عبدالرحمن آلوجي
إذا كان قدر الشعوب أن تتجاور وتتعاصر وتتلاقى في التجمعات الإنسانية, في مختلف الأوقات والأصقاع والبيئات, وأن تختلف في الثقافات والتوجهات والمفاهيم والآراءوالمدارس والاتجاهات, أو تتوافق وتتكامل, وفق قواعد وسنن كونية وحياتية, فإن ذلك من طبائع الأشياء, وخصائص المجتمع الإنساني بما أوتي من أهلية الاختلاف الكامنة وراء التطور ومواكبة مده وتدافعه؛ وهو من أسرار التراث الحضاري عامة والعلمي والمعرفي بشكل أخص.
والأمم والشعوب في قارات الأرض وبقاعها, بما تملكه من تراث ولغات وثقافات متنوعة ومتداخلة ومتقارنة, هي حصيلة هذا الاختلاف وثمرة ذلك التداخل والتقارن والتعدد والتوافق, حيث نجد مئات اللغات والثقافات وتراثها الشفهي والمدون وآراء علمائها ومبدعيها ومفكريها مما يغني المسيرة التراثية العالمية, ويشدها برباط محكم, يشكل لحمة التراث الإنساني وسداه..
ففي الشرق الأقصى (في الصين والهند والهند الصينية واليابان ..) نجد هذا التنوع المسرف, وذلك التداخل المفرط في مئات اللغات والآداب والفنون والحكم والمعارف والفلسفات والأديان والمذاهب والاتجاهات والقيم, بما يؤهل لعالم متكامل, تعايش على مدى دهور وأحقاب وتلاقى وتباين ليجد في التصالح والتوافق والانسجام سبيله إلى الحياة في كنف الديمقراطية وبخاصة في الهند التي تشكل أكبر الديمقراطيات في العالم, وأكثرها انفتاحا على ما لديها من ثقافات مختلفة لما يربو على مليار إنسان, لتكون سنة الاختلاف في الألسن والألوان والأشكال والشيات والتقاليد من (آيات الله في الأنفس والآفاق ..), كذلك الأمر فيما يتجاوز أربع مئة مليون أوربي حسموا أمرهم في الخروج بنظم ديمقراطية متحضرة, من بعد صراعات وحروب دموية هائلة, وفي الأمريكتين واستراليا وأجزاء من إفريقيا ودول وحكومات متناثرة في مختلف بقاع الأرض وعوالمه ما يؤهل ويمهد لهذه النقلة وذلك التحول, ليؤول نموذجا حيا يحتذى في الفكر الإنساني والإضافة الروحية والحياتية,والبناء والعمران ونشدان النموذج الرفيع في علاقات الشعوب المتعايشة والمتجاورة, بما يحقق مصالحها الوطنية والإنسانية المشتركة, ويهبها الاحترام لخصوصية تراثها وملامح وجودها وحضارتها وتاريخها, وحريات أبنائها في التمتع بحرية التعبير والتنقل والتملك والتصرف بما تملك وفق المعيار الإنساني والحياتي الطبيعي والموهوب أولا, وما سنته الشرائع السماوية والدساتير والقوانين الوضعية ثانيا, وما أفرزته وعمقته العلاقات الوطنية والكفاحية المشتركة بين هذه الشعوب المتآخية ثالثا, وما هو فوق هذه الاعتبارات مما هو منحة طبيعية وجدت مع وجود الإنسان دوره الطبيعي في عمارة الكون وتطويره وإغناء حياته جزءا لا يتجزأ من كيانه…
و قد كان قدر الأمة الكردية أن تجد نفسها بين مجموعة من الشعوب عربا و فرسا و تركا و آشوريين و أطيافا متعددة من أمم و شعوب لوّنت الخارطة الأثنية لشعوب المنطقة, و جمعتها جميعا ملاحم تراثية مشتركة, و قيم حضارية و روحية عليا, و هم وطني أعلى , تعمّق و تواصل و تداخلت علاقاته عبر القرون , لتشكل تراثا جامعا, و لغة حضارية متقاربة, يفترض فيها أن تواكب ذلك المد الحضاري والإنساني, أسوة بالمجتمعات الإنسانية وقوانين تطورها, وسنن الحياة الطبيعية التي تزدهر من خلال التلاقي والتواصل لتشكل بذلك تنوعا ثقافيا أولى به أن يكون سر قوة و تألق و تكامل, لكن هذه الأمة وجدت نفسها محاصرة في كل سبيل, تغلق دون وجودها الأبواب, و توصد مغاليق الدساتير, وتخرق المعاهدات والمواثيق, و تعلن عليها حرب ضروس , في حضارتها و ثقافتها, و أملاكها و مدّخراتها, و طاقاتها و ذخائرها, فتحرق مدنها و قراها و مزارعها, و تشن عليها حملة إبادة جماعية منذ قرون (زيلان , قوجكيري , ديرسم , سنندج , مهاباد, حلبجة و كرميان و خورمال ..) , ليكون هذا المسلسل الدرامي مروعا إلى درجة الإبادة الجماعية و مقابرها, و ملاحقاتها المدمرة, لتجد هذه الأمة نفسها غريبة في أرضها التاريخية, لاتجد ما يبرر هذا الفتك وذلك الاستئصال, إلا بمنطق النهب والأثرة والجشع والعنصرية المقيتة, مقابل حجم غير منظور وغير مقدر من التضحيات والاستعداد للبذل.
