نحو التأسيس لحالة جديدة

افتتاحية جريدة آزادي *


 إن المرحلة ، بكل ما تحملها- دوليا وإقليميا- من المؤشرات والدلالات نحو احتدامات قد تكون مركبة أو مخاضات شتى ربما تكون عسيرة، ويكون لها تأثيرها المباشر من غير شك على بلدنا سوريا سيما وأن البلد هو في قلب الحدث، كل ذلك تزامنا مع تزايد الاستبداد قمعا وشدة في داخل الوطن السوري، الأمر الذي يفرض على القوى الوطنية الديمقراطية مهام ومسؤوليات جديدة وهامة وفي المقدمة منها إعادة النظر في سياساتها وأساليب عملها، ومن ثم العمل الجدي الهادف إلى تأسيس حالة جديدة رغم كل تعقيداتها وتشعباتها وتداخلاتها السياسية والثقافية والاجتماعية والتي من أولى مقتضياتها التواصل العملي لنتاجات ثقافية ومعرفية جديدة تناسب المرحلة ومقتضياتها، والعمل باتجاه وضع الأسس اللازمة لأطر وهياكل سياسية من طراز متطور، ينبغي إنجازها عبر الحوار الجاد والمسؤول، الحوار الذي ينفي كل أشكال الصراع من نمط أيام الحرب الباردة التي ولّى عهدها، والتعويض عنها بترسيخ مبدأ الرأي والرأي الآخر الذي يتفاعل مع مبادئ التغيير الكوني، من أجل حياة سياسية جديدة وفاعلة، أساسها الديمقراطية بكل ما تعني من معاني ودلالات خدمة المجتمع فيما يتطلع إليه من مدنية وتقدم، وسماتها بناء دولة الحق والقانون التي تنفي العبثية والفوضى والفساد وتنفي أشكال الاستغلال والتمايز القومي والسياسي والديني والمذهبي ..

الخ، وتحقق مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وتؤكد بوضوح على الحريات العامة (كحرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية الرأي والتعبير والنشر) وتضمن العدل اللازم في توزيع الثروة، كل ذلك عبر العمل وفق دستور عصري توافقي يقّر صراحة بالتعددية القومية والدينية والسياسية والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، وضمان الحقوق القومية الديمقراطية للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد وبما يخدم تقدمها وتطورها..

     ومن خلال دلك ، يمكن التأكيد على العلاقة الجدلية بين ما تصبو إليها القوى الوطنية بجماهيرها من تطلعات مشروعة لغد أفضل، وبين توفير العوامل والوسائل في تحقيقها، إذ لا يمكن تحقيق التغيير المطلوب بمجرد  نشدانه، أي من غير ثقافة عصرية تغييرية ومن غير توفير مستلزماته ومن ثم تحديد حامله وتعزيز دور هذا الحامل بكل معاني العزم والإرادة، كما لا يمكن بناء حياة ديمقراطية بنفس العقلية التسلطية الاقصائية التي يتبعها الاستبداد، لأن الديمقراطية هي جوهر التغيير ولها أبعادها الثقافية والمعرفية وحتى الإنسانية، كما لا يمكن للتغيير أن يتحقق بالاستجداء أو طلب التغيير من العقلية الرافضة، خاصة وأن الجميع يفتقر إلى إرث ديمقراطي تاريخي سببه هيمنة الاستبداد عبر عقود من الزمن، ومن هنا وكي يكون العمل جديا في هذا الاتجاه ينبغي الإشارة إلى ما يمكن أن تكون مثابة الأسس للانطلاق، وعلى الصعيدين الوطني والقومي الكردي تحديدا..

1- على الصعيد الوطني العام :

– توحيد المفاهيم المعرفية ، ومنها مفهوم الديمقراطية، وجوهر عملية التغيير الجارية في العالم وعلاقتها الوثيقة بما ينبغي أن يكون في داخل بلدنا، والاستفادة من الخبرات المتراكمة عبر استعراض نماذج وأشكال التغيير التي حصلت في العالم، منها النموذج الذي تحقق من داخل الحزب الحاكم كما في الاتحاد السوفييتي السابق وبلغاريا، والشكل الذي تحقق تحت ضغط الشعوب وقوى المعارضة الوطنية وهو ما حصل في أوربا الشرقية، والأسلوب الآخر بتدخل عسكري خارجي ذلك الذي حصل في دول البلقان وأفغانستان والعراق..

