محي الدين عيسو*
خلال المحاكمة العلنية التي جرت بتاريخ 13/ 5/ 2007 من قبل محكمة الجنايات الثانية بدمشق بحق الصحفي ميشيل كيلو والمترجم الناشط السياسي محمود عيسى، واللذين حكموا بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة إضعاف الشعور القومي، وإيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية، على خلفية توقيعهم على إعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت تعرفت على السيدة “رويدة” وهي مصدومة من الحكم الصادر بحق زوجها محمود عيسى، لم تعلق على الحكم سوى بكلمتين “هذا قدرنا …..
محمود كبير وسيبقى كبيراً ” .
محمود كبير وسيبقى كبيراً ” .
بعد عدة أشهر توجهت إلى محافظة حمص (وسط سوريا) بغية زيارة منزل الأستاذ محمود ولقاء عائلته الصغيرة المؤلفة من زوجة قوية الشخصية قادرة على تحمل ظروف الحياة الصعبة، والساعية إلى تأمين لقمة عيشها، وتربية طفليها ( نجم وبحر) والتخفيف عن زوجها المعتقل في سجن عدرا المركزي.
من الصعب تربية الأطفال دون مشاركة الأب لكن “رويدة” كانت مثال المرأة الصامدة القادرة على مجابهة الحياة بكل متاعبها وضغوطاتها، وأثبتت بأنها تستطيع أن تكون الأم والأب في الوقت ذاته باقتدار، على الرغم من الضغوط الشديدة من حيث الوظيفة من جهة ومسؤولية المنزل وتربية الأطفال من جهة أخرى.
نجم وبحر طفلان بعمر الورد محرومان من رؤية والدهما الأول عمره حوالي الخمس سنوات والثاني عمره ثلاث سنوات، لا يعلمان بأن والدهما معتقل يدفع ضريبة حبه لوطنه ويعتقدان بأنه قد سافر في مهمة دراسية، “نجم” طفل ذكي جداً ومتفوق في دراسته يحب دائما قراءة قصص الأطفال، وأن يرسم على الجدران كنوع من تقمص لطفولة نزار قباني، وهو كثير الكلام عن والده وأبسط المواقف تذكره به ويكرر دائما (أبي عندما كان موجوداً كان يفعل كذا وكذا ….
حتى قطعة الشوكولا التي كان يجلبها له يتذكرها دائما) أما “بحر” ذاك الطفل البريء الهادئ بطباعه، فهو يعرف والده من خلال الصور الفوتوغرافية فقط، فوقت اعتقال والده لم يكن عمره سوى عشرة أشهر، وهو من أشد المعجبين بالمغنية اللبنانية (دومينيك) وخاصة أغنيتها “الخاشوقة” يرددها باستمرار.
فبعد أن شهدت العلاقات اللبنانية السورية تدهوراً متسارعاً بات يهدِّد بتكريس شرخ عميق بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين إصر عدد من المثقفين السوريين واللبنانيين من بينهم المترجم محمود عيسى على الحوار والتضامن والعمل المشترك من أجل التصحيح الجذري للعلاقات بين البلدين والشعبين وفاقاً لرؤية وطنية مستقبلية مشتركة بما يلبِّي المصالح والتطلعات المشتركة للشعبين في السيادة والحرية والكرامة والرفاه والعدالة والتقدم.فأصدروا إعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت تركزت في عدة نقاط منها: احترام وتمتين سيادة واستقلال سورية ولبنان حيث طالب الموقعون على البيان بضرورة الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان، وأعلنوا عن تمسكهم بحق سوريا على استعادة أراضيها المحتلة في الجولان واستعادة للبنان أراضها المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وطالبوا بضرورة احترام وتنمية الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات والانتخابات الحرة وتداول السلطة ووحدة الدولة وبسط سلطتها على كامل ترابها الوطني، وعلى تصحيح العلاقات بين البلدين وتحقيق استوائها على مقام الندية والثقة والاحترام المتبادل وغيرها من النقاط الهامة.
محمود عيسى الذي أراد أن يثبت للجميع بأنه قادر على تحدي ظروفه الصعبة داخل المعتقل، من مواليد مدينة بانياس عام 1963 ويحمل أجازة في الآداب قسم اللغة الانكليزية بأن يستفيد من سنوات السجن بإتمام دراسته في كلية الحقوق ليتخرج منها محاميا يدافع عن المظلومين من أمثاله، ويقدم شهادته الجديدة كعربون محبة إلى زوجته التي انتظرته ثمان سنوات سابقاً (معتقل سابق من 1992 إلى 2000) حين كان معتقلا بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، وهو حاليا على أبواب التخرج، علاوة على أنه محروم من الحقوق المدنية وحق الوظيفة بسبب اعتقاله وهو من الكتاب المميزين في صحيفة ” الآن ” التي يصدرها حزب العمل الشيوعي.
فبعد كل زيارة كنت أقوم بها إلى منزلهم الصغير المليء بالحب والبراءة يسألني الطفلان عن والدهما، وعن موعد إنهاء دراسته والعودة حاملا بشهادة جامعية، والأسئلة الكثيرة التي كانت تدور في مخيلة الطفل “نجم” وفي أحيان كثيرة لم أستطع أن أكون لهم أجوبة مقنعة، وأن أبرر لهم غياب والدهم لأكثر من عامين، وابتعاده القسري عن أحضان زوجته ومعانقة طفليه، فعندما تستمع إلى حديث ( نجم) تشعر بأنك أمام شخص ناضج، فصيح اللسان، قادر على محاورة الكبار، واضعا يده على خده مكرراً عبارته المشهورة (أريد أن أفكر)؟! ولكن بماذا؟ ربما يريد أن يكون موجوداً دائما
فحسب تعبير الزميل الصحفي مازن درويش ” لا توجد سجون تتسع للكلمة الحرة ” فبأي حق تحرم السجون السورية (نجم وبحر) من رؤية والدهم وهو الذي عبر عن رأيه بكلمة حرة نابعة من حبه لسوريا ولبنان، طالباً أن يسود هذين البلدين الوئام والسلام.
