د.
سعدالدين ملا
لقد أدى النهج الشوفيني للحكومة الجورجية في معالجتها للقضية القومية لديها الى إندلاع حروب في الآقاليم المضطربة لديها، آجاريا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، كان آخرها هجومها المتهوًر في العاشر من أيلول 2008 على العاصمة الأوسيتية، مما تسبب لاحقا في حدوث تطورات وإنعكاسات تتعدى الفيسفساء القوقازي وتثير أكثر من مسألة خلافية في العلاقات والمواثيق الدولية لتكرًس نهج الإعتماد على القوة في حل القضايا المتنازعة عليها وتعليق مفعول الإتفاقات الدولية حسبما تتطلبها المصالح.
سعدالدين ملا
لقد أدى النهج الشوفيني للحكومة الجورجية في معالجتها للقضية القومية لديها الى إندلاع حروب في الآقاليم المضطربة لديها، آجاريا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، كان آخرها هجومها المتهوًر في العاشر من أيلول 2008 على العاصمة الأوسيتية، مما تسبب لاحقا في حدوث تطورات وإنعكاسات تتعدى الفيسفساء القوقازي وتثير أكثر من مسألة خلافية في العلاقات والمواثيق الدولية لتكرًس نهج الإعتماد على القوة في حل القضايا المتنازعة عليها وتعليق مفعول الإتفاقات الدولية حسبما تتطلبها المصالح.
ولعل التباين في الموقف الدولي من حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها هو من أولى المسائل التي تجلب إنتباه الشعوب المحرومة من هذا الحق مثل الشعب الكردي الأقرب جغرافيا والأكبر ديموغرافيا والأهم إستراتيجيا من الحدث.
إلا إن هذا الحق في الحالة الكردية وإن كان محكوما بثلاثة عوامل آساسية، داخلية وإقليمية ودولية وثيقة الصلة ببعضها، إلا إنه في نهاية المطاف يظل متوقفا على القرار الكردي ذاته.
إلا إن هذا الحق في الحالة الكردية وإن كان محكوما بثلاثة عوامل آساسية، داخلية وإقليمية ودولية وثيقة الصلة ببعضها، إلا إنه في نهاية المطاف يظل متوقفا على القرار الكردي ذاته.
فالدول المقتسمة لكوردستان كما هو معلوم، ترفض الحقوق الكردية كقومية مستقلة و تريدهم الذهنية السائدة إما أن يكونوا فرسا في إيران وعربا في سوريا والعراق وأتراكا في تركيا أو خدما لهم في آن واحد.
وتقف حكومات هذه الدول من أي مكسب كوردي أينما كان بالمرصاد، لأنها بكل بساطة تنطلق من موضوعية وحدة المصير القومي للأمة الكوردية وبديهية وجوب التفاعل والتكامل النضالي بين فصائل حركة التحرر القومي في الأجزاء الأربعة.
ولهذا نجد النظام التركي يفرض الهوية التركية على كرد تركيا في حين يساعد على تعريب إخوانهم في العراق وسوريا وتفريسهم في إيران وتتبع الأنظمة في الدول الأخرى السلوك نفسه تجاه الكرد.
وليس من الغرابة في شيئ أن يفوق تدخل دول الجوار في شؤون كردستان العراق اليوم تدخلات الحكومة العراقية نفسها.
إذ لاتزال الفئات الحاكمة في هذه الدول أسيرة أحلامها الإمبراطورية الغابرة ـ الفارسية والعربية ـ الإسلامية والتركية العثمانية وتستمر في تغذية شعوبها بذهنيتها الشوفينية ـ التكفيرية تجاه الآخر.
فالإيديولوجية العنصرية لدى بعض الترك والعرب والفرس واحدة وتسعى بإستمرار لإزالة القومية الكردية و تعقيد ظروف النضال الكردي وتحجيمه بكل الوسائل.
والكردي متهم منذ الولادة في هذه الدول ويشكل في مخيلتها خطرا كمونيا على وجودها، والتهمة الجاهزة والموجهة الى كل ناشط كردي أو متعاطف مع القضية الكردية هي الإنفصال أوإقتطاع جزء من الكيانات القائمة.
وما ذنب الكرد في كل هذا سوى إنهم صمدوا ولو جزئيا في مواجهة الإنصهار الثقافي والتطهيرالعرقي مثلما حدث لقوميات أخرى في المنطقة.
