ماذا تخفي السلطة وراء حملة الاعتقالات وجلسات المحاكم؟؟.

افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ)

  يتابع الرأي العام الوطني السوري هذه الأيام أنباء الاعتقالات التي تطال الجميع، اعتباراً من قيادات الحركة الكردية، وحتى كتّاب الإنترنيت، مروراً بكوادر إعلان دمشق الذي تعرض غالبية أعضاء أمانته العامة، إما للإعتقال أو للملاحقة، لدرجة أن بعض المراقبين لم يعودوا يرون سوريا إلا باعتبارها بلد الاعتقالات التي اشتهرت بها..

وتستهدف هذه الحملة في حقيقتها قمع المعارضة بكل ألوانها، من قادة أحزاب ومثقفين ورموز الطيف السياسي والاجتماعي المتنوع، وذلك بغية إرهاب المجتمع السوري..

 

وهي، أي الاعتقالات، تعبّر عن رفض السلطة لفكرة التغيير الديمقراطي السلمي، وممانعته، مثلما تعبّر أصلاً عن فشلها في إيجاد الحلول المناسبة للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستعصية، وتعبّر كذلك عن استفحال واستشراء الفساد الذي يحتاج للقمع من أجل حمايته.
وتستمد السلطة إصرارها على مواصلة القمع من قراءتها الخاطئة للمتغيّرات الدولية، وعدم تمكنّها من استيعاب التوازنات الاقليمية.

وتنسى أن زمن انتعاش دورها الإقليمي الذي شكّل في حينه غطاءاً لعمليات القمع والملاحقة في الداخل، قد انتهى، وأن الأوهام التي تبنيها على الدور الفرنسي الجديد بعد الدوحة، لن تؤمّن لها ما تريد من مبررات لمواصلة حملات القمع بحق المعارضة حتى النهاية .
كما أن اشتداد أزمة الملف النووي الايراني وتحدّي طهران لإرادة المجتمع الدولي، وبالتالي فإن مراهنة النظام على حاجة هذا المجتمع لفك ارتباطه مع ايران ومحاولات اغرائه بتعويضات متنوعة، لا تستند الى أرضية ثابتة ولا إلى وعود مضمونة بالسكوت على ممارساته القمعية في الداخل أو منحه حق التغاضي عنها، أو التفرغ لملاحقة دعاة حقوق الانسان والناشطين السياسين ومواصلة الشطب على الآخرين من أصحاب الرأي الآخر، وإطالة أمد الاستبداد..

فالعالم بدأ يدرك أن سوريا ليست بحاجة للمزيد من حالة الاحتقان السائدة التي تزيدها الاعتقالات والمحاكم الصورية عمقاً وتشحيناً وتعقيداً، بل أنها بحاجة لحوار ديمقراطي وتحالف وطني، وهو ما تؤكده مواقف المنظمات الدولية والحقوقية التي أعربت جميعها، في الآونة الاخيرة، عن القلق الشديد حيال الممارسات التي يتعرض لها النشطاء السياسيون ورموز المجتمع المدني، مثلما أبرزت الحاجة الماسّة للضغط على السلطة السورية، التي تكابر لتخفي بذلك عجزها عن تطوير بدائل ديمقراطية وتصميمها على إبقاء سوريا بلداً خارج العام والعالم، كما تخفي تمسّكها بخطاب متخشب فات زمانه، يقوم على اعتبار المعارضة شكلاً من أشكال الخيانة ويمجد الولاء للنظام ، ويبرّر استمرار سياسة الحزب الواحد الذي يحتكر قيادة الدولة والمجتمع  منذ 45 عاماً.
إن الحكمة والمصلحة الوطنية تقتضيان الاستجابة لدعوات القوى الوطنية، وفي مقدمتها قوى إعلان دمشق، من أجل إغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإلغاء حالة الطواريء والمحاكم الاستثنائية، والدعوة لمؤتمر وطني سوري عام لبحث السبل الكفيلة بإنجاز مهمة التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج، الذي من شأنه حماية بلدنا من المخاطر الخارجية والتحديات الداخلية.
——
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (181) آب 8 200م- 2620 ك

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…