28.02.2008
وصفت التايمز اللندنية الغزو التركي البري الأخير لبعض مناطق كوردستان العراق بأنه “مغامرة”، ولقد أصابت في ذلك كبد الحقيقة، فإن تفكيرا غريبا قد دفع جنرالات أنقره للاقدام على هكذا مغامرة، في شهر شباط / فبراير الذي يتميز بشدة هطول الثلوج على جبال كوردستان، ظنا منهم أنهم سيحققون “عنصر المفاجأة والمباغتة”، حيث ترقب القائد العام لقوات الدفاع الكوردستاني ، التابعة لحزب العمال الكوردستاني، السيد باهوز أردال، بأن الهجوم التركي البري سيجري في الربيع القادم، ولكن رغم هذا التقدير الخاطىء من الطرف الكوردي المذكور
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى، فإن الجبال توفر للمقاتلين عنصر”الاستطلاع” بأفضل صوره، وعلى مدار الساعة، لأن مصيرهم ومستقبلهم الحركي مرتبط بذلك، ولن يناموا في شعاب الجبال منتظرين حتفهم الأكيد على أيدي “الذئاب الغبراء”.
مغامرة الثلج العسكرية هذه أنتجت حالة سياسية جديدة في مسار الصراع التركي – الكردي، تتميز بأنها نقلت القضية الكوردية من قضية اقليمية ، كانت ثانوية بالنسبة للقضايا الأخرى، إلى قلب “المسائل الدولية”، وستكون لهذه المغامرة العسكرية التي تعتبر أوسع الحملات التركية في اقليم كوردستان العراق، منذ بدء حزب العمال الكوردستاني بنشاطاته القتالية في عام 1984 افرازات وانعكاسات على مجمل الوضع في الشرق الأوسط، وبالتالي على السياسة الدولية للقوى العظمى وعلى عمل المنظمات الدولية في المنطقة أيضا، اضافة إلى احداثها “مشكلة” أخرى لدول المنطقة و”الجامعة العربية” حيث أن العراق بلد أساسي فيها.
وحتى لو سارعت تركيا إلى تصحيح خطئها هذا باعادة قواتها إلى البلاد فإن القضية الكوردية في شمال كوردستان قد انتقلت إلى دائرة أكثر أهمية بالنسبة للسياسة الدولية ولابد للمجتمع الدولي التدخل بعد الآن لايجاد حل عادل لها، شاءت تركيا أم أبت…
وكما ستكون لهذه المغامرة آثار متعددة الوجوه على السياسة التركية فإن السياسة الكوردية التي كانت حتى اليوم سياسة محاصرة ومحصورة بالاقاليم الكوردية التي تستبد بها دول مختلفة، كل حسب ظروفه الموضوعية والذاتية، ستتحول تدريجيا إلى سياسة “كوردستانية” بحكم الضرورة والظروف الجديدة والتطور النوعي في القضية الكوردية.
هذه المغامرة العسكرية الواسعة، سواء حققت أهدافها المحددة أم لم تحقق، ستعود على تركيا بجملة من النتائج السلبية، سياسيا واقتصاديا ودوليا، والكورد – في حال تمكنهم استفادتهم من هذه الأوضاع الحالية- سينتزعون الكثير من حقوقهم المسلوبة، إن توصلوا إلى “قرار مشترك” يحدد علاقاتهم فيما بينهم على قاعدة الاحترام المتبادل وقبول الآخر، وبشرط أن يضعوا في حسبانهم أن ليس طريق القتال والحرب هي الطريق الأسلم والأفضل دائما، وأن عليهم تعزيز علاقاتهم على صعيد المنطقة وعلى الصعيد الدولي، مع مختلف الجهات والأطراف، وبخاصة العالم الحر الديموقراطي الذي لا يتصرف مثاليا في كل الأحوال، وانما حسب مصالح دوله وكتله وأفراده في معظم الأحيان.
وعلى الكورد أن ينبذوا الإرهاب تماما، ولايستخدموا السلاح فيما بينهم مطلقا، مهما كانت الضغوط الخارجية شديدة عليهم، ويوحدوا قواهم في مجابهة الأعداء للدفاع عن أنفسهم حسب المبادىء الدولية العامة التي يحددها القانون الدولي.
إنه مؤلم حقا أن يؤكد بعضهم على أنهم يقودون ثورة تحرر وطني كوردستانية وهم في الوقت ذاته معزولون عالميا بشكل يثر الشفقة، فكيف سينجحون في مسيرتهم هذه وسط عالم معاد لهم، بل يعتبرهم مجرد “منظمة إرهابية!” ؟ هذا ما يجب تغييره وبأسرع وقت ممكن، بانتهاج استراتيجية جديدة وسلوك جديد وممارسات جديدة… ولايحق لأحد اهمال دور الوقت في معالجة القضايا بذرائع آيديولوجية عفا عليها الزمن…