وشٌنت الحروب الظالمة على الكرد ردا على دعواتهم السلمية برفع الغبن التاريخي عنهم ورفع نير الإضطهاد عن كاهلهم وتأمين ابسط حقوقهم الإنسانية.
وأصبح الكرد مرارا وقودا لحروب لاناقة لهم فيها ولاجمل، وإنما لتقوية شوكة عدوهم المقبل وزيادة هيمنته.
وبإستمرار خدموا غيرهم بتفان وإخلاص وضحوا بكل شيئ، وبدلا من مكافأتهم وتحسين اوضاعهم إنقلب عليهم صديق الأمس ليغدو مستعبدا جديدا، وتزداد حالهم سوءا وتتعقد خيوط المؤامرة أكثر.
وهكذا تشكلت دولا على أشلاء الكرد وتغيرت الحكومات والأنظمة على حسابهم وحدثت الإنقلابات بحجة الخطر الكردي والضحية على الدوام هي القضية الكردية.
لقد خُدع الكرد مرارا وعلى مر التاريخ بإسم الدين والأصولية والإمبراطورية والأممية والآن تأتي نغمة العولمة ودولة المواطنة والواقعية السياسية ومرحلة ما بعد القومية لإدامة الإسطوانة المشروخة.
وتقف حكومات هذه الدول من أي مكسب كوردي أينما كان بالمرصاد، لأنها بكل بساطة تنطلق من موضوعية وحدة المصير القومي للأمة الكوردية وبديهية وجوب التفاعل والتكامل النضالي بين فصائل حركة التحرر القومي في الأجزاء الأربعة.
ولهذا نجد النظام التركي يفرض الهوية التركية على كرد تركيا في حين يساعد على تعريب إخوانهم في العراق وسوريا وتفريسهم في إيران وتتبع الأنظمة في الدول الأخرى السلوك نفسه تجاه الكرد.
وليس من الغرابة في شيئ أن يفوق تدخل دول الجوار في شؤون كردستان العراق اليوم تدخلات الحكومة العراقية نفسها.
إذ لاتزال الفئات الحاكمة في هذه الدول أسيرة أحلامها الإمبراطورية الغابرة ـ الفارسية والعربية ـ الإسلامية والتركية العثمانية وتستمر في تغذية شعوبها بذهنيتها الشوفينية ـ التكفيرية تجاه الآخر.
فالإيديولوجية العنصرية لدى بعض الترك والعرب والفرس واحدة وتسعى بإستمرار لإزالة القومية الكردية و تعقيد ظروف النضال الكردي وتحجيمه بكل الوسائل.
والكردي متهم منذ الولادة في هذه الدول ويشكل في مخيلتها خطرا كمونيا على وجودها، والتهمة الجاهزة والموجهة الى كل ناشط كردي أو متعاطف مع القضية الكردية هي الإنفصال أوإقتطاع جزء من الكيانات القائمة.
وما ذنب الكرد في كل هذا سوى إنهم صمدوا ولو جزئيا في مواجهة الإنصهار الثقافي والتطهيرالعرقي مثلما حدث لقوميات أخرى في المنطقة.
وشٌنت الحروب الظالمة على الكرد ردا على دعواتهم السلمية برفع الغبن التاريخي عنهم ورفع نير الإضطهاد عن كاهلهم وتأمين ابسط حقوقهم الإنسانية.
وأصبح الكرد مرارا وقودا لحروب لاناقة لهم فيها ولاجمل، وإنما لتقوية شوكة عدوهم المقبل وزيادة هيمنته.
وبإستمرار خدموا غيرهم بتفان وإخلاص وضحوا بكل شيئ، وبدلا من مكافأتهم وتحسين اوضاعهم إنقلب عليهم صديق الأمس ليغدو مستعبدا جديدا، وتزداد حالهم سوءا وتتعقد خيوط المؤامرة أكثر.
وهكذا تشكلت دولا على أشلاء الكرد وتغيرت الحكومات والأنظمة على حسابهم وحدثت الإنقلابات بحجة الخطر الكردي والضحية على الدوام هي القضية الكردية.
لقد خُدع الكرد مرارا وعلى مر التاريخ بإسم الدين والأصولية والإمبراطورية والأممية والآن تأتي نغمة العولمة ودولة المواطنة والواقعية السياسية ومرحلة ما بعد القومية لإدامة الإسطوانة المشروخة.
