على الصعيد الاقتصادي.
توقفت مصادرها المالية على التبرعات ومساهمات الجماهير الكردية, في أماكن تواجدهم, خاصة في المنفى.

واستمر الوضع على حاله, حتى بعد ارتفاع الخط البياني لكتلتها الجماهيرية.

مع تغيير طفيف ونسبي على آلية العمل الاقتصادي, حيث تم فتح بعض المحال, وإقامة بعض المؤسسات التجارية في أوروبا وروسيا وحلب ودمشق, لم يشهد معظمها نمواً و تتطوراً في حجم الإنتاج, والعوائد المالية.

ويعود ذلك إلى عدم وجود كوادر كفوءة، تدير وتشرف على المؤسسات, وتضع لها خطوط إنتاج جديدة, بالإضافة لإيجاد أسواق للتصريف.

وأما بخصوص أوروبا, فكل الظروف القانونية كانت ومازالت مواتية, لإقامة مشاريع استثمارية ضخمة (معامل, شركات سياحة, بنوك…الخ ) أو شراء أسهم لمؤسسات دولية, كشركة مرسيدس, أو مايكروسوفت, أو شركات الطيران العالمية- بوينغ, إرباص- أو شركات التنقيب عن البترول و تسويقه…الخ.

كل هذا كان كفيلاً للاستعاضة به عن التبرعات البسيطة للكرد.

وبالتالي, رفد المشروع التحرري الكردي بدعم اقتصادي هائل, للتأثير على حركة الاقتصاد لدى البلدان الهامة على الساحة الدولية.

كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية, عندما طرحت مشروع مارشال في أوروبا, بعد الحرب الكونية الثانية التي جعلت منها أنقاضاً, وكما فعل اليهود, عندما أمسكوا باقتصاديات الدول الكبرى, للتأثير على قرارها السياسي.

بتعبير أدق, لم يتم خلق رأسمال سياسي كردي معولم, يمكن تحريكه لتحقيق مكاسب سياسية, لصالح القضية الكردية.


حزب العمال الكرستاني على الصعيد الاجتماعي.
“امرأة كردستانية حُرّة, تعني كردستان حُرّة”.

هكذا ربط السيد عبد الله أوجلان, حرية كردستان بتحرر المرأة.

وذكر أيضاً: إن كل امرأة كردية, هي قطعة من أرض كردستان”.

ثمة خاصية انفردت بها حركة (PKK) ميَّزتها دوناً عن كل الحركات والثورات الكردية, وربما العالمية أيضاً.

وهي, إعطاء المرأة مكانة مميزة, ودوراً هاماً في كافة المجالات, وعلى كافة المستويات, السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية…الخ.

وفعّلت هذا الدور عملياً بشكل جيد وواضح.

كما حركت هذه الحركة كل طاقات وعناصر المجتمع “نساء, رجال, شباب, شيوخ, مثقفين, عمال, فلاحين…الخ” ووظفتها ضمن نشاطها الجماهيري.

بالإضافة إلى محاربتها لكل الأمراض والآفات الاجتماعية, كالقمار وتعاطي المشروبات الروحية وتعدد الزوجات والبطالة…الخ.

وقد أثبتت المرأة الكردية ضمن هذه الحركة, بأنها قادرة على حمل المسؤوليات السياسية والعسكرية الحساسة, والقيام بالمهام الصعبة جداً, وإنجازها بنجاح.

حيث ناصفت شقيقها الكردي كل أشكال وساحات النضال السياسي والعسكري, ابتداءً بالمنزل والقرية والمدينة, ومروراً بالسجون والمعتقلات, وانتهاءً بالجبال.

وضربت أروع الأمثلة في الكفاءة والإصرار والمقاومة والتضحية, في سبيل حريتها وحرية الوطن.

إلا أن هنالك بعض الأخطاء التي تركتها هذه الحركة على الصعيد الاجتماعي، ينبغي الإشارة إليها.
1 – كان موقفها من الفارين أو المنسحبين من الحياة الحزبية_الثورية, أو المنشقين عليها_ دون الأخذ بأسباب المشكل_ متشدداً وصارماً جداً, إلى درجة إجراء محاكم (ثورية) لهم, يتم فيها إصدار  أحكام قاسية بحقهم, تصل أحياناً إلى الإعدام.

