القيادي الثعلب

عباس عباس

كثيراً ما نصف السياسي بمكر الثعلب, كمديح له بدون أن نخجل من التشبيه وأيضاً بدون رد فعل معارض منه شخصياً أو من جماعته المدافعة عنه.
مع العلم أن التشبيه قذر وغير لائق, لأننا نعلم أن السياسة فن وهي بعيدة كل البعد عن المكر والخديعة الخسيسة للثعلب.
إذاً لماذا يرضاها على نفسه؟!…
هل يصمت لأنه فعلاً خبيث وثعلب, وأوراقه كثيرة وسهلة كشفها, أم يجد في مكر الثعلب دلالات عن شطارته في اللعب على الحبال.

مع ذلك يبقى السياسي وخاصة من هم في الواجهة وقياديين, مثلاًَ يحتذي بهم الأجيال, والمكر والخبث والخديعة أرذل ما يمكن لهم توريثه.
أعتقد أن الفكرة التي طرحتها هي بعيدة كل البعد عن واقع الإنسان السياسي الديمقراطي والذي يعتمد على الموهبة والعلم بأعلى درجاته, وليس على المكر والخديعة المنتشرة بين صفوف المرتزقة ممن يعيشون من وعلى الفتات بحماية دكتاتور.
بماذا نستطيع نحن الكرد أن نصف السياسي والقيادي ضمن الأحزاب الكردية على كثرتها بخلاف العمالة للعدو.
المكر والخديعة, العلم والمعرفة, العمالة والخيانة, كلها صفات مكتسبة وليس للإنسان سوى الشطارة والتصميم لكي يرتقي بإحداها حتى يصبح سياسياً قيماً على شعبه!…
ولكن أن يكون قائداً فهذا يتطلب منه أكثر من عملية الاختيار, يتطلب موهبة وإرادة صلبة, وبعد كل شئ التضحية.
ولكي نُسكت الأبواق وهي تذم في كل سياسي وقيادي كردي بدون أن تميز العميل والماكر عن الصالح والمضحي, طرأت لي فكرة طريفة نادرة لثعلب ماكر ذكي.
نادراً ما نجد ذئباً أو ثعلباً أليفاً كالكلاب أو الهررة, ولكن حصل المحظور وتمكنت عائلة كردية من تربية جرو ثعلب كالهرة تماماً وبدون أية مشاكل.
بل العكس تماماً كانوا هم من يخلقون المشكلة للثعلب المسكين, ففي الشتاء وحين تنام العائلة المكونة من ثمانية أفراد في غرفة صغيرة جداً, يكون للثعلب المشارك معهم الغرفة جحيماً لايطاق, بسبب الرواح الكريهة وهم يطلقونها عفواً.
وأخيراً ولما كانت حياته لاتطاق, تفتقت غريزته عن عملية عبقرية, وإن كانت غير مجدية تماماً, إلا أنها كانت محاولة ذكية .


كل من يترك ريحاً من أفراد العائلة, يحمل حذاء ويضعها على مؤخرته, وفي الصباح يعلم الكل عن الشخص المسئول عن تلك الروائح الكريهة في الغرفة.
بهذه آتي بنصيحة قيمة لكتاب الكرد, الذين لا شاغل لهم سوى الذم في الساسة والقياديين الأكراد, على أن يستخدموا طريقة الثعلب ذاك, ليميزوا بين القائد العميل الذي تفوح منه رائحة المكر, عن الذي هو فعلاً سياسي وقائد أتقن التضحية قبل فن السياسة.

ولكن قبل ذلك يجب أن نجمعهم في غرفة واحدة تضمهم مع الروائح.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…

أحمد خليف أطلق المركز السوري الاستشاري موقعه الإلكتروني الجديد عبر الرابط sy-cc.net، ليكون منصة تفاعلية تهدف إلى جمع الخبرات والكفاءات السورية داخل الوطن وخارجه. هذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسار الجهود المبذولة لإعادة بناء سوريا، من خلال تسهيل التعاون بين الخبراء وأصحاب المشاريع، وتعزيز دورهم في دفع عجلة التنمية. ما هو المركز السوري الاستشاري؟ في ظل التحديات…

خالد ابراهيم إذا كنت صادقًا في حديثك عن محاربة الإرهاب وإنهاء حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا تتجه مباشرة إلى قنديل؟ إلى هناك، في قلب الجبال، حيث يتمركز التنظيم وتُنسج خططه؟ لماذا لا تواجههم في معاقلهم بدلًا من أن تصبّ نيرانك على قرى ومدن مليئة بالأبرياء؟ لماذا تهاجم شعبًا أعزل، وتحاول تدمير هويته، في حين أن جذور المشكلة واضحة وتعرفها جيدًا؟…

عبدالحميد جمو منذ طفولتي وأنا أخاف النوم، أخاف الظلمة والظلال، كل شيء أسود يرعبني. صوت المياه يثير قلقي، الحفر والبنايات العالية، الرجال طوال القامة حالقي الرؤوس بنظارات سوداء يدفعونني للاختباء. ببساطة، كل تراكمات الطفولة بقيت تلاحقني كظل ثقيل. ما يزيد معاناتي أن الكوابيس لا تفارقني، خصوصًا ذاك الجاثوم الذي يجلس على صدري، يحبس أنفاسي ويفقدني القدرة على الحركة تمامًا. أجد…