روني علي
تصريحات رئيس الوزراء العراقي، السيد نوري المالكي، في مؤتمر النخب والكفاءات العراقية – السبت 8/11/2008 – عن الدستور والغموض في مواده المتعلقة بصلاحيات الأقاليم والحكومات المحلية، وعن الظروف التي أدت إلى الاستعجال في صياغته ومن ثم تبنيه، ودعوته إلى التعديل “الدستور كتب في ظل أجواء الاستعجال والخوف من الماضي ووضعت فيه قيود على سلطات المركز ويخشى أن تصادر الفدرالية الدولة” … “مما يوجب تعديله وإعادة السلطة المركزية للحكم وتقييد صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم لتقوية حكم المركز لأنها تمارس دوراً دكتاتورياً وتجاوزات يجب وقفها”
تصريحات رئيس الوزراء العراقي، السيد نوري المالكي، في مؤتمر النخب والكفاءات العراقية – السبت 8/11/2008 – عن الدستور والغموض في مواده المتعلقة بصلاحيات الأقاليم والحكومات المحلية، وعن الظروف التي أدت إلى الاستعجال في صياغته ومن ثم تبنيه، ودعوته إلى التعديل “الدستور كتب في ظل أجواء الاستعجال والخوف من الماضي ووضعت فيه قيود على سلطات المركز ويخشى أن تصادر الفدرالية الدولة” … “مما يوجب تعديله وإعادة السلطة المركزية للحكم وتقييد صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم لتقوية حكم المركز لأنها تمارس دوراً دكتاتورياً وتجاوزات يجب وقفها”
هي ليست بعيدة عن تصريحات السيد صالح المطلق “نحن سنعدل الدستور ونلغي الفيدرالية ونعيد هوية العراق العربية, وإن كوردستان هي مصطلح غريب ودخيل على المجتمع العراقي, فكوردستان موجودة في مهاباد, وأما في العراق فلا يوجد سوى شمال العراق” أو بمنأى عما اتفق عليه من قبل شخصيات عراقية في ندوة عمان – 29-30 /8/ 2008 – وهي تحاول تشكيل جبهة سياسية تهدف من جملة ما تهدف إليها، وقف المد الكردي وتعطيل المادة 140 من الدستور المتعلقة بالمناطق المتنازعة عليها ورفض مثل هذه التسمية، وكذلك الحد من صلاحيات إقليم كردستان وتحديد صلاحيات رئيسه، وعدم السماح للإقليم باستثمار النفط والغاز من جانبه، فضلاً عن مواقف أخرى تتعلق بمسألة الفيدرالية والتراجع عنها، واعتبار العراق جزءاً من الأمة العربية ..إلخ .
فتصريحات المالكي توحي للوهلة الأولى وكأن الرجل يحاول أن ينأى بنفسه وحزبه عن اللائمة، ويتدارك ما قاله يوماً في الدستور نفسه ” أرقى الدساتير في العالم لأنه يكرس مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون ” وبالتالي يخلق انطباعاً لدى المواطن العراقي، أن الصحوة قد أعادته إلى رشده لأن يعيد الأمور إلى نصابها، بعد أن تفاقمت وخرجت من تحت السيطرة، لكنها في الحقيقة تنبئ بأن العراق في طريقه نحو الأسوأ، وأن هناك طبخات سياسية – من تحت الطاولة – تهدف إلى قلب موازين القوى ضمن الوسط الحاكم والعودة بالنظام السياسي إلى سابق عهده.
كون مثل هذه التصريحات الماسة بمرتكزات النظام الفيدرالي (التوافقي) والمتفق عليه من قبل غالبية الكيانات المشاركة في الحكم، ومنها حزب الدعوة، في مؤتمرات لندن وصلاح الدين للمعارضة، قبل سقوط النظام السابق، لا يمكن أخذها ضمن الدعاية الانتخابية لمجالس المحافظات التي باتت على مرمى حجر، أو كجزء من تقوية مراكز النفوذ، شأنها شأن محاولات حزب رئيس الوزراء – الدعوة – العمل على تشكيل مجالس الإسناد، بحسب ما ذهبت إليها بعض المصادر العراقية، لأن الأهم في هذه التصريحات هي توقيتها وما تحملها من دلالات ..
فإلى وقت قريب كانت النقاط الخلافية البارزة في الساحة العراقية تتمحور حول، الموقف من الاحتلال والولاءات الخارجية والمليشيات المسلحة وتوزيع السلطة والثروة، إلى جانب عقود النفط والمادة 140 المتعلقة بمستقبل كركوك والمناطق المتنازعة عليها التي كانت تشكل جوهر الإشكال بين السلطة المركزية وحكومة إقليم كردستان، دون أن تكون بنية النظام – الفيدرالية – مطروحةً للنقاش .