أما مواقف الدول العظمى من مسألة حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، فإنها تابعة دوما لمصالحها القومية الراهنة ويبقى تأويل مضمون المبادئ والمواثيق الدولية نسبيا وراجحا لجانب القوي.
فالموقف من تيمور الشرقية ويوغوسلافياـ كوسوفو ومونتينغرو و أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وغض النظر الأوروبي والأمريكي والروسي عن القضية الكردية وحقوق الإنسان في علاقاتها مع حكومات الدول المقتسمة لكردستان يبين مرة أخرى وبأجلى صورها إزدواجية المعايير السياسية والأخلاقية لدى القوى العظمى وتبعية المبادئ للمصالح الدولية.
إذ أن جورجيا، مثلها مثل الدول المقتسمة لكردستان، تشكل كيانا متعدد القوميات، على غرار الإمبراطوريات الكلاسيكية، تستأثر فيه فئة واحدة بالحكم على حساب حقوق الجماعات الأصلية الأخرى ولاتتوانى في اللجوء الى العنف لإدامة سيطرتها.
والشرط اللازم لديمومة مثل هكذا كيان في هذه المرحلة هو أن يصبح مختلف مكوناته القومية شركاء حقيقيين في هذا الوطن المشترك ويتمتعون بنفس الحقوق والواجبات وبدون أي تمييز.
وبدون ذلك فلن ترضى القوميات المظلومة بإدامة إستعبادها بعد اليوم وسيكون مصير مثل هذه الكيانات ليس بأفضل مما تعرضت له جورجيا ويغوسلافيا.
فالموقف من تيمور الشرقية ويوغوسلافياـ كوسوفو ومونتينغرو و أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وغض النظر الأوروبي والأمريكي والروسي عن القضية الكردية وحقوق الإنسان في علاقاتها مع حكومات الدول المقتسمة لكردستان يبين مرة أخرى وبأجلى صورها إزدواجية المعايير السياسية والأخلاقية لدى القوى العظمى وتبعية المبادئ للمصالح الدولية.
إذ أن جورجيا، مثلها مثل الدول المقتسمة لكردستان، تشكل كيانا متعدد القوميات، على غرار الإمبراطوريات الكلاسيكية، تستأثر فيه فئة واحدة بالحكم على حساب حقوق الجماعات الأصلية الأخرى ولاتتوانى في اللجوء الى العنف لإدامة سيطرتها.
والشرط اللازم لديمومة مثل هكذا كيان في هذه المرحلة هو أن يصبح مختلف مكوناته القومية شركاء حقيقيين في هذا الوطن المشترك ويتمتعون بنفس الحقوق والواجبات وبدون أي تمييز.
وبدون ذلك فلن ترضى القوميات المظلومة بإدامة إستعبادها بعد اليوم وسيكون مصير مثل هذه الكيانات ليس بأفضل مما تعرضت له جورجيا ويغوسلافيا.
و فيما يخص الكرد فإنهم لم يستفيدوا من مرحلة الإستعمار والإنتداب وإزداد وضعهم تعقيدا بإنهيار الإمبراطورية العثمانية وتقسيم كردستان الى أربعة أجزاء.
كما إزدادت المتاجرة بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية وتم شرعنة مبدأ الكيل بمكيالين في مسائل السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والحفاظ على الحدود المرسومة.
و سعت الدول العظمى أثناء الحرب الباردة بين القطبين المتنافسين ، حلفا الأطلسي ووارسو، الى دعم الأنظمة الموالية لها ظالمة أو مظلومة.
كما لم يستفيد الكرد من مرحلة القطب الواحد بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وزوال حلف وارسو.
كل ذلك يؤكد على أن الدول العظمى لن تتحرك ما لم تجد تحرك جدي من لدن الكرد أنفسهم ولن تغامر بمصالحها ما لم تتلمس الجدية والضمان المادي لدى الجانب الكردي.
ومن حيث العامل الذاتي فلايزال العديد من الكرد يتوهمون بإمكانية خداع الخصم بالتكتيك القائم على إخفاء حقهم الطبيعي والإكتفاء بالحد الأدنى من المطالب وإلهاء الحكومات بإسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والأخوة والمواطنة بأمل الحد من الإضطهاد وانتزاع مايمكن بالإقناع في إنتظار تراكم الكم وتحوله الى التغيير النوعي مع الزمن.