فحتى الذي لم يعد يستطيع التماشي وحياة الحركة _ السياسية والعسكرية والتنظيمية القاسية, دون النظر في جهوده وإسهاماته السابقة, كان ينعت ويتهم بالخيانة والعمالة والانهزامية والتصفوية…الخ, ويتعرض للتشهير والتجريد في المجتمع, مما خلق حالة استياء وتململ وردات فعل عكسية من ذوي الشخص المُشهَّر بهم.

 وهذا بدوره أدى إلى انقسامات وشروخ عائلية ذات طابع عدائي بين العوائل المؤيدة لموقف الحركة وعائلة الشخص المُشهَّر.


2 – انضمام أكثر من فرد من أسرة واحدة للحركة_ بشكل خاص المتزوجين منهم_ و استشهادهم, أدى إلى نشوء حالة خلل أسري, وفراغ أبوي, أو أمومي حقيقي عاشه الأطفال الذين أمضوا طفولتهم بعيداً عن أحد أبويهم أو كليهما المَوجودَين في الجبال للقتال.

على الرغم من الرعاية التي كانوا يتلقونها من الوطنيين المؤيدين للحركة.

وقد أثَّر ذلك سلباً على طفولتهم ونموهم غير السوي من الناحية النفسية.
3 – انضمام المرأة لهذه الحركة بكثافة ملحوظة, بدافع التحرر والانعتاق من ظلم المجتمع الذكوري الخاضع أصلاً للاضطهاد القومي والطبقي, وبقاءها لفترة طويلة ضمن تلك الظروف القاسية الصعبة, أدى إلى ظهور آثار نفسية بالغة الخطورة عليها, فيما يشبه, حالة اغتراب جنسي_ أنثوي.

ونتيجة ذلك, طرأ على سلوكها بعض الطبائع الذكورية, من حيث الحركة, المشي, طريقة الكلام…الخ.
فانتقادها وتحديها للرجُل وللمجتمع الرجولي, ضمن الحياة السياسية العسكرية, فكرياً وعملياً.

ونظرتها الدونية لحياتها السابقة, وللمرأة الموجودة خارج الدائرة الحزبية_ الثورية, وبقاءها ضمن مجتمع مُستعمَر جاهل متخلِّف_حسب رأيها.

وبتأثير بعض مقولات الحركة مثل “الحب في مجتمع مستعمَر, عبودية.

لا زواج قبل وطن حُر.

والحب يجب أن يكون وطنياً وثورياً …الخ”.

كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ما يشبه الاسترجال, على حساب ضمور أو تراجع أو فتور الخصوصية الأنثوية عند الكثيرين من الفتيات المنضمات إلى هذه الحركة.
4 – الكثير من الفتيات اللاتي مازلن ضمن الحركة, واللاتي خرجن منها, تعرضن لإصابات جسدية مستديمة_ نتيجة الحرب_ أثرت سلباً على مستقبلهن من الناحيتين الاجتماعية والنفسية.

والكثير منهن اقتربن من سن اليأس, أو تجاوزنه.

مما أدى وجود جيش من العوانس ينضاف إلى النسبة الكبيرة لهن في المجتمع الكردي, لأسباب لسنا بصدد ذكرها.
من هنا أرى أن أكثر المستفيدين من هذه الحركة هي المرأة, وأكثر المضحين والمتضررين فيها, هي المرأة أيضاً.


حزب العمال الكردستاني على الصعيد الثقافي والإعلامي.
لا شك أن الدور الريادي لهذه الحركة_ في هذا الحقل الهام_ يمكن تحديده من النقلة النوعية التي أجرتها على الإعلام الكردي المرئي, بانطلاقة المحطة الفضائية الكردية ” MEDtv “, فقد كانت لهذه القفزة الإعلامية دور بالغ الأهمية في التعريف بالشعب الكردي وقضاياه ومشاكله ونضالاته عالمياً.

لذا كانت هذه المحطة عرضة للهجمات المتكررة من أعداء الكرد, وضغوطاتهم المستمرة الرامية إلى إيقافها, وقد كان لهم ذلك.

لكن المحطة ظهرت تحت اسم جديد          ” MEDYAtv”  فتجدد سيناريو عليها, حتى وصلت إلى ” ROJ tv”.

و لا يخفى على أحد من المتابعين للشأن الكردي, إن الغالبية العظمى من المؤسسات الإعلامية الكردية هي وليدة قرارات حربية, وبالتالي سيكون المنحى الأيديولوجي واضحاً على خط عملها وتوجهها العام.