و ليأتي من يرسم قدر هذه الأمة في غير مسارها الطبيعي , فتجد نفسها في عالم يفترض فيه أن يكون قد وعى دروس التاريخ و عبره, و اتعظ بماضي السنن, و عبر الأولين, فقد شهدنا ولا نزال نشهد من الويلات والمحن والمآسي ما يذهل ويثير أشنع السخط في بعد ساحق عن الانسجام بين مكونات المجتمعات المتحضرة و تلاقيها, حيث لا نكاد نجد في المجتمعات التي يتقاسمها الكرد مع الشعوب المتجاورة و المتداخلة إلا إعراضا و تنكرا, بل إعلان حرب صامتة أو معلنة على هذا الوجود الحياتي, و محاولة بائسة لقمع هذا الوجود و حصاره و ممارسة الصورة البدائية القومية المتفردة و المنفردة والمستعلية عليه, إمعانا في الإلغاء و الشطب و الإنكار و القفز فوق حقائق الحياة و التاريخ , كأن من شأن ذلك أن يغير معادلات التاريخ ونظم الوجود وقوانين الامتداد.
فقد عاش شعب أبي محب للحياة, و مقاوم عنيد على أرضه التاريخية منذ فجر التاريخ , منحة طبيعية لا منة لأحد عليه , و ليكون توّاقا إلى الحضارة, بعيدا مداه في الإخلاص و التفاني و التضحية, معبرا برسوخ عن تفاعله الحقيقي مع كل مكونات و أطياف و ألوان المجتمع الإنساني المتداخل الذي عاش فيه, في كل جزء وجد فيه كيانه المتجذر عبر التاريخ في (تركيا, العراق , أيران و سوريا), مما لا نجد مجالا لسرد و تحليل أسباب تمزّقه و انشطاره فوق رقعته الجغرافية التي تجاوزت خمس مئة ألف كيلو متر مربع, و على مدى تاريخي عريق امتد آلاف السنين, شكّل من خلالها ممالك و إمارات و دولا.
وكان نصيبه في سوريا – على الرغم من وطنيته و تفانيه و عظم تضحياته – الإعراض الأوسع و الإنكار الأشد, و الإجراءات الشوفينية المتواصلة, وكل محاولات قطع صلته مع عمقه القومي والوطني, ومحاولات متواصلة لبتره عن جذره , دونما جريرة واضحة أو موقف يشين تاريخه , أو يشوه علاقاته وقيمه الوطنية الناصعة , ومواقفه التاريخية القريبة والبعيدة المشرفة , نموذجا وطنيا ناصعا , لا يكاد يخفي رؤيته القومية المتألقة, مما يوقع أي مخطط عدائي بحقه أمام مساءلة وطنية حقيقية, تطرح نفسها بقوة وعمق, ما هو مبرر أي مخطط لا يزال ينفذ خطوة خطوة ؟!, أي مبرر أخلاقي , وطني , إنساني وروحي يبيح على تعاقب الحكومات, ما وضعه و خطط له, و أباح مطاردته العنصري محمد طلب هلال؟؟! ما الذي وجد في هذا الشعب المقدام و المؤهل لحياة مدنية و حضارية عريقة حتى يرسم لقدره كل أسباب السحق والتطهير والتهجير والتجويع و التجهيل, و إبعاده عن موطنه الأصلي, و زرع الكيد و الفتنة بينه و بين السكان العرب؟؟! هؤلاء ممن لم يجد الكرد غضاضة أو إثما في التواصل معهم, ليقترح ما شاء له أن يقترح , ويصب جام حقده المنكر والآثم عليهم؟؟ و ينقذ اقتراحه بتجريد الكرد من جنسيتهم و استجلاب العرب من محافظات أخرى على شكل حزام عربي ؟؟ وتأتي محاولات أخرى لتعميق هذا الحزام , وجعل الكرد رهينة فوق أرضهم لا يملكون و لا يبيعون و لا يشترون إلا وفق موافقات و إجراءات أمنية صارمة في ممتلكاتهم وعقاراتهم ومزارعهم وفي سابقة قل نظيرها في العالم, رغم التردي الهائل لوضع هذا الشعب ومأساته المضاعفة, وفقره المدقع وضربه في الآفاق بحثا عن لقمة عيشه وكرامته وأرضه الموهوبة للمستجلبين, ممن يشعرون بتميز عليه وحق لهم مشروع في حرمانه, وفي صيغ لا تكاد تتفق مع أبسط قوانين التعايش والتلاقي والتكافل والمنطق الإنساني السليم , والبعيد عن الصلف والاستعلاء والعنجهية القومية, مما لا تكاد تجلب , وإفرازات خطيرة, وجهلا مضاعفا بحقائق الحياة, وتهديدا حقيقيا لمقومات الوجود المشترك وهو ما يتجسد في مد شوفيني يجد بعده في التخطيط والاعداد للقوانين و الأنظمة المانعة من التملك و الاستثمار و الاستئجار و المزارعة (المراسيم 193 ,41), ليأتي المرسوم الأخير رقم (49) مزيدا في الطين بلة, ومضيفا إلى الإجراءات السابقة مزيدا من السحق والإمعان في المحاصرة الاقتصادية المتفاقمة أصلا, و القائمة على متابعة الإجراءات الخاصة الضاعفة للتوتر القائم, والاحتقانات الناجمة عن ضرب الكرد في أحداث دامية مدمرة و مهددة لأعماق الوحدة الوطنية (كما حدث في الثاني عشر من آذار 2004, و في خريف 2007, و في ربيع 2008, عشية احتفالات نوروز التي تحولت إلى مأتم ).
ففي الشرق الأقصى (في الصين والهند والهند الصينية واليابان ..) نجد هذا التنوع المسرف, وذلك التداخل المفرط في مئات اللغات والآداب والفنون والحكم والمعارف والفلسفات والأديان والمذاهب والاتجاهات والقيم, بما يؤهل لعالم متكامل, تعايش على مدى دهور وأحقاب وتلاقى وتباين ليجد في التصالح والتوافق والانسجام سبيله إلى الحياة في كنف الديمقراطية وبخاصة في الهند التي تشكل أكبر الديمقراطيات في العالم, وأكثرها انفتاحا على ما لديها من ثقافات مختلفة لما يربو على مليار إنسان, لتكون سنة الاختلاف في الألسن والألوان والأشكال والشيات والتقاليد من (آيات الله في الأنفس والآفاق ..), كذلك الأمر فيما يتجاوز أربع مئة مليون أوربي حسموا أمرهم في الخروج بنظم ديمقراطية متحضرة, من بعد صراعات وحروب دموية هائلة, وفي الأمريكتين واستراليا وأجزاء من إفريقيا ودول وحكومات متناثرة في مختلف بقاع الأرض وعوالمه ما يؤهل ويمهد لهذه النقلة وذلك التحول, ليؤول نموذجا حيا يحتذى في الفكر الإنساني والإضافة الروحية والحياتية,والبناء والعمران ونشدان النموذج الرفيع في علاقات الشعوب المتعايشة والمتجاورة, بما يحقق مصالحها الوطنية والإنسانية المشتركة, ويهبها الاحترام لخصوصية تراثها وملامح وجودها وحضارتها وتاريخها, وحريات أبنائها في التمتع بحرية التعبير والتنقل والتملك والتصرف بما تملك وفق المعيار الإنساني والحياتي الطبيعي والموهوب أولا, وما سنته الشرائع السماوية والدساتير والقوانين الوضعية ثانيا, وما أفرزته وعمقته العلاقات الوطنية والكفاحية المشتركة بين هذه الشعوب المتآخية ثالثا, وما هو فوق هذه الاعتبارات مما هو منحة طبيعية وجدت مع وجود الإنسان دوره الطبيعي في عمارة الكون وتطويره وإغناء حياته جزءا لا يتجزأ من كيانه…