إنهم يراهنون على المنطق الأعوج والخاسر فيضعون الإستراتجية في خدمة التكتيك وينطلقون من مطالب الحد الأدنى في مفاوضاتهم .
بينما ينطلق الخصم من الإستراتيجية القائمة على إن أي مكسب لأي فرد أو مجموعة كردية وأينما كان يؤدي بالضرورة الى تعزيز الهوية القومية وتقوية إيمانهم بحقهم في تقرير مصيرهم ومن ثم الإستقلال.
ولذلك لابد من إلهائهم بتكتيكاتهم الساذجة بالذات والإيحاء بها كإستراتيجية نهائية مشتركة لابد من العمل والصبر معا وتحمل الأعباء الآن دونها.
وبذلك يتم تحييد الأغلبية الكردية وتقسيم الصف الكردي بالنزاعات الداخلية حول أمور ثانوية لتتراوح العجلة الكردية مكانها ويطول درب آلامه ويستسلم للقدر.
ونظرا لتفاوت القوى والإمكانيات والخبرة في الجانبين فإن المراهنة على عامل الزمن في هذه المعادلة الغير متكافئة هي لصالح خصوم الكرد بالتأكيد.
وللأسف يتواجد بين الكرد بإستمرار من يستسلم للظروف السائدة ويتكيف معها بإسم الواقعية والإعتدال.
وقبل أن ينسلخ حامل الجرثومة تماما عن هويته يقوم بنشرالعدوى للإيقاع بغيره من أبناء جلدته وإدامة حلقات أطوار هذا المرض المزمن في المجتمع الكردي.
فمثل هؤلاء كمثل الدودة التي تنخر في جزع الشجرة من الداخل لتسقط أخيرا فريسة للمتربصين.
إذ بواقعيتهم المزعومة هذه يخدرهؤلاء شعبهم ويقللون من سخونة وحيوية قضيتهم داخليا وخارجيا ويعمقون التشرزم في صفوف الحركة تاركين المجال لعملية الإنصهار المتسارع اليوم والمستفحل أكثر فأكثر.
فهم يعدلون برامجهم واستراتيجياتهم وسياساتهم إستجداء لرضى الأنظمة المحلية وتوابعها.
كما أن البيانات والبلاغات الصادرة عن أغلبية الأحزاب الكردية تشبه في معظمها التقارير الصحفية المتأخرة.
ثم إن إزدياد الهوة الى حد الفجيعة بين الأجزاء الأربعة وضعف العلاقات بين فصائل الحركة هو أحد تجليات نجاح خطط الأنظمة الساعية الى تعقيد العلاقات الكردستانية وإيصالها الى درجة اللاعودة.
ويساهم في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر الوضع المستجد في كردستان العراق.
فبإستثناء المواقف القومية الجريئة للرئيس مسعود بارزاني، فإن المؤشرات السلبية تظهر في ضعف شعور التضامن القومي للناس هناك وإنشغالهم بالمصالح المادية و الفساد الإداري والمسائل الأمنية والدينية.
وللتهرب من إستحقاقاتهم القومية يلجأ بعض السياسيين في إقليم كردستان العراق الى التصريح وبدون خجل بأن مصالحهم تختلف عن مصالح الأجزاء الأخرى.
تكمن العبرة في أن لا ننخدع مرة أخرى وأن نعطي الأولوية أبدا لمصالحنا القومية.
وبدلا من السياسات السلبية والإرتكان للقدر أو إنتظار الظروف الملائمة والحظ السعيد أو الفرص المريحة أو المراهنة على إحتمالية إيقاظ الشفقة لدى مستغلينا لتأمين حقوقنا، يجب المساهمة الإيجابية في خلق الظروف المناسبة وإمتلاك المقومات اللازمة لإنتزاع الحقوق وتوفير الضمانات لصيانة مصالح الأصدقاء والقوى العظمى.
وهنا تأتي ضرورة الشفافية في الاستراتيجية الكوردية والتخلي عن سلوك النعامة ووهم إمكانية خداع الأنظمة الحاكمة أوإستمالتها بسياسة المغازلة التي تعود عليها البعض وتأكد عقمها في مختلف الأجزاء ولأكثر من مرة في التاريخ الكوردي القديم والحديث.
وقبل أن يدعو الكرد غيرهم لتحقيق حقهم في تقرير مصيرهم عليهم أن يتفقوا فيما بينهم على هذا الحق.