وهذا أمر لا ضير فيه.

فمحطة ” CNN” قريبة من الإدارة الأمريكية, ومحطة ” الحرّة” التي تبث برامجها بالعربية.

كما أن “BBC” معروف قربها من الحكومة البريطانية.

ناهيكم عن الإعلام العربي…الخ إلا أن سطوة الأيديولوجيا على الإعلام التابع لـ(PKK)  كانت متفاقمة, وسيطرتها كانت محكمة.

 ومساحة الأخر فيها كانت شبه معدومة, خاصة الإعلام المقروء, مما أبقاها رهينة حالة سياسية معينة, وحكراً عليها.

فالرقابة الأيديولوجية والوصاية السياسية الحزبية عليها, قلَّص من حجم دورها الوطني والقومي العام المنوط بها, على الرغم من الكم الهائل من الإصدارات من صحف ومجلات, فصلية, شهرية, أسبوعية…الخ, وبأكثر من لغة, كردية_صورانية وكرمانجية, عربية, تركية, فارسية, روسية, ألمانية, وغيرها.
والجدير ذكره هنا أن بعض المؤسسات الإعلامية المقرَّبة من هذه الحركة, لعبت درواً وطنياً ثقافياً مشهوداً له, عندما وفقت بين انحيازها للحركة الداعمة لها, وإعطاء مساحة جيدة للآخر للتعبير عن نفسه, كصحيفة “Azadiya.welat” الأسبوعية الصادرة في استنبول باللغة الكردية, حتى الآن.

فانحياز المؤسسة الإعلامية للجهة الراعية والداعمة لها, أمر طبيعي.

لكن, مع الالتزام بالمبادئ والشعارات التي تدعو لها, كحرية التعبير والرأي…الخ.
فقد كان الخطاب الإعلامي مرتبكاً ما بين الاستحقاقات الوطنية والمهنية, والتبعية الأيديولوجية المفرطة.

والحق أن هذه الأمبراطورية الإعلامية المؤلفة من فضائيتين “ميديا وموزوبوتاميا تي في” وإذاعة تبث عبر الأقمار الاصطناعية” صوت موزوبوتاميا” والعشرات من الصحف والمجلات الكردية, بلغات عديدة, كان لها دور تنويري ومعرفي فعَّال في كافة المجالات, كردياًُ.

ودور تواصلي إعلامي بين الكرد أنفسهم, من جهة.

وبين الكرد والآخر, وبالعكس, من جهة أخرى.

فحركة حزب العمال الكردستاني (pkk) كان ومازال لها دورها في الحراك السياسي والثقافي والإعلامي الكردي.

وبصمتها واضحة على تاريخ حركة التحرر الوطني والقومي الكرديتين.

وبديهي أن الرؤى النقدية التي طرحتها بخصوص هذه التجربة والمحطة النضالية الهامة من تاريخ شعبنا الكردي, تقبل الخطأ والصواب, إلا أن الأهم _ برأيي_ هو أن يقوم المثقفون والساسة الكرد بإجراء مناقشات هادئة وموضوعية لهذه التجربة الإشكالية من كل النواحي, لاستخلاص العبر والنتائج التي من شأنها إغناء الفكر السياسي الكردي, بالدرجة الأولى.

وأعتقد أنه لا بدَّ من الخطأ, لمعرفة الصواب, في الحياة العملية والنظرية.

لكن يجب نعترف بوجوده, وأن لا يتكرر.

و كان حرياً بهذه الحركة أن تفتح أبوابها للنقد أكثر, وصولاً لإعادة النظر في مسلكها النضالي النظري والعملي.

ومن ضرورات هذه الحالة الحضارية, كان ينبغي وجود مركز للدراسات والأبحاث الاستراتيجية, يقوم بتقييم وتقويم مسار الحركة النظري والعملي, عبر ما تقدمه من دراسات نقدية, وأبحاث وتحليلات علمية أكاديمية, بخصوص الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية, على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية…الخ.

وصولاً لتقديم الخطط والمشاريع المناسبة للحركة.

ويحضرني هنا قول للسيد أوجلان يصف فيه حجم الأخطاء التي وقعت فيها حركة حزب العمال الكردستاني: ” إن حركتنا هي أكثر الحركات الكردية التي ارتكبت أخطاءً, ووقعت في النواقص, لأنها كانت أكثرها حراكاً نضالياً, وأوسعها نشاطاً جماهيرياً”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…