تاركا عبئاً ثقيلاً على عائلته في مواجهة ظروف الحياة الصعبة وتأمين لقمة العيش.
* كاتب وناشط حقوقي سوري
من الصعب تربية الأطفال دون مشاركة الأب لكن “رويدة” كانت مثال المرأة الصامدة القادرة على مجابهة الحياة بكل متاعبها وضغوطاتها، وأثبتت بأنها تستطيع أن تكون الأم والأب في الوقت ذاته باقتدار، على الرغم من الضغوط الشديدة من حيث الوظيفة من جهة ومسؤولية المنزل وتربية الأطفال من جهة أخرى.
نجم وبحر طفلان بعمر الورد محرومان من رؤية والدهما الأول عمره حوالي الخمس سنوات والثاني عمره ثلاث سنوات، لا يعلمان بأن والدهما معتقل يدفع ضريبة حبه لوطنه ويعتقدان بأنه قد سافر في مهمة دراسية، “نجم” طفل ذكي جداً ومتفوق في دراسته يحب دائما قراءة قصص الأطفال، وأن يرسم على الجدران كنوع من تقمص لطفولة نزار قباني، وهو كثير الكلام عن والده وأبسط المواقف تذكره به ويكرر دائما (أبي عندما كان موجوداً كان يفعل كذا وكذا ….
حتى قطعة الشوكولا التي كان يجلبها له يتذكرها دائما) أما “بحر” ذاك الطفل البريء الهادئ بطباعه، فهو يعرف والده من خلال الصور الفوتوغرافية فقط، فوقت اعتقال والده لم يكن عمره سوى عشرة أشهر، وهو من أشد المعجبين بالمغنية اللبنانية (دومينيك) وخاصة أغنيتها “الخاشوقة” يرددها باستمرار.
فبعد أن شهدت العلاقات اللبنانية السورية تدهوراً متسارعاً بات يهدِّد بتكريس شرخ عميق بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين إصر عدد من المثقفين السوريين واللبنانيين من بينهم المترجم محمود عيسى على الحوار والتضامن والعمل المشترك من أجل التصحيح الجذري للعلاقات بين البلدين والشعبين وفاقاً لرؤية وطنية مستقبلية مشتركة بما يلبِّي المصالح والتطلعات المشتركة للشعبين في السيادة والحرية والكرامة والرفاه والعدالة والتقدم.فأصدروا إعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت تركزت في عدة نقاط منها: احترام وتمتين سيادة واستقلال سورية ولبنان حيث طالب الموقعون على البيان بضرورة الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان، وأعلنوا عن تمسكهم بحق سوريا على استعادة أراضيها المحتلة في الجولان واستعادة للبنان أراضها المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وطالبوا بضرورة احترام وتنمية الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات والانتخابات الحرة وتداول السلطة ووحدة الدولة وبسط سلطتها على كامل ترابها الوطني، وعلى تصحيح العلاقات بين البلدين وتحقيق استوائها على مقام الندية والثقة والاحترام المتبادل وغيرها من النقاط الهامة.
محمود عيسى الذي أراد أن يثبت للجميع بأنه قادر على تحدي ظروفه الصعبة داخل المعتقل، من مواليد مدينة بانياس عام 1963 ويحمل أجازة في الآداب قسم اللغة الانكليزية بأن يستفيد من سنوات السجن بإتمام دراسته في كلية الحقوق ليتخرج منها محاميا يدافع عن المظلومين من أمثاله، ويقدم شهادته الجديدة كعربون محبة إلى زوجته التي انتظرته ثمان سنوات سابقاً (معتقل سابق من 1992 إلى 2000) حين كان معتقلا بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، وهو حاليا على أبواب التخرج، علاوة على أنه محروم من الحقوق المدنية وحق الوظيفة بسبب اعتقاله وهو من الكتاب المميزين في صحيفة ” الآن ” التي يصدرها حزب العمل الشيوعي.
فبعد كل زيارة كنت أقوم بها إلى منزلهم الصغير المليء بالحب والبراءة يسألني الطفلان عن والدهما، وعن موعد إنهاء دراسته والعودة حاملا بشهادة جامعية، والأسئلة الكثيرة التي كانت تدور في مخيلة الطفل “نجم” وفي أحيان كثيرة لم أستطع أن أكون لهم أجوبة مقنعة، وأن أبرر لهم غياب والدهم لأكثر من عامين، وابتعاده القسري عن أحضان زوجته ومعانقة طفليه، فعندما تستمع إلى حديث ( نجم) تشعر بأنك أمام شخص ناضج، فصيح اللسان، قادر على محاورة الكبار، واضعا يده على خده مكرراً عبارته المشهورة (أريد أن أفكر)؟! ولكن بماذا؟ ربما يريد أن يكون موجوداً دائما
فحسب تعبير الزميل الصحفي مازن درويش ” لا توجد سجون تتسع للكلمة الحرة ” فبأي حق تحرم السجون السورية (نجم وبحر) من رؤية والدهم وهو الذي عبر عن رأيه بكلمة حرة نابعة من حبه لسوريا ولبنان، طالباً أن يسود هذين البلدين الوئام والسلام.
تاركا عبئاً ثقيلاً على عائلته في مواجهة ظروف الحياة الصعبة وتأمين لقمة العيش.
* كاتب وناشط حقوقي سوري