و قد كان قدر الأمة الكردية أن تجد نفسها بين مجموعة من الشعوب عربا و فرسا و تركا و آشوريين و أطيافا متعددة من أمم و شعوب لوّنت الخارطة الأثنية لشعوب المنطقة, و جمعتها جميعا ملاحم تراثية مشتركة, و قيم حضارية و روحية عليا, و هم وطني أعلى , تعمّق و تواصل و تداخلت علاقاته عبر القرون , لتشكل تراثا جامعا, و لغة حضارية متقاربة, يفترض فيها أن تواكب ذلك المد الحضاري والإنساني, أسوة بالمجتمعات الإنسانية وقوانين تطورها, وسنن الحياة الطبيعية التي تزدهر من خلال التلاقي والتواصل لتشكل بذلك تنوعا ثقافيا أولى به أن يكون سر قوة و تألق و تكامل, لكن هذه الأمة وجدت نفسها محاصرة في كل سبيل, تغلق دون وجودها الأبواب, و توصد مغاليق الدساتير, وتخرق المعاهدات والمواثيق, و تعلن عليها حرب ضروس , في حضارتها و ثقافتها, و أملاكها و مدّخراتها, و طاقاتها و ذخائرها, فتحرق مدنها و قراها و مزارعها, و تشن عليها حملة إبادة جماعية منذ قرون (زيلان , قوجكيري , ديرسم , سنندج , مهاباد, حلبجة و كرميان و خورمال ..) , ليكون هذا المسلسل الدرامي مروعا إلى درجة الإبادة الجماعية و مقابرها, و ملاحقاتها المدمرة, لتجد هذه الأمة نفسها غريبة في أرضها التاريخية, لاتجد ما يبرر هذا الفتك وذلك الاستئصال, إلا بمنطق النهب والأثرة والجشع والعنصرية المقيتة, مقابل حجم غير منظور وغير مقدر من التضحيات والاستعداد للبذل.
و ليأتي من يرسم قدر هذه الأمة في غير مسارها الطبيعي , فتجد نفسها في عالم يفترض فيه أن يكون قد وعى دروس التاريخ و عبره, و اتعظ بماضي السنن, و عبر الأولين, فقد شهدنا ولا نزال نشهد من الويلات والمحن والمآسي ما يذهل ويثير أشنع السخط في بعد ساحق عن الانسجام بين مكونات المجتمعات المتحضرة و تلاقيها, حيث لا نكاد نجد في المجتمعات التي يتقاسمها الكرد مع الشعوب المتجاورة و المتداخلة إلا إعراضا و تنكرا, بل إعلان حرب صامتة أو معلنة على هذا الوجود الحياتي, و محاولة بائسة لقمع هذا الوجود و حصاره و ممارسة الصورة البدائية القومية المتفردة و المنفردة والمستعلية عليه, إمعانا في الإلغاء و الشطب و الإنكار و القفز فوق حقائق الحياة و التاريخ , كأن من شأن ذلك أن يغير معادلات التاريخ ونظم الوجود وقوانين الامتداد.
فقد عاش شعب أبي محب للحياة, و مقاوم عنيد على أرضه التاريخية منذ فجر التاريخ , منحة طبيعية لا منة لأحد عليه , و ليكون توّاقا إلى الحضارة, بعيدا مداه في الإخلاص و التفاني و التضحية, معبرا برسوخ عن تفاعله الحقيقي مع كل مكونات و أطياف و ألوان المجتمع الإنساني المتداخل الذي عاش فيه, في كل جزء وجد فيه كيانه المتجذر عبر التاريخ في (تركيا, العراق , أيران و سوريا), مما لا نجد مجالا لسرد و تحليل أسباب تمزّقه و انشطاره فوق رقعته الجغرافية التي تجاوزت خمس مئة ألف كيلو متر مربع, و على مدى تاريخي عريق امتد آلاف السنين, شكّل من خلالها ممالك و إمارات و دولا.
