12 آذار 2004يولد في 20 من آذار 2008 من جديد

  محمد قاسم
كنا نسمع بالقول عن سوريا وطن الانقلابات ولكن اغلبها بيضاء..

وكنا نسمع أن السيكولوجية الوطنية السورية هي سيكولوجية سياسية ، يمكن فيها الاعتقالات –ربما المتجاوزة- ولكنها لا تميل إلى الدماء..
الدموية في العراق موجودة كنهج في الوصول إلى الحكم أو المحافظة عليه، منذ أن قال الحجاج “إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني والله لها”
ولكن سوريا تختلف عن الأوطان الأخرى..

تمارس فيها السياسة، بروحية تغلب فيها المعاقبات السلمية -اذا جاز التعبير – السلم يغلب سلوك السياسيين..
سوريا ذات السيكولوجية السياسية، تختلف عن العراق الدولة ذات السيكولوجية الدموية تاريخيا،
ولكن..!
جاء عبد الناصر، وتحت حجة الوحدة والتوحيد..

استرخص الأرواح، واسترخص الدماء..

واحتاج –لذلك- إلى أجهزة دربت على الدموية والقسوة والعنف في التعامل مع المختلفين..

والذي أسبغ صفة قداسة على قيمه السياسية، واعتبر المخالفين كفرة بهذه المقدسات..

ولا احد في الجزيرة مثلا ينسى –حكمت ميني وقسوته مع المختلفين سياسيا..

ولا احد ينسى ربيب هذه الفلسفة السياسية والأمنية –محمد طلب هلال- وكتابه المتميز بالأفكار الأيديولوجية (المبررة وكانها مقدسة..)  وما فيها من تجاوزات أخلاقية وقانونية وإنسانية..
ومن المؤسف منذ مجيء سلطة البعث وكما يسميها البعض –سلطة الأمر الواقع- وهي تسمية معبرة عن واقعها، فهي تتمسك بالسلطة بأسلوب أمر الواقع، فتبتكر انتخابات  يغلب فيها الزيف والشكلانية، بحيث لا تعبر سوى عن أسلوب مؤسف في سرقة مفهوم الديمقراطية وتزييف بنيتها الحقيقية -عبر سيطرتها الاحتكارية للإعلام- هذه الديمقراطية التي يسعى الجميع لبلوغها وسيلة عملية ومعبرة عن اختيارات الشعوب..
منذ مجيء هذه السلطة ، وهي مسربلة بدماء المواطنين..

خاصة الشباب الكرد-الذين لم يتجاوزوا زهرة الشباب..
قتلتهم في 12 آذار 2004 وقتلتهم يوم خرجوا احتجاجا على اغتيال المفكر والمناضل الدكتور “الشيخ”معشوق، وقتلتهم يوم العشرين من شهر آذار 2008 وكأنما الثاني عشر من آذار قد عاد مولودا جديدا في العشرين من آذار..
يبدو أن هذا النظام وصل إلى نقطة فيها رهبة..

فهي لم تعد ترى وسيلة للتعامل مع مواطنيها، سوى أسلوب العنف، ومنه الأشد-كالقتل خارجا عن الحكم القضائي..

والناس يتجهون إلى إلغاء الإعدام للمجرمين فما بالكم السياسيين ..!
يبدو أن السيكولوجية التي تعهدتها هذه الأيديولوجيا البائدة قد أينعت ثمارها..

فأشبعت نفوس رجالها الأمنيين بحب القتل ..!
فهي تستسهل القتل, قتل مواطنيها..

وأصبحت تستسهل الاعتقالات بدون أدلة قضائية..

وأصبحت تستسهل التدخل في خصوصيات الناس حتى العمق بدون رادع أخلاقي ولا قانوني..

باتت ترى في مواطنيها مجرد كائنات مملوكة لها بدون صك أو قيد أيضا..
فلسفة في الحكم غريبة باتت تأخذ مكانها في نفوس أعضاء هذا النظام بطريقة غير مفهومة في ضوء المعايير الأخلاقية والقانونية ..
قبل يومين إلقاء النظرة –بغير إذن- في جواز سفر، يحيل أصحابها –موظفين كبارا – إلى الحكم بالطرد من وظائفهما..

وهنا يحق لجهاز الأمن أن يكشف عن عورات الناس بدون حكم قضائي-على الرغم من أن القضاء نفسه مملوك لها بتعيين من يوافق الأمن والحزب الحاكم ليهم فقط، وبمعايير لا تمت إلى القضاء بقدر ما تمثل فلسفة وأيديولوجيا الحكم..!..
من طرائف الأمور أن الكرد في تركيا يجاهرون بقضيتهم السياسية في تركيا، ويقعون في تشابكات مع السلطات –كما حصل أمس في معظم المدن الكردية – التركية فلا يسمع عن مقتول رغم وجود معتقلين، ووجود الضرب بالعصي والهراوات –وهو أمر مبالغ فيه – مع أن عددا من عناصر الأمن يتعرضون لقنابل مولوتف ويجرحون…
هل لأن الترك نظام رحيم..؟ لا بالطبع.

ولكنه نظام فيه قانون إلى حد كبير..

وهذا هو الفارق بين نظامين قمعيين، بدون مبرر يقتل أكثر من أربعة فقط لأنهم أشعلوا المشاعل ويجرح أكثر من أربعة أيضا..

في حين في الدولة –المفروض أكثر قمعية – لا يموت سوى اثنين على مساحة الوطن الواسعة، رغم الاشتباك مع البوليس بل يجرح البوليس لقاء معتقلين …
كيف نفسر سيكولوجية كهذه؟؟!
لا نملك إلا أن نعلن عن أسفنا لهذه السيكولوجية المفرقة للمواطنين، والقامعة لهم بدون مبرر قانوني ولا أخلاقي…كما نعلن عن تعازينا تعاطفنا مع ذوي الشهداء وذوي المجروحين… ونتوقع أن المعتدلين والواعين في هذا النظام سيتداركون هذه الأخطاء الفاحشة وغير المبررة بما يمليه القانون الدولي والمحلي والنزوع الإنساني في البشر السليمي التكوين ..

ففي النهاية سنعيش جميعا في هذا الوطن متعايشين متشاركين متجاورين..!!

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…