فمن لايدافع عن نفسه بنفسه لاجدوى من أن ينتظر المساعدة من غيره، وذلك عبر تبني رؤية واضحة المعالم قائمة على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة حول حق تقريرالمصيرللشعوب والتعامل الحر مع جميع القوى والمراهنة على الأقوى والإنطلاق من كون كل جزء كردستاني هوالعمق الاستراتيجي للاخر، وتشكيل المؤسسات القومية المتنوعة لمتابعة القضايا العامة والخاصة على الصعيدين الكردستاني والمحلي.
فالإمكانات المادية والكفاءات البشرية متوفرة وما الأمر إلا رهن للإرادة السياسية.
أما الدول المقتسمة لكردستان فسوف تعمل دوما على تعقيد القضية بكل ما أوتيت من قوة وستظل محاولات إقناع أنظمتها بعدم وجود نية لدى الكرد في الإنفصال عقيمة وغيرمجدية.
وفي سبيل التأثير على العاملين الإقليمي والدولي ولكي لا تستمر القضية الكردية ورقة لإستغلال والمساومة في يد الآخرين، لامناص للكرد من إمتلاك قرارهم السياسي فعليا من خلال بلورة المبادئ الآساسية للسياسة القومية المشتركة والتأكيد على حقيقتهم كأمة مقسمة قسرا، لها حق التمتع بكيانها المستقل، والى حين الوصول الى هذا الهدف المشروع لن يرضوا بأقل من العيش في مساواة كاملة مع غيرهم من الشعوب في الكيانات القائمة.
كما إزدادت المتاجرة بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية وتم شرعنة مبدأ الكيل بمكيالين في مسائل السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والحفاظ على الحدود المرسومة.
و سعت الدول العظمى أثناء الحرب الباردة بين القطبين المتنافسين ، حلفا الأطلسي ووارسو، الى دعم الأنظمة الموالية لها ظالمة أو مظلومة.
كما لم يستفيد الكرد من مرحلة القطب الواحد بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وزوال حلف وارسو.
كل ذلك يؤكد على أن الدول العظمى لن تتحرك ما لم تجد تحرك جدي من لدن الكرد أنفسهم ولن تغامر بمصالحها ما لم تتلمس الجدية والضمان المادي لدى الجانب الكردي.
ومن حيث العامل الذاتي فلايزال العديد من الكرد يتوهمون بإمكانية خداع الخصم بالتكتيك القائم على إخفاء حقهم الطبيعي والإكتفاء بالحد الأدنى من المطالب وإلهاء الحكومات بإسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والأخوة والمواطنة بأمل الحد من الإضطهاد وانتزاع مايمكن بالإقناع في إنتظار تراكم الكم وتحوله الى التغيير النوعي مع الزمن.
إنهم يراهنون على المنطق الأعوج والخاسر فيضعون الإستراتجية في خدمة التكتيك وينطلقون من مطالب الحد الأدنى في مفاوضاتهم .
بينما ينطلق الخصم من الإستراتيجية القائمة على إن أي مكسب لأي فرد أو مجموعة كردية وأينما كان يؤدي بالضرورة الى تعزيز الهوية القومية وتقوية إيمانهم بحقهم في تقرير مصيرهم ومن ثم الإستقلال.
ولذلك لابد من إلهائهم بتكتيكاتهم الساذجة بالذات والإيحاء بها كإستراتيجية نهائية مشتركة لابد من العمل والصبر معا وتحمل الأعباء الآن دونها.
وبذلك يتم تحييد الأغلبية الكردية وتقسيم الصف الكردي بالنزاعات الداخلية حول أمور ثانوية لتتراوح العجلة الكردية مكانها ويطول درب آلامه ويستسلم للقدر.
ونظرا لتفاوت القوى والإمكانيات والخبرة في الجانبين فإن المراهنة على عامل الزمن في هذه المعادلة الغير متكافئة هي لصالح خصوم الكرد بالتأكيد.
وللأسف يتواجد بين الكرد بإستمرار من يستسلم للظروف السائدة ويتكيف معها بإسم الواقعية والإعتدال.
وقبل أن ينسلخ حامل الجرثومة تماما عن هويته يقوم بنشرالعدوى للإيقاع بغيره من أبناء جلدته وإدامة حلقات أطوار هذا المرض المزمن في المجتمع الكردي.