فالملفت في الأمر، أن تصريحات المالكي تترافق مع مستجدات سياسية إقليمية هي من تداعيات ما تمخضت عن الانتخابات الأمريكية.
فبعد أن راهنت بعض الدول على (المرشح) باراك أوباما وتصريحاته حول قضايا المنطقة، وحاولت أن تدير التوازنات السياسية من خلال القضايا العالقة، منها الاتفاقية الأمنية، ولعبة شد الحبل على بنودها عبر بعض المكونات العراقية، بهدف اللعب على عامل الزمن، وجاءت النتائج لتسقط من تلك المراهنات، لأن أوباما (الرئيس) لم يأتي بما يلبي طموحات تلك الدول، سواء من جهة تعبيره عن سياساته الخارجية أو من جهة تسميته لأركان إدارته وتلميحات طاقمه عن نية إسناده إلى بعض الجمهوريين مناصب رفيعة .
فنائبه جون بايدن يعتبر العقل المفكر لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات، والداعم لفكرة المحرقة الأرمنية في تركيا .
ورام انومويل، المسؤول عن إدارة شؤون البيت الأبيض، معروف بوقوفه إلى جانب إسرائيل وتمتعه بجنسيتها، فضلاً عن تحذير أوباما النظام الإيراني من مغبة تخصيبه لليورانيوم وتطويره للسلاح النووي، وعدم تطرقه إلى انسحاب فوري من العراق، ولكل ذلك انعكاساته على الدول المتاخمة للعراق ( إيران ، سوريا، تركيا ) وتثير من مخاوفها، كونها على تماس مباشر بشأنه الداخلي .
ويبدو أن لقاءات الزعيم الكردي مسعود البارزاني مع القيادات الأمريكية، الحالية والمستقبلية، وما نُسب إليه من تصريحات إعلامية عن استعداد إقليم كردستان لاحتضان القواعد الأمريكية، بمنأى عن موافقة بغداد، قد رفع من وتيرة تلك المخاوف .
مع أن رئيس حكومته سارع إلى تفنيدها معتبراً أنها قد شُوهت إعلامياً، ومؤكداً في الوقت نفسه أن الدستور هو الذي يحكم في العلاقات الخارجية، وهذا ما جاء على لسان البارزاني نفسه في مؤتمره الصحفي الذي عقده في مطار أربيل – 12/11/2008- إثر عودته من زيارته ..
منطقياً، لا بد أن يكون السيد المالكي مدركاً – بخبرته – وهو يلوح إلى العودة بالواقع إلى نقطة ما قبل بداية النظام الجديد، ما قد تحمل تصريحاته من دلالات وردود أفعال خطيرة في الوسط العراقي، وأنها ستواجه بالرفض من قبل بعض المكونات .
فهي قد حركت الدماء بقوة في مشروع إقليم الجنوب ( الشيعي )، ودفعت بكل من نائب رئيس الوزراء، الدكتور برهم صالح، وفي المكان الذي صرح فيه المالكي، ومن بعده رئيس قائمة التحالف الكردستاني في مجلس النواب، الدكتور فؤاد معصوم، وأخيراً البارزاني في مؤتمره الصحفي، ليعبروا عن رفض الجانب الكردي المساس بمكتسبات الشعب الكردي والمواد الدستورية المتعلقة بصلاحيات المركز والأقاليم، لأن تلك التصريحات قد تعيد بالذاكرة الكردية إلى ما كان متصوراً لدى صدام حسين من مخرج لحل القضية الكردية، في أن يجعل من السيدين جلال الطالباني محافظاً للسليمانية ومسعود البارزاني محافظاً لأربيل .
والسؤال المطروح هنا هو، لماذا أدخل المالكي نفسه في هذه المتاهة، وهو العالم بأن هذا الدستور هو جزء من اتفاق سياسي سابق على سقوط نظام البعث وحامل لسقوطه، وأن ديباجته تؤكد على أن (الضمانة للحفاظ على وحدة العراق هو الالتزام بالدستور)، فهل يعود السبب في ذلك إلى الرسائل الاستباقية التي حملها دول الجوار إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد أن تبلورت ملامحها، واعتبار ما ذهب إليه السيد المالكي لعبة سياسية، الهدف من ورائها إرضاء تلك الجهات التي لها حضورها الضاغط في الشأن العراقي، وتطمينها بأن الفيدرالية ستبقى ضمن السيطرة ولن تؤدي إلى بلورة تجربة كردية، هي موضع تخوفها لأسباب تتعلق بداخلها .