– كي لا يتحول العمل من أجل التغيير إلى أسلوب إنقلاباتي عسكرتاري مؤامراتي أو ما شابه، ولتلافي إعادة إنتاج الاستبداد من جديد ينبغي أن يقر الجميع بأن أي قوة سياسية في البلاد بمفردها لا يمكن أن تشكل حامل موضوعي لعملية التغيير، وبالتالي لا يمكن لها أن تكون البديل الوحيد فيما بعد، بمعنى أن مسألة التغيير تقتضي تضافر جهود كل القوى الوطنية وجماهيرها التي تؤمن بالتغيير وتشكل مجتمعة الحامل الأساسي لعملية التغيير، من أجل تحقيق نقلة نوعية من حالة الاستبداد إلى الحالة الديمقراطية..

– بغية حماية النوع من الكم ، وضمان حقوق كافة المكونات الوطنية، ولتلافي التفرد بالقرار أو منع الهيمنة لأي جهة سياسية أو قومية أو دينية ..الخ، ينبغي إقرار مبدأ الحوار والتوافق الوطني في معرض تناول القضايا الوطنية وحل المعضلات ووضع الترتيبات اللازمة من دستورية وقانونية وإدارية واقتصادية ..الخ..

– الإقرار بمبدأ التعددية القومية (عربية، كردية، سريانية..) والدينية والسياسية، وإقرار إدراجه في دستور البلاد..

– توحيد الموقف بشأن حل القضية الكردية في سوريا، وفق منظور ديمقراطي مستمد من علم الاجتماع والعلوم السياسية وبالاستناد إلى مبادئ القانوني الدولي في حقوق الشعوب، وبما يحقق تمتع الشعب الكردي بحقوقه القومية والديمقراطية في إطار وحدة البلاد وبما يساهم في تطورها وتقدمها..

– حل قضايا الخلاف والتباين في وجهات نظر القوى الوطنية حول مسائل عديدة في المحيطين الدولي والإقليمي ولاسيما الموقف من الصراعات الدائرة في كل من فلسطين ولبنان والعراق، وتوحيد الفهم والموقف من القوى الدولية الداعمة للتغيير والأخرى الداعمة للإرهاب، وتحديد الفهم والموقف من أعمال العنف وخصوصا التمييز بين الإرهاب والمقاومة، بمعنى تحاشي التناقض بين الدعوة للتغيير والوقوف مع الصف المناهض له..

2- على الصعيد القومي الكردي :

– العمل ما أمكن من أجل إشاعة الروح الديمقراطية بين صفوف أحزابنا السياسية، وفي العلاقات الحزبية والعلاقة مع الآخر بعيدا عن عقلية الهيمنة أو التفرد بالقرار السياسي، وترسيخ مبدأ الرأي والرأي المخالف وإحلال أسلوب الحوار محل عقلية الصراع التي مضت لعقود من السنين دون جدوى، وإعادة النظر في البرامج وأساليب العمل والنضال، ونبذ أسلوب التهجم والتخوين للآخر، لأن ذلك يحد من منطق الحوار والتفاهم ولا يخدم بالتالي قضيتنا بأي شكل كان..

– الإقرار بمبدأ التأسيس للحالة الجديدة بالتوافق والتواصل والعمل مع الجانب الوطني عبر الحوار الجاد والفاعل، والتأكيد على أن حل القضية القومية الكردية حلاً ديمقراطياً يضمن تمتع الشعب الكردي بحقوقه القومية لا يتأتى إلا من خلال الحالة الوطنية العامة، بمعنى أنها قضية قومية ووطنية في آن واحد، وأن المهام الوطنية هي مسؤولية يتحملها ألوان الطيف الوطني وكل حسب إمكاناته..

– إعادة النظر في التحالفات الكردية – الكردية القائمة أو إعادة ترتيبها وفق المرحلة وسماتها وطبيعتها، وبما ينسجم مع التأسيس للحالة الجديدة عبر الحوار ومواصلة العمل من أجل إنجاز المرجعية الكردية على أساس الرؤية المشتركة التي أخذت مناقشاتها حيزا هاما من اهتمامات الأطراف المعنية..

وهكذا فإن التأسيس لحالة سياسية جديدة نوعية وعصرية، هي في مقدمة مهامنا الوطنية والقومية، خاصة وأننا أمام مرحلة هامة وتحولات مرتقبة من العسير التنبؤ بدقة نتائجها، وإنما يمكن الاستعداد لها ومتابعة تفاعلاتها من خلال العلاقات القائمة عبر ملامحها وسماتها الأساسية التي لا محال ستتجه في نهاية المطاف نحو خدمة الشعوب وقضاياها المصيرية وتطلعاتها في غد أفضل يضمن حياتها ويصون حرياتها في استقرار وأمان..

ــــــــــــــــــــــــــ 


* جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا- العدد 395 (عدد خاص) – شهر آذار 2008م

 

لقراءة مواد العدد انقر هنا    azadi_395

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…