فمثل هؤلاء كمثل الدودة التي تنخر في جزع الشجرة من الداخل لتسقط أخيرا فريسة للمتربصين.
إذ بواقعيتهم المزعومة هذه يخدرهؤلاء شعبهم ويقللون من سخونة وحيوية قضيتهم داخليا وخارجيا ويعمقون التشرزم في صفوف الحركة تاركين المجال لعملية الإنصهار المتسارع اليوم والمستفحل أكثر فأكثر.
فهم يعدلون برامجهم واستراتيجياتهم وسياساتهم إستجداء لرضى الأنظمة المحلية وتوابعها.
كما أن البيانات والبلاغات الصادرة عن أغلبية الأحزاب الكردية تشبه في معظمها التقارير الصحفية المتأخرة.
ثم إن إزدياد الهوة الى حد الفجيعة بين الأجزاء الأربعة وضعف العلاقات بين فصائل الحركة هو أحد تجليات نجاح خطط الأنظمة الساعية الى تعقيد العلاقات الكردستانية وإيصالها الى درجة اللاعودة.
ويساهم في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر الوضع المستجد في كردستان العراق.
فبإستثناء المواقف القومية الجريئة للرئيس مسعود بارزاني، فإن المؤشرات السلبية تظهر في ضعف شعور التضامن القومي للناس هناك وإنشغالهم بالمصالح المادية و الفساد الإداري والمسائل الأمنية والدينية.
وللتهرب من إستحقاقاتهم القومية يلجأ بعض السياسيين في إقليم كردستان العراق الى التصريح وبدون خجل بأن مصالحهم تختلف عن مصالح الأجزاء الأخرى.
تكمن العبرة في أن لا ننخدع مرة أخرى وأن نعطي الأولوية أبدا لمصالحنا القومية.
وبدلا من السياسات السلبية والإرتكان للقدر أو إنتظار الظروف الملائمة والحظ السعيد أو الفرص المريحة أو المراهنة على إحتمالية إيقاظ الشفقة لدى مستغلينا لتأمين حقوقنا، يجب المساهمة الإيجابية في خلق الظروف المناسبة وإمتلاك المقومات اللازمة لإنتزاع الحقوق وتوفير الضمانات لصيانة مصالح الأصدقاء والقوى العظمى.
وهنا تأتي ضرورة الشفافية في الاستراتيجية الكوردية والتخلي عن سلوك النعامة ووهم إمكانية خداع الأنظمة الحاكمة أوإستمالتها بسياسة المغازلة التي تعود عليها البعض وتأكد عقمها في مختلف الأجزاء ولأكثر من مرة في التاريخ الكوردي القديم والحديث.
وقبل أن يدعو الكرد غيرهم لتحقيق حقهم في تقرير مصيرهم عليهم أن يتفقوا فيما بينهم على هذا الحق.
فمن لايدافع عن نفسه بنفسه لاجدوى من أن ينتظر المساعدة من غيره، وذلك عبر تبني رؤية واضحة المعالم قائمة على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة حول حق تقريرالمصيرللشعوب والتعامل الحر مع جميع القوى والمراهنة على الأقوى والإنطلاق من كون كل جزء كردستاني هوالعمق الاستراتيجي للاخر، وتشكيل المؤسسات القومية المتنوعة لمتابعة القضايا العامة والخاصة على الصعيدين الكردستاني والمحلي.
فالإمكانات المادية والكفاءات البشرية متوفرة وما الأمر إلا رهن للإرادة السياسية.
أما الدول المقتسمة لكردستان فسوف تعمل دوما على تعقيد القضية بكل ما أوتيت من قوة وستظل محاولات إقناع أنظمتها بعدم وجود نية لدى الكرد في الإنفصال عقيمة وغيرمجدية.
وفي سبيل التأثير على العاملين الإقليمي والدولي ولكي لا تستمر القضية الكردية ورقة لإستغلال والمساومة في يد الآخرين، لامناص للكرد من إمتلاك قرارهم السياسي فعليا من خلال بلورة المبادئ الآساسية للسياسة القومية المشتركة والتأكيد على حقيقتهم كأمة مقسمة قسرا، لها حق التمتع بكيانها المستقل، والى حين الوصول الى هذا الهدف المشروع لن يرضوا بأقل من العيش في مساواة كاملة مع غيرهم من الشعوب في الكيانات القائمة.