أم أنه حاول بذلك الرد على ما نُسب للبارزاني والإيحاء له بتجاوزه للخطوط الحمر، وأن عراق المالكي ما بعد الصحوات ومجالس الإسناد والانفتاح العربي عليه، هو عراق القوة والخضوع إلى المركز .
فتصريحات المالكي توحي للوهلة الأولى وكأن الرجل يحاول أن ينأى بنفسه وحزبه عن اللائمة، ويتدارك ما قاله يوماً في الدستور نفسه ” أرقى الدساتير في العالم لأنه يكرس مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون ” وبالتالي يخلق انطباعاً لدى المواطن العراقي، أن الصحوة قد أعادته إلى رشده لأن يعيد الأمور إلى نصابها، بعد أن تفاقمت وخرجت من تحت السيطرة، لكنها في الحقيقة تنبئ بأن العراق في طريقه نحو الأسوأ، وأن هناك طبخات سياسية – من تحت الطاولة – تهدف إلى قلب موازين القوى ضمن الوسط الحاكم والعودة بالنظام السياسي إلى سابق عهده.
كون مثل هذه التصريحات الماسة بمرتكزات النظام الفيدرالي (التوافقي) والمتفق عليه من قبل غالبية الكيانات المشاركة في الحكم، ومنها حزب الدعوة، في مؤتمرات لندن وصلاح الدين للمعارضة، قبل سقوط النظام السابق، لا يمكن أخذها ضمن الدعاية الانتخابية لمجالس المحافظات التي باتت على مرمى حجر، أو كجزء من تقوية مراكز النفوذ، شأنها شأن محاولات حزب رئيس الوزراء – الدعوة – العمل على تشكيل مجالس الإسناد، بحسب ما ذهبت إليها بعض المصادر العراقية، لأن الأهم في هذه التصريحات هي توقيتها وما تحملها من دلالات ..
فإلى وقت قريب كانت النقاط الخلافية البارزة في الساحة العراقية تتمحور حول، الموقف من الاحتلال والولاءات الخارجية والمليشيات المسلحة وتوزيع السلطة والثروة، إلى جانب عقود النفط والمادة 140 المتعلقة بمستقبل كركوك والمناطق المتنازعة عليها التي كانت تشكل جوهر الإشكال بين السلطة المركزية وحكومة إقليم كردستان، دون أن تكون بنية النظام – الفيدرالية – مطروحةً للنقاش .
فالملفت في الأمر، أن تصريحات المالكي تترافق مع مستجدات سياسية إقليمية هي من تداعيات ما تمخضت عن الانتخابات الأمريكية.
فبعد أن راهنت بعض الدول على (المرشح) باراك أوباما وتصريحاته حول قضايا المنطقة، وحاولت أن تدير التوازنات السياسية من خلال القضايا العالقة، منها الاتفاقية الأمنية، ولعبة شد الحبل على بنودها عبر بعض المكونات العراقية، بهدف اللعب على عامل الزمن، وجاءت النتائج لتسقط من تلك المراهنات، لأن أوباما (الرئيس) لم يأتي بما يلبي طموحات تلك الدول، سواء من جهة تعبيره عن سياساته الخارجية أو من جهة تسميته لأركان إدارته وتلميحات طاقمه عن نية إسناده إلى بعض الجمهوريين مناصب رفيعة .
فنائبه جون بايدن يعتبر العقل المفكر لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات، والداعم لفكرة المحرقة الأرمنية في تركيا .
ورام انومويل، المسؤول عن إدارة شؤون البيت الأبيض، معروف بوقوفه إلى جانب إسرائيل وتمتعه بجنسيتها، فضلاً عن تحذير أوباما النظام الإيراني من مغبة تخصيبه لليورانيوم وتطويره للسلاح النووي، وعدم تطرقه إلى انسحاب فوري من العراق، ولكل ذلك انعكاساته على الدول المتاخمة للعراق ( إيران ، سوريا، تركيا ) وتثير من مخاوفها، كونها على تماس مباشر بشأنه الداخلي .
ويبدو أن لقاءات الزعيم الكردي مسعود البارزاني مع القيادات الأمريكية، الحالية والمستقبلية، وما نُسب إليه من تصريحات إعلامية عن استعداد إقليم كردستان لاحتضان القواعد الأمريكية، بمنأى عن موافقة بغداد، قد رفع من وتيرة تلك المخاوف .
