دعوة للمراجعة

افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ) *

ليس من المبالغة أن نقول بأن الحركة الكردية مرّت خلال الفترة الماضية بامتحان صعب، ونعتقد بأن أزمة التحالف – رغم مرارتها – كانت بالنسبة له مجرد قاعة وزّعت فيها أسئلة لاختبار مصداقية أطروحات التلاقي والوحدة ومدى جدية أصحابها، وأسئلة أخرى لاكتشاف قدرة التصدي المسئول لما تعترضها من عقبات.

وكان بالإمكان بالنسبة لكل من خاضوا هذا الامتحان- سواء من داخل التحالف أو خارجه – التصرف بمسؤولية أكثر لضبط الأمور وتحجيم الخلاف، والخروج بنتيجة إيجابية تسجّل للصالح العام الكردي

 

لكن التسرّع في إطلاق الأحكام والالتجاء للمواقف المسبقة سرعان ما خلقا جواً مشحوناً بالتوتر وعدم الثقة وحوّلا الخلاف إلى شكل من أشكال تصفية الحسابات لم تقتصر فقط على طرفي الخلاف بل شاركت فيه أيضا جهات أخرى -أحزاباً وأفراداً- وبمستويات متباينة ليساهم الجميع في رسم صورة قاتمة للعلاقة الكردية- الكردية مما أساء كثيراً للحركة ولمشاعر أصدقائها الكثيرين الذين صدموا أمام سيل المهاترات التي نقلتها مواقع الانترنيت والصحافة الحزبية التي عجّت بمقالات لكتّاب كان يفترض بهم التحلي بالأمانة في تحمل مسؤولية الرصد وتقصي الحقائق ونقل المعلومة وتحليل الحدث..

ورغم أن هدف البعض كان بقصد المعالجة والتصحيح، لكن البعض الآخر كتب بمنطق التشفي ونسي بأن الكتابة في مواضيع تتعلق بمشاعر الناس وبمصالح الشعوب تستدعي قدراً كبيراً من الوعي والمسؤولية، لأنها رسالة أخلاقية بالدرجة الأولى، ولذلك فقد أساء هذا البعض للناس وللقراء والمتلقين، وتسبب في إحداث نزيف خطير للآمال التي ساهمت في بنائها تضحيات المناضلين المجهولين ومعاناة المعتقلين ودماء الشهداء وآلام الجرحى الذين لم يؤلمهم رصاص القمع بقدر ما آلمتهم الكلمات النابية والشتائم التي غزت مؤخراً قاموس الثقافة الكردية ..
بعد هذه التجربة نعتقد أن ما تقدم لم تكن حالة استثنائية معزولة عن محيطها، ولم تكن واقعة عابرة مفصولة عن ماضيها، ولن تكون بالتأكيد بدون انعكاسات سلبية ضارة على مستقبل العمل المشترك، ولذلك فان الكل مدعو إلى مراجعة جدية، خاصة بعد أن تأكّد بأن أحداً لم ينتصر في النهاية، إذا تصور المتورطون بأنهم خاضوا غمار معركة (لم تكن مبرّرة بالتأكيد)، وإن من أكثر الدروس التي استخلصت منها كانت ضرورة إعادة تأهيل الفرد المعني بالتعامل مع الشأن العام، والعودة إلى الأساليب والتقاليد الديمقراطية المتحضرة في إدارة الخلافات لإفساح المجال أمام إمكانية التفاهم وسماع الرأي الآخر واحترامه… ومن جانبنا، ورغم حرصنا على عدم التهرب من مسؤولياتنا، فإننا حافظنا على تجنب المهاترات التي لا نرغب في ممارستها حرصاً منا على مشاعر شعبنا وعلى أخلاق رفاقنا وعلى تقاليد حزبنا الذي يشهد له الكثيرون بمدى حرصه على إبقاء أبواب الحوار مفتوحة، ولا يعني ذلك بأننا لا نختلف مع الآخرين، فالخلاف أمر طبيعي عندما يتعلق الموضوع بالمواقف السياسية وينحصر بين الآراء، لكنه يصبح قاتلاً عندما يتحول إلى أحقاد شخصية وصراعات حزبية ضيقة …
—-
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (180) تموز 8 200م- 2620 ك

 

لقراءة مواد العدد انقر هنا yekiti_180

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…