وكان نصيبه في سوريا – على الرغم من وطنيته و تفانيه و عظم تضحياته – الإعراض الأوسع و الإنكار الأشد, و الإجراءات الشوفينية المتواصلة, وكل محاولات قطع صلته مع عمقه القومي والوطني, ومحاولات متواصلة لبتره عن جذره , دونما جريرة واضحة أو موقف يشين تاريخه , أو يشوه علاقاته وقيمه الوطنية الناصعة , ومواقفه التاريخية القريبة والبعيدة المشرفة , نموذجا وطنيا ناصعا , لا يكاد يخفي رؤيته القومية المتألقة, مما يوقع أي مخطط عدائي بحقه أمام مساءلة وطنية حقيقية, تطرح نفسها بقوة وعمق, ما هو مبرر أي مخطط لا يزال ينفذ خطوة خطوة ؟!, أي مبرر أخلاقي , وطني , إنساني وروحي يبيح على تعاقب الحكومات, ما وضعه و خطط له, و أباح مطاردته العنصري محمد طلب هلال؟؟! ما الذي وجد في هذا الشعب المقدام و المؤهل لحياة مدنية و حضارية عريقة حتى يرسم لقدره كل أسباب السحق والتطهير والتهجير والتجويع و التجهيل, و إبعاده عن موطنه الأصلي, و زرع الكيد و الفتنة بينه و بين السكان العرب؟؟! هؤلاء ممن لم يجد الكرد غضاضة أو إثما في التواصل معهم, ليقترح ما شاء له أن يقترح , ويصب جام حقده المنكر والآثم عليهم؟؟ و ينقذ اقتراحه بتجريد الكرد من جنسيتهم و استجلاب العرب من محافظات أخرى على شكل حزام عربي ؟؟ وتأتي محاولات أخرى لتعميق هذا الحزام , وجعل الكرد رهينة فوق أرضهم لا يملكون و لا يبيعون و لا يشترون إلا وفق موافقات و إجراءات أمنية صارمة في ممتلكاتهم وعقاراتهم ومزارعهم وفي سابقة قل نظيرها في العالم, رغم التردي الهائل لوضع هذا الشعب ومأساته المضاعفة, وفقره المدقع وضربه في الآفاق بحثا عن لقمة عيشه وكرامته وأرضه الموهوبة للمستجلبين, ممن يشعرون بتميز عليه وحق لهم مشروع في حرمانه, وفي صيغ لا تكاد تتفق مع أبسط قوانين التعايش والتلاقي والتكافل والمنطق الإنساني السليم , والبعيد عن الصلف والاستعلاء والعنجهية القومية, مما لا تكاد تجلب , وإفرازات خطيرة, وجهلا مضاعفا بحقائق الحياة, وتهديدا حقيقيا لمقومات الوجود المشترك وهو ما يتجسد في مد شوفيني يجد بعده في التخطيط والاعداد للقوانين و الأنظمة المانعة من التملك و الاستثمار و الاستئجار و المزارعة (المراسيم 193 ,41), ليأتي المرسوم الأخير رقم (49) مزيدا في الطين بلة, ومضيفا إلى الإجراءات السابقة مزيدا من السحق والإمعان في المحاصرة الاقتصادية المتفاقمة أصلا, و القائمة على متابعة الإجراءات الخاصة الضاعفة للتوتر القائم, والاحتقانات الناجمة عن ضرب الكرد في أحداث دامية مدمرة و مهددة لأعماق الوحدة الوطنية (كما حدث في الثاني عشر من آذار 2004, و في خريف 2007, و في ربيع 2008, عشية احتفالات نوروز التي تحولت إلى مأتم ).
إن ما نشهده في سوريا, و ما يغتلي به الشارع الكردي, في واقع مرير لا يكاد يحتمل, و لا يكاد ينسجم مطلقا مع ضرورات الوحدة الوطنية, و مقومات السلام الوطني, في غيبة مطلقة عن أي وجود أو اعتراف رسمي و دستوري بهذا الوجود , بل تهديد كامل لنسف هذا الوجود, و إشاعة الرعب و الاغتراب فيه , وتجاهل الاستحقاقات التاريخية, و التلاحم المشرف الذي شارك فيه الكرد عبر التاريخ مع مكونات الشعب السوري , و مع نبل و كرامة و نزاهة هذا الشعب و أصالته و عمق اتصاله بوطنه و قضاياه الكبرى, و مساهمات قادته و أعلامه و علمائه فيفي البناء الحضاري والعمراني وفي الملاحم الكبرى و المعارك الوطنية, مما لا يحق لأي مكون آخر, أو أية اتجاهات شوفينية حاقدة ومغرضة وهادفة إلى تدمير المكاسب الوطنية المشتركة أن يدفعه إلى ردات فعل لا تكاد تنسجم مع هذا الوجود الحي و ذلك التاريخ المشرف, أو أن تشعره بمهانة واغتراب فوق أرضه, مهما كانت التحديات, لأن الاستحقاق المدني و الديمقراطي وحقه الطبيعي المصان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وشرعة المجتمع الدولي في أن يعيش حياة آمنة كريمة حرة مصانة بعيدة عن كل أشكال الاضطهاد و الاستعلاء و العنصرية, والتجويع والترحيل ومحو الهوية القومية والإنسانية والعيش اللائق لشعب أصيل وعريق ومكافح, باتت قضيته أكبر من أن تستر بغربال, أو ترقم على صفحة الماء, لتعلن واضحة على المنابر الدولية, وأروقة المؤتمرات العالمية.