مع أن رئيس حكومته سارع إلى تفنيدها معتبراً أنها قد شُوهت إعلامياً، ومؤكداً في الوقت نفسه أن الدستور هو الذي يحكم في العلاقات الخارجية، وهذا ما جاء على لسان البارزاني نفسه في مؤتمره الصحفي الذي عقده في مطار أربيل – 12/11/2008- إثر عودته من زيارته ..
منطقياً، لا بد أن يكون السيد المالكي مدركاً – بخبرته – وهو يلوح إلى العودة بالواقع إلى نقطة ما قبل بداية النظام الجديد، ما قد تحمل تصريحاته من دلالات وردود أفعال خطيرة في الوسط العراقي، وأنها ستواجه بالرفض من قبل بعض المكونات .
فهي قد حركت الدماء بقوة في مشروع إقليم الجنوب ( الشيعي )، ودفعت بكل من نائب رئيس الوزراء، الدكتور برهم صالح، وفي المكان الذي صرح فيه المالكي، ومن بعده رئيس قائمة التحالف الكردستاني في مجلس النواب، الدكتور فؤاد معصوم، وأخيراً البارزاني في مؤتمره الصحفي، ليعبروا عن رفض الجانب الكردي المساس بمكتسبات الشعب الكردي والمواد الدستورية المتعلقة بصلاحيات المركز والأقاليم، لأن تلك التصريحات قد تعيد بالذاكرة الكردية إلى ما كان متصوراً لدى صدام حسين من مخرج لحل القضية الكردية، في أن يجعل من السيدين جلال الطالباني محافظاً للسليمانية ومسعود البارزاني محافظاً لأربيل .
والسؤال المطروح هنا هو، لماذا أدخل المالكي نفسه في هذه المتاهة، وهو العالم بأن هذا الدستور هو جزء من اتفاق سياسي سابق على سقوط نظام البعث وحامل لسقوطه، وأن ديباجته تؤكد على أن (الضمانة للحفاظ على وحدة العراق هو الالتزام بالدستور)، فهل يعود السبب في ذلك إلى الرسائل الاستباقية التي حملها دول الجوار إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد أن تبلورت ملامحها، واعتبار ما ذهب إليه السيد المالكي لعبة سياسية، الهدف من ورائها إرضاء تلك الجهات التي لها حضورها الضاغط في الشأن العراقي، وتطمينها بأن الفيدرالية ستبقى ضمن السيطرة ولن تؤدي إلى بلورة تجربة كردية، هي موضع تخوفها لأسباب تتعلق بداخلها .
أم أنه حاول بذلك الرد على ما نُسب للبارزاني والإيحاء له بتجاوزه للخطوط الحمر، وأن عراق المالكي ما بعد الصحوات ومجالس الإسناد والانفتاح العربي عليه، هو عراق القوة والخضوع إلى المركز .
وإذا ما أخذنا حساسية الوضع العراقي وحجم الضغوطات الخارجية على العملية السياسية بعين الاعتبار، يمكننا القول بأن لتلك التصريحات مبرراتها، وأن طاولة الحوار هي الكفيلة بتدارك انعكاساتها على الأرض.
أما إذا كانت المسألة نابعة من حسابات شخصية وتوازنات داخلية وإقليمية أوحت إلى السيد المالكي الذي يعاني من انقسام في البيت الشيعي، لأن يخطو في ذاك الاتجاه، تداركاً لما قد يحصل له من قلب الطاولة عليه، والأخذ بزمام المبادرة لأن يتصالح مع جيرانه والحصول منها على دعم لوجستي، بعد أن استمال إلى جانبه بعض المكونات السنية، بغية العودة بالعراق إلى الحكم الفردي، فهنا تكمن الخطورة وكذلك الخوف على العراق من السقوط في لعبة الأجندات التي قد تؤدي به إلى الهاوية.
أما إذا كانت المسألة نابعة من حسابات شخصية وتوازنات داخلية وإقليمية أوحت إلى السيد المالكي الذي يعاني من انقسام في البيت الشيعي، لأن يخطو في ذاك الاتجاه، تداركاً لما قد يحصل له من قلب الطاولة عليه، والأخذ بزمام المبادرة لأن يتصالح مع جيرانه والحصول منها على دعم لوجستي، بعد أن استمال إلى جانبه بعض المكونات السنية، بغية العودة بالعراق إلى الحكم الفردي، فهنا تكمن الخطورة وكذلك الخوف على العراق من السقوط في لعبة الأجندات التي قد تؤدي به إلى الهاوية.